رغم إيوائها الإرهاب.. تركيا تناقض نفسها وتحذر رعاياها من السفر إلى ليبيا
الخميس 08/يناير/2015 - 01:50 م
طباعة

تسود حالة من الفوضى دولة ليبيا في الوقت الراهن؛ ما أدى إلى استنفار العديد من الدول محذرين رعاياها من السفر إلى البلاد في هذا التوقيت، وكان على رأسهم مصر والتي حذرت مرارا وتكرارا المصريين بعدم السفر الآن إلى الأراضي الليبية؛ لما يشهدوه هناك من قتل واختطاف، وكان أيضا من بين الدول التي حذرت رعاياها، تركيا، حيث ترى أن ما يحدث هناك إرهاب يواجه أي مواطن.
تركيا منبع الإرهاب

الغريب في الأمر أن تركيا نفسها هي منبع الإرهاب وتأوي الجماعات المسلحة وتدعمها.. قد يكون ما يحدث في ليبيا بدعم من تركيا أيضًا فكما تدعم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش"، فأيضًا تدعم أنصار الشريعة الإرهابية المنتشرة في المناطق الليبية- كما يرى مراقبون.
وجاء خلال بيان من وزارة الخارجية التركية اليوم الخميس 8 يناير 2015، حذرت فيه مواطنيها، من السفر إلى ليبيا لغير ضرورة، مطالبة الأتراك الموجودين في ليبيا بمغادرتها، ما لم تكن هناك حاجة ملحة لبقائهم بها.
وقال البيان: إن الوضع الأمني في ليبيا يشهد حالة من عدم الاستقرار بسبب الاشتباكات التي تشهدها العديد من المدن في الأسابيع الأخيرة، وبسبب الغارات الجوية، ومن ثم فإنه في ظل هذه التطورات السلبية، نناشد المواطنين الأتراك الذين ما زالوا في ليبيا مغادرتها في أقصى سرعة.
وخصصت الخارجية في بيانها أرقام اتصال للمواطنين الراغبين في مغادرة ليبيا، والعودة إلى تركيا من أجل التواصل مع القنصلية في "مصراتة".
وحث البيان المواطنين الأتراك الموجودين في ليبيا على ضرورة متابعة البيانات التي تصدر باستمرار عن السفارة والقنصلية التركية، واتخاذ كافة التدابير اللازمة قدر الإمكان من أجل سلامتهم الشخصية
تهديدات حفتر للأتراك

اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر
لم تكن هذه المرة الأولى التي تحذر فيها تركيا رعاياها من السفر إلى ليبيا، ففي سبتمبر الماضي قامت بإجلاء المئات من رعاياها من ليبيا.
على إثر التهديد الذي وجهه اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر إلى الأتراك والقطريين ودعوته إياهم إلى مغادرة شرق ليبيا خلال يومين متهما الدولتين بدعم "الإرهاب"- بدأت أنقرة بالفعل إجلاء المئات من رعاياها من هذا البلد.
وقال المتحدث باسم المطار محمد إسماعيل: إن نحو 420 من العمال الأتراك كانوا يعملون في محطة للطاقة بمدينة سرت بوسط البلاد غادروا جوا من مدينة مصراتة على متن طائرات تابعة للخطوط الجوية التركية بسبب تهديدات من قوات حفتر في الشرق.
وقال مسئول في السفارة التركية في ليبيا: إن الأتراك لم يعودوا يشعرون بالأمان، وإن نحو 140 آخرين سيتم إجلاؤهم من مطار الأبرق بمدينة البيضاء قرب بنغازي التي أغلق مطارها الدولي منذ منتصف مايو لماضي لأسباب أمنية.
ونقلت تركيا موظفيها من قنصليتها في بنغازي إلى العاصمة الليبية طرابلس في وقت سابق لأسباب أمنية.
وكان محمد حجازي المتحدث باسم حفتر قد قال: "يجب على القطريين والأتراك مغادرة المنطقة الممتدة من بلدة مساعد على الحدود مع مصر إلى مدينة سرت في وسط ليبيا، وإن قوات حفتر ليست مسئولة عمن يحملون هاتين الجنسيتين على الأراضي الليبية".
وقال مصدر في الخارجية الليبية: "إن المهلة التي حددها حفتر لا تمثل الموقف الرسمي للدولة الليبية، مؤكدا أن أمن المواطنين الأجانب من مسئولية الحكومة".
وتتهم السلطات الليبية حفتر بتنفيذ محاولة انقلاب عسكري، في حين يؤكد اللواء المتقاعد السابق أن هدفه لا يزيد عن "اجتثاث الإرهاب" من ليبيا.
وكان حفتر 71 عاما أطلق يوم 16 مايو الماضي حملة عسكرية سماها "معركة الكرامة" ضد من وصفها بمجموعات "متطرفة"، خصوصا في بنغازي.
كما أعلن إثر مظاهرات مؤيدة له في طرابلس وبنغازي في الـ24 من الشهر الماضي أنه لن يتراجع عن تطهير ليبيا من الإرهابيين والمتطرفين وكل من يدعمهم ويساندهم.
عودة العمال الأتراك

كان قد وصل 284عاملا تركيا، إلى إسطنبول، كانوا يعملون في محطة كهرباء بمدينة مصراتة الليبية، عقب التهديد، الذي وجهته قوات حفتر، باتخاذ إجراءات صارمة ضد من يتم القبض عليهم من الأتراك، والقطريين، في حالة عدم تركهم ليبيا، خلال (48) ساعة، ابتداء من ليلة السبت الماضي.
قال رئيس العمال "ويسل بير"، إنهم لم يتعرضوا لأي أذى، لافتا إلى أنه لا يعرف مدى تطورات الأوضاع خلال الأيام المقبلة، وهل سيتعرض العاملون الأتراك، هناك إلى أي مخاطر أم لا؟
وأشار "بير" إلى أنهم سيعودون إلى ليبيا، في حال استقرت الأوضاع، وزال الخطر، لافتا أن قرار مغادرة ليبيا، جاء عقب اتصالات جرت مع المسئولين الليبيين.
الحرب على الإرهاب

حفتر اللواء الليبي السابق الذي أعلن حربا على الإسلاميين في شرق البلاد، عمّق الاضطرابات في ليبيا الدولة المنتجة للنفط التي لا تستطيع حكومتها السيطرة على جماعات مسلحة ساعدت في إطاحة معمر القذافي عام 2011 لكنها باتت تتحدى سلطة الدولة.
وتقول الحكومة الليبية: إن حفتر لا يملك أي سلطة لكن أوامرها تقابل بالتجاهل في الكثير من مناطق ليبيا خاصة في الشرق؛ حيث يتنافس الإسلاميون والقبائل والميليشيات على بسط السيطرة.
وأكد حفتر أن مشيخة قطر والحكومة التركية برئاسة رجب طيب أردوغان قدمتا الدعم بالمال والسلاح للإرهابيين في ليبيا الذين تعقبوا- وبشكل ممنهج- ضباط وجنود الجيش لقتلهم وترويعهم بهدف السيطرة على ليبيا وثرواتها من نفط وذهب ويورانيوم، وتخريب كل البلاد العربية والإسلامية.
وقال حفتر في حديث سابق له: "لن نتوقف ولن نتهاون في استئصال الإرهابيين من ليبيا حفاظاً على أرواح الليبيين وللوصول إلى الأهداف التي قمنا من أجلها، وهي إنهاء حالة الفوضى ومظاهر الإرهاب في البلاد"، مشددا على إعادة بناء القوات المسلحة ومساعدة مؤسسات الدولة للقيام بواجباتها لصالح المواطن الليبي.
وأشار حفتر إلى أن الجيش الوطني الليبي هو صاحب الشرعية الحقيقية الوحيدة في البلاد، أما حلف شمال الأطلسي الناتو فهو سبب المصائب التي حلت بليبيا بمشاركة المجلس الانتقالي السابق حيث تدفقت الأسلحة إلى الإرهابيين تحت سمعه وبصره ومراقبته بالتعاون مع تركيا وقطر.
اتفاق تركي- ليبي

كانت ليبيا وتركيا اتفقتا منذ عام على أن يقوم جيش الأخيرة بمساعدة الجيش الليبي في عمليات تأمين الحدود البرية والبحرية والجوية، والمنشآت النفطية للمناطق الشرقية في ليبيا.
وجاء الاتفاق على خلفية زيارة وفد تركي لمدينة درنة الليبية، مشيرة إلى أنه يقضي بتركيب حماية متكاملة بالكاميرات والمراقبة الإلكترونية، وصيانة وإصلاح المطارات وإنشاء بعض المطارات في الصحراء الليبية.
وأشارت إلى أن الاتفاق يقضى كذلك بإنشاء مراكز المراقبة على الحدود وإصلاح بعض الموانئ البحرية، وتزويد الثوار بالمعدات الحديثة والمتطورة كافة، وزوارق لخفر السواحل.
وتنص الاتفاقية التي وُقعت بين الجانبين على تدريب الأفراد من الثوار الملتحقين بالجيش الليبي والشرطة، في دورات تأهيلية سريعة، بحيث تكون المنطقة الشرقية نموذجاً يطبق على كل المدن الليبية.
ووقع اتفاقية التعاون الاستراتيجي رئيس وزراء ليبيا السابق علي زيدان والرئيس التركي رجب طيب أردوغان في إسطنبول.
ووقع البلدان أيضا اتفاقية للتجارة بعد اجتماع مغلق استمر لساعتين. وناقش رئيسا الوزراء التعاون في أنظمة الدفاع البحرية والتدريب العسكري.
وأكد أردوغان لنظيره الليبي أن تركيا يمكن أن يكون لها مساهمة هائلة لصناعة الدفاع في ليبيا، مضيفا أن البلدين يهدفان أيضا إلى زيادة التعاون في المشاريع العسكرية.
وقال زيدان الذي وصل إلى إسطنبول أمس الخميس في محاولة لتحسين العلاقات الاقتصادية بين البلدين، إن حكومته ستعمل جاهدة لتسهيل استثمار الشركات التركية في ليبيا للتنقيب عن النفط.
وأضاف زيدان: نود تحسين تعاوننا مع تركيا في مجال التنقيب عن النفط. نناشد الشركات التركية للاستثمار في بلادنا.، مضيفًا أن هناك حاليا 31 شركة تركية تعمل في ليبيا و"نرحب بالمزيد" مشيرا إلى أن ليبيا حريصة جدا على زيادة تعاونها في هذه المجالات أيضا.
وقال زيدان: لا يلزم وجود تأشيرة الدخول بين البلدين وهذا عامل مهم جدا من شأنه أن يسهل تعاوننا في كل المجالات."
واتفقت الدولتان أيضا على تعزيز التعاون بين البنكين المركزيين وتيسير الشئون المصرفية.
ويبلغ حجم التجارة التركية مع ليبيا حاليا 3.5 مليار دولار إلا أن الهدف في المستقبل القريب 4 مليارات دولار.
إخوان ليبيا ودعم تركيا

في الوقت الذي تلقى فيه تركيا تهديدات من جيش خليفة حفتر، والحكومة المعترف بها دوليا بقيادة عبدالله الثني، تلقى أيضا الدعم الليبي من جانب الحكومة الموازية بقيادة عمر الحاسي المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين، حيث استقبل الحاسي ديسمبر الماضي مبعوثا خاصا للرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أول لقاء معلن مع ممثل لدولة أجنبية.
وأوضح أمر الله إيشلر المبعوث الخاص للرئيس التركي في ليبيا، أنه أجرى مباحثات مفيدة في ليبيا التي زارها لمدة يومين.
ولتركيا وقطر علاقات وثيقة تاريخيا بمجموعة من الإسلاميين في أنحاء البلاد وبـ"المؤتمر الوطني العام" السابق في طرابلس.
وقال عادل القايدي رئيس لجنة الحوار المجتمعي الليبي: إن أطرافا خارجية كثيرة تعبث بالأمن القومي الليبي، وتسعى للفوضى وللنزاع المسلح بالبلاد، مشيرا إلى أن قطر والسودان وتركيا يدعمون ميليشيات مسلحة بالبلاد بالمال والسلاح من أجل تأجيج الصراع في البلاد بهدف دعم طرف بعينه وهو الإخوان المسلمين، نافيا قيام مصر بأي عملية عسكرية داخل ليبيا.
وكان الحاسي كلف رئاسة حكومة موازية بدفع من ميليشيات "فجر ليبيا" التي سيطرت في نهاية أغسطس على العاصمة بعد أسابيع من المعارك مع القوات الحكومية.
وأكّد المبعوث الخاص للرئيس آنذاك أن رحلات الخطوط الجوية التركية ستبدأ إلى مصراته يوم 26 أكتوبر الماضي، وأن الرحلات إلى طبرق والبيضاء ستبدأ في حال توفر الظروف الأمنية والفنية.
تركيا تناقض نفسها

رجب طيب أردوغان
يرى مراقبون أن ما جرى في مصر أصاب المشروع التركي في الصميم، ووضع ما يشبه النهاية لأحلام أردوغان ودور تركيا الإقليمي تجاه المنطقة العربية من جهة، ومن جهة الإسلاميين في ثانية فرض على أردوغان تحدي إعادة النظر في حسابات تركيا من خلال دعم ليبيا وحركة النهضة في تونس.
وقال إيشلر: تركيا تدعم عملية الحوار التي أطلقتها الأمم المتحدة، ونأمل في التغلب على خلافات الرأي القانونية والسياسية، عبر الحوار والتفاوض، مشددا على استعداد تركيا الدائم للمساهمة بأي شكل من أجل حل الأزمة.
وتشهد ليبيا نزاعات قوية على أراضيها، منذ عام، وانتشار العناصر الإرهابية التي أشعلت البلاد بالحرب، والقتال؛ ما أدى إلى دعوة الأمم المتحدة لعقد حوار ليبي للخروج من الأزمة الحالية، وقامت تركيا على إثره بدعوة إلى وقف إطلاق النار في ليبيا من أجل دفع مسار الحوار بين الطرفين المتنازعين؛ وذلك من أجل الوصول لحل للأزمة.
وليس من الغريب على تركيا أن تتدخل في الشأن الليبي لصالح الجماعات الإرهابية، للعمل على توسيع النطاق لها في الدول العربية؛ الأمر الذي استوعبه خليفة حفتر، وقرر الإطاحة بكافة الأتراك من الأراضي الليبية، وعلى الرغم من إيوائها ودعمها للإرهاب، فإن تركيا تحذر من الإرهابيين في تناقض واضح لموقفها تجاه الجماعات المسلحة.