الحوار الليبي.. بين إرهاب "الإخوان" ووطنية "حفتر"
الأربعاء 14/يناير/2015 - 02:00 م
طباعة

يبدو أن الأجواء في ليبيا تزداد تعقيدًا، في ظل المشاحنات المستمرة بين أطراف القيادة المتفرعة في البلاد... من المحتمل أن تستمر تلك النزاعات مع تباين الآراء بشأن الإعلان عن عقد جولة الحوار الليبي في جنيف بعد مماطلة من طرفي الحوار .
في الوقت الذي يتأهب الجميع لعقد الحوار القادم في جينيف، أعلن البرلمانان المتنافسان في ليبيا مجلس النواب المنعقد في طبرق، والمؤتمر الوطني المنتهية ولايته، كل على حدة، مقاطعته الحوار الذي دعت إليه الأمم المتحدة في جينيف الخميس المقبل، بالرغم من مغادرة مندوبين مشاركين في الجلسة إلى سويسرا.
الحوار بين الرفض والتأجيل

قال فرج هاشم، الناطق باسم مجلس النواب المنعقد في طبرق، إن أعضاءه الذين ذهبوا إلى حوار جينيف لا يمثلون إرادة المجلس.
وأوضح أن الاتصال مع هؤلاء انقطع منذ مغادرتهم جنيف من طريق تونس، مشيراً إلى أن زملاءهم النواب في صدد اتخاذ قرار لسحب الثقة منهم ومطالبتهم بالعودة فوراً.
وبرر هاشم هذا الموقف بأن المجلس لم يصوت بعد على قرار المشاركة في الحوار، وأنه سيعقد جلسة لهذا الغرض قريباً.
يتوقع أن يضع البرلمان شرطاً لمشاركته، باعتباره الجهة الوحيدة التي تمثل الشرعية في ليبيا، تعبيراً عن رفضه الجلوس إلى طاولة حوار يكون فيها على قدم المساواة مع المؤتمر، الذي يرفض تسليم السلطة الاشتراعية على رغم انتهاء ولايته.
في الوقت ذاته، أَجَّل المؤتمر المنعقد في طرابلس- البت في المشاركة بالحوار إلى الأحد المقبل، على الرغم من أن موعده المحدد في جنيف الخميس.
وأتى قرار المؤتمر بعد جلسة تخللتها سجالات بين أعضائه، ما يدعو إلى التكهن بتغيير موقفه من الحوار.
في سياق آخر، أكد مصطفى عبد الجليل، رئيس المجلس الانتقالي السابق، مشاركة المجلس في إدارة الحوار في جنيف، محملًا مسئولية الأزمة في بلاده إلى الإسلاميين الذين قلبوا الطاولة على الليبيين بعد خسارتهم الانتخابات.. على حد وصفه.
ويرى خبراء أن رفض المشاركة في الحوار جاءت لعدم الرغبة في وضع القيادات الوطنية يدهم مع قتلى، في إشارة إلى جماعة الإخوان المسلمين الذي يقود حكومتها عمر الحاسي المقيم في طرابلس وينضم له قوات "فجر ليبيا" الموزاية لجيش خليفة حفتر.
وأكد الخبراء أن اللواء المتقاعد خليفة حفتر، الذي يقود الجيش الليبي في مواجهة الجماعات المسلحة، تمهل في الموافقة على إجراء الحوار حتى يتريث في اتخاذ القرار الصحيح في ظل مشاركة قتلى يدهم ملوثة بالدماء في الحوار.
لا حوار مع قتلى

في سياق مواز، كشف مصدر من شباب المناطق في ليبيا، لـ"بوابة الحركات الإسلامية"، أن الإخوان ينظمون لتظاهرة كبرى غدًا الخميس، في جميع المناطق للضغط على البرلمانين لقبول الحوار.
وأكد المصدر أن الجيش أصبح منتشرا في شوارع ليبيا ولن يتمكن إخواني من التظاهر في أي منطقة، حيث انتشار صحوات المناطق في البلاد.
ولفت إلى أن الحوار الليبي يجب أن يكون على الأراضي الليبية، ومن غير المعقول أن يُعقد حوار خاص بالشأن الليبي خارج البلاد.
من جانبه أكد مصدر ليبي مسئول، أن الأسماء التي تم تسريبها للمشاركة في الحوار، أغلبها لا تمتلك الحس الوطني الحقيقي، ولا الكفاءة الضرورية لخوض حوار مفصلي كهذا .
في حين وصف المحلل السياسي الليبي العربي أبو بكر الورفلي حوار جنيف بأنه حوار "طرشان" على حد تعبيره، متسائلا: لماذا لا يحضر ممثل عن مؤسسة الجيش؟
أحد كتاب مصراته، محمد عمر بعيو، يرى أن الحوار ما هو إلا سدا للذرائع أو "قلع ملام" على حد لهجته الليبية، قائلا: ما دمتم أيها الليبيون عاجزين عن التفاهم الذي يضمن هدنةً طويلة على الأقل، وليس استقراراً دائماً، فإن التدويل هو الحل الوحيد لقضيتكم بما في ذلك إيجاد الوسائل المناسبة للسيطرة على السلاح، فالغرب بعد الذي حدث في باريس لن ينتظر استفحال التطرف في هذه الدولة الفاشلة جدا.
فيما رأى مراقبون أن المصالحة أو الحوار الليبي، يجب أن يُعقد على أراضيها، في ظل الصراعات التي تشهدها البلاد، موضحين أنه من غير المعقول أن تكون النزاعات قائمة على الأراضي الليبية وهناك أطراف يعقدون اجتماعات للمصالحة في دولة أخرى، مؤكدين أن الحل هو المقاطعة حتى لا تتفاقم الأمور أكثر.
التساؤلات في هذا الشأن تعددت من كافة القيادات، حيث تساءل الجميع، هل تنجح جنيف مع الليبيين أم ستفشل كما فشلت مع السوريين؟
والجدير بالذكر أن مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا برناردينو ليون، انتزع موافقة مبدئية من أطراف النزاع، على الحوار في جينيف.
طريقة الحوار خطيرة

وعلى الرغم من موافقة الأطراف الليبية، مؤخرا على عقد جولة جديدة من الحوار، لإنهاء الأزمة السياسية والأمنية في البلاد، بمقر الأمم المتحدة في جنيف والتي تبدأ محادثات بين الفصائل الليبية المتنافسة اليوم الأربعاء، فإن صالح المخزوم، النائب الثاني السابق لرئيس المؤتمر الوطني العام الليبي المنتهية ولايته، والمحسوب على جماعة الإخوان، أكد أن الأمم المتحدة تسرعت في تحديد مكان الحوار وموعده، من دون إبلاغ المعنيين بذلك.
وقال: إن أعضاء المؤتمر رأوا أن طريقة الحوار المقترحة بجنيف خطيرة، وستؤدي إلى زيادة الفرقة والبعد، ولهذا قرر المؤتمر التريث حتى يوم الأحد المقبل لتكثيف الاتصالات مع رئيس البعثة برناردينو ليون من أجل إنجاح الحوار.
وأوضح المخزوم أن فريق الحوار فوجئ في ساعات متأخرة بطرح أسماء وأطراف كثيرة لم يُتفق عليها، وفوجئ كذلك بالطريقة التي ستعقد بها الجلسات بأن يكون كل فريق في مكان منفصل، ما يعني أن تكون الجلسات بصورة غير مباشرة.
يأتي ذلك في وقت تسربت فيه لائحة بأسماء مدعوين إلى الحوار، من بينهم ممثلون عن المجلسين، في ظل معلومات عن وصول بعض المشاركين إلى جنيف، لكن غياب الطرفين الأساسيين وفاعلين آخرين، يثير شكوكاً في جدوى الحوار ونتيجته، إذا انعقد.
المشاركون في الحوار

وضمت القائمة الرئيسية للمشاركين في الحوار، 23 شخصية سياسية وحقوقية.
ويمثل مجلس النواب المنتخب، كل من إمحمد شعيب- أبوبكر بعيرة- الصادق إدريس محمد وصالح همة، وعن النواب المقاطعين فتحي باشاغا- سليمان الفقيه- مصطفى أبو شاقور ونعيم الغرياني.
أما ممثلو المؤتمر الوطني العام المنتهية ولايته، فهم توفيق الشهيبي- الشريف الوافي- فوزي عقاب، صالح المخزوم- عمر حميدان- محمد العماري- محمد إمعزب وعمر أبو ليفة.
ووجهت الأمم المتحدة كذلك الدعوة إلى شخصيات حقوقية وناشطين سياسيين، هم أحمد العبار عضو المجلس الانتقالي السابق- نعيمة جبريل قاضية وحقوقية- الفضيل الأمين رئيس هيئة الحوار الوطني- نوري العبار الرئيس السابق لمفوضية الانتخابات- محمد عبدالعزيز وزير الخارجية السابق- نهاد معيتيق عن المجتمع المدني- موسى الكوني ممثل الطوارق.
كما أشارت الأمم المتحدة، إلى أن المحادثات تهدف لتأمين انسحاب تدريجي من كافة الجماعات المسلحة من جميع المدن الرئيسية، بما في ذلك طرابلس، وتمكين الدولة لتأكيد سلطتها على المؤسسات الحكومية والمنشآت الاستراتيجية والمرافق الحيوية.
وعن الجولات اللاحقة للحوار، أشارت البعثة، أن هذه الجولة الأولى من المحادثات السياسية، ستخصص لممثلي المجتمع السياسي والمدني، وسيتبع ذلك جولات أخرى ابتداءً من الأسبوع المقبل، لتشمل ممثلين عن مجالس بلديات مختارة من جميع انحاء ليبيا، بجانب مسارات إضافية تستكمل من خلالها عملية الحوار، حيث سيتم الالتقاء بالأحزاب السياسية والجماعات المسلحة، وكذلك زعماء القبائل، ليستكمل بذلك الإطار للحوار السياسي، بمشاركة جميع الأطراف.
لكن قوات "فجر ليبيا" المحسوبة على جماعة الإخوان، لم تستوعب هذا الاجتماع بين الأطراف، وتوقعت بانهيار المسار التفاوضي، وعلقت فور إعلان الأمم المتحدة عن قائمة المشاركين، من الواضح والأكيد أن المبعوث الأممي تسرع بالحوار، سعياً منه لعقد صفقة تقاسم للسلطة، سيترتب عليها استمرار مزيدا من الصراع.
وأشارت قوات فجر ليبيا في بيان صحفي، إلى تجاهل المبعوث الأممي مخرجات جلسة المؤتمر الوطني العام الأخيرة، والتي دعت لتأجيل النظر في مكان انعقاد الحوار إلى الأسبوع المقبل، مع ضرورة معرفة شخصيات الحوار وبنود وجدول الأعمال، قبل الجلوس على طاولة الحوار.
وقال البيان: ثمة مساعي حثيثة من برناردينو ليون وبعض خونة طبرق، لشق صف المدن المتمسكة بثوابت الثورة، وبالتالي شق صف ثوارها وزرع الشقاق بينهم وبين إخوانهم من ثوار المدن الأخرى، حتى يتم تأجيل الحسم العسكري، ويجلس حفتر ومن والاه على الجهة الأخرى من طاولة الحوار، ويتم تقاسم السلطة بينه وبين تجار الكراسي والمنافع ممن حسبوا على ثورتنا المباركة.
القاعدة اليد الخفية وراء الصراعات الليبية

من جانب آخر أكد مصادر أن حدث خلافات وتراشق بالألفاظ بين الأعضاء، بسبب الانقسام حول عملية المشاركة من عدمها.
وأوضحت المصادر أن عبد الوهاب القايد عضو المؤتمر الوطني ورئيس كتلة الوفاء لدماء الشهداء الإسلامية، يقود داخل المؤتمر تحالفا كبيرا من أجل إفشال انعقاد الحوار، من خلال الضغط على رئاسة المؤتمر، بعدم المشاركة مخافة فرض ضغوط دولية، على السلطة السياسية في طرابلس، التي يسيطر عليها جماعة الإخوان المسلمين وقيادات متطرفة.
وأكدت المصادر المطلعة، أن القايد وهو شقيق أبو يحيى الليبي القيادي البارز في تنظيم القاعدة، لا يقود هذه الجهود بمفرده، بل لديه تنسيق مباشر مع عبد الرءوف المناعي أحد النواب المقاطعين لاجتماعات البرلمان الليبي في طبرق، والذي يستعد لرفع دعوى بحق المبعوث الأممي الخاص إلى ليبيا، بدعوى انحيازه لطرف سياسي على حساب آخر، وعدم احترامه لحكم القضاء بحل البرلمان المنعقد في طبرق.
وفي سياق الحرب التي تشنها الجماعات المسلحة في ليبيا، قتل 3 جنود وجرح 4 آخرون في هجوم انتحاري على حاجز للجيش الليبي في منطقة الجليداية شرق مدينة إجدابيا.
من الواضح أن المشهد الحالي في ليبيا يشهد أزمة حقيقية في ظل التناحر الذي يطوى كافة السبل للوصول إلى حلول لتخطي الأزمة التي تتفاقم يومًا عن الاخر، قد يكون وراء إفشال الحوار أطراف من مصلحتها استمرار النزاعات على الأراضي الليبية أو تقاسم السلطة فيما بينها؛ الأمر يتعقد لتصبح ليبيا على حافة الانهيار التام، إلا حال ظهور أمر جديد ينقذ ما تبقى إنقاذه.