إفريقيا الوسطى جمهورية التمرّد وحرب إبادة متوقعة
الأحد 09/مارس/2014 - 08:31 م
طباعة

الصراعات السياسية عندما تأخذ بعدًا طائفيًا
يتدهور الوضع بسرعة كبيرة في دولة أفريقيا الوسطى، ذلك البلد الذي يحمل من إفريقيا اسمها، وأيضًا معاناتها من صراع الحركات المسلحة والمتمردة، الأمر الذي أدخلها في دوامة من العنف وصفتها الأمم المتحدة بأنها مأساة قد تؤدي إلى حرب إبادة متوقعة.
فمنذ الإطاحة بالرئيس فرانسوا بوزيزيه الرئيس الرابع لجمهورية أفريقيا الوسطى في العام الماضي، كلّف العنف الدينيّ في جمهورية إفريقيا الوسطى أكثر من ألف شخص وتشريد حوالي مليون شخص. ووصل الأمر ببعض المُراقبين بأن أطلقوا عليها اسم جمهورية "التمرّد"، ويبدو أن أصداء وحشيّة الصراع الذي اندلع في رواندا قبل 20 عامًا تلقي بظلالها على هذا البلد الذي أصبحت شريعة الغاب تحكمه في ظلّ غياب تامّ لهيبة الدولة.
كما أدت الانقلابات العسكرية وما ترتب عليها من فوضى وصراع إلى نشأة نوع من الانقسام القومي والديني بين المسيحيين الذين يشكلون نصف السكان (أي 50%)، وبين المسلمين الذين يشكلون ما بين 17-20%.
إلا أن بعض المراقبون يرى من الطريقة التي اتخذها الصراع منذ 2013 بين المسلمين والمسيحين أنه صراع طائفي بطبيعته ولكنها رواية بعيدة عن الواقع بالنظر إلى عدم وجود تاريخ للصراع الديني أو عداوة عميقة بين الطرفين، ولكن ضعف الحكومة والتفضيل العرقي والإهمال الإقليمي، والتدخل الأجنبي هو ما أدى إلى خلق مناخ مثالي للصراع الحالي، والذي تبلور بكل بساطة على أنه صراع ديني.
التاريخ والنشأة

جمهورية إفريقيا الوسطى هي واحدة من أفقر عشرة بلدان في إفريقيا. فهي دولة حبيسة تقع في وسط قارة إفريقيا. تحدّها تشاد من الشمال والسودان من الشرق وجمهورية الكونجو وجمهورية الكونجو الديمقراطية من الجنوب والكاميرون من الغرب.
تتراوح نسبة المسلمين من 17 - 20 % من إجمالي السكان البالغ عددهم 4.400.000 ويتوزع المسلمون في عدد من المدن الرئيسية مثل بيربرتي و إنديلي، بالإضافة إلى تواجدهم في العاصمة بانغي، ويوجد السواد الأعظم منهم في شمال البلاد قرب الحدود مع كل من السودان وتشاد، ويرتبط تركزهم في تلك المناطق بنشوء سلطنة إسلامية في القرن السابع عشر بالقرب من تلك المنطقة لعبت دورًا بارزًا في تحول الكثير من السكان إلى الديانة الإسلامية بعد أن كانوا عبارة عن وثنيين، ومما ساعد في نشر الإسلام أكثر في تلك المناطق هو الحروب الأهلية في تشاد المجاورة والتي أدت إلى هجرة العديد من القبائل التشادية إلى إفريقيا الوسطى، غير أن هؤلاء المسلمين الذين يشكلون خمس سكان الجمهورية يغلب عليهم الأمية، ويرجع ذلك لعدة أسباب من بينها عزوف عدد كبير منهم عن الالتحاق بالتعليم الحكومي، كما أن المسلمين الملتحقين بالجامعات هناك قلّة وذلك بسبب الفقر المستشري بينهم.
منذ 1910 و حتى 1960 كانت إفريقيا الوسطى جزءًا من مُستعمرة إفريقيا الاستوائية الفرنسية، ثم أصبحت إقليمًا يتمتّع بحكم شبه ذاتي عن المجتمع الفرنسي في عام 1958، ثم نالت استقلالها بعد ذلك بعامين في 13 أغسطس عام 1960، حين أخذت اسمها الحالي وعاصمة البلاد (بانغي).
لأكثر من ثلاثة عقود بعد الاستقلال، كان يحكم جمهورية إفريقيا الوسطى حُكَّام غير منتخبين تولوا السلطة بالقوة.
وفي عام 1993 عقدت انتخابات ديمقراطية متعددة الأحزاب لأوّل مرة في إفريقيا الوسطى، وجلبت "آنج فيليكس باتاسيه" إلى السلطة، لكنه خسر الدعم الشعبي خلال فترة رئاسته وأطيح به عام 2003 من قبل الجنرال "فرانسوا بوزيزيه"، الذي فاز في انتخابات ديمقراطية في مايو 2005.

فرانسوا بوزيزيه
في عام 2007 أدّت عدم قدرة بوزيزيه على دفع أجور العاملين في القطاع العام إلى حدوث إضرابات، والذي أدّى به الأمر إلى تعيين حكومة جديدة في 22 يناير 2008.
في فبراير 2010، وقّع الجنرال بوزيزيه مرسومًا رئاسيًا حدّد 25 أبريل 2010 موعدًا للانتخابات الرئاسية المُقبلة. ثم تمّ تأجيل الموعد، ولكن جرت انتخابات في يناير ومارس 2011، فاز فيها بوزيزيه وحزبه.
وعلى الرغم من حفاظ بوزيزيه على قليل من الاستقرار، كان يعاني حكمه من الفساد والمحسوبية والسلطوية، الأمر الذي أدى إلى تمرد علني ضد حكومته. وقاد هذا التمرد تحالف من فصائل المعارضة المسلحة المعروفة باسم تحالف "سيليكا" خلال الحرب الأهلية في جمهورية أفريقيا الوسطى (2004-2007) ونزاع 2012-2013.

ميشال دجوتوديا
أدى هذا في النهاية إلى الإطاحة بالجنرال بوزيزيه في 24 مارس 2013. وتولى رئاسة البلاد ميشال دجوتوديا وهو أول رئيس مسلم، لكن الوضع لما يهدئ حيث استمرت حالة الفوضى، وتواصلت أعمال العنف في البلاد ما دفع رئيس جمهورية أفريقيا الوسطى الانتقالي، ميشيل دجوتوديا للاستقالة من منصبه بعد ضغوط إقليمية من الدولة المستعمرة السابقة للبلاد فرنسا، لفشله في وقف العنف المستشري في بلاده. وأعلن رئيس الوزراء نيكولا تيانجايي أن البلاد في حالة الفوضى، واللادولة. ثم استقال رئيس الوزراء في يناير عام 2014. وبعد أسبوعين من استقالة دجوتوديا انتخب البرلمان المؤقت في جمهورية أفريقيا الوسطى عمدة العاصمة بانغي كاترين سامبا - بانزا رئيسًا مؤقتًا للبلاد في محاولة لاستعادة الاستقرار والسلام للبلاد التي مزقتها الحرب الطائفية.

كاترين سامبا - بانزا
ويرى المراقبون أنه بالرجوع إلى 30 عامًا من تاريخ أفريقيا الوسطي كان هناك اتجاه نحو تسييس العرق وليس الدين. فعلي سبيل المثال كان الرئيس السابق أندريه كولينغبا (1981-1993) يمنح جماعته العرقية "ياكوما" الرعاية والدعم. ثم جاء خلفه آنج فيليكس باتاسيه وركز الاهتمام على جماعته ومناصريه من الشمال الغربي من منطقة ساراكابا ومنحهم رعايته ووظائف حكومية.

أندريه كولينغبا
كل من الرؤساء الثلاثة كولينغبا، باتاسيه، وبوزيزيه حبذوا ودعموا جماعات مختلفة وهويات مسيسة وكان يحوز على هذه الامتيازات من ينتمى لجماعة عرقية معينة وليس على أساس الدين وعلى كل فالثلاثة كانوا مسيحيين.
ومن ثم فمن الناحية التاريخية لم يشكل اختلاف الدين أهمية كبيرة بقدر ما شكلته العداوات الإقليمية والعرقية وخاصة مع وصول بوزيزيه إلى السلطة في عام 2003، حيث كانت الحكومة غير قادرة على حفظ الأمن في المنطقة الشمالية للبلاد، وبالتالي فقد واجهت البلاد تحديات متكررة من المتمردين أنصار باتاسيه المخلوع، فضلاً عن الغارات التي يشنها على وجه الخصوص المتمردين وقطاع الطرق التشاديين.
وأسهم انعدام الأمن في الشمال والجنوب في زيادة التنافس بين ياكوما والشماليين الذين يرون أنفسهم في عيون المواطنين الجنوبين على أنهم أجانب.
وخلق هذا النمط من ضعف الحكومة والتفضيل العرقي والإهمال الإقليمي، والتدخل الأجنبي مناخ مثالي للصراع الحالي، والذي تبلور على أنه صراع ديني.
أبرز حركات التمرد:

1- مناهضو السواطير ميليشيا "انتي بالاكا"
كلمة "بالاكا" تعني المنجل بلغة السانغو. وتقول بعض المصادر أنها تلمح أيضاً إلى كلمة رصاص البندقية الآلية ("balle AK") باللغة الفرنسية. وفي كلتا الحالتين، فإن المعنى التقريبي لكلمة "انتي بالاكا" أو "مناهضو السواطير" هو "الذي لا يقهر"، ويزعمون أنهم يكتسبون هذه القوة من التعويذات التي تتدلى من رقاب معظم الأعضاء.
وظهرت ميليشيا "انتي بالاكا" بشكل ملموس وهم من أتباع الرئيس بوزيزيه منذ سبتمبر2013 في شمال غرب أفريقيا الوسطى ردًا على التجاوزات التي ارتكبها ائتلاف "سيليكا" المتمرد، ولرغبتهم في انتقال الحكم إلى رئيس مسيحي. إذ ظهرت مجموعات مكونة من مليشيات قروية للدفاع الذاتي في حالة عدم الوجود الفعال لقوات أمن الدولة، بغرض حماية المجتمعات المحلية من هجمات قطاع الطرق أو لصوص الماشية، وتضم مجموعة من المزارعين المسيحيين.

يتكون الهيكل التنظيمي للأنتي البالاكا من مجموعات عديدة، بما في ذلك 10 على الأقل في بانغي، بحسب عدد أقضية المدينة، ومجموعات كثيرة أخرى في جميع أنحاء البلاد.
ويدعي وزيران في حكومة الرئيس المخلوع فرانسوا بوزيزيه، هما باتريس إدوارد نغايسونا وواكين كوكاتي، أنهما المنسقان السياسي والعسكري لميليشيات البالاكا على المستوى الوطني، على التوالي. ولكن بوزيزيه نفى سيطرته على المجموعة.
وقد عاد نغايسونا إلى بانغي من المنفى في ديسمبر 2013، ومنذ ذلك الحين، استحوذ على اهتمام وسائل الإعلام بدلاً من كوكاتي. وقد صرح كلاهما لوسائل الإعلام أن ممثل مكافحة البالاكا "الرمزي" في الحكومة الجديدة، ليوبولد نارسيسي مبارا، وزير الشباب والرياضة، لم يكن اختيار الحركة.

2- ائتلاف "سيليكا"
هو ائتلاف مسلح أغلب عناصره من المسلمين، جاء البعض منهم من تشاد والسودان، ويقدر تعداد مقاتلي "سيليكا" بنحو 25 ألف مقاتل وفق بعض التقديرات، ويتزعم الائتلاف ميشال دجوتوديا (الذي كان يحمل اسم "محمد ضحية"، قبل أن يغير اسمه)، وهو أول رئيس مسلم، تولى الحكم في 24 مارس 2013، بعد سيطرة قواته على العاصمة والقصر الرئاسي وتم الإطاحة بالرئيس المسيحي "فرانسوا بوزيزيه" الذي تناصره ميليشيات "انتي بالاكا" المسيحية والمدعومة فرنسيا.
في 13 سبتمبر 2013، قام الرئيس دجوتوديا رسميًا بحلّ قوات "سيليكا"، كما تم الإعلان عن دمج بعض مقاتليهم في الجيش.. لكن على ما يبدو لم يفلح هذا الحل، ولم يكن الدمج في الجيش فعالاً، فبقيت القوات محتفظة بقياداتها وبتماسكها.
في الـ9 من ديسمبر 2013، أقدمت القوات الفرنسية بالتعاون مع القوات الإفريقية الموجودة في البلاد على نزع أسلحة أكثر من سبعة آلاف من مقاتلي سيليكا، ووضعهم في ثكنات مختلفة بالعاصمة، وهو إجراء أغضب المسلمين، باعتبار أن هذه القوات كانت تمثل لهم شيئًا من الحماية في مواجهة الميليشيات المسيحية. ولذلك نظم المسلمون احتجاجات في بعض شوارع العاصمة، منددين بالانحياز الفرنسي لصالح المسيحيين، وأقاموا المتاريس بالإطارات والحجارة، احتجاجًا على انتشار القوات الفرنسية، وقالوا إن هذا الأمر يترك المسلمين عزل بدون حماية من ميليشيا (انتي بالاكا). كما ظهرت احتجاجات أخرى ضد القوات الفرنسية عقب مقتل ثلاثة من مقاتلي سيليكا في اشتباكات مع الفرنسيين.
وتقول جماعات حقوق الإنسان إن التمرّد الذي قادته ميليشيات "سيليكا"، قتلت فيه العديد من المدنيين، ودمّرت المئات من المنازل، وعشرات القرى، ونزح بسبب القتال ما يصل إلى 400 ألف شخص، ولجأ العديد من الفارّين إلى الغابات في الدول المُجاورة، ويصعب تقدير عدد القتلى.

في 10 يناير 2014، اضطر الرئيس، ميشيل دجوتوديا الرئيس الخامس لجمهورية أفريقيا الوسطى، لمغادرة السلطة بضغط من قبل المجتمع الدولي، حيث هرب إلى المنفى في بنين. وأخذ العديد من قادة "سيليكا" يفرّون على نحو يومي، بعد إدراكهم أن اللعبة قد انتهت بالنسبة لهم. ومن مدينة إلى أخرى، تعرّض السكّان المسلمون، الذين يتكوّنون من التجار والبدو ورعاة الماشية، تعرضوا للهجوم وقتلوا، ودمّرت منازلهم ومساجدهم.
ومما أسهم في انهيار نظام الرئيس دجوتوديا هو مرور تحالفه بحالة من التصدع أصابت مختلف مكوناته، فبرزت شكوى بعض الفصائل من تهميشه لها بعدما تمكن من السيطرة على الأمور في العاصمة بانغي.
كما أن هناك عاملاً آخر هو عجز الحكومة الجديدة عن بسط سيطرتها التامة على البلاد بسبب انفراط عقد الأمن ونشاط المجموعات المسلحة في مختلف أنحاء البلاد، مما خلق حالة من الفوضى وعدم الاستقرار.
ويقول الجنرال عيسى، رئيس جهاز الأمن لميليشيات "سيليكا": "الآن، يعمل كل ضابط لنفسه، فنحن جميعًا نحاول العثور على وسيلة للخروج من هنا".
التهديدات التي تشكلها أعمال العنف المتصاعدة على سكان جمهورية إفريقيا الوسطى:

وفقاً لمنظمة هيومان رايتس ووتش، تستهدف ميليشيات مكافحة البالاكا المسلمين في "موجة لا هوادة فيها من العنف المنسق الذي يجبر مجتمعات بأكملها على مغادرة البلاد".
وقد قامت منظمة هيومان رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية بتوثيق الفظائع، بما في ذلك خمس مجازر في غرب جمهورية أفريقيا الوسطى يناير 2014، راح ضحيتها 180 مدنياً مسلماً على الأقل، فضلاً عن عمليات القتل الأخرى في بانغي، حيث هاجم مقاتلو البالاكا المسلحون ببنادق من طراز AK-47 وقاذفات صاروخية وقنابل يدوية العديد من مناطق إقامة المسلمين هناك، مما اضطر السكان إلى الفرار،" حسبما ذكر بيان هيومان رايتس ووتش.

وأضاف البيان أن "أحياء PK12، وPK13، ومسكين، والكيلو 5 - التي كانت معاقل المسلمين في بانغي - أصبحت الآن مدن أشباح، خالية من السكان المسلمين. وأخبر بعض متشددي البالاكا هيومان رايتس ووتش أنهم سيقتلون أي مسلم يبقى في هذه الأحياء".
كما أفادت منظمة هيومان رايتس ووتش أنه "سواء كان قادة البالاكا يتبعون سياسة متعمدة من التطهير العرقي أو يوقعون العقاب الجماعي التعسفي على السكان المسلمين -رداً على فظائع مقاتلي السيليكا-، فإن النتيجة النهائية واضحة: اختفاء المجتمعات المسلمة التي تعيش هناك منذ فترة طويلة".

وفي سياق متصل، قال عمال إغاثة أن البالاكا تسيطر على معظم الطرق الرئيسية في غرب البلاد. ولا تزال مئات الشاحنات التي تنقل المعونة عالقة على الحدود الكاميرونية لأن سائقيها يخشون دخول جمهورية أفريقيا الوسطى، التي تواجه تهديداً خطيراً للأمن الغذائي.
ونهج بعض مقاتلي "بالاكا" سلوكًا متوحشًا في هجماتهم، فعلى سبيل المثال قاموا بضرب وطعن مشتبه به من حركة سيليكا حتي الموت قبل أن يقطعوا جثته بالسكاكين ويشعلون فيها النيران، أمام الصحفيين مباشرة عقب انعقاد المؤتمر الصحفي-5/2/2014- والذي دعت فيه كاثرين سامبا -بانزا إلى ضرورة وضع حد لأعمال العنف وإعادة بعث جيش جمهورية أفريقيا الوسطى.
ولقي أكثر من ألف شخص مصرعهم منذ تفجر العنف الطائفي في أفريقيا الوسطى منذ شهر، كما اضطر قرابة مليون آخرين إلى ترك منازلهم بحثا عن مأوى آمن.
كما لقي 11 شخصًا مصرعهم في 9/2/2014، من بينهم نائب برلماني، في أعمال عنف رافقها نهب واسع النطاق واعتداءات على الممتلكات. وقتلتْ القوات الرواندية الخاصة لحفظ السلام شخصًا خلال منعها محاولة جماعية لإحراق جثة قتيل مسلم والإجهاز على مسلمين آخرين..

وأوردت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في 19 فبراير2014، أن مجموعة البالاكا شنت هجوماً على قافلة تقل لاجئين مسلمين أثناء محاولتهم الفرار من منطقة PK12 وقد أسفر الهجوم عن مقتل جميع الرجال الذين كانوا على متن الحافلة وعددهم 21 شخصاً، في حين تمكن 119 طفلاً و10 نساء، من الفرار إلى قرية مجاورة.
حيث صرح متحدث باسم منظمة "أنقذوا الأطفال" الإنسانية بأن المسلحين أطلقوا قذائف صاروخية على القافلة من أجل إجبارها على التوقف، ثم قاموا بالاعتداء على من فيها بالأسلحة النارية والهراوات.

وفي 22 فبراير 2014، تم إخراج ثلاثة مسلمين من سيارة أجرة وقتلهم رمياً بالرصاص في منطقة تسيطر عليها مجموعة البالاكا، وبعد يومين قُتل خمسة رجال في منطقة PK5. وفي 26 فبراير 2014 تم اختطاف أربعة أطفال مسلمين (وقد ساعد أحد العاملين في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في التفاوض للإفراج عنهم بعد يومين على اختطافهم).
وقد شهدت البلاد جراء أعمال العنف فرار عدد كبير من المسلمين الى الدول المجاورة كالكاميرون وتشاد التي استقبلت حتى الآن أكثر من مليون شخص.

ونقلت بعض المصادر الصحفية صورًا ولقطات مروعة لعملية أكل لحوم بشر تمارس ضد مسلمين في إفريقيا الوسطى، من شخص يدعى كواندجا ماجلوير، ويحمل اسمًا مستعارًا "الكلب المجنون"، حيث قام بقطع جزء من ساق جثة محترقة لمسلم قتلته عصابات مسيحية مسلحة، كما أظهرت صورة أخرى له وهو يلعق سكينًا مغطاة بالدماء، وفسر تصرفاته بأنها انتقامًا لقتل زوجته الحامل وشقيقتها ورضيعها، مدعيًا أن مسلمين قتلوهم خلال العنف الطائفي الذي يكتنف البلاد.
ونقلت وكالة الأناضول في ديسمبر الماضي عن محمد واصل، إمام مسجد نور الإسلام، في العاصمة "بانغي" قوله: "إن ميليشيات "البالاكا" المسيحية، قتلت 23 مسلمًا أثناء تواجدهم في المسجد"، موضحًا أن الميليشيات هاجموا المسجد بالمناجل، وقتلوا 23 شخصًا ممن لجأوا للمسجد، ومن سكان المنطقة المحيطة، مشيرًا إلى أن المهاجمين لم يفرقوا بين رجل وامرأة وطفل.
وصرحت وكالة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إن أكثر من 15 ألف شخص في جمهورية أفريقيا الوسطى محاصرون ويتعرضون للتهديد من قبل جماعات الميليشيات المسلحة، ومعظمهم من المدنيين المسلمين الذين يعيشون في مخيمات مؤقتة .
ينتشر اللاجئون في نحو 18 موقعًا شمال غرب وجنوب غرب البلاد، ويواجهون مخاطر عالية بسبب هجمات المسلحين وهم بحاجة ماسة إلى توفير الأمن لهم. وفي هذا الصدد، حذر برنامج الأغذية العالمي أن هذه الموجة من الهجرة الجماعية قد تسفر عن أزمة إقليمية حيث تكافح الدول المجاورة حاليًا لاستيعاب اللاجئين، إضافة إلى ما يترتب على ذلك من انتشار للأمراض المعدية ونقص المعونة والأدوية إضافة إلى التلوث وتدهور البيئة.
ردود فعل المنظمات العالمية حول ما يحدث في جمهورية التمرد:
وجهت منظمة أطباء بلا حدود نداء عاجلاً لمساعدة 100 ألف لاجئ فروا من أفريقيا الوسطي بالقرب من مطار العاصمة بانغي، مشيرة إلى أنه على الرغم من الهدوء الحذر الذي يسود البلاد، إلا أن السكان يواصلون الفرار بكافة الطرق.
وقالت المنظمة ، "إن ما يقرب من 80 ألف مواطن قد تم تهجيرهم، بالفعل من أماكن النزاع"، فيما أكد "وليام لاسي سوينغ" المدير العام للمنظمة الدولية للهجرة والمبعوث الأمريكي إلى العاصمة بانغى، أنه أصيب بصدمة أثناء جولته في المدينة جراء ما رآه هناك.
من جهة أخرى تحركت بعض المؤسسات الإسلامية وطالب الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر الفاتيكان، بالإدانة الصريحة للمجازر التي ترتكبها جماعات مسيحية متشددة في أفريقيا الوسطي وبورما وغيرهما.
وأدان «شومان»، خلال كلمة الأزهر في مؤتمر الأديان والعنف المنعقد في إيطاليا والذي تنظمه منظمة «سانت إيجديدو»، صمت الدول الكبرى على ما يحدث من جرائم بحق المسلمين في أفريقيا الوسطى، وطالبهم بالتوقف عن سياسة الكيل بمكيالين في تعاملهم مع القضايا الدولية، والتوقف عن التحيز ضد المسلمين، ما يدعم الشعور بالقهر الذي يولد رد فعل عنيف.

شوقي علام
ودعا مفتي الجمهورية فضيلة الدكتور شوقي علام، في بيان له الحكومة والمسئولين في أفريقيا الوسطى إلى التدخل العاجل والسريع، وتحمل مسئوليتهم في حماية المسلمين، مطالبًا المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية الدولية ومنظمة التعاون الإسلامي، والأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي بالتدخل لحماية المسلمين هناك من هجمات المتطرفين.
وأضاف فضيلة المفتي أن ما يحدث في أفريقيا الوسطى يعبر عن روح ضيقة وغير متسامحة، كما أنها تمثل استفزازًا ليس لمسلمي أفريقيا الوسطى فحسب، بل لأكثر من مليار ونصف مليار مسلم في العالم، وتعبر عن عنصرية وتطرف ديني وتحريض ضد المسلمين.
وأكد مفتي الجمهورية أن هذه الأعمال الإجرامية تؤدي إلى تفكيك البلاد وانتشار مشاعر الكراهية والانتقام بين أبناء الوطن الواحد، وهو ما يؤدي إلى انهيار الأمم، داعيًا مواطني أفريقيا الوسطى بالبعد عن النعرات الطائفية ومشاعر الكراهية وأن يطبقوا قيم المواطنة والمحبة التي تدعو إليها كل الأديان السماوية.

وأوضح تقرير منظمة العفو الدولية، أن جماعات "الآنتي بلاكا" التي تشن هجمات ضد المسلمين بأفريقيا الوسطي، تتكون من مسيحيين وثنيين، وأن أعمالهم العدائية وصلت إلى حد التطهير العرقي، فيما أكد المدعي العام بالمحكمة الجنائية الدولية بلاهاي "فاتو بنسودة" أن الضحايا قد تم استهدافهم عمدًا لأسباب دينية.
ولكن لويزا لومبارد الخبيرة بشئون أفريقيا الوسطي بجامعة كاليفورنيا، أوضحت أن الدولة لم يكن لها سابقة في صراع ديني مثل ما يحدث الآن، حيث أكدت أن السبب الرئيسي هو المحاولات المنظمة لتهميش المسلمين والتي ازدادت عقب فوز الرئيس السابق فرانسوا بوزيزي عام 2003، حيث إن معظمهم يعيشون في شمال البلاد المعزول والذي يوصف بالتخلف والتأخر كما أنه تم إهمالهم بشكل كبير بالإضافة لمعاملتهم كالأجانب.
وتابع أمادو سي زميل بارز في مبادرة النمو الأفريقية بمعهد بروكينز، أن الوصول الفوري لقوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي والفرنسي بالمنطقة، يعد نقطة تحول بالأوضاع.
وأعلن مدير الطوارئ بمنظمة "هيومان رايتس ووتش" بيتر بوكارت" الحقوقية، إن العنف الطائفي في جمهورية أفريقيا الوسطى قد يضطر جميع المسلمين في البلاد إلى مغادرتها.
وقال بوكارت ـ في تصريح خاص لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، إن ذلك قد يؤثر على اقتصاد البلاد، حيث يسيطر المسلمون على سوق الماشية وعلى غيرها من الأعمال.
وأضاف أنه " توجد أحياء كاملة ذهب سكانها من المسلمين بالكامل ويتم هدم منازلهم بصورة ممنهج، حيث يتم نزع الأبواب والنوافذ والأسقف وتوجد أدلة على محو وجودهم بالكامل".
فيما قالت نافي بيلاي، مفوضة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة إن الوضع الأمني في جمهورية أفريقيا الوسطى يزداد تدهورًا رغم انتخاب رئيس جديد للبلاد، مضيفة أن «العديد من المدنيين المسلمين يتعرضون لمخاطر جدية».
ومن جانبه، قال مفوض الأمم المتحدة السامي لشئون اللاجئين في أفريقيا الوسطى "إنه يوجد عدد كبير من المسلمين بين اللاجئين، مشيرًا إلى أنه عقب مرور عدة أسابيع على أعمال العنف الدامية فقد بلغ عدد النازحين بالآلاف، حيث رصدت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف" 55 موقعا على الأقل لجأ إليه النازحون".
الجهود الفرنسية والدولية للسيطرة على العنف الدائر في جمهورية التمرد:

كانت الأزمة في أفريقيا الوسطى في طريقها إلى الخروج عن السيطرة لولا مسارعة الوساطة الدولية والأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية بتحرك حاسم.
حيث أنه من الصعب على فرنسا أن تغض الطرف عما يجري في أفريقيا خاصة في مناطق نفوذها التاريخي، فالرغبة في استعادة ذلك الدور دفعتها لذلك رغم الصعوبات المالية التي تواجه وزارات الدولة المختلفة بما فيها وزارة الدفاع.
كما أنّ فرنسا تسعى لأن تكون رقمًا مهمًا في مجال مكافحة الإرهاب، خاصة بعد تراجع مكانتها أوروبيًا. وهي كذلك تنظر تحت قدميها مباشرة إلى الفائدة الاقتصادية التي يمكن أن تجنيها من هذه التدخلات، فبعد انتهاء عمليات حلف الناتو بليبيا دخلت الشركات الفرنسية بثقلها الاستثماري في قطاع النفط الليبي، أما بالنسبة لأفريقيا الوسطى فإن جفن فرنسا لا يغمض دون مخازن اليورانيوم والذهب والألماس الذي يعتبر أهم عائدات التصدير في الدولة (54 %).
ولوضع حد لهذا العنف الذي أغرق البلاد في فوضى أمنية، تبنى مجلس الأمن الدولي مشروع قرار قدمته فرنسا يسمح باللجوء إلى القوة، بعد أن تجاوزت الأزمة مداها وبعد أن عدلت فرنسا عن تبنيها لتطبيق خيار الحل السياسي أولاً.

كانت رغبة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند التي أعلنها في دكار في أكتوبر 2012، مفادها أن 'مستقبل أفريقيا سيبنى عبر تعزيز قدرة الأفارقة على أن يديروا بأنفسهم الأزمات الأفريقية'.
ففي 27 ديسمبر 2012 رفض هولاند التدخل العسكري الفرنسي في أزمة أفريقيا الوسطى، معتبرًا أن زمن التدخل العسكري قد ولّى، في محاولة منه لتجميل صورة فرنسا وإنهاء دورها كشرطي في أفريقيا.
واكتفت فرنسا وقتها بنشر قوة مكونة من 250 جنديًا في مطار بانغي لحماية رعاياها وإجلائهم عند الحاجة، ولكن حدث تغيير دراماتيكي في موقف فرنسا لعبت فيه الأحداث في الوطن العربي وأفريقيا نفسها دورًا كبيرًا.
فحصلت فرنسا على تفويض من مجلس الأمن للتدخل في أفريقيا الوسطى، ونشرت قرابة 1600 جندي على أراضي أفريقيا الوسطى لتنضم إلى القوة الأفريقية المشتركة 'ميسكا' المنتشرة بالفعل في البلاد بنحو ستة آلاف عسكري.
وقد تم عون القوات الفرنسية بمساعدة لوجستية محدودة قدمتها بريطانيا في إعلان لوزارة الدفاع البريطانية، بينما جاء العون الأميركي في شكل مساعدة بلغت 40 مليون دولار لقوة الاتحاد الأفريقي في أفريقيا الوسطى.
كما أوصى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بإرسال قوة أممية قوية لحفظ السلام في جمهورية أفريقيا الوسطى في تقرير ناقشه مجلس الأمن الدولي في 6/3/2014 وذكر بان كي مون أن نحو 10 ألاف من القوات و2000 من أفراد الشرطة سيشكلون قوة حفظ السلام التي سيتم نشرها على الأرض خلال الفترة بين 6 و9 أشهر لتولي المسؤولية من قوة الدعم الدولية بقيادة الاتحاد الأفريقي إلى جمهورية أفريقيا الوسطى, التي شكلتها الأمم المتحدة في ديسمبر الماضي للمساعدة في نزع سلاح المقاتلين.
ويقوم الاتحاد الأوروبي بالفعل أيضًا بنشر 1000 جندي من جنسيات أوروبية مختلفة، لينضموا الى 6000 جندي إفريقي و1600 جندي فرنسي تحت ولاية الأمم المتحدة للعمل على حفظ الأمن.
وإضافة إلى ما سبق، وفيما يعد بادرة أمل لحل أزمة جمهورية التمرد جمع رئيس وزراء إفريقيا الوسطى الانتقالي اندريه نزاباييكي في 5/3/2014 مسؤولين من ميليشيات انتي بالاكا ومن تحالف سيليكا السابق أعلنوا على إثره أنهم مستعدون للعمل من أجل السلام في إفريقيا الوسطى، وهذه هي المرة الأولى التي تجمع فيها السلطات الانتقالية بين مسؤولين من تحالف سيليكا السابق ذي الغالبية من المسلمين، وبين مسؤولين من ميليشيا انتي بالاكا وغالبيتهم من المسيحيين.
وكان نزاباييكي قد بدأ في 16 فبراير 2014 محادثات مع قادة ميليشيات بالاكا أعربوا آنذاك عن استعدادهم للتعاون.