الوضع الليبي يتفاقم.. وتخوفات من امتداد الصراع للجزائر

الثلاثاء 06/يناير/2015 - 01:12 م
طباعة الوضع الليبي يتفاقم..
 
في الوقت الذي تشتد فيه الأزمة الليبية، وتتأزم الأجواء بين العناصر المسلحة المتمثلة في "أنصار الشريعة"، وبين الحكومة المعترف بها دوليًّا بقيادة عبد الله الثني، كان من المحتمل أن ينعقد أمس الاثنين الحوار الليبي الذي كان برعاية الأمم المتحدة، لبحث سبل الخروج من الأزمة الحالية وإيجاد حل سياسي لاحتوائها، ولكن مع تدهور الأوضاع وكذلك عدم وجود مكان آمن لعقد الحوار، تم إرجاؤه لحين تهدئة الأجواء إلى حد ما، وإيجاد مكان لعقده خلال الفترة المقبلة، وجاء على لسان المتحدث باسم المنظمة الدولية ستيفان دوجاريك، أن الأمم المتحدة أرجأت اللقاء حتى إشعار آخر جلسة الحوار بين أطراف النزاع في ليبيا.

تأجيل الحوار

تأجيل الحوار
وقال المتحدث في تصريحات صحفية: "إن اجتماع الحوار هذا كان مقرراً لكنه لم يتم"، مضيفاً أن رئيس بعثة الأمم المتحدة في ليبيا برناردينو ليون يواصل مشاوراته للتوصل إلى اتفاق على مكان وموعد الاجتماع، موضحًا أن أحد أسباب الإرجاء صعوبة إيجاد مكان يلبي كل الموجبات الأمنية.
الجدير بالذكر أن الجولة الأولى من الحوار عقدت في غدامس برعاية الأمم المتحدة وبعثتها للدعم في ليبيا برئاسة ليون، في 29 سبتمبر 2014 في حضور 12 من أعضاء مجلس النواب المنتخب وعدد مماثل من النواب المقاطعين لجلسات البرلمان، لكنها لم تفض إلى أي نتيجة.
ومن المعروف أيضا أن مجلس النواب المنتخب يعقد جلساته في مدينة طبرق منذ 4 أغسطس الماضي بصفة مؤقتة بسبب تدهور الوضع الأمني في بنغازي، المقر الدائم للبرلمان.
وأكد مصدر دبلوماسي ليبي على أن الحكومة لم تتلق حتى الآن أجندة الحوار أو جدول أعماله أو مكان انعقاده أو أطرافه.
من جهته، أعلن المتحدث باسم بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا سمير غطاس في تصريحات صحفية، أن المشاورات مستمرة مع كل الأطراف في ليبيا من أجل التوصل إلى اتفاق حول موعد ومكان الحوار.
وكان برناردينو ليون مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، حدد الخامس من يناير 2015 موعدا للاجتماع للحوار بين أطراف النزاع الليبي، وذلك بعد أن حصل على موافقتهم على "خارطة طريق".
ورغم ذلك أوضح غطاس أن بعثة الأمم المتحدة لم تحدد حتى الآن موعد الحوار بين الليبيين وهي تواصل مشاوراتها مع مختلف الأطراف حول هذا الشأن.
وعلى الرغم من أن ليبيا تحتاج إلى تدخل المجتمع الدولي على وجه التحديد، فإن رئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح، أعلن رفض السلطات الليبية لأي تدخل عسكري في بلاده، متهما دولا بعينها بدعم الميليشيات الإرهابية في ليبيا.

المطالبة بتسليح الجيش

المطالبة بتسليح الجيش
يأتي ذلك في الوقت الذي طالبت الحكومة الليبية المعترف بها من المجتمع الدولي الاثنين بـ"تسليح" جيشها حتى يتمكن من حسم المعركة ضد الميليشيات المتطرفة، وجاء ذلك في بيان تلاه مندوبها الدائم لدى الجامعة العربية.
وقال المندوب الليبي، عاشور بوراشد، في افتتاح الاجتماع الطارئ لمجلس الجامعة على مستوى المندوبين، إنه يتعين على المجتمع الدولي تحمل مسئولياته القانونية والأخلاقية، وطالبه بالقيام دون إبطاء أو مماطلة بتسليح الجيش الليبي حتى يتمكن من إنجاز مهمته الوطنية.
واعتبر أن تأخر حسم المعركة في ليبيا عسكريا ضد الميليشيات يزيد تغولها ويقلص فرص الحل السياسي للأزمة من خلال الحوار وطاولة المفاوضات.
وطالب بوراشد بضرورة إصدار قوائم بأسماء من أجرموا في حق ليبيا، واعتدوا على مؤسساتها ومقدرات شعبها، وعرقلوا عملية الوصول إلى حل سلمي للأزمة من خلال الحوار تمهيدا لمحاكمتهم.
من جهته، أعرب الأمين العام للجامعة العربية، نبيل العربي، عن أسفه "لتعثر الجهود العربية والدولية المبذولة لعقد الجولة الثانية من الحوار الليبي-الليبي التي كان من المقرر إجراؤها، أمس الاثنين".
ودعا العربي إلى "الالتزام بحوار شامل بين مختلف الأطراف الليبية ودعم العملية السياسية"، مؤكدا دعم جامعة الدول العربية للشرعية المتمثلة في مجلس النواب والحكومة المنبثقة عنه، مضيفًا أنه من أولوياتنا اليوم اتخاذ موقف حاسم يحقق الوقف الفوري للعمليات الإرهابية المسلحة.
ومع تباين الآراء، بشأن التدخل الدولي في ليبيا، أعلن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند أن بلاده لن تتدخل بشكل أحادي في ليبيا؛ لأن هذا الأمر منوط بالمجتمع الدولي القيام به، مشيرًا إلى أن باريس مستعدة لإرسال قوات إلى الحدود الجنوبية لليبيا للتصدي لمن وصفهم بالمتشددين الذين يحاولون عبور الحدود.
ولم تفلح وساطة الأمم المتحدة حتى الآن في جمع أطراف الصراع على اتفاق ينهي الأزمة الراهنة.
وكانت طائرات عسكرية تابعة للحكومة الليبية المعترف بها دوليا قد هاجمت في وقت سابق ناقلة نفط يونانية في ميناء درنة الليبي؛ مما أسفر عن مقتل اثنين من طاقمها، وتسيطر مجموعات مسلحة إسلامية على مدينة درنة منذ أكثر من عامين.

الحكومة لا تستطيع السيطرة

الحكومة لا تستطيع
وتعاني ليبيا من حالة فوضى سياسية وأمنية، إذ تتشكل من برلمانين وحكومتين وكذلك جيشين، وهناك حكومة وبرلمان معترف بهما دوليًا بقيادة عبد الله الثني وكذلك جيش اللواء المتقاعد خليفة حفتر ومقرهم مدينة "طبرق"، في حين توجد حكومة آخر بقيادة عمر الحاسي المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين، وقوات "فجر ليبيا".
ويبدو أن الحكومة لا تستطيع التصدي للعناصر المسلحة بمفردها؛ لذلك طالبت بتسليح جيشها، فيما ترددت أنباء عن أن عبد الله الثني يريد الانسحاب بهدوء من رئاسة الحكومة، وأن 5 مرشحين يتنافسون سرًّا على خلافة الثني.
في سياق مواز حذر سلاح الجو الليبي، كلا من تركيا والسودان من محاولات اختراقهم للمجال الجوي الليبي، وهدد بإسقاط أي طائرة تتبع للبلدين مدنية أو عسكرية.
وحذرت رئاسة الأركان الجوية الليبية، في بيانها دولتي تركيا والسودان من دخول الأجواء الليبية سواء كانت طائرة مدنية أو عسكرية، مؤكدة أنه سيتم ملاحقتها وضربها.
ويأتي هذا القرار بالتزامن مع قرار أصدرته السلطات الليبية، تمنع بموجبه السوريين والسودانيين والفلسطينيين من دخول أراضيها، بدعوى تورطهم في أعمال مشبوهة لصالح "فجر ليبيا" واستهداف قوات الجيش والشرطة.
وقال اللواء خليفة حفتر قائد عملية الكرامة، أعلن في وقت سابق أن ميليشيا فجر ليبيا، تتلقى الدعم من السودان بشكل مباشر، وأن هذا الأمر لا يحتاج أي إثباتات.

مشاورات مصرية ليبية

اللواء عبد الرازق
اللواء عبد الرازق حسين الناظوري
وفيما تشهد ليبيا الفترة الماضية، من استهداف المصريين العاملين على يد العناصر المسلحة، والتي كان آخرها اختطاف 14 قبطيًا في مدينة سرت الليبية- وصل  اللواء عبد الرازق حسين الناظوري رئيس الأركان العامة للجيش الليبي إلى القاهرة اليوم الثلاثاء، على رأس وفد عسكري في زيارة تستمر ثلاثة أيام، وذلك  للقاء كبار المسئولين لبحث دعم علاقات التعاون في مجال مكافحة الإرهاب والتنظيمات المسلحة، كما يبحث الناظوري دعم التعاون في مجال التدريب والتسليح والاستفادة من الخبرات المصرية في إعادة تأهيل وتكوين الجيش الليبي وضبط الحدود وعمليات التسلل والتهريب، وذلك في إطار مبادرة دول الجوار التي تهدف إلى إعادة استقرار الأوضاع داخل الأراضي الليبية.. قد تؤدي هذه الزيارة إلى انقلاب الموازين رأسا على عقب وتغيير الخطة التي ينتهجها الجيش الليبي في مواجهة الجماعات المسلحة.

تخوفات من امتداد الصراع للجزائر

تخوفات من امتداد
ويري معهد "ميدل إيست إنستيتيوت" الأمريكي المتخصص في شئون الحركات الجهادية، أن هناك مخاوف إقليمية من امتداد الصراع الليبي إلى الجزائر التي تحاول رعاية الحوار، في الوقت الذي يبدو أن الأطراف الليبية المتحاربة المدعومة من قبل أطراف خارجية، تفضل الحل العسكري بدلا عن محادثات السلام.
وجاء في تقرير المعهد، أنه نظرا إلى سهولة اختراق حدود الدول المجاورة لليبيا، فليس من المستغرب أن تخشى هذه الدول الآثار غير المباشرة للصراع في ليبيا؛ ولهذا بدأت هذه الدول البحث عن حل للأزمة، مشيرا إلى أن الجزائر والاتحاد الإفريقي يحاولان تعزيز المفاوضات. 
ودعا المجتمع الدولي إلى أن يشجع مثل هذه المحادثات بالتنسيق مع الأمم المتحدة، وقال إنه إذا كانت قوات اللواء خليفة حفتر، بكل ما أوتيت من دعم دولي وإقليمي، تريد بعد أربع سنوات، أن تدحر قوى مصراتة وحلفاءها من الإسلاميين، فإن ليبيا سوف تسقط في أزمة سياسية، ومرة أخرى سوف يكون هناك جزء كبير من سكانها مبعدين من عملية الوحدة الوطنية على حد قوله.
وتابع التقرير الأمريكي بأن تأجيل حوار الأطراف الليبية المتصارعة، لا يبشر أبدا بالخير، على الرغم من إشادة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، بالتزام مختلف الأطراف الليبية بالحوار.
 وقال: يبدو أن الأطراف الليبية المتحاربة المدعومة من قبل أنصار خارجيين، تفضل الحل العسكري بدلا من محادثات السلام؛ ما يجعل الأزمة على نحو متزايد غير قابلة للمعالجة، مؤكدا أنه إذا استمر الفراغ السياسي والفوضى في البلاد على هذا المنوال، فإن البيئة الناتجة عن ذلك من شأنها أن تستقطب مزيدا من الإرهابيين المتسللين عبر الحدود لتصبح البلاد ملاذا آمنا للمنظمات الإرهابية.
 وأبرز التقرير أن هذا الوضع قد يضطر المجتمع الدولي إلى التدخل بالقوة، مشيرا إلى أن المدنيين الأبرياء يتحملون الجزء الأكبر من تبعات هذا النزاع، حيث سينجم عن ذلك مئات الآلاف من المشردين داخليا، وأعداد هائلة من الذين قد تتقطع بهم السبل في الدول المجاورة، ويفقدون الأمل أكثر من أي وقت مضى في العودة إلى ديارهم. 
والمشهد الحالي يؤكد أن استمرار التنازع سيعقد الأمور، وأن الحوار السلمي أفضل وسائل الخروج من الأزمة الراهنة، كما أن مطالبة حكومة الثني بالتدخل العسكري يزيد من تفاقم الأزمة واحتدامها، ولذلك يجب على جميع الأطراف الوصول إلى طريقة سلمية لاحتواء الأزمة، وإلا ستظل ليبيا على نفس الوضع الحالي بل سيزيد الأمر تعقيدًا ويزيد من انتشار العناصر الإرهابية بصورة كبيرة.

شارك