ليلة الحسين الكبيرة بين شطحات الصوفية وتشدد السلفية
الثلاثاء 25/فبراير/2014 - 11:14 ص
طباعة

تشكل الاحتفالات بمولد سيدنا الحسين هذا العام والذى تختتم فعالياته بالليلة الكبيرة اليوم ، مشهد خاص وغير تقليدي بعد ثورة 30يونيو وانحسار لحالة الارهاب التى عاشها المحتفلين فى عهد المعزول من التيارات الدينية المتطرفة
ووسط اللافتات التي تنتشر فى أرجاء المشهد الحسينى تطل علينا المشاهد الايجابية والسلبية للاحتفال هذا العام ما بين تنافسا بين مشايخ الطرق الصوفية فى الاحتفال ورفض من التيارات السلفية التى تعتبره نوعا من البدع وبيئة خصبة لانتشار المد الشيعى والتشيع فى مصر

عبدالهادي القصبى
النكهة السياسية هذا العام هى صاحبة شائعة إلغاء الاحتفالات لدواع أمنية، وهو ما نفته المشيخة العامة للطرق الصوفية فى بيان رسمى لها قال فيه شيخ مشايخ الطرق الصوفية، عبدالهادي القصبى ، هذه الادعاءات كاذبة وتهدف إلى نشر الفتنة وزعزعة الاستقرار وإن الدولة قادرة على بسط الأمن وإحلال الاستقرار رغم المحاولات التى يبثها بعض الذين يسعون دائما إلى نشر الفوضى.
وأشار إلى أن اتهامهم بنشر التشيع فى مصر ادعاء باطل ولا أساس له وأن سفره لإيران لا يعنى أنه ينشر التشيع، فالقيادات الإخوانية تواجدت فى طهران، وكان منهم الكتاتنى والبلتاجى عشرات المرات طوال حكم الرئيس المعزول محمد مرسى، وآنه على خلاف سياسى كبير مع القيادات السياسية والدينية فى طهران بسبب تأييدهم للإخوان.

وعلى الرغم من هذا الحديث فهناك انتقادات موجهة الى الاحتفالات من هذا النوع عامة وبشكل خاص مولد السيد الحسين من القيادات السلفية التى لا تعترف بالاحتفال اصلا وان نزولها لمبررات يؤكد عليها وليد إسماعيل منسق ائتلاف الدفاع عن الصحابة وآل البيت، قائلا نزول السلفيين فى مولد الحسين مع الصوفية ليس من أجل أن نحتفل لكن من أجل النصح والإرشاد وتوزيع كتب الأزهر التى تقول إن هناك دينًا آخر غير دين المسلمين اسمه دين الشيعة، إضافة إلى منع إقامة أى شعائر شيعية داخل المسجد أو خارجه
وشدد إلى أن الهدف من النزول هو منع ترويع الشيعة لأنهم يلتقطون صورًا للصوفية ويقومون ببثّها للخارج عبر قنواتهم عن أنهم تمكّنوا من إقامة شعائرهم فى مصر وأيضًا النزول لمنع وجود كبائر قيادات الشيعة، وتحذّر المريدين من الصوفية من دخول الشيعة إلى المسجد أو الاستماع إليهم فى هذه الأمور، وأكد أن مجموعات كبيرة من أعضائه سيوجدون داخل مسجد الحسين حتى انتهاء الليلة

ولكن تبقى مظاهر البذخ الشديد فى الاحتفال بالموالد وانتشار الرقص السفيف والطبل المخل الذى يغطى على كلمات الذكر الطيبة بالإضافة الى الاختلاط السافر بين النساء والرجال محرما وانتشار أعمال التسول والسرقة فى هذا الزحام الشديد وانتشار الامراض بين المريدين من أبرز سلبيات الاحتفال بالمولد الحسينى والموالد الاخرى
ولكن يرد المؤيد قائلا متسائلا وهل من المعقول ان نلغي احتفال الامه الإسلامية بالمولد لفعل بعض الجهلاء. الذين ينسبون انفسهم لبعض الطوائف وهي منهم برئيه وليسوا بحجه علينا..بل ننبه علي اخطائهم ونرشدهم لكيفيه احياء الذكري ومع مرور الوقت ستنتهي هذه الظواهر السيئة المحرمة شرعا وعقلا ونقلا..ويكون الاحتفال بالمولد النبوي الشريف خالي من كل هذه المحرمات.
ولكن تبقى فوائد الاحتفال بالمولد النبوي الشريف وباقى ال البيت العديد من الفوائد والايجابيات أبرزها الاحتفالُ بالمولد النبوى تعبيرٌ عن الفرح بِرَسول الله صلى الله عليه وَسَلَّم وتعظيمٌ لشعائر الله فالشارع أمرنا بتَعظيم البيت الحرام، وبناء المساجد، وتعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيره، ولم يأمرنا بعبادة الكعبة، ولا بعبادة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا بعبادة المساجد، ولا بعبادة أصحابه. كما يُعَدُّ تعظيمُ الُمصْحَفِ، والتذلُّلِ للأبوين والمؤمنين من شعائر الله وليس ذلك عبادةً لهم. وقال الإمام الفخر الرازي: "الأصلُ في الشَّعائِر الأَعلامُ التي بـهَا يُعرفُ الشيء ويكون وسيلةً إلى رحمة الله تعالى؛ فتعظيمُ شعائر الله تعالى أنْ يُعتقدَ أنَّ طاعةَ الله تعالى في التقرّب بـها، فإنَّ تعظيمها مِن أَفعال ذَوي تَقوَى القُلوب

بالإضافة الى ان الاحتفال بالموالد : تعبيرٌ عن محبَّة رسول الله صلى الله عليه وسلَّم وال بيته وشكرٌ للمُنْعِمِ يُعتبرُ الاحتفال مظهراً من مظاهر الدين ووسيلة مشروعة لبلوغ محبة الله عز وجلّ، قال تعالى: "قُلْ إنْ كُنْتُمْ تُحبُّونَ اللهَ فَاتَّبعُونِي يُحِْببْكُمْ اللهُ" وقالَ صلَّى الله عليه وسلم: "لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكونَ أحبَّ إليه مِن نَفسهِ وَمَاله وَوَلدِه وَالنَّاسِ أَجمعين". فالاجتماع في مناسبة المولد مندوبٌ وقربةٌ لشكر الله على أعظم نعمةٍ في الوجود وهي مَقْدَمُهُ صلى الله عليه وسلم وقد حث القرآن على إظهار شكر المنعم في قوله تعالى: "وأمَّا بِنعْمَةِ ربِّكَ فَحَدِّثْ"
وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يلاحظ ارتباط الزمان بالأحداث الدينية المهمة فإذا جاء الزمان الذي وقع فيه كان يَتَذَكَّرُهُ ويُعظِّمُ يومَهُ لأَجلهِ. وَقد بيّنَ النبي صلّى الله عليه وسلّم هذا المبدأَ بنفسه فَصَرَّحَ في الحديث الصحيح "أنَّه قَدِمَ المدينةَ فَوَجَدَ اليَهودَ يَصُومونَ يَومَ عَاشُوراءَ، فسألهم فقالوا هذا يوم أَغرقَ اللهُ فيه فرعونَ وَنـجَّى موسى، فَقالَ "نَحنُ أَولَى بِمُوسَى مِنكُمْ، فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِه". قَال الحافظ ابن حجر:"يُستَفَادُ منهُ فعلُ شُكرِ اللهِ عَلَى مَا مَنَّ بِه في يَومِ مُعَيَّنٍ مِن إسدَاءِ نِعمةٍ أوْ دَفْعِ نِقمةٍ، وَيُعادُ ذلكَ في نظير ذلك اليوم مِنْ كُلِّ سنةٍ، والشكر يَحصلُ بأنواعِ العِبادَاتِ كالسُّجودِ وَالصيامِ وَالصَّدقةِ وَالتِّلاوةِ. (...) فَينبغي أنْ نقتصر فيه على مَا يُفهَمُ الشكرُ لله تَعَالَى مِن نَحو مَا تَقدَّمَ ذكرُه منَ التِّلاوة والإطعام وإنشادِ شيءٍ منَ المدائحِ النَّبويةِ والزُّهديةِ المُحرِّكَةِ للقلوبِ إلى فعل الخير والعملِ للآخرةِ ومَا كَانَ مُباحًا بحيثُ يَقتضي السُّرورَ بذلكَ اليَومِ لا بَأسَ بإلحاقِه بِه"ِ. وَأَضَافَ ابنُ حَجَر رحمه الله في كتاب العيدين، في شرحه
وحديث الجـاريتين المُغَنيَّـتَينِ في حـضـــرة النَّبي صلى الله عليه وسلم، وإنــكار أبي بــكر عليــهما، وقــوله صلى الله عليه وسلم: «دَعهُمَا»، عَرَّفه الحُكمَ مَقرُوناً ببَيانِ الحِكمةِ بأنَّهُ يومُ عيدٍ، أيْ يَومُ سرورٍ شَرعيٍّ، فَلاَ يُنكرُ فيه مثلُ هَذَا، كَمَا لاَ يُنكرُ فيِ الأَعراسِ [12]. فأين هذا الأمر من الفرح بمولد النبي صلى الله عليه وسلم، وَبَذلِ الخَيرِ وَالمعروفِ شُكراً لله على تلك النعم، ولو لمْ تَكُنْ عبادةً في ذَاتِهَا، إنَّمَا سَببٌ للفرحِ بِنعمةِ الله تَعَالَى الُمتَجدَّدةِ. كمَا َيُؤخَذُ من قوله صلّى الله عليه وسلّم في فَضلِ يَوم الجمعة وعدِّ مزاياه: "وَفيهِ خُلقَ آدَمُ" تَشريفُ الزَّمانِ الذي ثبت أنه ميلاد لأي نبيٍّ كان من الأنبياء عليهم السلام، فكيف باليوم الذي وُلد فيه أفضل الأنبياء على الإطلاقِ.

متولي الشعراوي
ويقول الإمام مُتَولِّي الشَّعرَاويّ: "إذَا كانَ بنُو البَشرِ فَرحينَ بمجيئه لهذا العالمِ، وكذلك المخلوقات الجامدة فرحةً لمولده وكلُّ النباتات فرحةً لمولده وكلُّ الحيوانات فرحةً لمولده، وكلُّ الجنِّ فرحةً لمولده، فلماذا تمنعونا من الفرح بمولده. الأدلَّة على أنَّ الاحتفالَ بالمولد النبوي جائز أثرُ الاحتفال بالمولد على الكفار، إنَّ الابتهاجَ والاحتفال بيوم مولد النبي
وفى النهاية فليسَ كلُّ مَا لمْ يَفعله السَّلفُ ولم يَكن في الصدر الأولِ فهو بدعةٌ منكرةٌ، يَحرمُ فعلهَا، وَيَجبُ الإنكار عليها، بل يَجبُ أنْ يُعرضَ الأمرُ المُحدَثُ عَلى أدلِّةِ الشرع، فَمَا كانَ فيه مصلحةٌ فهو واجبٌ، وَمَا كانَ فيه محرّمٌ فهو محرّمٌ، وَمَا كانَ فيه مكروهٌ فهو مَكروهٌ، وَمَا كانَ فيه مباحٌ فهو مباحٌ، وَمَا كانَ فيه مندوبٌ فهو مندوبٌ.
وقد دَرَجَوا ُ، مُنذُ القرن الرابع والخامس، على الاحتفال بمولد الرسول الأعظم صلوات الله عليه وسلامه وال بيته بإحياء ليلة المولد بشتَّى أنواع العبادات مِنْ إطعام الطَّعام وتلاوة القرآن والأذكار وإنشاد الأشعار والمدائح في رسول الله عليه الصلاة والسلام، كما نصَّ علىَ ذلك المؤرخونَ مثل ابنِ الجوزي وابن كثير، وابن دحية الأندلسي، وابن حجر، وجلال الدين السيوطي رحمهم الله تعالى. فالمولد أمرٌ استحسنه العلماء والمسلمون في جميع البلاد، وجرى به العمل في كل صَقْعٍ فَهو مطلوب شرعاً للقاعدة الشرعية الواردة في حَدِيثِ ابنِ مَسعُودٍ رَضي الله عنه الموقوفِ :"مَا رَآهُ المُسلِمونَ حَسَناً فَهوَ عِندَ اللهِ حسنٌ، وَمَا رَآهُ المُسلمونَ قَبيحاً فَهوَ عندَ اللهِ قَبيحٌ"
وبالتالى نَسْتَنتجُ جوازَ الاحتفالِ بالمولدِ النبويِّ الشَّريفِ وجوازَ الاجتماعِ لسماع سيرتِهِ والصَّلاةِ والسَّلامِ عَليه وسماعِ المَدَائِح التي تُقَال في حَقِّهِ، وَإطعامِ الطَّعَامِ وَإدخَال السُّرور على قُلوبِ المؤمنينَ. فمولدُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وَسلَّمَ طاعةٌ لمَا فيهِ منَ الاحتفاء بِقَدْرِه صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسلَّمَ، وذكرِ شَمَائلِهِ الشَّريفةِ، وسَرْدِ سِيرتِه نَثْراً أو شِعْراً، وَغَرْسِ مَحبَّتِهِ وَإجلالِهِ في قلوب المسلمين، والدعوة إلى الاقْتِدَاءِ بِهِ.