الأزارقة.."دواعش القرن الأول الهجري"
الجمعة 16/نوفمبر/2018 - 08:08 ص
طباعة
مدخل
كشفت ظاهرة "داعش" الدموية عن جذور تاريخية ممتدة للتيار التكفيري في فترات متعاقبة من التاريخ الإسلامي، والذي أحدث هزة كبيرة في الفكر الوسطى للدين الحنيف، وأسهم بشكل مباشر في تعويق مسيرة الافكار الاصلاحية التي نادى بها رواد التجديد في الفكر الإسلامي
وتمثل فرقة الأزارقة نموذجًا قديمًا لداعش حديثًا بما مثلها من غلوٍّ وبعد عن السُنة واعتقاد أن العبد متعبد بعين الحق في كل مسألة، وهذا مخالف لما نحن مأمورون به من الاجتهاد لبلوغ الحق والتسديد والمقاربة في حدود الاستطاعة واستقطبت الفرقتين شباب المسلمين ليصبحوا لقمة سائغة للتكفير ويزداد تمسكهم وتعصبهم للأطروحات التكفيرية من خلال رفض إعمال العقل والتمسك بأقوال أمير المؤمنين والأمراء لتخلق في النهاية حالة تكفيرية دموية استنادا إلى نصوص يفسرونها على حسب أهوائهم ليستبيحوا بها دماء المسلمين وغير المسلمين ليشكلا معا رابطًا أساسيا للفكر التكفيري من حيث المحتوى والمضمون.
النشأة
ظهر الأزارقة في النصف الثاني من القرن الأول الهجري، كأحد فرق الخوارج التي خرجت وحاربت الإمام عليّْ بن أبي طالب، وكرِدة فعل عما صدر تجاههم من الدولة الأُموية، لأنهم ناصروا عبد الله بن الزبير حين اسس دولة آل الزبير في مكة واعتصم بجانب الكعبة المكرمة، وهذا ما أدى إلى نشوء ردود فعل عنيفة لدى الذين رغبوا في المواجهة بالعنف ومن هنا نشأت فرقة "الأزارقة".
وكانت بداية ظهورها بعد أن فارق الخوارج عبد الله بن الزبير الذي قدموا عليه من مكة، وقاتلوا معه الحُصينَ بن نُمير السكوني قائد جيش الشام، فلما مات يزيد بن معاوية ووجد الخوارج أن عبد الله بن الزبير يختلف معهم في الرأي انفضوا عنه، وتوجه نافع بن الأزرق الحنفي، وعبد الله بن صَفَّار التميمي، وعبد الله بن إباض التميمي، وحنظلة بن بَيْهسَ وبنو الماحوز إلى البصرة وهم يجمعون على رأي أبي بلال مرداس بن أُدَيَّة التميمي، وعندما خرج أهل البصرة لقتالهم افترقت كلمة الخوارج، وخرج نافع بن الأزرق من البصرة ولم يتبعه عبد الله بن صَفَّار وعبد الله بن إباض ورجال معهما، فرأى "نافع بن الأزرق" أن كل من خالفهم هو مشرك، وينتج عن ذلك أن ماله ودمه وعرضه يصبح حلالاً لهم، وأن ولاية من تخلَّف عنه لا تنبغي، ولا نجاة له، كذلك اختلف معه نجدة بن عامر حول التقية والقَعَد، ورأى كل منهما رأياً، وأيد أقواله بآيات قرآنية وقد استطاع "نافع بن الأزرق" من استقطاب العديد من الرجال والمؤيدين، وسمي الذين أخذوا برأيه الأزارقة وكانت غالبيتهم من تميم وهذا يعود لأنه كان يتمتع بصفات مميزة وشخصية قوية مكنته من قيادة أكثر فرق الخوارج تطرفاً.
عبد الله بن الزبير
وبذلك يكونون قد بايعوا أبي راشد نافع بن الأزرق بن قيس بن نهار بن إنسان بن أسد بن صبرة بن ذهل بن الدول بن حنيفة على الإمارة، لتسمى باسم زعيمها، واشتدت شوكتهم وكثرت جموعهم، حتى لم تكن ثمة فرقة أكثر عدداً ولا أشد شوكة منهم، وانضم إليهم عدد من رؤوس الخوارج الآخرين وأصبحت هذه الفرقة من أقسى فرق الخوارج وأكثرها تصلباً في مبادئها وأشدها تطرفاً وقد جمع بينهم الإيمان العميق بالمبادئ التي قرروها وارتضوها.
حروبهم
استمر القتال بين الأزارقة والدولة الأُموية ما يقارب 20 عامًا، بسبب قوة الأزارقة وشدتهم وكثرة عددهم، وتركز عدد كبير منهم في أطراف الدولة الإسلامية آنذاك، حيث تضعف سلطة الدولة.
يقول الإمام عبد القاهر الجرجانى عن الأزارقة: "ولم تكن للخوارج قط فرقة أكثر عدداً ولا أشد منهم شوكة"
ويقول في موضع آخر: "ثم الأزارقة بعد اجتماعها على البدع التي حكيناها عنهم بايعوا نافع بن الأزرق وسموه أمير المؤمنين، وانضم إليهم خوارج عمان واليمامة فصاروا أكثر من عشرين ألفاً، واستولوا على الأهواز وما وراءها من أرض فارس وكرمان وجبوا خراجها"
في عام 64هـ/ 684م وكانت بداية حروبهم عندما دخلوا البصرة في غياب والي البصرة عبيد الله بن زياد، الذ] كان قد توجه إلى الشام بعد وفاة الخليفة الأموي يزيد بن معاوية، ولكن تجمع أهلها وقاتلوهم وطردوهم، فلجأوا إلى الأهواز
وفي عام 65هـ/ 685م أعاد نافع الكرة على البصرة، ولكن أهلها استبسلوا بالقتال وتمكنوا من قتل نافع وتشريد من معه، غير أن هؤلاء ما لبثوا أن جمعوا صفوفهم بقيادة عبد الله بن الماحوز التميمي، وانضم إليهم عدد كبير من غير العرب، وهاجموا البصرة مجدداً، فانتصروا على أهلها وفتكوا بهم، وهنا لجأ عبد الله بن الزبير إلى المهلّب بن أبي صفرة الأزدي، الذي كان حينها والياً على خراسان منذ عام 65هـ لقتال الأزارقة، وتوجه المهلب من خراسان إلى البصرة "وانتخب من جندها عشرة آلاف، وانضم إليه قومه من الأزد فصار في عشرين ألفاً، وخرج وقاتل الأزارقة وهزمهم عن دولاب الأهواز إلى الأهواز، وقتل نافع بن الأزرق في تلك المعركة، وبايعت الأزارقة بعده عبيد الله بن مأمون التميمي، وقاتلهم المهلب بعد ذلك بالأهواز، فقتل عبيد الله بن مأمون في تلك الوقعة، وقُتل أيضاً أخوه عثمان بن مأمون مع ثلاثمائة من أشد الأزارقة، وانهزم الباقون إلى أيدج، وبايعوا قطري بن الفجاءة، وسموه أمير المؤمنين، فوجه إليهم عبد الله بن الزبير، الذي كان العراق يتبع دولته في الحجاز، المهلَّب بن أبي صفرة وكانت له جولات في الحرب معهم إلى أن تغلب عليهم. وتمكن كذلك مصعب بن الزبير الذي ولي البصرة لأخيه، من قتل أمير الأزارقة، ابن الماحوز، فبايعوا قطَريّ بن الفُجاءَة المازني
وبعد عودة العراق إلى حظيرة الخلافة الأموية، نهض والي البصرة خالد بن عبد الله بن أسيد لقتال الخوارج، وكانوا بقيادة قَطَري، واشتبك معهم في معركة ضارية في منطقة الأهواز انتهت بهزيمة خالد فقام الخليفة الأُموي عبد الملك بن مروان بعزل خالداً، وولّى على البصرة بشر بن مروان، وعيّن المهلب بن أبي صفرة قائداً للجيش، وفوض إليه أمر قتال الأزارقة من دون الرجوع إلى أحد، فنشط لمحاربتهم، واشتد في ذلك حين تولى الحجاج بن يوسف الثقفي العراق وجند له من كان قادراً على القتال من أهل الكوفة والبصرة. وكانت المعارك شديدة بين الطرفين، وكانت محصلتها انتصار المهلب، وتشتيت شمل الأزارقة إلى ما وراء فارس، فتبعهم المهلب وقضى ثمانية عشر شهراً في قتالهم، حتى أبعدهم إلى كرمان التي كانت في أيديهم.
وتابع المهلب حرب الأزارقة في ولاية الحجاج ثلاث سنوات، وقد أزعج ذلك الحجاج فأرسل يحث المهلب على الحسم في القتال، ولكن المهلب كان أعلم منه بأمرهم، وكان يعمل على أن لا يدع ثغرة ينفذون منها.
وهنا بدأ المهلّب في أتباع سياسة "فرّق تسد" من خلال تفريق صفوف الأزارقة وإضعافهم، وإشغالهم ببعض مواضع الخلاف بينهم، الأمر الذي سهّل عليه هزيمتهم والقضاء عليهم
و يقول المؤرخ د. علي الصّلابي "كانت سياسة المهلّب تقوم على النفس الطويل في محاربة الخوارج، وكان ينتظر تفجيرهم من الداخل، حتى يهون عليه أمرهم ويسهل القضاء عليهم، فقد كتب إلى الحَجّاج: إني أنتظر منهم ثلاث خصال: موت صاحبهم قطري بن الفجاءة، أو فرقة وتشتيتاً، أو جوعاً قاتلاً.
ولم تخطئ تقديرات المهلب للخوارج إذ سرعان ما دبّ الشقاق في صفوف الأزارقة، فما كان من المهلّب إلا أن انتهز الفرصة فصعّد الخلاف في صفوفهم، فعمد إلى حيلة ناجحة، فقد عرف بين الخوارج رجلاً يصنع السهام المسمومة، فأرسل المهلّب أحد أصحابه، بكتاب أمره أن يلقيه بين عساكر قطري سراً كتب فيه: أما بعد، فإن نصالك وصلت وقد أنفذت إليك ألف درهم. فلما استوضح من الصانع أنكر، فقام قطري بن الفجاءة بقتله، فخالفه بذلك عبد ربه الكبير ووقع خلاف جديد.
وتعميقاً للخلاف في صفوف الخوارج، جنّد المهلب رجلاً نصرانيا، وأمره أن يسجد لقطري بن الفجاءة، فلما شاهد الخوارج أنكروا ذلك عليه، وقتلوا النصراني واتهموا زعيمهم بتأليه نفسه.
وأخذ الخوارج يقتتلون فيما بينهم، بينما المهلّب ينتظر النتائج النهائية التي تسفر عنها هذه التصفيات ليتفرغ لها، مما جعله لا يمتثل لأمر الحجّاج عندما طالبه بمقاتلتهم، بل كتب له: إني لست أرى أن أقاتلهم ما دام يقتل بعضهم بعضاً، فأناهضهم حينئذٍ، وهم أهون ما كانوا وأضعفهم شوكة إن شاء الله تعالى"
وبعد أن دبت الخلافات واستفحلت بين الأزارقة، كما أراد المهلب، تكشف السطور القادمة نهايتهم وانتهاء أمر جماعتهم:
ومع ذلك لم يعمل الأزارقة، فإنهم لم يعملوا على تماسك جبهتهم الداخلية، فكانت لهم مآخذ على زعيمهم قَطَريّ بن الفجاءة، ولاموه على بعض المخالفات الشرعية، ولم يقبلوا دفاعه عمن ولاّهم قيادة الجيش. وانقسموا بسبب ذلك، ظل فريق منهم موالياً لقطري بن الفجاءة، وبلغ عددهم بضعة عشر ألف رجل وبقى بأرض فارس وكان غالبيتهم من العرب، واتخذ فريق اخر من عبد ربه الصغير خليفة لهم وكانت غالبيتهم من الموالي وفارق عبد ربه الكبير قطريّاً وصار إلى واد بجيرفت كرمان في سبعة آلاف رجل، ونشبت الحرب بينهم، واستمر القتال بينهم مدة شهر تقريباً. وكان المهلب في أثنائها يراقب الأمور بحذر، ولا يريد التدخل لئلا يدفعهم إلى التوحد ثانية في وجهه.
وتمكن الفريق الذي كان بقيادة عبد ربه الكبير من السيطرة على جِيرَفت عاصمة كرمان، وأخرجوا قطري بن الفجاءة المازني مع أنصاره منها، فارتحل إلى طبرستان.
ويعد عام 78هـ/ 697م هو عام القضاء على الازارقة حيث اغتنم المهلب هذه السانحة فقاتل الأزارقة الذين بقوا في كرمان بقيادة عبد ربه الكبير وهزمهم وقتل عبد ربه الكبير، وقضى عليهم ووجه الحجاج بن يوسف سفيان بن الأبرد الكلبي لقتال قطري بن الفجاءة، فلحقه في شعب من شعاب طبرستان، فقاتله حتى تفرق عنه أصحابه وقتله وبعث بابنه يزيد بن المهلّب إلى عبد ربه الصغير، فأتى عليه وعلى أصحابه
ثم توجه سفيان بن الأبرد إلى عبيدة بن هلال الذي تحصن في قصر بقومس، فحاصره ودعاه إلى التسليم فرفض، ثم مالبث أن خرج للقتال حتى قتل مع أنصاره في سنة 78هـ/ 697م. وبهذا استؤصلت شأفة الأزارقة،.
وكان من أهم الأسباب التي أدت إلى هزيمة "الأزارقة" والقضاء عليهم ما يلي:
1ـ اختيار قائد بمواصفات ومؤهلات المهلّب الذى كان يتمتع بالدهاء والحنكة والمرواغة.
2ـ سياسة النفَس الطويل والثبات على محاربتهم، بحيث أن الأمر احتاج إلى أكثر من 19 سنة للقضاء عليهم، ولم ينته القتال والمعارك بوفاة المهلب سنة 82هـ، بل تابع ابنه يزيد قتالهم من بعده.
3ـ إعداد الجيوش الضخمة، فقد أعدّ المهلب جيشاً قوامه عشرون ألف مقاتل، في حين كان يتراوح الجيش الذي كان يوجه لقتال الأزارقة في بادئ الأمر بين ألفين وثلاثة آلاف مقاتل.
صفاتهم
كانت لهم العديد من الصفات التي تميزوا بها عن باقي الفرق التكفيرية الأخرى ومنها:
1- كانوا أشداء في الحرب رجالاً ونساء، ولا يهابون الموت، ويبذلون حياتهم في سبيل الوصول إلى مبادئهم
2- كان للمرأة في حركة الأزارقة حضورها القوي، فقد كانت أم حكيم مثلاً، في عداد المقاتلين مع قطري بن الفجاءة، ووصفت بالشجاعة،
3- التشدد في العبادة، والانهماك فيها، حيث كانت جباههم قرحة لطول السجود، وأيديهم كثفنات الإبل.
4- كان أدبهم أدب قوة شعراً ونثراً يعبر عن الاستماتة في مطالبهم وعدم اشتقاق المعاني وفلسفتها
5- كانوا في رثائهم يذرفون الدموع ليحمسوا الأحياء على قتال أعدائهم، وفي غزلهم يمزجون بين الشجاعة والغزل، وبين حب الموت وحب الحياة ومن أمثلة ذلك
قول قطري بن الفجاءة يخاطب نفسه:
أقــول لها وقد طارت شعاعاً من الأبطال، ويحكِ لا تُـراعي
فإنك لـو طلبت مـزيد يـوم على الأجل الذي لك لن تطاعي
فصبراً في مجال الموت صبراً فمـا نيلُ الخـلود بمسـتطاع
وقال في مزج البطولة بالغزل
لعمرُك إنــي في الحياة لزاهدٌ وفي العيش ما لـم ألقَ أُمَّ حَكيم
ولو شَهِدتني يوم دولاب أبصرت طِعان فتى في الحرب غير ذميم
توزيعهم الجغرافى
انتشرت دولة "الأزارقة" في مدينة البصرة بالعراق، والأهواز وكرمان وسابور في إيران.
المرتكزات العقائدية والفكرية
استند الأزارقة على عدد من المرتكزات العقائدية والفكرية التي اعتبروا أن الإيمان الكامل لا يكون إلا بها وأن كانت مجرد أهواء متطرفة، وبدعاً، وتتمثل فيما يلي
1- أن مخالفيهم من أمة الإسلام مشركون، ومن لا يسارع منهم إلى اعتناق مذهبهم يستحل دمه وماله، هو ونساؤه وأطفاله.
2- اباحة قتل أطفال المخالفين لهم ونسائهم، وقد زعموا أن الأطفال هم أيضاً مشركون، وقطعوا بأن أطفال مخالفيهم مخلدون في النار مع آبائهم.
3- قالوا إن أبا بكر وعمر عملا بكتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وكانا نموذجاً صالحاً للحكم الديني، أما عثمان بن عفان فقد ظلَّ صالحاً خلال السنوات الست الأولى من حكمه ثم خالف بعد ذلك حكم القرآن وبدّل سنة الرسول صلى الله عليه وسلم فأصبح كافراً، أما علي فان سيرته حسنة مرضية وكان مثالا للخليفة الصالح حتى نهاية معركة صفين وقبوله بالتحكيم فكفر في نظرهم وصوّبوا عمل عبد الرحمن بن ملجم المرادي في قتله.
4- كفّروا معاوية وعبد الله بن عباس وطلحة والزبير وعائشة ومن كان معهم من أصحاب الجمل
5- كفّروا كل من اشترك في معركة صفّين من الطرفين، وحكموا بخلودهم في النار.
6- جميع المسلمين، فيما عداهم، مشركين
7- لا يحل للأزارقة أن يجيبوا أحداً من غيرهم إلى الصلاة إذا دعاهم إليها، ولا أن يأكلوا من ذبائحهم، ولا يتزوجوا منهم، ولا يتوارث الخارجي وغيره.
8- المسلمون من غيرهم كفرة كعبدة الأوثان، لا يقبل منهم إلا اعتناق مبادئهم أو السيف.
9- أسقطوا الرجم عن الزاني، إذ ليس في القرآن ذكر له، وكان الرجم ينفذ تبعاً لحديث منسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم
10- أسقطوا حد القذف عمن قذف المحصنين من الرجال، مع وجوب الحد على قاذف المحصنات من النساء.
11- التقيّة غير جائزة لا في قول ولا في عمل خلافاً للشيعة، ولو تعرضت النفس والمال والعرض للأخطار مستدلين بقوله تعالى "إذا فريق منهم يخشّوْنَ الناس كخشية الله".
12- من ارتكب كبيرة من الكبائر، كَفَرَ كُفْرَ ملة خرج به عن الإسلام جملة، ويكون مخلداً في النار مع سائر الكفار، خلافاً للمرجئة والمعتزلة، واستدلوا بكفر إبليس، وقالوا ما ارتكب إلا كبيرة، حيث أُمِر بالسجود لآدم فامتنع
13- العمل بأوامر الدين من صلاة وصيام وصدق وعدل جزء من الإيمان
14- ليس الإيمان بالاعتقاد وحده فمن اعتقد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ثم لم يعمل بفروض الدين وارتكب الكبائر فهو كافر.
15- أموال مخالفيهم حلال في كافة الأحوال.
16- جحد الأمانة لمخالفيهم التي أمر الله تعالى بأدائها، وقالوا إن مخالفينا مشركون، فلا يلزمنا أداء أمانتنا إليهم.
17- يرون قطع يد السارق من المنكب في القليل والكثير ولم يحددوا في السرقة نصاباً.
18- يرون وجوب وجود خليفة لقبوه أمير المؤمنين، واشترطوا فيه أن يكون أصلحهم ديناً سواء أكان قرشياً أم غير قرشي، عربياً أم غير عربي
19- رأوا وجوب عزل الخليفة إذا سار سيرة لا تتفق ومصلحة المسلمين، بأن جار أو ظلم، وإذا لم يعتزل في هذه الحالة، قوتل حتى يقتل.
20- أوجب الأزارقة امتحان من قصد عسكرهم، إذا ادّعى أنه منهم، بأن يُدفع إليه أسير من مخالفيهم، فيؤمر بقتله، فإن قتله صدقوا دعواه، وإن لم يقتله، قالوا إنه منافق ومشرك وقتلوه.
21- اعتزل الأزارقة جمهور المسلمين الذين عرّفوهم باسم أهل الضلالة، فهاجروا من دار الحرب أو دار الخاطئين إلى دار الهجرة أو دار السلام، وهو اسم حاضرتهم التي كانت تتغير كثيراً.
22- إن الإمامة لا تختص بشخص إلا أن يجتمع فيه العلم والزهد فإذا اجتمعا كان إماماً
23- يجب على المرأة الحائض أن تؤدي جميع أعمالها العبادية ولا تنقص منها شيئاً.
24- يجوز أن يبعث الله تعالى نبياً يعلم انه كافر بعد نبوته، أو كان كافراً قبل بعثته .
25- يحرم على الرجل أن قطع صلاته حتى ولو سرق سارق ماله أو فرسه اثناء صلاته .
آراء الفقهاء في الأزارقة
هناك العديد من الأحاديث التي تحدثت عن الخوارج وأحد فرقهم الأزارقة ومن هذه الأحاديث:
1- عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ، قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ حُدَثَاءُ الْأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ، يَمْرُقُونَ مِنْ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ، لَا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ قَتْلَهُمْ أَجْرٌ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ .رواه البخاري (6930)، ومسلم (1771 ).
2- حديث ذي الخويصرة عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم :
إِنَّ هَذَا وَأَصْحَابَهُ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنْهُ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ .رواه البخاري (6933)، ومسلم (1761) .
وقال عنهم ابن تيمية في الفتاوى 28/518
"إِنَّ الْأُمَّةَ مُتَّفِقُونَ عَلَى ذَمِّ الْخَوَارِجِ وَتَضْلِيلِهِمْ وَإِنَّمَا تَنَازَعُوا فِي تَكْفِيرِهِمْ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَحْمَد وَفِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا نِزَاعٌ فِي كُفْرِهِمْ .
وَلِهَذَا كَانَ فِيهِمْ وَجْهَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ عَلَى الطَّرِيقَةِ الْأُولَى :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُمْ بُغَاةٌ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُمْ كُفَّارٌ كَالْمُرْتَدِّينَ، يَجُوزُ قَتْلُهُمْ ابْتِدَاءً، وَقَتْلُ أَسِيرِهِمْ، وَاتِّبَاعُ مُدْبِرِهِمْ، وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ مِنْهُمْ اُسْتُتِيبَ كَالْمُرْتَدِّ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ .
قال الإمام الآجري- رحمه الله- في الشريعة- :
لم يختلف العلماء قديما و حديثا أن الخوارج قوم سوء، عصاة لله عز و جل و لرسوله صلى الله عليه و سلم، وإن صلوا و صاموا و اجتهدوا في العبادة، فليس ذلك بنافع لهم، و إن أظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وليس ذلك بنافع لهم؛ لأنهم قوم يتأولون القرآن على ما يهوون.
وقد ذكر الحافظ ابن حجر في الفتح ( 12/313 ) جملة من العلماء الذين قالوا بتكفير الخوارج كالبخاري حيث قرنهم بالملحدين .
وممن يرى تكفير الخوارج الحافظ أبوبكر بن العربي فقال الحافظ :
الصَّحِيح أَنَّهُمْ كُفَّار لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَمْرُقُونَ مِنْ الْإِسْلَام " وَلِقَوْلِهِ : " لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْل عَاد "، وَفِي لَفْظ " ثَمُود "، وَكُلّ مِنْهُمَا إِنَّمَا هَلَكَ بِالْكُفْرِ، وَبِقَوْلِهِ : " هُمْ شَرُّ الْخَلْق " وَلَا يُوصَف بِذَلِكَ إِلَّا الْكُفَّار، وَلِقَوْلِهِ : " إِنَّهُمْ أَبْغَضُ الْخَلْق إِلَى اللَّه تَعَالَى "، وَلِحُكْمِهِمْ عَلَى كُلّ مَنْ خَالَفَ مُعْتَقَدهمْ بِالْكُفْرِ وَالتَّخْلِيد فِي النَّار فَكَانُوا هُمْ أَحَقَّ بِالِاسْمِ مِنْهُمْ .ا.هـ.
وَمِمَّنْ جَنَحَ إِلَى ذَلِكَ مِنْ أَئِمَّة الْمُتَأَخِّرِينَ الشَّيْخ تَقِيّ الدِّين السُّبْكِيّ فَقَالَ فِي فَتَاوِيه :
اِحْتَجَّ مَنْ كَفَّرَ الْخَوَارِج وَغُلَاة الرَّوَافِض بِتَكْفِيرِهِمْ أَعْلَام الصَّحَابَة لِتَضَمُّنِهِ تَكْذِيب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَهَادَته لَهُمْ بِالْجَنَّةِ، قَالَ : وَهُوَ عِنْدِي اِحْتِجَاج صَحِيح .ا.هـ.
وكذا قَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي " الْمُفْهِم " :وَالْقَوْل بِتَكْفِيرِهِمْ أَظْهَرُ فِي الْحَدِيث .
وقال أيضًا :
فَعَلَى الْقَوْل بِتَكْفِيرِهِمْ يُقَاتِلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَتُسْبَى أَمْوَالُهُمْ وَهُوَ قَوْل طَائِفَة مِنْ أَهْل الْحَدِيث فِي أَمْوَال الْخَوَارِج، وَعَلَى الْقَوْل بِعَدَمِ تَكْفِيرهمْ يُسْلَك بِهِمْ مَسْلَك أَهْل الْبَغْي إِذَا شَقُّوا الْعَصَا وَنَصَبُوا الْحَرْب .ا.هـ.
وممن ذهب إلى تكفيرهم أيضا الحسن بن محمد بن علي ورواية عن الإمام الشافعي ورواية عن الإمام مالك وطائفة من أهل الحديث .
(انظر الإبانة الصغرى 152، الشفا 2/1057، المغني 12/239 )
و ذهب إلى تكفيرهم أيضًا الإمام الصنعاني
وممن ذهب إلى تكفيرهم من المعاصرين أيضا الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله حيث قال "الجمهور على أنهم عصاة مبتدعة ضالون، ولكن لا يكفرونهم، والصواب أنهم كفار بهذا، قوله: (يمرقون من الإسلام ثم لا يعودون إليه) دليل على أنهم كفار، (ولئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد) عاد كفار، والصحيح والظاهر من الأدلة أنهم بهذا التنطع وبتكفيرهم المسلمين، وتخليدهم في النار أنهم كفارٌ بهذا، لأنهم يرون العاصي كافر ومخلد في النار، فهذا ضلال بعيد والعياذ بالله، وخروجاً عن دائرة الإسلام نعوذ بالله.
وقال الحافظ ابن حجر "أَنَّهم فُسَّاق وَأَنَّ حُكْم الْإِسْلَام يَجْرِي عَلَيْهِمْ لِتَلَفُّظِهِمْ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَمُوَاظَبَتِهِمْ عَلَى أَرْكَان الْإِسْلَام، وَإِنَّمَا فُسِّقُوا بِتَكْفِيرِهِمْ الْمُسْلِمِينَ مُسْتَنِدِينَ إِلَى تَأْوِيل فَاسِد وَجَرَّهُمْ ذَلِكَ إِلَى اِسْتِبَاحَة دِمَاء مُخَالِفِيهِمْ وَأَمْوَالهمْ وَالشَّهَادَة عَلَيْهِمْ بِالْكُفْرِ وَالشِّرْك"
الأزهر والأزارقة
يعتبر الأزهر الشريف أن أي متطرف عن الفكر الاسلامي المعتدل وعقائده من الخوارج وفرقهم ومنهم الأزارقة، وقد حدد ذلك الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الازهر بقوله أن عقيدة الأزهر الشريف هي عقيدة الأشعري والماتريدي وفقه الأئمة الأربعة وتصوف الإمام الجنيد، وأن السلفيين الجدد هم خوارج العصر
وحذر من وجود مخطط لاختطاف الفكر والمنهج الأزهري الوسطى المعتدل الذى حافظ الأزهر عليه لأكثر من ألف عام وأن هجوم السلفيين على الأضرحة ومقامات الأولياء، ويخالف صحيح الإسلام وأن الازهر سيبقى أشعري المذهب ومحافظا على الفكر الصوفي الصحيح الذى انتمى إليه عشرات من شيوخ الأزهر على مدى تاريخه.
وأكد الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر السابق وعضو مجمع البحوث الإسلامية اننا نعيش زمن الخوارج وأن الإسلام لا يعرف الدولة الدينية ولذلك لابد من وقف التناحر والاقتتال بين الفرق والجماعات إعلاء لمصلحة الوطن وأن المشهد السياسي يتطلب من الجميع ضبط النفس وتحكيم العقل للوصول إلي الصواب ولتحقيق الأمن والاستقرار في المجتمع
وشدد على أن سفك الدماء حرام وان حرمة الإنسان عند الله اشد من حرمة الكعبة المشرفة ولابد ان يعي الجميع حرمة دم الإنسان وان من يقتل فهو في النار فديننا رفض ذلك لان دم المسلم علي المسلم حرام لقول الرسول صلي الله عليه وسلم (إذا التقي المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار) ولقوله ايضا: من حمل علينا السلاح فليس منا وعلي من يقتل ويسفك ان يعي حرمة الدماء وأن يعوا جيدًا أن الإسلام جاء لتحقيق العدل والاستقرار والهدوء وليس من أجل القتل والتخريب
واعتبر أن دوره الأساسي هو نشر الدين الصحيح والجمع بين الفرق المتناحرة المتقاتلة وتصحيح مفهوم الدين عند الكثيرين وأن الإسلام دين الأمن والسلام وليس دين القتل والإرهاب ولابد من نبذ الأفكار الخاطئة التي تبعد تمامًا عن صحيح الدين.
واختتم حديثه بقوله الإسلام لا يعرف التحزب ولا يعرف الأحزاب التي تتناحر ويناطح بعضها بعضا لأنها ليست من الدين في شيء لأن الإسلام يوحد الكلمة والصف ويؤلف بين المسلمين جميعا والفرقة الإسلامية نشأت جميعا في الفتن الكبرى مثل الخوارج والمعتزلة والشيعة ونحن نعيش في زمن خوارج العصر.
أهم الشخصيات
هناك العديد من الشخصيات التي كان له الدور البارز في تأسيس فرقة الازراقة وتأصيل أفكارهم ومنه نافع ابن الازرق وعبد الله بن الماحوز التميمي وقطَريّ بن الفُجاءَة المازني
نافع بن الازرق
هو نافع بن الأزرق بن قيس الحنفي البكري الوائلي. مؤسس فرقة الأزارقة إحدى فرق الخوارج وكان من أصحاب عبد الله بن عباس أول أمره، ثم ثار على عثمان بن عفان، وأيد علياً بن أبي طالب، إلى أن جاء واقعة التحكيم بين علي، ومعاوية بن أبي سفيان، فاجتمع معارضو التحكيم في حروراء وكان منهم وعندما أعلن عبد الله بن الزبير ثورته على الأمويين، انضم اليه في مكة، وقاتل جنود الشام في جيش ابن الزبير، إلى أن توفي يزيد بن معاوية سنة 64 هـ (حوالي 684م)، فبويع ابن الزبير بالخلافة، وعندما سأله نافع وأصحابه في رأيه في عثمان، وعلي قال أنه عدو لأعداءهم، فكان أن انفضّوا عنه.
وأسس فرقة الأزارقة مع عبد الله بن الصفار؛ وعبد الله بن إباض؛ وحنظلة بن بيهس، وأستطاع الاستيلاء على الأهواز؛ وفارس؛ وكرمان، وحاربه المهلب بن أبي صفرة، الى أن أستطاع قتله في معركة قرب الأهوازعام 65هـ، وتولى عبيد الله بن الماحوز قيادة الازارقة من بعده .
قطري بن الفجاءة
هو قطري بن الفجاءة بن يزيد بن زياد المازني التميمي وكنيته أبو نعامة وهو أحد بني حرقوص بن مازن بن مالك ابن عمرو بن تميم، وقد قيل إن اسمه جعونة وإن قولهم قطري ليس باسم له، ولكنه نسبة إلى موضع بين البحرين وعمان، وهو اسم بلد كان منه، فنسب إليه، وقيل إنه هو قصبة عمان، واسم أبيه مازن وإنما قيل له الفجاءة لأنه كان باليمن، فقدم على أهله فجاءة، فسمي به وبقي عليه.
وكان خطيبا بليغا فصيحا وفارسا شجاعا شاعرا خرج في أيام عبدالله بن الزبير وزادت شوكته في زمن مصعب بن الزبير، لمّا ولي العراق في خلافة أخيه عبدالله بن الزبير وبقي عشرين سنة يسلّم عليه بالخلافة، وفي أيام عبدالملك بن مروان وجّه إليه الحجاج جيشاً بعد جيش، وكان آخرها بقيادة سفيان بن الأبرد الكلبي، وقتله سورة بن أبجر البارقي، وقيل إن قتله كان بطبرستان وقيل عثر به فرسه فاندقت فخذه فمات، فأخذ رأسه فجيء به إلى الحجاج وذلك في عام ٧٩ من الهجرة وقيل تُوفي في 78 من الهجرة.
الانتقادات الموجهة للأزارقة
وُجهت للأزارقة العديد من الانتقادات على رأسها
1- التطرف الشديد في أفكارهم وسياستهم التي كانت تسعى إلى أهداف يصعب تحقيقها
2- كانت حياتهم بدوية جافية، فيها شدة وغلظة وقسوة واستهانة بحياة المسلمين .
3- كانت ثقافة الأزارقة دينية أدبية لا أثر للفلسفة فيها والتفكير العقلى وانما مجرد أنسياق كامل وراء النصوص بدون فهم او وعى
4- كانوا يجادلون في الدين بظواهر النصوص بحرفيتها بدون محاولة لتفسيرها أو تأويلها للوصول إلى جوهر الدين وسماحته .
5- يعد نافع بن الأزرق أول من فتح أبواب الخلاف بين الخوارج وشتت كلمتهم وفرق جماعتهم وخالف أمرهم وحاد عن اعتقادهم، وادى بهم فى النهاية الى التهلكة
6- أحدث الأزارقة أمورًا خالفوا فيها المسلمين وأهل العلم ومنها استحلال سبيْ المسلمين واغتنام أموالهم وسبي ذراريهم وسن تشريك أهل القبلة والتبرؤ من القاعد ولو كان عارفا لأمره تابعا لمذهبه، وابتدعوا اعتقادات فاسدة وآراء خالفوا بها صحيح الدين