على مشارف عام جديد.. لاجئو سوريا: العالم يحتفل ونواجه الموت كل يوم (2)
الجمعة 26/ديسمبر/2014 - 08:15 م
طباعة

• نعيش في خيمة بسيطة وندفع مقابل انتفاع لها 150 دولارًا شهريا

مراسل بوابة الحركات الإسلامية - بيروت:
ينتهي خلال أيامٍ العد التنازلي لهذا العام، وفي صورة ممتدة وشاسعة يحاولُ العالم بأسره استقبال عامٍ خالٍ من الدم والتهجير والمعاناة، غيرَ أن هذه النهاية لم تزل تُصدرُ وجهها القاتمُ أمام اللاجئين والنازحين في كل مكان.. ويمرُ الوقتُ ثقيلًا ومؤلمًا أمام المشردين بلا ملجأ آدميٍ يقي شتاءً قارسًا، وطقسًا عنيفًا على الحجر قبل البشر، مع هذه الأجواء تتزايد معاناة اللاجئين السوريين، في ظل مناخ دولٍ يسوده الانقسام بشأن الأزمة السورية، وانتقادات للمجتمع الدولي بالتقصير في حق هؤلاء اللاجئين، واستمرار معاناتهم الإنسانية نتيجة نقص الخدمات المقدمة لهم.
وبالرغم من ضعف الموارد ونقص الإمكانات، يحتضن لبنان أكبر عدد من اللاجئين السوريين في العالم، وبالرغم من نزوح مئات الآلاف من السوريين إلى تركيا والاردن ولبنان مرغمين نتيجة تردي الوضع داخل سوريا، يظل العدد الأكبر الفار منهم من جحيم النظام وداعش والجماعات الارهابية داخل الأراضي اللبنانية، ويعيش عدد كبير منهم في وحدات سكنية في مناطق مختلفة، وعدد أقل منهم في مخيمات غير قانونية، نتيجة عدم حصول المفوضية العليا لشئون اللاجئين على بناء مخيمات للسوريين، إلى جانب رغبة المفوضية في إدماج السوريين داخل المجتمع اللبناني، حتى ولو على عكس رغبة المجتمع اللبناني الذى لم يعد بقدرته تحمل وجود مزيد من النازحين، بل وصل الأمر إلى مخاوف زيادة أعداد الاجانب في لبنان نتيجة تزايد عدد السوريين والعراقيين والاثيوبيين والافارقة بشكل يبدو عليه شعور اللبنانيين بالأقلية العددية في بلدهم.
3.2 مليون لاجئ:

حسب تقديرات المفوضية العليا لشئون اللاجئين يستضيف لبنان وتركيا والأردن والعراق ومصر أكثر من 3.2 مليون لاجئ سوري، وأكثر من 10% من اللاجئين في البلدان المجاورة لسوريا هم أفراد شديدو الضعف ويحتاجون إلى إعادة التوطين في مكان آخر، ومن بين هؤلاء أشخاص تتوفر فيهم المعايير المتفق عليها عالمياً لإعادة التوطين، كالناجين من التعذيب أو اللاجئين الذين يعانون من حالات صحية خطيرة أو النساء اللواتي يرعين بمفردهن عدداً كبيراً من الأطفال من دون دعم عائلاتهن، وتشمل الفرص المتعهد بتوفيرها اليوم فرصاً بإعادة التوطين وفرصاً في إطار برامج قبول إنساني أخرى، بما في ذلك التأشيرات الإنسانية والرعاية الفردية ولمّ شمل الأسر والمنح الدراسية والإجلاء الطبي وبرامج تنقل اليد العاملة، وتكمّل هذه الآليات برامج إعادة التوطين المتوفرة، وتساعد في ضمان حصص محددة للاجئين المحتاجين من أي مكان في العالم.
من جانبها.. تسعي الحكومة اللبنانية إلى إيجاد حل لهذه الأزمة التي تزيد من التحديات التي يتعرض لها بلد قارب مواطنوه أن يصبحوا أقلية عددية نتيجة تنامى عدد اللاجئين به، ما بين سوريين وعراقيين، ووجود عشرات الآلاف من الأفارقة والآسيويين بحثًا عن فرص عمل، وأطلقت الحكومة اللبنانية حملة لتخفيف الأعباء عن النازحين واللبنانيين المستضيفين لهم على السواء.
من قلب المحنة:

معاناة السيدات والأطفال هي الأبرز، وهناك عشرات من القصص التي تمتلئ بها المخيمات ومراكز تسجيل اللاجئين في المدن اللبنانية، وتغير نمط حياة آلاف السوريات بين ليلة وضحاها، وتحول دورهن كأم أو زوجة أو أخت أو ابنة فجأة لتصبح ربة أسرة في رحلة الفرار، وخوض عالم يجردهن من قواهن ووسائل الحماية للمصارعة من أجل البقاء كل يوم بيومه.
"أم عمار" وهى مطلقة أكدت لنا أنها تضطر إلى أن تعمل بأجر يومي بـ 8 آلاف ليرة لبنانية (7 دولار ونصف) من أجل توفير الطعام لابنها، بعد أن أصبحت بلا مأوى، وعدم قدرة أسرتها على الإنفاق عليها، في ظل تردي الأوضاع الأمنية والاقتصادية.
وهذه سيدة أخرى في أواخر الخمسينيات تشكو من ضعف الحيلة، وعدم القدرة على العيش الكريم، واضطرارها لمد اليد للحصول على المال من أجل توفير لقمة العيش لها ولأسرتها، فزوجها عاجز مرضيا، وابنها معاق، والمعيشة في لبنان غالية، والعودة إلى ديارها في سوريا صعب أمنيا، فالموت في انتظارها.
"تركت بيتي وأرضي للحفاظ على حياة أولادي، فأنا لا أريد الحياة ولا اسعي لها، ولكن ألا يحاسبني الله على عدم قدرتي بشأن توفير الملاذ لأولادى؟".. هكذا بدأ عم محمود حديثه معنا من إحدى المخيمات السورية بجنوب لبنان وتحديدا في مدينة صور، وأضاف " جئت إلى لبنان من أجل الحفاظ على حياة أولادي، فالمسلحين في سوريا يقتلون ويدمرون كل شيء، يطلبون أن ينضم لهم شباب العائلات السورية للقتال ضد النظام السوري، ومن يرفض يعتبرونه معاديًا لهم ومواليًا للنظام ويكون مصيره القتل، وخطف النساء والفتيات بل والأطفال، يحرقون الأراضي الزراعية حتى لا يقوما لنظام السوري بتوزيعها على مواطنيه، هؤلاء يريدون الدمار لسوريا ولا يبحثون سوى عن مصالحهم، ولا لهم علاقة بالشعب السوري على الإطلاق، السوري يحافظ على أرضه ووطنه ولا يسمح بهذا الخراب.
بجانبه يجلس رجل آخر في العقد الرابع من العمر، يرفض ذكر الاسم خوفا من المسلحين، نظرا لوجود أهله واقاربه حتى الآن داخل سوريا، وعدم قدرتهم على الانتقال إلى خارج البلاد ويؤكد بقوله " كانت الحياة في سوريا قبل اندلاع الثورة في 2011 سهلة والسلع الغذائية متوفرة، وكل شيء رخيص، والحكومة تعالج مواطنيها مجانا وكذلك التعليم مجانى، والسلع رخيصة جدا للدرجة التي كانت تجعل كثيرًا من مواطني الدول المجاورة ينتقلون إلينا من أجل شراء مستلزماتهم من داخل سوريا لجودتها وسعرها، حتى اندلعت مظاهرات تطالب النظام بخفض الاسعار ومعيشة أفضل، وقام الرئيس بشار بالاستجابة لكثير من المطالب، ولكن أعداء سوريا يقفون لها بالمرصاد، وعملوا على نشر الدمار والتخريب، وتم نهب المستشفيات والمدارس والمصانع، ونشر الفوضي، وتدفق المسلحين من تركيا إلى داخل البلاد، حتى تم تدمير سوريا، لصالح من هذا؟ لا نعرف؟".
عاد عم محمود ليضيف لنا" الحكومة السورية كانت توفر لنا كل شيء وبسعر رخيص، كانت تصل لنا انبوبة البوتجاز بـ 40 ليرة سورية حتى باب المنزل قبل اندلاع الأزمة ( حوالى 4 دولارات امريكية)، ووصل سعرها إلى 400 ليرة، وفي بعض المناطق يصل سعرها إلى 700 ليرة".
ويهمنا التوضيح هنا، أن سعر 100 دولار أمريكي في 2010 كانت توازي 4500 ليرة سورية، ولكن الآن 100 دولار أمريكي تساوى 21000 ليرة.
نحن نريد بطانية وطعام ومياه ومأوى ، لا نريد شيئًا آخر، هكذا أفصح لنا عم حسين، أضاف بقوله " نعيش في خيمة بسيطة وندفع مقابل انتفاع لها 150 دولارًا شهريا، ولم نحصل حتى الآن على بطانيات رغم انخفاض درجة الحرارة والشتاء القارس، والسلع الغذائية أسعارها مرتفع في لبنان ولا نستطع تحمله، وعلى الجهات المعنية انقاذنا، فنحن لم نترك ديارنا اختيارا ولكن كان ذلك قرارا اضطراريا، فالأطفال يعيشون في مناخ غير آمن داخل سوريا، ولا احد يضمن عدم خطف اولاده من قبل الجماعات المسلحة، ومن يعيش في مناطق تحت سيطرة النظام هو فقط في مأمن، ولكن يعانى من نقص السلع والخدمات، فالأمر بعد 4 سنوات من اندلاع الأزمة في تدهور مستمر.
الطفل "علي".. ابتسامته تهزم الوضع المأساوي الذى يعيش فيه الأطفال السوريون بشكل خاص، بكلمات قليلة يتحدث عن وطن لم يره، يطلب المساعدة لأسرته من أجل البقاء على أمل العودة للديار، يضحك ويمرح مع مسئولي المنظمات الدولية الذين يقدمون لأهل وطنه مزيدًا من المساعدات الإنسانية، طفولته تقفز بين الواقع المرير والمستقبل المجهول، أحلامه بشأن الوطن لا تزال مبتورة.