"إقليم ذاتي للسُنة".. هل يقوِّض وجود "داعش" أم يؤسس لتقسيم العراق رسميًا؟!
الأحد 04/يناير/2015 - 06:26 م
طباعة

في إطار مساعٍ دولية مستمرة من أجل القضاء على ما يسمى بـ(تنظيم الدولة الاسلامية بالعراق والشام "داعش")، رأت دراسة أمريكية أن إعطاء إقليمًا للسُنة في العراق، أحد أهم الحلول التي تؤدي إلى تقويض ظهور "داعش" واندثاره في العراق.
إقليم ذاتي للسُنة:

نشر موقع "فورين أفيرز" الأمريكي التابع لمجلس العلاقات الخارجية دراسة تتحدث عن كيفية هزيمة تنظيم "داعش" عبر وضعه بين المطرقة والسندان بعد اتباع 4 خطوات رئيسية، من بينها تقسيم العراق فيدراليا، عبر تأمين الولايات المتحدة لاتفاق مشاركة في السلطة بين الحكومة العراقية والعشائر السنية بما يسمح بمنح سلطة الحكم الذاتي للسنة على الأراضي السنية بالعراق شبيه بما منح للأكراد.
واعتبرت أن قمع السنة على يد الحكومة التي يهيمن عليها الشيعة كان السبب الرئيسي في حشد الدعم السني لداعش، مضيفة أنه لابد من القضاء على خوف السنة من أن الإطاحة بداعش ستعيد مجددا هيمنة الشيعة، مطالبة بضرورة منح السنة كذلك بجانب الحكم الذاتي سياسيا السيطرة على الشرطة المحلية وقوات الأمن في المناطق السنية.
والدراسة التي شارك في إعداد الدراسة "روبرت باب" و"كيفين روبي" و"فينسنت باور" طالبوا خلالها بضرورة الاعتماد على إستراتيجية جديدة من أجل هزيمة "داعش" عبر إعادة السيطرة على المناطق السنية الخاضعة لسيطرة التنظيم والتي تعتمد على فكرة المطرقة والسندان عبر شن الهجمات الجوية من قبل قوات التحالف بالتزامن مع شن عمليات برية من قبل العراقيين لاحتواء التنظيم في المناطق السنية ومنع تمدده إلى المناطق الشيعية والكردية.
وذكرت أن الخطوة التالية بعد ذلك هي معرفة جيوب المقاومة السنية لداعش ودعمها، حيث يوجد بشكل واضح حاليا جيبان للمقاومة أحدهما في "نينوى" متمثلا في قوة الشرطة هناك والتي يصل تعدادها إلى 24 ألف عنصر والتي قطعت عنها حكومة بغداد الشيعية التمويل والسلاح منذ سيطرة "داعش" على معظم المحافظة في يونيو الماضي.
العبادي يؤكد تفعيل الأقاليم:

الحديث عن حكم ذاتي لم يتوقف عند الدراسة الأمريكية التي خرجت بتصوية الي ضرورة ان يكون هناك اقليم ذاتي للسنة في العراق، بل ان رئيس مجلس الوزراء العراقي حيدر العبادي، أكد على دستورية المطالبة وانشاء اقاليم في البلاد، فيما شدد على ضرورة توزيع الثروات بشكل عادل بين محافظات البلاد.
وقال العبادي إن "التزاما منا بالدستور والبرنامج الحكومي، الذي أكد على أهمية نقل الصلاحيات للحكومات المحلية، وهو التزام واقعي ولمصلحة الوطن ولن تنجح الحكومة الا بنجاح المحافظات"، مضيفا "نحن ماضون بنقل الصلاحيات الى المحافظات من اجل السير بالبلاد على الطريق الصحيح، ولكننا بحاجة الى ضوابط في الادارة يلتزم بها الجميع من اجل مصلحة الوطن والمواطن الذي يجب ان نتعامل معه بغض النظر عن انتمائه".
وشدد رئيس مجلس الوزراء على "ضرورة توزيع الثروة بشكل عادل، وألاّ تحتكر عند محافظة دون اخرى"، مشيرا الى ان "انشاء الاقاليم حق دستوري ولا يمكن أن يقف أحد ضده، ولكن يجب فتح النقاش في عدد من الأمور ومنها ما يتعلق بالتوقيت ومدى الحاجة، وعدد المحافظات وغيرها من الأمور، وهو نقاش سليم وحق دستوري ولا ينبغي لأحد أن يمنع من إثارته.
وأوضح العبادي "اننا مع البصرة واهلها ونريدها ان تنعم بخيراتها، وهي محافظة معطاء ورائدة في الحفاظ على وحدة العراق، وتطرق الى ضرورة احداث توازن بين المركزية واللامركزية وتهيئة الارضية المناسبة باسرع وقت لتسليم الصلاحيات للمحافظات".
مطالبة سنية بالإقليم:

رغم أن هناك العديد من استطلاعات الرأي التي جرت في العراق من قبل العديد من المراكز البحثية تشير إلى أن العراقيين بمختلف ابعادهم السياسية والاجتماعية والعرقية والمذهبية يرفضون ان تقسيم الاقاليم ، والسنة والشيعة يرعون انفسهم انهم عراقيون قبل اين يكونوا سنة او شيعة او مسيحيون، ولكن هناك الصوت الأعلى لأصحاب وجهات النظر التي تطالب بوجود اقاليم عراقية وفقا للدستور الذي اقر عقب الاحتلال الامريكي في 2003.
ورأى طارق الهاشمي نائب رئيس جمهورية العراق السابق، انه على مدى ثمانية سنوات ونوري المالكي في منصب رئيس الوزراء تراجعت أوضاع العراق وتفاقم الظلم والتهميش والإقصاء وأخذ شكل تطهير مذهبي استهدف السنة على نطاق واسع حتى بات التعايش الوطني مستحيلًا، الأمر الذي دفع العرب السنة الأحرص على وحدة العراق في البحث عن خيارات أخرى توفر العيش الكريم، وربما كان أحدها أن تتحول المحافظات السنية إلى إقليم، وسواء جرى تحول المحافظات إلى إقليم منفرد أو مجتمع، المهم عندي ليس الجانب الشكلي بل المضمون، وأقصد الأمن والعيش الكريم للمواطن، ما زال المشروُ معلقاً والسنةُ مختلفين عليه اختلافهم في العديد من المسائل الهامة الأخرى، رغم أن الغالبية مع الإقليم، إذ لا خيار بديل آخر في الوقت الراهن على الأقل .
كما يقف الحزب الإسلامي العراقي المشارك في العملية السياسية منذ بدايتها بعد الغزو الأمريكي عام 2003 في مقدمة القوى المطالبة بتأسيس إقليم سني، تؤيده في ذلك قوى عشائرية وسياسية أخرى، في حين تعتبر هيئة علماء المسلمين أبرز قوة سنية تعارض إنشاء الأقاليم وتقول إنها ستكون بداية لصراع طائفي ومقدمة للتقسيم.
من جانبه شدد نائب الرئيس أسامة النجيفي على أن "العرب السنة لن ينخدعوا بالوعود ولن يتنازلوا عن حقهم بتشكيل إقليم دستوري، كما شدد على "أهمية وجود منظومة عسكرية وطنية وحصر الجهد العسكري تحت مظلة سيادة الدولة"، ودعا التحالف الدولي إلى "تقديم مزيد من الدعم للعراق وجيشه لمحاربة الإرهاب".
مراهنات النجاح:

تقسيم العراق إلى ثلاثة كيانات تمثل ثلاثة أطياف من الدول العراقية، يملك كل منها هويته الخاصة به سواء الهوية الوطنية أو المذهبية، قد ينجح في إعطاء قوة ودفعة في القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية، ولكن مخاطره المستقبلية تقد تمثل خطرًا كبيرًا على وحدة العراق.
فأي صراع بين الحكومة الاتحادية وحكومة إحدى الولايات الفيدرالية سيُنظر إليه في إطار صراع طائفي صِرف، كما أنه قد يدفع الجماعة المذهبية والعرقية إلى التلويح بورقة الاستقلال من أجل اكتساب مزيد من التنازلات من الحكومة الاتحادية، بما يؤدي في النهاية إلى الاستقلال الفعلي عن إقليم الدولة.
فتمتع الأقاليم بصلاحيات واسعة في مواجهة المركز قد يغريها بالانفصال، خاصة وأن الفيدرالية توفر للجماعة المذهبية والعرقية الأدوات المؤسسية اللازمة التي قد يتم البناء عليها لوضع نواة دولة.
والتقسيم الفيدرالي أيضا سوف يُبقي على العديد من مشاكل المواطن العراقي العميقة دون حل، بل ستؤدي الي مزيد من التوتر والصراعات في صفوف العراقيين من الشيعة والسنة والأكراد، في ضوء تنازعهم على الحدود، والأمن، والموارد، والسلطة السياسية.
الأمر لن يتوقف عند التنازع الثلاثي، بل سيكون لدول الجوار وأصحاب النفوذ في العراق تأثير على الوضع داخل بلاد الرافدين، وهو ما سيؤدي للاستقطاب الطائفي الحاد، وهو ما يعني أن يكون هناك إقليم شيعي يخضع للنفوذ إيران التي عمّقت علاقاتها مع بمحافظة البصرة الغنيّة بالنفط، وهو ما يعني مزيدا من الدعم للحالة الشيعية في العراق فيؤدي إلى مزيدٍ من الصراعات بين الأقاليم الثلاثة وفقا للتدخلات الإقليمية المختلفة، مع بروز المليشيات الشيعية التي لن تتراجع عن مكاسبها في الصراع الدائر ، وتصبح على طريقة أفغانستان من طبقة "أمراء الحرب" الذين يمسكون بزمام الأمور في البلاد.
من جهة أخرى قد يوفر الإقليم للسنة العرب ملاذًا آمنًا لمقاتلي "داعش" والجماعات المشابة له، في ظل علاقات متشابكة لأمراء الحرب" الجهاديين" في الدول العربية والمنطقة، والصراع المضاد للنفوذ السني الشيعي في العراق، وهو ما يعني أن عوامل نجاح الإقليم في مواجهة "داعش" قد تكون هي نفس العوامل التي تبقي على تواجده ولكن بصورة أخرى وليس بصورته الحالية.
الخلاصة:

مع تراجع الوجود الإيراني الذي يدعم المتشددين من طبقة "أمراء الحرب" من قادة المليشيات العراقية، بالإضافة إلى تراجع نفوذ عدد من المؤسسات والجماعات السنية العراقية التي تدعم الجماعات المتطرفة ضمن حلقة تاريخية من الصراع السني الشيعي عبر التاريخ، تبقي السياسة العادلة في التنمية وتوزيع الثروات والقائمة على الوطنية العراقية هي الأفضل والأكثر نجاحا في خروج العراق من شرنقة الموت التي يعشيها، وإذا كان النظر إلى بلاد الرافدين من منظور طائفي بحت يمكن أن يجعل الانشقاق القائم على الهوية في البلاد حلًا واضحًا للخلاص من داعش، إلا أنه في الوقت ذاتِه يحقق أهدافًا "داعشية" ترمي بالأساس إلى هذه التقسيم غير المنطقي، ما ينذر بواقع غائم ونتائج عكسية تصيب العراق في مقتل، فهل وجود أقاليم في العراق وخاصة إقليم سني.. يضع الكلمة الأخيرة في وجود "داعش" أم يؤكد ويرسخ للتنظيم الإرهابي بمزيد من تقسيم العراق؟!