إدانة بعض الدول الأوروبية لأحداث ليبيا.. هل بداية انفراجه لأزمة البلاد؟
الخميس 01/يناير/2015 - 05:34 م
طباعة

تشتد حدة الأزمة التي تشهدها ليبيا الآن، وبالأخص بعد الحريق الذي التهم أكثر من 1.8 ملايين برميل من النفط في مرفأ "السدرة"؛ الأمر الذي قد يؤدي إلى دخول البلاد في مرحلة خطيرة في ظل ما تشهده من حرائق أدت إلى انقطاع التيار الكهربائي عن عدد من المناطق على رأسها بني غازي، فضلا عن دخول بعض المناطق في أزمة عدم الحصول على الطعام وبالأخص "الخبز" بسبب انقطاع التيار حتى إخماد الحريق بالكامل في مرفأ السدرة.
بداية الصراع

بدأ الصراع بسبب معركة بين حكومتين الثني والحاسي، حيث اندمجت قوات الثني مع قوات تابعة للواء السابق خليفة حفتر لمحاربة الإسلاميين في مدينة بنغازي الرئيسية بشرق ليبيا.
فيما أكدت مصادر مطلعة على شئون صناعة النفط أن ليبيا حققت تقدما في احتواء الحريق الذي شب في أكبر ميناء نفطي بالبلاد، ودمر إنتاج أربعة أيام من إجمالي الإنتاج النفطي لليبيا، إلا أن الضرر الذي لحق بصهاريج التخزين سيعرقل جهود استئناف الصادرات.
وقال محمد الحراري المتحدث باسم المؤسسة الوطنية للنفط: إن فرق الإطفاء نجحت في إخماد الحريق في خمسة صهاريج للتخزين، بينما لا تزال النيران مشتعلة في صهريجين آخرين.
وظل حريق ميناء السدر- أكبر ميناء نفطي في ليبيا- مندلعا لأكثر من أسبوع ، وهو مؤشر واضح على العنف المدمر الذي يهدد بتمزيق أوصال البلاد بعد أربع سنوات من الإطاحة بمعمر القذافي.
التنازع بين الطرفين

يتنازع السلطة في ليبيا حكومتان وبرلمانان، الأولى قريبة من الميليشيات الإسلامية يرأسها عمر الحاسي، والثانية معترف بها من المجتمع الدولي ويرأسها عبد الله الثني، فيما استغل الجهاديون هذه الفوضى الأمنية والسياسية لإقامة قاعدة لهم في جنوب البلاد الذي أصبح ملاذا آمنا لهم.
وتتنافس الحكومتان على السيطرة على أكبر احتياطات نفطية في القارة الإفريقية.
ويتصارع الجانبان على السيطرة عن طريق عناصرهما المسلحة والتي تقاتل الآن منذ أن سيطرت جماعة "فجر ليبيا" على العاصمة طرابلس في أغسطس الماضي، ما أجبر عبد الله الثني رئيس الوزراء المعترف به دوليا على الانتقال إلى شرق البلاد.
وعلى مدار المرحلة السابقة، أصاب صاروخ صهريجا لتخزين النفط في السدر عندما زحفت قوة متحالفة مع حكومة طرابلس مجددا للاستيلاء على الميناءين.
ويلقي كل من الجانبين بالمسئولية على الآخر في هذه الحرائق .
خسائر فادحة

بلغت الخسائر منذ أول ديسمبر الماضي ذروتها، في الهلال النفطي التي تضم أكبر ميناءين للتصدير في ليبيا هما السدر ورأس لانوف؛ ما اضطر السلطات إلى إغلاقهما وحرمان البلاد من حجم إنتاج نفطي يصل إلى 300 ألف برميل في اليوم.
في المقابل وجه إغلاق الميناءين ضربة للتمويل العام في ليبيا الذي يعاني أصلا من الشلل فيما يبذل البنك المركزي جهودا مضنية للحفاظ على الاحتياطي النقدي من الدولار.
وتراجع إنتاج النفط إلى نحو 389 ألف برميل في اليوم، ما يمثل خمس ما تنتجه ليبيا قبل انتفاضة عام 2011 وهو دون ما تحتاجه البلاد لتمويل موازنة الدولة.
انعدام الميزانية في ليبيا

يبدو أن ليبيا تدخل إلى المجهول، حيث يرى مراقبون أنها بدءا من الأسبوع القادم لن تكون هناك ميزانية في ليبيا؛ لعدم موافقة أي من البرلمانين المتنافسين على موازنة جديدة، فيما يحافظ البنك المركزي على الحد الأدنى من الإنفاق ويسعى كي ينأى بنفسه عن الصراع.
وقال علي الحاسي: إن فرق إطفاء أمريكية كان قد سبق التعاقد معها ربما لم تعد ثمة حاجة إليها.
وقال المبروك أبو سيف الذي عينته حكومة الثني المعترف بها دوليا رئيسا للمؤسسة الوطنية للنفط: إن إعادة بناء الصهاريج ستتكلف 105 ملايين دولار.
وأكد خبراء في صناعة النفط أن أكثر من 20 % من الطاقة التخزينية قد دمر وانهار صهريجان.
من ناحيتها، تعتزم الأمم المتحدة استئناف محادثات السلام الأسبوع القادم، إلا أن دبلوماسيين عبروا عن عدم التفاؤل لأن أيا من الجانبين لم يظهر أي بادرة على الاستعداد لتقديم تنازلات.
ولم تحقق الجولة الأولى من هذه المحادثات في سبتمبر الماضي أي تقدم.
إدانة دولية

في محاولات من الأطراف الدولية في التدخل لحل الأزمة، شجبت الخارجية الروسية بشدة الانفجار الإرهابي الذي استهدف بوابة مجلس النواب في طبرق، ودعت أطراف النزاع إلى بذل كل الجهود لإيقاف تصعيد الوضع في ليبيا.
وجاء في بيان الوزارة الذي صدر أمس الأربعاء 31 ديسمبر أن روسيا تدين بشدة هذه الجريمة الهادفة إلى تقويض الجهود الدولية والإقليمية الرامية إلى تطبيع الأجواء في البلاد وإعادة نشاط جهاز السلطة الليبية الموحدة.
ودعت موسكو أطراف الصراع إلى القيام بكل ما بوسعهم من أجل وضع الحد لاستمرار تصعيد العنف في ليبيا.
وأشار البيان إلى أن موقف الخارجية الروسية يتمثل في أن القضايا السياسية الداخلية في ليبيا لا يمكن معالجتها إلا عن طريق تطوير حوار وطني واسع النطاق، تشارك فيه جميع الأحزاب والمجموعات الليبية المعنية.
من جانبه حذر وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان من بقاء المجتمع الدولي "مكتوف الأيدي" أمام ما يحصل في ليبيا، ودعاه للتحرك حتى لا يتحول هذا البلد إلى "ملاذ إرهابي".
كما حث دول الجوار على دعم الليبيين "لكي يجدوا سبل الاستقرار"، معتبرا أن الحل "يجب، بقدر الإمكان، أن يجده الليبيون أنفسهم".
وقال لودريان أمام الجنود الفرنسيين المتمركزين في نجامينا خلال زيارة تفقدية بمناسبة عيد رأس السنة: إن ما يجري في ليبيا، في ظل الفوضى السياسية والأمنية، ليس إلا انبعاث ملاذ إرهابي في المحيط المباشر للقارة الأوروبية.
وأضاف أن المجتمع الدولي سيرتكب خطأ جسيما إذا ما بقي مكتوف الأيدي أمام قيام مثل هذا كملاذ للإرهاب في صميم البحر المتوسط.. هذا أمر لا يجب القبول به.
وشدد الوزير الفرنسي على أن كل الأطراف عليها أن تتحرك. الحل يجب- بقدر الإمكان- أن يجده الليبيون أنفسهم، وذلك قبل أيام من الموعد الذي حددته بعثة الأمم المتحدة في ليبيا لجمع أطراف النزاع في هذا البلد حول طاولة مفاوضات والمقررة في الخامس من يناير الجاري.
وأكد لودريان أن فرنسا ستؤدي حتما دورها كاملا، في هذا الإطار، تاركا بذلك الباب مفتوحا على كل الاحتمالات.
بداية انفراجة

تأتي تصريحات لودريان في الوقت الذي تطالب فيه دول عديدة في المنطقة- بينها تشاد- بتدخل عسكري دولي عاجل بهدف التصدي للمجموعات المسلحة في ليبيا.
وتنشر فرنسا ثلاثة آلاف رجل في منطقة الساحل والصحراء في إطار عملية برخان، يتصدون لتحركات الجهاديين عبر الحدود وخصوصا القادمين منهم من ليبيا والذين يحاولون إنشاء ملاذات إرهابية دائمة في الساحل.
وجنوب هذه المنطقة، تنشط جماعة بوكو حرام الإسلامية التي تهدد أيضا أمن المنطقة. وهي تشن هجمات على النيجر والكاميرون أيضا.
ولتنسيق جهود هذه الدول في مواجهة بوكو حرام بشكل أفضل وخصوصا في مجال تبادل الاستخبارات، شكلت لجنة ارتباط تضم ضباطا من الأركان الفرنسية والتشادية والكاميرونية والنيجرية، وتتمركز في نجامينا.
ويبدو من المشهد الحالي وإدانة عدد من دول الغرب لما يحدث في ليبيا- أن هناك بادرة انفراجه للأزمة التي تشهدها ليبيا قد تؤدي إلى استجابة الدول الأوروبية الأخرى لاحتواء الأزمة، واستعادة ما تبقى بقدر المستطاع.