أوربا تدفع ثمن تراخيها في مواجهة الإرهاب

الجمعة 09/يناير/2015 - 08:59 م
طباعة أوربا تدفع ثمن تراخيها
 
بعد مطاردات دامت لأكثر من أسبوع شهدت الساعات المنقضية مقتل الأخوين "شريف وسعيد كواشي"، المتهمين بتنفيذ الهجوم على أسبوعية شارلي إيبدو، من قبل قوات الأمن الفرنسية، وكان الهجوم على الجريدة قد تسبب في مقتل ما يقرب من 12 صحفيًا بالصحيفة الفرنسية، بسبب موقفها من الإسلام ونشرها صورًا مسيئة منذ فترة.
 ولعل حادثة الهجوم تأتي حتى الآن في ذيل قائمة أحداث مشابهة، منها ما كان باستراليا في الخامس عشر من ديسمبر الماضي حيث احتجز مسلح عددًا من الرهائن في مقهى بمدينة سيدني، وأجبرهم على رفع راية سوداء على واجهة المقهى، عليها عبارة "لا إله إلا الله، محمد رسول الله"، وهو علم جبهة النصرة، الفرع السوري لتنظيم القاعدة، فيما ذكر تقرير إعلامي أن المسلح طلب أيضا علم تنظيم داعش ومكتوب عليه "لا إله إلا الله في أعلى.
وبنظرة في هذه الأحداث التي تعيدُنا إلى هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، تتجدد حالة الكراهية والمعاداة للإسلام، من حيث ادعاء جميع منفذي هذه العمليات أنهم يتحركون بوازع "إسلامي" يحضهم على ذلك، ما رسّخ لدى الرأي العام العالمي صورةً غائمةً ومشوشة يستغلها أعداء الإسلام لاتخاذ مواقف عنصرية ضد الجاليات المسلمة في أوربا وأمريكا.
الأمر الذي يفرض وقفةً واعيةً أمام هذا المشهد، وهو ما نحاولُ إبرازه في هذا التحقيق مع مفكرين سياسيين وخبراء في سياسة الإعلام والرأي العام.

حوار فاعل وإيجابي بين الدول الإسلامية وجميع الأطراف

الدكتور سامي الشريف
الدكتور سامي الشريف
في البداية يؤكد د. سامي الشريف عميد كلية الإعلام بالجامعة الحديثة للتكنولوجيا والإعلام وخبير سياسات الإعلام، أزمةً حقيقية بين الربط بين مثل هذه الأعمال وبين الإسلام، لأنه يُستغل أسوأ استغلال في التأليب على الجاليات المسلمة في العالم كله، مضيفًا أن ما حدث في فرنسا سيكون بداية لسلسلة من الهجمات والأحداث في أوربا والولايات المتحدة بسبب سياساتها تجاه الإسلام، مشيرًا إلى أن الصحيفة قامت باستفزاز مشاعر المسلمين مرات عدة وتلقت تهديدات كثيرة خلال الفترة الماضية، وهو امتداد لحملة تقودها بعض الجهات في فرنسا وألمانيا لطرد الجاليات الإسلامية وتطهير أوروبا من المسلمين، وهذا التصرف العنصري تقف وراءه قوى صهيونية.
وأكد خبير سياسات الإعلام أنه لا يبرر ما حدث لكنه يراه رد فعل لممارسات أوروبا تجاه المسلمين، وعلى القوى الغربية أن تدرك طبيعة المجتمعات الشرقية المتدينة والمحافظة، موضحا أن هذا الحادث سيكون له تداعيات سلبية على الجاليات الإسلامية في فرنسا وأوربا نظرا لربطة بالإسلام رغم أن التطرف موجود في مختلف الديانات، فقاتا رابين متطرف يهودي ومن حاول قتل البابا متطرف مسيحي ومن قتل السادات متطرف مسلم.
وطالب "الشريف" دول أوروبا باحترام عقيدة المسلمين وعدم الإساءة إليهم وعدم التجاوز في التصرفات بحجة الانتقام لمقتل هؤلاء الصحفيين، مشيرا إلى أن الحل هو الحوار الحقيقي بين الدول الكبرى والدول الإسلامية لطمأنة جميع الأطراف، وتحديد الاتهام في مثل تلك الحوادث أنه تصرف فردي، وواجب على المسلمين الاستمرار في سياسة التعريف بحقيقة الإسلام وسماحته وأنه دين ينبذ العنف.

الخطر قادم وعلينا الاستعداد لمواجهته

د. حسن نافعة
د. حسن نافعة
ويستنكر د. حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية والمفكر السياسي، تلك الجريمة التي وصفها بالبشعة مطالبا كل إنسان يحترم نفسه ودينه وانسانيته، مشيرا إلى أنه من الطبيعي أن يكون هناك رد فعل قوي على مقتل هؤلاء الصحفيين، وأن تحاول الأوساط السياسية اليمينية المتطرفة والمعادية للإسلام داخل المجتمع الفرنسي أو المجتمعات الأوربية بصفة عامة استغلالها للربط بين الإرهاب والإسلام لتشويه صورته واقصاء المسلمين والضغط عليهم، رغم أن من قام بهذه الجريمة متطرف إرهابي لا يمت للإسلام بصلة.
وأكد "نافعة" أن ضررا كبير سيلحق بالجاليات الإسلامية والعربية في أوروبا وخاصة فرنسا، فالخطر قادم وعلينا الاستعداد له لمواجهته، منوها إلى أنه لا يستبعد أن يكون هناك أجهزة تحرك مثل هذه العناصر المتطرفة لأنها لا تريد الخير للإسلام أو للمسلمين أو العرب.
وأشار المفكر السياسي إلى أنه وإن كان هناك تجاوزات من قبل بعض الأشخاص أو الجهات داخل المجتمعات الأوربية تجاه عقديتنا كمسلمين أو رموزنا الدينية، فهناك طرق أخرى كثيرة غير القتل نستطيع أن نرد بها على حملات السخرية والهجوم على الإسلام، فعندنا كثير من رسامي الكاريكاتير والفنانين والكتاب وأصحاب الأقلام الجادة كان ممكن أن يردوا بمقالات أو رسوم وليس بالقتل والتصفية الجسدية، لكن القتل يعطي مبررًا للهجوم على المسلمين.
وأوضح أستاذ العلوم السياسية أننا يجب أن ننتبه كمسلمين إلى اثر ما تفعله مثل تلك الهجمات الإرهابية أخطر مما تقوم به القوى الاستعمارية المعادية للمسلمين، لأن الغرب يستغلها ويصفنا بالقتلة والإرهابيين والبرابرة.
وطالب "نافعة" الأزهر والكتاب والمفكرين العرب بمعالجة الأفكار التي تخلق هذا النوع من التصرفات، وعلى مجتمعاتنا وانظمتنا أيضا أن توفر بيئة صالحة تخلق مواطنًا متزنًا معتدل وذلك يتطلب تغييرًا سياسيًا وتعليمًا مفيدًا يحرك الفكر ولا يعتمد على الحفظ فقط، ومطلوب حد أدنى من متطلبات الحياة الكريمة للشباب حتى لا يتجه للتطرف.

ضرورة التعريف بسماحة الإسلام عبر نماذج حية وعدم الاكتفاء بالتنظير

ضرورة التعريف بسماحة
وتؤكد الدكتورة داليا العدوي خبيرة تحليل الخطاب السياسي والإعلامي، أن ما حدث في فرنسا هو مؤشر لطبيعة العلاقة المتوترة والمستترة في المجتمع الفرنسي بالتحديد، دون نسيان بعض الممارسات ضد المسلمين في بعض دول أوربا الأخرى، فتصريحات المسئولين الفرنسيين وكذلك زعماء بعض الجماعات اليمينية هناك كلها تصب في اتجاه خلق مناخ غير متزن في العلاقة بين الفرنسيين والجالية الإسلامية، وتلك الحادث كشفت النار التي تختبئ تحت الرماد وتبعث برسالة إنذار لما يمكن أن تؤل إليه الأحداث سواء من جانب الفرنسيين الذين قد يتجهون للانتقام بعد هذا الحادث، أو من جانب المسلمين كردود فعل متبادلة مهما كان مستواها.
وأضافت "العدوي" أن الإسلاموفوبيا بدأت كالزلزال المدمر بعد أحداث 11 سبتمبر وتلتها موجات متتابعة، ربما تكون ضعيفة أحيانا لكنها لم تختف تماما، مطالبة بضرورة اتخاذ إجراءات على عدة مستويات منها السياسي والديني والثقافي سواء على مستوى الدول الإسلامية أو في الخارج لتقليل من أثر وتبعات هذا الحادث، إضافة إلى التعريف بالدين الإسلامي من خلال نماذج وليس التركيز فقط على المحاضرات أو التنظير فقط.

شارك