السماح ببناء كنيسة باسطنبول للمرة الأولى في تاريخ جمهورية تركيا

السبت 03/يناير/2015 - 05:26 م
طباعة السماح ببناء كنيسة
 
السماح ببناء كنيسة
أكدت مصادر بمجلس الوزراء التركي أن رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو وافق على منح الطائفة المسيحية قطعة أرض لبناء كنيسة جديدة في منطقة "يشيل كوى" في اسطنبول في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ الجمهورية التركية. وذكرت وسائل الإعلام التركية اليوم السبت، أن القرار اتخذ خلال لقاء عقده داود أوغلو مع ممثلي الأقليات الدينية في تركيا في اجتماع عقد في قصر "دولمة بهشة" باسطنبول في حضور ممثلي الطوائف المسيحية واليهودية والسريانية الذين أعربوا عن ترحيبهم بالموافقة على بناء كنيسة جديدة في اسطنبول. وأثنى رجال الدين خلال الاجتماع على التغيرات الواضحة في موقف الحكومة التركية خلال الأعوام الأخيرة تجاه الأقليات الدينية وأهمها خطوة ترميم وإعادة تأهيل إحدى الكنائس في بلدة "إسكندرون" التابعة لمحافظة هاتاي بجنوبي تركيا وإعادتها للطائفة الأرمينية في خطوة مهمة تمثل نموذجا يعبر عن تطورات إيجابية. وفي كلمة له خلال الاجتماع، أعرب داود أوغلو عن تهنئته للجميع بمناسبة المولد النبوي الشريف وعيد الميلاد المجيد وعيد حانوكا (عيد الأنوار) اليهودي، مؤكدا على أن أتباع الديانات غير الإسلامية هم مواطنون بالجمهورية التركية مثل أى مواطن.

السماح ببناء كنيسة
يأتي هذا التصريح بعد مضي شهر من زيارة بابا الفاتكان لتركيا حيث دعا البابا فرانسيس بابا الفاتيكان في تلك الزيارة إلى ممارسة الحرية الدينية قائلا إنه »لأمر اساسي« أن يتمتع جميع المواطنين في نظر القانون بالحقوق نفسها أيا كانت طائفتهم، وذلك في اليوم الأول لزيارته إلى تركيا وقال خلال لقائه الرئيس رجب طيب أردوغان والحكومة التركية »أنه لأمر اساسى أن يتمتع المواطنون المسلمون واليهود والمسيحيون بالحقوق نفسها ويحترموا الواجبات نفسها».
وطالب السلطات التركية باحترام حقوق المسيحيين، ودعا إلى »حوار ثقافي وديني لمنع التعصب والارهاب«
وأوضح أن الحوار بين الأديان يمكن أن يساهم في مواجهة »التعصب والإرهاب« المستشريين في الشرق الأوسط وخصوصا في العراق وسوريا.
ولم يخف البابا انتقاداته لوضع الحريات الدينية في تركيا، مشيرا إلى التمييز بحق الأقلية المسيحية في هذا البلد.
وهذا ما يدعونا الى القاء نظرة سريعة على وضع الاقليات الدينية والعرقية في تركيا، حيث ان  تحمل عضوية الأمم المتحدة، وعضوية منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، ومن ثم فإن عليها أن تلتزم بمعاييرهما المتعلقة بحقوق الأقليات، وبخاصة أن المادة (90) من الدستور التركي تنص الآن على أن لمواد القانون الدولي أولوية التطبيق على مواد القانون الوطني في حال تعارضها. كما أنها تحمل عضوية المجلس الأوروبي، غير أنها ما تزال ترفض التقيد بإطار الإعلان الصادر عن ذلك المجلس لحماية حقوق الأقليات، على الرغم من مطالبته المتكررة لها بذلك. وفي الإطار ذاته، فإن تعاطي تركيا مع المادة (27) من الإعلان العالمي للحقوق المدنية والسياسية، يظهر شكلاً من أشكال الانتهاك لجوهر تلك المادة، وذلك عن طريق حصر الأقليات التي يمكن أن تفيد من تلك المادة ضمن الحدود التي يعترف بها الدستور التركي أو معاهدة (لوزان) للسلام فقط. ومن الواضح أن مثل ذلك التعاطي يشكل انتهاكاً للمبدأ القائل بضرورة التحديد الموضوعي للأقليات، وعدم إمكان حصرها بما ترتئيه الحكومات الوطنية وتشريعاتها.
ويبدو أن استمرار الإحجام التركي عن القبول التام بواجباتها لحماية حقوق الأقليات فيها عائد في جانب كبير منه إلى المفهوم الضيق الذي ما تزال تتبناه لمفهوم الأقلية. وهذا المفهوم الشديد الحصر الذي تتبناه الدولة يفضي إلى إنكار حقوق العديد من الأقليات، باستثناء الأقليات الأرمنية واليونانية واليهودية.
السماح ببناء كنيسة
وتستمد تركيا مفهومها الضيق للأقليات من معاهدة (لوزان) للسلام، التي وقعت في الرابع والعشرين من شهر يوليو لعام 1923، جاعلة من تلك المعاهدة المصدر الوحيد لتعريف الأقليات وحمايتها. ضاربة الصفح عن أن تلك المعاهدة كانت مجرد نظام من أنظمة عصبة الأمم لحماية أقليات معينة، لم يكن بتطور الأنظمة الراهنة المتعلقة بالحماية الكلية لسائر الأقليات. إذن فمن الطبيعي أن لا تتواءم تلك المعاهدة مع المعايير الحالية، وبخاصة أنها تتناول الأقليات غير المسلمة وحسب. علاوة على ذلك، عمدت الدولة التركية إلى تضييق مفهوم الأقليات أكثر مما تسمح به المعاهدة نفسها، لينحصر اهتمامها في محيط الأقليات الأرمنية واليونانية واليهودية دون غيرها من الأقليات الدينية في تركيا.
من جانب آخر، لا يفرد الدستور التركي والقوانين المنبثقة عنه عناية خاصة للأقليات، فتغيب منه الإشارة إليها، وربما كانت المادة (10) من الدستور هي المادة الوحيدة التي تعنى بحقوق الأقليات، وإن كان ذلك بصورة غير مباشرة، إذ تنص تلك المادة على ضمان المساواة لجميع الأشخاص أمام القانون، دون أي تمييز، بصرف النظر عن اللغة أو العرق أو اللون أو الجنس أو الرأي السياسي أو المعتقد الفلسفي أو الدين أو الطائفة، أو أية معطيات أخرى. وخلافاً لتلك المادة اليتيمة، لا توجد قوانين لحماية الأقليات، أو أية ضمانات للحؤول دون تعرض أبنائها للتمييز.
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى تمنح المادة (40) من معاهدة (لوزان) للأقليات الدينية الحق في تأسيس وإدارة مدارسها ومؤسساتها الأخرى المعنية بالتربية والتعليم، على نفقتها الخاصة، مع حقها في استخدام لغتها الخاصة وتطبيق شعائرها الدينية في تلك المدارس والمؤسسات. غير أن هذه المادة لم يتم تفعيلها على المستوى العملي في عديد من الحالات، فعلى سبيل المثال، تم إغلاق قسم اللاهوت في المدرسة الكهنوتية في جزيرة (هيبيليادا) القريبة من (إسطنبول) في شهر يوليو من عام 1971، بالاستناد إلى المادة (24) من الدستور، والمادة (3) من قانون التعليم العالي، اللتان تشيران إلى أن التعليم الديني يقدم من جانب الدولة فحسب، وفي هذا تعارض مع المادة (40) من معاهدة (لوزان)
لقد ظل تطبيق تلك المادة أمراً عصياً على التحقق الفعلي في عديد من الحالات، وظل من الصعب على كثير من مؤسسات التعليم الديني أن تحظى في واقع الحال بالاعتراف القانوني. وفي ذات السياق، وفي انتهاك لمعاهدة (لوزان)، فإن الأقلية السريانية ما تزال محرومة من حقها في إنشاء المدارس الخاصة بها، على الرغم من مطالبتها المتكررة بذلك.

السماح ببناء كنيسة
ومع حزمة التعديلات التي تم التصديق عليها في شهر يوليو من عام 2004، طرأ تعديل على القانون المتعلق بالبناء بالنسبة للأقليات الدينية، بحيث بات يسمح بإنشاء أماكن للعبادة. وفي نشرة صدرت عن وزارة الداخلية تم توضيح الشروط القبلية لإقامة مثل تلك الأماكن، وتمحورت تلك الشروط حول عدد أفراد الطائفة في المنطقة المزمع البناء فيها ووضعية إقامتهم. غير أن الإجراءات المطلوبة لتحصيل إذن بالبناء ظلت معقدة وتستنزف وقتاً طويلاً. فعلى سبيل المثال، كان الطلب الذي قدم من جانب الكنيسة البروتستانية في أنقرة في شهر اكتوبر من عام 2003 قد رفض استناداً إلى عدم وجود عدد كاف من المسيحيين من رعايا الكنيسة في المنطقة، وبعد توسط من وزارة الداخلية، وعدت السلطات بحل المشكلة المتعلقة بالطلب، غير أن الكنيسة لم تتسلم موافقة رسمية أو تحظى بتصريح قانوني.
لكن ذلك لا يحول دون القول إن قدراً من التقدم قد طرأ على السماح للمسيحيين بإنشاء الكنائس. وكمثال على ذلك، كانت كنيسة ديار بكر البروتستانتية قد أنشئت عام 2002، غير أن القس القائم عليها كان قد اتهم بإقامة الشعائر الدينية بصورة غير قانونية، إلا أن الأمر انتهى بتبرئته. وفي اجتماع مع هيئة حماية الطبيعة والقيم الثقافية، أفاد القس نفسه بأن الكنيسة لا تحظى بالتسجيل الرسمي إذا كانت مساحتها تقل عن (2500 م²). وقد أقرت الهيئة بأن معظم المساجد في المدينة هي أصغر من تلك المساحة، إلا أنه لم تصدر بحقها كتب رسمية بالرفض. وعلى الرغم من أن الكنيسة المذكورة في المثال لا تتعرض لأي نوع من الضغط من جانب السلطات - وفقاً للقس نفسه - إلا أنها تطمح إلى الحصول على وضعية قانونية سليمة.
ويجدر التنويه بأن تلك المادة (40) لا تسمح بصورة واضحة لأبناء الطائفة العلوية في تركيا بإقامة أماكن العبادة الخاصة بهم، وهي التي تسمى (الجيم)، على الرغم من أن القانون لا يحدد أنواع أماكن العبادة. وتستند السلطات في رفضها طلبات إقامة أماكن العبادة من جانب العلويين بوصفها تمثل مراكز ثقافية أكثر منها أماكن للعبادة.
السماح ببناء كنيسة
ويجادل العلويون بأن على تركيا بوصفها دولة علمانية أن تعامل جميع الأديان على قدم المساواة، وأن لا تدعم على نحو خاص أي دين معين، ومن ثم فإنهم يطالبون بإلغاء المديرية التي تم استحداثها في مكتب رئيس الوزراء لدعم أوضاع المسلمين السنة.
ويجدر التنويه بأن الأقليات المسيحية البروتستانتية والسريانية تعمل على تقديم التعليم الديني عن طريق كنائسها، غير أن هذا التعليم لا يتمتع بأية غطاء قانوني، كما تواجه تلك الكنائس عدداً من المشكلات، ربما كان من أبرزها صعوبة تعيين قساوسة جدد، لأن من الصعب ضمان جودة التعليم الذي يمكن أن يقدمه هؤلاء، في ظل غياب الإعداد الرسمي المنتظم.
مما سبق نستنتج ان ملف الاقليات في تركيا مليء بالاختراقات، وان خطوة بناء كنيسة في اسطنبول ربما تكون بداية للاهتمام من قبل السلطات التركية بملف الاقليات رغم وجود "اردوغان" المتشدد على رأس هذه السلطة، رغم ان هناك اشارات غير صريحة على ان التصريحات التي اتت على لسان "اوغلو" مغازلة للاتحاد الاوربي بعد فشل اردوغان في بسط نفوذه على منطقة الشرق الاوسط بمساندته الاخوان المسلمين وداعش من الناحية الاخرى. 

شارك