الارهاب المتأسلم فى الجزائر بعيون أدبية
الثلاثاء 25/فبراير/2014 - 03:44 م
طباعة


طاهر وطار
"وطار " قرع الأجراس من خطر رفض التعددية
بين دول المغرب العربى الثلاث تتمايز الجزائر بسمات خاصة تجعل التعددية أحد خصاما ، والفكر أكثر تطرفا ، والارهاب أشد بطشا ، فالطبيعة الجبلية المتعرجة ، والغابات الكثيفة القاسية ، والطقوس المناخية المتعددة ، فضلا عن تراكمات الاستعمار المرير جعلت من الجزائر أرضا قابلة للاشتعال ، ومن الجزائريين شعبا محتملا للاقتتال .
ولاشك أن الأدب هو التاريخ غير المُعلن للمجتمعات ، لذا فإن قراءة شخصية الارهابى عبر الرواية الجزائرية الحديثة تتيح فرصة جيدة لرصد تطور فكر التكفير فى بلد المليون شهيد .
لقد كان الأدب راصدا صامتا لتحولات الشخصية الجزائرية منذ الاستقلال فقدمت رواية " اللاز " للأديب الطاهر وطار المولود عام 1938 رؤية واضحة لفكرة الخلاف فى الرأى بين قادة الثورة الجزائرية أنفسهم . إنهم لا يقرون بأن الخلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية ، بل هو يفسد ألف قضية وقضية ، ويصل بالمختلف إلى حد التصفية الجسدية وهو ما جرى لوالد اللاز نفسه وهو القائد والمجاهد ضد الفرنسيين والذى كان عليه أن يقبل بموقف المقاومة من الشيوعيين الفرنسيين أو يستسلم للاعدام .
من تلك البداية يمنحنا الطاهر وطار رسما تخيليا واضحا للشخصية الجزائرية التى لا تقبل بأنصاف الحلول ولا ترضى بالحلول الوسطى . إما معنا تماما أو ضدنا تماما . هكذا يقررون فى قناعة تامة للتعامل مع مختلف القضايا . ويمكن بلورة ذلك التوجه ورصد تحولاتها نحو الاسلام السياسى فى رواية الطاره وطار الشهيرة " الشمعة والدهاليز " . إنه يشبه الجزائرى الرافض للاعتراف بالتعددية بابليس فيقول فى مستهل نصه :" ابليس رفض الاعتراف بالتعددية فتشبث بألا يسجد لغير الواحد وبذلك أعطى للصفر قيمة تضاهى قيمة الواحد بل أكثر ."
لقد كانت سنوات الثمانينيات من القرن الفائت محطة رئيسية فى انتشار ظاهرة الاسلام السياسى فى الجزائر حيث تزخم الشوارع بالمصلقات الداعية لنصرة الدين ، ويتحلق الشباب فى الجلسات يبشرون ويهللون للحل الاسلامى . إن شابا منخرطا فى الحركة الاسلامية يبرر حماسه وانتصاره للحركة الاسلامية بقوله : " كانت جامعة قسنطينة وكرا للشيوعيين وكل الملحدين الكافرين فجاء زحفنا مستغلين تذبذب الدولة التى تتقرب إلى الشعب بالتظاهر بخدمة الاسلامية ، فأحضرت الامام محمد الغزالى يفتى فى المساجد وفى التلفزة والاذاعة والقاعات العمومية ، ويضرب الشيوعيين كلما قوت شوكتهم من جهة الحزب الحاكم ."
إن الدولة شريك أساسى فى التجربة ، مثلما كانت الدولة المصرية فى عهد السادات تعتمد على أصحاب الطرح الاسلامى فى مواجهة خصومها من الشيوعيين ، لذا فقد استعانت بشيوخ من خارج الجزائر مثل الشيخ محمد الغزالى للتأكيد على هويتها وعلى دعمها للاسلامية بتعبير " وطار " .
والتساؤل المُلح هنا عن موقف المثقفين الجزائريين الذين لم عاصروا التحول إلى فكرة دولة الخلافة . إنهم يرفضون خلط الدين بالسياسة لكن التيار الدينى كان له مبرراته . إن شبابه يرى أنهم ليسوا أول من استخدم الدين فى السياسة ، بل إنهم يسيرون على نفس خطى السابقين .
" قال أبى يعظنى :
ــ انكم تخلطون السياسة بالدين ، فسألته :
ــ الم تفعلوا ذلك قبلنا فى الخمسينيات وما قبلها ؟
ــ بلى
ــ ولماذا تريدون حرماننا من اتباع خطاكم أم تخافون من تطبيق الدين ؟ أليس الدين هو الحياة والحياة هى الحياة ؟ " .
تتسع الظاهرة رويدا رويدا فى المجتمع الجزائرى ، وتتعالى صيحات العودة إلى الله ، وتنمو طحالب اقامة الخلافة وتسخير كافة الامكانيات والقدرات لذلك . إن أحد رموز الحركة يؤمن بقدرة شاعر متميز على الابداع لكنه لا يمنحه صك الرضا دون اسهام حقيقى فى دعم مشروع الحركة .
" قال الشاب للشاعر :
ـتعالى معى إلى مكتب الحركة تشرب قهوة ونتفق على كيفية تعاملنا . لن اسلم بك أيها الشاعر الحكيم على الاقل قبل أن تنظم قصيدة فى الدولة الاسلامية . "
وتبدو العقلية الحاكمة لرجال الحركة الاسلامية سطحية تقف عند المصطلحات ولا تدخل إلى العمق ، وتضطر إلى انهاء النقاش كلما وصل إلى محور حيوى .
" يسأل الشاعر :
ــ هل هناك فرق بين الجمهورية والخلافة ؟ أليس المهم أن تقوم الدولة الاسلامية ؟
يرد عمار :
ــ الجمهورية كلمة مستوردة من الفرنسيين .
ــ لقد استعملها افلاطون من قبل الفرنسيين والاسلام .
سأل الشاب عمار بن ياسر :
ــ هل ستكون الحكومة كحكومات النظم الأخرى وزراء وكتاب دولة وما إلى ذلك ؟
رد عمار :
ــ لسنا أول من أقام نظاما اسلاميا هناك ايران والسودان ةأخيرا افغانستان . لسنا وحدنا حتى نبدع نظام حكم يراعى ضرورات الحياة المعاصرة .
ــ لكن هناك مشاكل لدى ايران والسودان ..
انهى عمار النقاش داعيا جلسائه إلى الاستماع إلى آيات القرآن التى تتلى قائلا ( وإذا قرىء القرآن فانصتوا ..).
هكذا كانت البدايات .. حماس شبابى وفكر مُطلق وشعور دائم بالاصطفاف إلى جوار الحق رغم سطحية الأطروحات وعدم الاحتكام إلى المنطق . تتمدد التجربة وتتسع الجراح ويقتتل الناس وراس الحُلم لتصل الجزائر إلى ذروة الارهاب الذى يعبر عنه الروائى واسينى الأعرج المولد فى 1954 بوضوح فى روايته ( ذاكرة الماء ) . لقد عبثت يد الارهاب فى الجزائر الجميلة وسقطت قشرة نصرة الدين ليتضح الجانب القبيح لتصفيات جسدية ممنهجة ضد من يفكر ويكتب ويبدع .
" واسينى " رصد توابع التطرف

واسيني الأعرج
فى ذاكرة واسينى الأعرج قلق متزايد وفرار جماعى لأساتذة الجامعات والمثقفين المستهدفين كل يوم . يبقى مشهد شنق الشاعر يوسف سبتى ساكنا دائما فى ذهن استاذ الجامعة الرافض لخطاب الأصوليين التكفيرى . تهرب مريم زوجته وحبيبته إلى باريس ويبقى وحده ينتظر الموت فى كل لحظة . إنهم يقتربون كل لحظة وتطارده تهديداتهم وخطاباتهم وأشباحههم حتى فى لحظات نومه القصيرة .
تتسع الفكرة أكثر لدى واسينى فى روايته " مصرع احلام مريم الوديعة " عندما يتلقى الضربة القاتلة ويجاهد كى يثل بيت صديقه حميدو قبل أن تصعد روحه إلى بارئها .
" لم ادر من اين جاءت الضربة . كانت سريعة وجافة . بدا لى إنى استطعت فقط وأنا انحنى من شدة الألم ان أرى شكل الحذاء الاسود . الدم ينزف كالشلال الساخن وبيت حميدو مازال بعيدا " .
إن حميدو هو الخلاص والأمن المفتقد . هو الاستقرار الضائع ، والسلام الانسانى ، وروح الجزائر الأخرى التى حلم بها ثوارها وهم يناضلون من أجل ان تتحرر .
أحلام مستغانمي: ترفض أن يكون الإرهابي قدر الجزائر

أحلام مستغانمي
لم يكن الموت ضيفا قاصرا على المثقفين والأدباء وانما امتد إلى كافة فئات المجتمع ، وهو ما تحاول أن ترسمه المبدعة الجزائرية احلام مستغانمى من خلال ثلاثيتها الرائعة " ذاكرة الجسد " و" فوضى الحواس " و" عابر سرير " .
فى الأخيرة يعتاد بطل الرواية المصور تصوير مشاهد العنف والمذابح التى سارت سمة يومية للوطن النازف . تحولت عناصر الصورة الفوتوغرافية المبهرة من مشاهد الجبال الخضراء والطيور المُحلقة إلى الجثث المشوهة والخرائب الكئيبة .
" ثمة جثث من الدرجة الأولى لأغلفة المجلات ، وأخرى من الدرجة الثانية للصفحات الداخلية الملونة . وثمة اخرى لن تستوقف أحدا لن يشتريها احد . إنها صور يطاردك اصحابها . هاهو الموت ممدد أمامك على مد البصر . ايها المصور :قم فصور."
لا ذكر للاسلاميين فى رواية أحلام التى لا تصفهم سوى بالارهابيين ، لكنها تؤكد بدلالة لفظية بُعد هؤلاء عن أى دين . فالمشهد الصعب لحادث قتل مواطن عادى لأنه يعمل بالجمارك يؤكد أن هؤلاء يلتحفون بالاسلام ولا يحملون منه أدنى بصيص .وعندما يسأل بطل الرواية المصور زيان عن وفاة ابن أخيه يندفع ليحكى له فى مرارة :
" مات أكثر من مرة آخرها كانت بالرصاص " .
" عاد من فرنسا ليعمل فى الجمارك وكان الارهابيون قد بدأوا قتل موظفى الدولة وبعد ان استشعر الخطر بدأ توفير مبلغ من معاشه لتصفيح الباب . لكنهم جاءوا عندما اعتقد أنه ظفر بالأمان . كانت الساعة الحادية عشر ليلا عندما حطت كتيبة الموت خلف بابه المصفح تماما مع بدء منع التجوال بقليل موقنين أن احدا لن يأتى لنجدته ...
جاءوا بكل الآليات المتطورة لفتح الأبواب . أربع ساعات ونصف والموت يتحداه على ايقاع الفوؤوس وهم يقولون ( جيناك يا كافر ) . برد القلب بالدعوات عسى يحيمه رب الأبواب . لم يشفع له نحيب زوجته ولا عويل صغيره ولا جاء أحد لنجدته من الجيران ...
انهار تماما وجلس على الكرسى بينما كان ابنه متمسكا برجله . كان يوصى إمرأته كل مرة بشىء يتذكره . مرة أن تقبل أمه عنه وأن تطلب منها أن تسامحه ، وأن تدعو له بالرحمة ، ومرة أن تسلم على وأن توصينى بعد الآن بابنه ومرة أن تعتذر لزميل له استدان منه مالا طالبا منها سداده لإن هى حصلت على دية من الجمارك ."
هكذوا أعتاد الجزائريون انتظار الموت على أيدى ارهابيين قساة القلب دون جريرة . وسيقتل الرجل وسيبكيه الفنان زيان بقوله : " هكذا قدرنا . أن نموت كل يوم " .