العلاقات الخليجية الأمريكية ومستقبل الجماعة الإسلامية في "آفاق سياسية"
السبت 19/أبريل/2014 - 10:42 ص
طباعة

صدر مؤخرا العدد الرابع لمجلة "آفاق سياسية"، الصادرة عن المركز العربي للدراسات والبحوث، برئاسة السيد يسين استاذ علم الاجتماع السياسي، وهي مجلة سياسية غير دورية معنية بتحليل وعرض القضايا المصرية والإقليمية والدولية، تناقش المجلة عددا من الموضوعات الشائكة التي تطرحها الساحة المصرية والدولية، يخصص فيها بابا كاملا للعلاقات الأمريكية مع دول أمريكا اللاتينية( الصراع والتعاون)، والصراع الروسي – الأمريكي حول شبه جزيرة القرم، أيضا يستعرض في العدد الأصولية الدينية والمتغير التاريخي في العلاقات الخليجية – الأمريكية.
أما العلاقات الخليجية والتي يخصص لها العدد موضوعان الأول مع الولايات المتحدة، والأخر مع قطر ومستقبلها في ظل دعم الأخيرة لجماعة الإخوان.

السيد يسين رئيس المركز
في المقالة الافتتاحية يناقش العدد مخاطر مشروع ما يسمى بـ"الإسلام السياسي" للسيد يسين رئيس المركز، مؤكدا أن جماعات الإسلام السياسي أصبحت ملمح من ملامح المشهد المصري الحالي، والذي ظهر في أعقاب ثورة يناير 2011، ويفند يسين الظاهرة على أنها لا تقوم على أساس العمل الدعوي والعودة للأصول النقية للدين، وإنما في خلط الدين بالسياسة، كما يتبين من المشروع السياسي لحركة الإخوان المسلمين، وغيرها من حركات الإسلام السياسي، الخلط الذي دفع قادة وأنصار هذه الحركات إلى صياغة مشروع سياسي له هدف استراتيجي، هو قلب الدول المدنية الراهنة سواء بالعنف أو باستخدام آليات الديموقراطية ممثلة في الانتخابات لتأسيس دول دينية تحل محلها وتطبق فيها الشريعة الإسلامية، حسب تأويلاتهم المنحرفة سعيًا لتأسيس الخلافة الإسلامية من جديد في محاولة يائسة لاسترداد الحلم المفقود.
ويوضح يسين أن خطورة الأصولية الدينية في مشروعها السياسي المتطرف تتمثل في تزييف وعي عشرات الألوف من الشباب في مختلف البلاد العربية سواء في ذلك بلاد الربيع العربي أو غيرها، وغزو عقولهم ببضعة مبادئ تتسم بالجمود الفكري لتفرض عليهم الانصياع التام لها عملاً بمبدأ السمع والطاعة، وبالتالي تساعد هذه الجماعات المتطرفة على خلق "عقل تقليدي"، سرعان ما يتحول إلى عقل إرهابي وقت اصطدامه بمقاومة التيارات الأخرى "ليبرالية أو ثورية"، يستخدم العنف ليس فقط ضد السلطة ولكن أيضا ضد الشعب ذاته، لتتحول تلك الجماعات بأفرادها إلى جماعات إرهابية صريحة تمارس العنف بشكل منهجي للاعتداء على السلطة وترويع الشعب كما هو الحال في مصر.
كما تمتد بآثارها الضارة إلى مجال السياسة الخارجية وخصوصًا بالنسبة للدول الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية.
1- الأصولية الدينية: المتغير التاريخي في العلاقات الأمريكية – الخليجية

فتحي عفيفي
في بوابة الحركات الإسلامية نستعرض موضعين عن الإسلام السياسي الأول يحمل عنوان: "الأصولية الدينية: المتغير التاريخي في العلاقات الأمريكية – الخليجية"، للدكتور فتحي عفيفي الأستاذ بجامعة الزقازيق، والذي يوضح فيه خريطة الجماعات الإسلامية في منطقة الخليج منها السعودية والكويت والبحرين، ونشأتها وتطورها وتورطها وتشابك علاقتها مع الجماعات الراديكالية والحكومات أيضا ودوائر تقاطعها على مدار تاريخ نشأتها مع أجهزة الاستخبارات والحكومات الغربية وتحول العلاقات من التحالف والتمويل والدعم إلى العداء.
بعد الصراع المصري – الإخواني، وتداعياته التي انتقلت إلى مرحلة المواجهة بعد ثورة 30 يونيو، وهروب أغلب قادة الإخوان إلى كل من قطر وأوروبا، ومع الترحيب الخليجي لثورة 30 يونيو، في الوقت الذي أعلنت فيه قطر موقفها الرافض من الثورة باعتبارها انقلابا عسكريا، لتدعم الإخوان، التي دورت آلتها الإعلامية لاقناع الغرب بأن ما حدث ما هو إلا انقلاب عسكري، ومع الدعم الخليجي لمصر لمرحلة ما بعد الإخوان وجدت دول الخليج نفسها فجأة في مأزق اقتصادي- استراتيجي خطير، فالتداعيات قد أدت ضمن مقتضياتها إلى انخفاض حاد في قيمة الأسهم الأمريكية السوقية بنسبة 13.3% من حجم استثمارات خليجية تقدر بنحو 800 مليار دولار، ورغمًا عن ذلك فإن هذه الدول قد وجدت نفسها مطالبة بوحي من ضغوط أمريكية شديدة بضرورة تقديم مساعدات مالية جديدة غير المساعدات العسكرية واللوجوستية في حرب أمريكية ضد دول إسلامية، هي بالأساس صديقة أو حليفة لهذه الدول، وأن هذا الاستهداف على الرغم من قسوته على الاقتصاد الخليجي والحرج والتوترات الاجتماعية، لاسيما في ظل التهديدات الأمريكية التي سيقت في حينها بأنهم قد يضطرون لتجميد الأرصدة الخليجية كتعويضات مؤجلة لضحايا أحداث سبتمبر إذا ما أقبل ذويهم على مقاضاة الدول التي ينتمي إليها منفذو الهجمات، وتلك معضلة أخرى.
على الرغم من أن العلاقات الأمريكية – الخليجية تتمتع بقدر كبير من الخصوصية والتميز بسبب المورد النفطي الهام في هذه المنطقة من العالم، وقد استدعى ذلك الأمر انشغال صناع القرار في الولايات المتحدة بضرورة وضع استراتيجيات، خاصة لمجموعة الدول المشاطئة للخليج، واعتبارها جوهر الثبات والاستقرار في محيطها الجغرافي على اتساعه، بما استلزم حماية الأنظمة الوراثية رغمًا عن تعارض وتناقض ذلك مع ما تدعيه أمريكا من تشجيع الديمقراطية والتعددية، والتداول السلمي للسلطة.
تعرف الخريطة الدينية في منطقة الخليج العربي بثلاثة تصنيفات رئيسية، الأولى "الإسلام المسجدي الطقوسي السلطوي"، وهي الطبقة الدينية من رجال السلطة ودوائرها الرسمية، الثانية الإسلام الإصلاحي الحركي، وتتكون من الجماعات المستقلة التي تنادي بإصلاح سلمي لأحوال الحكم والمجتمع، الإسلام السلفي الراديكالي، وهي الحركات الأصولية التي انتهت في سجلاتها ومرجعياتها إلى أن التغيير لن يتأتى إلا بالقوة متوحشين بأعلى درجات الجهاد.
ويمكن رصد التحول في العمل السياسي من صفته "المسجدية" للخروج إلى الانخراط في المجتمع الخليجي، والدخول في قضاياه المعقدة الأمر الذي أدى إلى تنامي التيار الأصولي منذ أن أعلن الملك فيصل إنشاء "رابطة العالم الإسلامي"، وإفساح المجال أمام الخطاب الإسلامي كوسيلة لإحداث التوازن والحد من غلو التطرف القومي والتيارات الاشتراكية التي علت وتيرتها في الخمسينيات والستينيات، وقد تشابهت التجارب الإسلامية الإقليمية والمحيطة بالتكوين التاريخي للأصولية الدينية (السلفية الجهادية)، فقد شهدت الفترة (1963-1965) أحداثًا متشابهة في كل من إيران، ومصر والسعودية.
وعلى الرغم من أن منطقة الخليج العربي منذ منتصف الخمسينيات من القرن العشرين لم تشهد أية تنظيمات إسلامية ثورية تدعو إلى التغيير السياسي الراديكالي، وأن المطالبات السلفية اقتصرت على حث الحكام على تطبيق الشريعة وتحقيق العدالة ومراعاة الخصوصية القبلية للمرأة. وغيرها من مقتضيات الالتزام الأمين بالإسلام الصحيح، إلا أن الخطر الداهم قد تمثل في اعتزام السلفيين الخروج والالتحاق بحركات إسلامية راديكالية في الخارج كانت أيضًا مطاردة من بلدانها، ومن ثم فإن القمع السياسي الذي لقيه الأفراد قد دفع بهم إلى تكوين خلايا جهادية ثورية من كافة الأقطار العربية والإسلامية، وأن هذه التشكيلات على تنوع مسمياتها لم تعرف العمل العسكري المنظم قبل دخول السوفييت إلى أفغانستان.
ولكن في كل الأحوال يمكن فهم تضاريس الخريطة الدينية العامة في الخليج العربي على النحو التالي:
أولاً: البيئة الدينية الحاضنة: وهي تلك التجمعات والمنتديات والحركات التي انبثقت عن نشاط جماعة الإخوان المسلمين في الخليج العربي، مثل المنتدى الإسلامي والذي تأسس في البحرين عام 1928، لمواجهة النشاط التبشيري.
وقد قدمت كل هذه التنظيمات دعمًا ماليًا باستمرار للجماعة الأم في مصر، وانتهجت نفس الخط الرئيسي في التعامل الحذر مع السلطة وعدم الصدام في مرحلة التمكين الكبرى مع الاستمرار في التوسع أفقيًا في تبني المزيد من الخلايا "النائمة" الشبكات "الشعب" ووصلهم بالقاعدة الأصيلة في مصر.
أيضا يوجد التيار الراديكالي المتشدد، والذي يغذي بعضه بعضًا فكريا، ويعمل أحيانًا بواجهة معتدلة بينما يجر خلفه مجموعات جراره من المتشددين، وعندما يتضرر المشهد الراديكالي يدعمهم ويؤازرهم تجمعات عديدة بدعاوي الاعتدال، كما يقدمون لهم الدعم اللوجيستي المادي والمعنوي والعنصر البشري أيضًا، ولذلك لا نميل هنا إلى التفرقة فيما بينهم على الإطلاق، إضافة إلى تنظيمات القاعدة (السعودية)، والمتمثلة في تنظيم الموحدين "المنسوب إلى القاعدة، وهو تنظيم تكفيري، له خلايا لتنفيذ أعماله في السعودية، وينشر بياناته باسم "المجاهدون" في الجزيرة.
ولذلك يصعب على الولايات المتحدة حاليا تحديد من العدو، هل هي حركات الإسلام السياسي الراديكالي، أو منظماتها، على الرغم من أن الولايات المتحدة لم تمانع في بروز مثل هذه الأيديولوجيات، بل على العكس استخدمت هذه التنظيمات عمليًا في هزيمة أعدائها من السوفييت والتيارات الراديكالية والليبرالية القومية والاشتراكية والبعثية، وبالتالي قد يكون من الطبيعي أن يصبح العداء المتبادل هو الاستراتيجية الوحيدة والبديلة المقروءة في العلاقة بين حلفاء الأمس.
وينتهي عفيفي إلى أن حقيقة المواجهة الاستراتيجية بين الأصولية الدينية والسياسة الأمريكية في منطقة الخليج العربي، وما ينعكس عليها من تأثير على العلاقات الأمريكية الخليجية ، والتي هي على درجة كبيرة من الأهمية، تحمل بتشابكاتها العديد من المخاطر، لتعد من أعقد المشكلات الأيديو- سياسية في التاريخ المعاصر، وأن المعضلة برعم تقادم عمرها الزمني، إلا أنه على ما يبدو لم يكن الحسم ممكنًا، فكما أن الإسلام له زخمة في أن يجب ما قبله، فإن هذا الآخر الديني الرافض يزعم أن لديه مبررات وأسانيد الرفض وبقوة.
وبالتالي يمكن صوغ المدركات السياسية والتاريخية لهذا البحث على النحو التالي:
1- أن السلفية الجهادية في العالم العربي ومصر على نحو خاص ليست سلفية وهابية وبالمطلق – كما كان يعتقد- وإنما هي سلفية هجين: تجمع ما بين الاتجاه الراديكالي المنشق عن السلفية الوهابية في أعقاب عام 1929، عندما بقي آل الشيخ محمد بن عبدالوهاب في تحالفهم التاريخي مع السلطة، ويرفضون الخروج عليها، وسلفية عبدالله عزام (الأفغان العرب).
2- اتجاه الولايات المتحدة نحو ضرورة التفكير لأول مرة في التاريخ المعاصر في فك الارتباط التاريخي بينها وبين الدول العربية الإسلامية في الخليج لتنامي التيارات الأصولية بها، لاسيما في مجال الطاقة والبحث عن مصادر بديلو في آسيا، لأن هذا الارتباط يضيق من الخيارات السياسية المتاحة أمام صانع القرار الأمريكي.
3- اتجاه دول الخليج العربية نحو توسيع دوائر الخيارات بعيدًا عن الالتزام الصارم الولايات المتحدة وضرورة التنسيق العربي لمواجهة القادم، لتشمل البعد الإسلامي، بعد أن تيقنت أن ما يجري هو صراع بين استراتيجيات مختلفة حول إعادة تشكيل آسيا والشرق الأوسط والمنطقة العربية وهي المناطق التي تتقاطع جميعها في دائرة الخليج وعلى محوره.
4- عودة استراتيجية "الشرق أوسطية" لتطل برأسها من جديد بأدمغة أمريكية بعد أن رفضت إسرائيليًا، وأن مضمونها الجديد عسكريًا ودمويًا بحت، بدعوى أن المنطقة تحتوي على خليط متفجر من القوى الإقليمية، وأن احتمال الإطاحة ببعض الحكومات بواسطة قوى راديكالية أو متطرفة ليس مستبعدًا.
2- مستقبل الجماعات الإسلامية بعد فض التحالف مع الإخوان

صلاح الدين حسن
الموضوع الثاني الذي نطرحه في موقع بوابة الحركات الإسلامية، هو "مستقبل الجماعات الإسلامية في مصر"، للدكتور صلاح الدين حسن، والذي يرى احتضار هذه الجماعات بشكلها القديم، خاصة في ظل لفظ الشارع المصري لجماعة الإخوان المسلمين لتترك الجماعة الإسلامية لقيطة في منتصف المشهد السياسي، على الرغم من أن الأخيرة ارتضت أن تلعب دور "مخلب القط" الذي يستخدمه مكتب الإرشاد في مواجهة خصومه السياسيين في فترة حكم الإخوان.
يستعرض الباحث تاريخ العلاقة بين الجماعتين الإخوان والإسلامية، والذي حفل بصراعات وصلت لحد الدموية، بدأ في منتصف سبعينيات القرن الماضي وحتى أواخر التسعينيات، حتى أنهكت الأجهزة الأمنية قوى الجماعة الإسلامية في معقلها في الصعيد وفي الوجه البحري، ولم تنس الجماعة الإسلامية يومًا أن لتنظيم الإخوان دورا في تفتيت مشروعها والتهامه القضمة الكبرى من تنظيم الجماعة الإسلامية الطلابية، التي نشأت في أوائل سبعينيات القرن الماضي، وذهاب القادة الذين كان على رأسهم عبدالمنعم أبو الفتوح وحلمي الجزار ومحمد حبيب إلى بناء تنظيم للإخوان في الصعيد في محاولة منه لإزاحة تنظيم الجماعة الإسلامية.
الجمود الذي أصاب الجماعة في السجون على مدار ربع قرن، مع التطور الرهيب الذي لحق بالمجتمع المصري لم تدركه الجماعة بعد هروبها من السجون في خضام أحداث ثورة يناير 2011، عوامل لم تكن في صالح الجماعة التي لم تطرح قيادات وكوادر جديدة منذ خروجها من السجون، ولم يتصدر لقيادتها سوى قيادات سبعينيات وتسعينيات القرن الماضي، فهي لم تستطع أن تجند عناصر جديدة لتجديد دماء جسدها التنظيم العليل، مما قد يهددها بالانقراض والتلاشي مع استمرار نزيف الانشقاقات وتقطيع أوصال الجسد المقطع.
أدركت الجماعة الإسلامية أثناء معاودتها للنشاط السياسي والظهور على الساحة السياسية، أن التيارات المدنية لن تغفر لها تاريخها الدموي، الذي طالما تذكرها بها في كل مناسبة، وأن تلك التيارات ترتاب منها ومن صدق تخليها عن أفكار العنف والتكفير، وعلى الرغم من الاختلافات بين أيدولوجيات الجماعتين ( الإخوان والإسلامية)، وما لحق الجماعة الإسلامية من صعوبات بسبب الإخوان، إلا أنها ارتأتها حليفا جيدا لها بعد ثورة يناير، لترتمي في أحضان التنظيم الإخواني مرة أخرى.
وخلاف الجماعة الإسلامية مع الإخوان في السابق خلاف أيديولوجي وسياسي، فطالما نظرت للإخوان على أنها متحللة ترى من الدين الحلال أكثر من الحرام، بينما نشأت الجماعة الإسلامية سلفية خالصة لم تتنازل عن ثوابت الدين، وجمعت بين السلفية والجهاد المسلح لإقامة الدولة.
كما لم تنس الجماعة الإسلامية مواقف الإخوان التي زايدت عليها وحاولت الاستفادة من مواجهاتها مع الدولة في تصدير نفسها كنموذج سلمي معتدل ثم بعد مرحلة مراجعات الجماعة الإسلامية في أنها كانت على الصواب في عدم استخدامها للسلاح ضد الدولة. لم تفوت الإخوان الفرصة في إصدار بيانات بعد كل عملية إرهابية للجماعة الإسلامية لتؤكد على تبرأها من تلك الأفعال.
ولكن بعد التحالف معهم مرة أخرى، وفي محاولات ابتزاز المجلس الأعلى للقوات المسلحة في فترة حكم المجلس الانتقالي، كانت منحة مكتب الإرشاد للجماعة الإسلامية خلال انتخابات مجلس الشعب 2011، مقعد واحد فقط، التحالف الذي جاء ضمن "التحالف الديمقراطي" الذي كان يتزعمه حزب الحرية والعدالة. وهكذا كانت جماعة الإخوان ترى حجم الجماعة الإسلامية التي أسست حزبها الوليد "البناء والتنمية" في يونيو 2011، حيث رفضت منحها أكثر من مقعد باعتبار أن ذلك يمثل قيمتها النسبية في الشارع السياسي، لتخرج الجماعة من التحالف وتشارك حزبي "النور" والأصالة" فيما يسمى بـ"الكتلة الإسلامية" تحت شعار "العدالة والمساواة والحرية والتعددية والشورى والتكافل الاجتماعي"، وتبدأ الحرب الباردة بين الجماعة والإخوان، وقتها خرج "المفاوض" صفوت عبدالغني، يقول: "إنني لم أشعر بالحرية أو العدالة داخل حزب الحرية والعدالة"، لتستمر الحرب الكلامية بين الطرفين طوال الانتخابات لتخرج الجماعة بـ19 مقعدا بالبرلمان بمفردها، فيما حصل تحالف الكتلة الإسلامية على 20% من المقاعد تقريبًا.
وبحصولها على 19 مقعدًا في البرلمان، أخرجت "الجماعة" لسانها لتنظيم الإخوان ولسان حالها يقول: "لقد أثبتنا لكم أننا قوة لا يُستهان بها في الصعيد". لكن "الإخوان" تجاهلت الرسالة وواصلت عجرفتها تجاه أخواتها من الفصائل. وعقب الانتخابات تجددت الأزمة بين الجماعة والإرشاد بإقصاء قيادات الجماعة عن رئاسة لجان مجلس الشعب لتستأثر جماعة الإخوان برئاسة غالبية اللجان الهامة.
عاشت الجماعة طوال حقبتها التاريخية تبني وتمحور عملها حول شخص القائد، وقدسية الزعيم، وكانت الأفكار والآراء تتمحور حول هذا القائد، ولكن ماذا لو استهلكت هذه القيادات في خطابات العنف ورابعة والتحالف مع الإخوان؟ لاشك أنه "التمرد". البداية كانت من دمياط، حيث أكبر محافظة في وجه بحري توجد بها الجماعة الإسلامية، وحيث قيادات وسيطة مثل أحمد الإسكندراني وزكريا الجمال الحاصل على الشهادة الإعدادية تمسك بتلابيب القيادة وتسلم مفاتيح الجماعة لصفوت عبدالغني، ومهما حاولت قيادة الجماعة أن تخفي الصراعات الداخلية بين شبابها وشيوخها بين التجار داخلها الذين جنوا المكاسب من اللجوء السياسي، ومن الأموال التي كانت تنهال عليهم والدعاة الذين لابد يطلبون سوى الدعوة إلى الله، فإنها لابد أن تطفو على السطح.
وفي ظل معارضة القوى المدنية لجماعة الإخوان، وعند اشتداد وطأة المعارضة لحكم محمد مرسي وبديع، ومع اشتعال الاستقطاب السياسي ارتمت الجماعة الإسلامية مرة أخرى في أحضان التنظيم الإخواني مرة أخرى، راضية بالقيام بدور "مخلب القط" الذي يستخدمه مكتب الإرشاد في مواجهة خصومه السياسيين.

صفوت حجازي على منصة رابعة
وعقب فض اعتصام "رابعة" انقسمت الجماعة الإسلامية على نفسها بين مؤيد للخروج من التحالف الديمقراطي للانخراط في خريطة الطريق، التي تم إعلانها في 3 يوليو، وبين رافض لما حدث باعتباره "انقلابًا عسكريًا"، لكنها لم تستطع الانسحاب خوفًا من خسارة كل شيء، وأهدرت بيديها فرصة ذهبية للقفز من سفينة الإخوان قبل غرقها، وعادت الأيادي المخضبة بدماء المصرين في الثمانينيات والتسعينيات إلى سيرة الدم مجددًا، ولذلك أجرت الجماعة استطلاعًا سريًا لأعضائها حول الخروج من التحالف أو الاستمرار فيه، وتم التصويت بأغلبية للاستمرار في التحالف حتى لا تتهم الجماعة بشق الصف الإسلامي، لتقرر الجماعة الإسلامية أن تعود مرة أخرى لحضن "الإرشاد".
تعي قيادات الجماعة الإسلامية أن مرورها وباقي الحركات الإسلامية بأزمة كبرى يضمن لها نوعًا من التماسك التنظيمي تحت شعار "المحنة" وإن تسربت عناصرها إما معلنة انشقاقها والانضواء تحت لواء جماعات وتنظيمات أخرى لا يمثل خطورة شديدة على انشطار الكيان وتلاشيه. ومن ثم، فهي تنتظر اللحظة المناسبة التي يمكن من خلالها إعلان تحللها من تحالف "الإخوان" في أول مبادرة قد ترى منها فرصة مناسبة للقفز من السفينة.
وتبلورت في الأفق معالم جماعتين للجماعة الإسلامية، وسط توقعات بتلاشي الجماعة بعد الجزم بعدم قدرتها على الحشد والتجنيد مما قد يفضي على الأمد الطويل بتلاشيها كلية وتحولها إلى جزء من التاريخ.. وإذا أخذنا في الاعتبار تعرض تلك الجماعة لضربات أمنية في فترة لاحقة فإنه سيزيد من حتمية تلاشيها إذ أنها ستتعرض لانشقاقات داخلية جديدة، ومواجهات مع أعضاءها التي ستطالبها بكشف حساب عن سنوات من التخبط في سياستها أفضت بها إلى السجون مرة أخرى مع إعطاء الدولة الفرصة لها ولحزبها في إعادة مواقفه والانخراط مرة أخرى في العملية السياسية وحذوه حذو حزب النور السلفي.