الصراعات في ليبيا.. تاريخ من النزاعات القبلية يهدد الاستقرار
الثلاثاء 20/يناير/2015 - 02:01 م
طباعة

رغم أن الأيام الماضية شهدت انفراجه محدودة في ليبيا، فإن الصراعات لا تزال قائمة على أراضيها، فمع انتشار الميليشيات المسلحة، باتت الدولة على حافة الانهيار، وبالأخص عقب السعي إلى انعقاد الحوار الليبي دون تنفيذ حتى الآن.
الصراعات الداخلية في ليبيا، ما هي إلا نزاعات على السلطة عقب الإطاحة بالرئيس المخلوع معمر القذافي، زادت في ظل تشكيل حكومة انتقالية، ورغم ذلك يوجد برلمانان وحكومتان وجيشان، فهناك حكومة معترف بها دوليًّا بقيادة عبدالله الثني، وتقيم في طبرق، وكذلك ينتمي لها جيش اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وهناك أخرى موازية بقيادة عمر الحاسي المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين، والتي تقيم في طرابلس، وتقود أيضا ميليشيات "فجر ليبيا".
ليبيا والصراعات

في ذات الوقت، فإن ما يحدث في ليبيا هو صراع بين ليبراليين وإرهابيين، كأنه مواجهة بين الثورة والثورة المضادة، أو بين الجيش الوطني والميليشيات، أو بين الإسلاميين والعلمانيين.
وعلى الرغم من هدوء الأوضاع إلى حد ما خلال الأيام الماضية، وانسحاب قوات فجر ليبيا، وكذلك وقف إطلاق النار في جميع الجهات، فقد تجددت الاشتباكات أمس الاثنين 19 يناير قرب ميناء السدرة النفطي بين قوات "حرس المنشآت النفطية" مدعومة بالجيش من جهة، وقوات "فجر ليبيا" من جهة أخرى، بعد أن أعلن الطرفان وقفا لإطلاق النار.
وكانت ميليشيات "فجر ليبيا" أعلنت يوم الجمعة الماضي وقفا لإطلاق النار، بحسب ناطقها الرسمي أحمد هدية في بيان تلاه أمام وسائل الإعلام، فيما أعلنت أيضا القيادة العامة للجيش الليبي وقف إطلاق النار اعتبارا من الساعة 12 منتصف ليلة الأحد 18 يناير الجاري في البر والبحر والجو على كل الجبهات، مع استثنائها عمليات "ملاحقة الإرهابيين"، وذلك تنفيذا لتوصيات الحوار الذي جرى مؤخرا بين الفرقاء الليبيين في جنيف برعاية الأمم المتحدة.
فيما تبادل الطرفان الاتهامات بتنفيذ هجمات جديدة على مشارف ميناء السدرة النفطي، حيث أشار علي الحاسي المتحدث باسم حرس المنشآت النفطية التابع لرئيس الوزراء المعترف به دوليا عبد الله الثني إلى أن الطائرات المقاتلة التابعة للجيش تصدت لهجوم شنته قوات "فجر ليبيا" الاثنين، في حين نفى أحمد هدية المتحدث باسم قوات "فجر ليبيا" وقوع اشتباكات، إلا أنه أقر بمقتل أحد جنود جماعته بإطلاق الخصوم قذيفة مدفعية.
وكانت قوات "فجر ليبيا" وقوات الدرع الثالث التابعة لمدينة مصراتة شنت هجوما مباغتا في 13 ديسمبر الماضي بهدف السيطرة على منطقة الهلال النفطي، إلا أن المعارك حول المنطقة تواصلت ولم تؤد إلى نتيجة واضحة.
فجر ليبيا تواصل عملياتها الإرهابية

من ناحية أخرى أكد شهود عيان من مدينة العجيلات 80 كلم غرب العاصمة الليبية طرابلس أن ميليشيات "فجر ليبيا" عاودت، هجومها على المنطقة، وأن اشتباكات عنيفة جرت ظهر اليوم على أطراف المدينة بين عناصر الميليشيات والجيش الليبي.
وأضاف شهود العيان أن المدينة تشهد حالة نزوح كبيرة بعد الهجوم المريع للميليشيات ونهب عناصرها لبيوت المواطنين.
من جانبه، أكد محمد الصائم، مساعد آمر الكتيبة 116 التابعة للجيش الوطني، أن الميليشيات حاولت استغلال الهدنة المعلنة من الجيش والتقدم باتجاه تمركزات الجيش على أطراف المدينة.
وأضاف أن الجيش استطاع صد هجوم الميليشيات وأجبرها على التقهقر؛ ما أدى إلى خروجها بشكل شبه كامل من داخل المدينة، وذلك بعد مقتل 6 وجرح 12 من عناصرها.
وأوضح الصائم أن الميليشيات انسحبت إلى تخوم مدينة صبراته، وهي تقوم حالياً بعملية تجنيد قسري للأهالي الذين أقفلوا محالهم التجارية وفضلوا البقاء في البيوت هربا من حملات التجنيد.
من ناحيتها استدعت حكومة ليبيا اللواء المتقاعد خليفة حفتر و108 آخرين من ضباط الجيش السابقين للخدمة بالجيش؛ مما يعزز تحالفها معه ضد حكومة منافسة في صراع على السلطة، حيث أكد قائد قوات حفتر الجوية صقر الجروشي والمشرع إدريس عبد الله ما جاء في القرار، وصدر القرار منذ أسابيع ولكن لم يتم الإعلان عنه من قبل.
ويوضح القرار مدى النفوذ المتزايد للشخصيات العسكرية في الحكومة الرسمية والبرلمان الذي أجبر على نقل مقره إلى شرق البلاد منذ استيلاء جماعة مسلحة متشددة تعرف باسم فجر ليبيا على العاصمة طرابلس الصيف الماضي.
وأقام البرلمان المنتخب وحليفه رئيس الوزراء عبد الله الثني تحالفا عسكريا بشكل تدريجي مع حفتر بعد فقدان طرابلس وعدم وجود قوة جيش أو شرطة فعالة.
السعي للقضاء على الجماعات المسلحة

من جانبه أكد حفتر أنه لا يريد سوى تخليص ليبيا من جماعات إسلامية مثل أنصار الشريعة التي تتهمها واشنطن بتنفيذ هجوم على القنصلية الأمريكية عام 2012 والذي قتل فيه السفير الأمريكي.
خليفة حفتر، يعتبر من عشرات القادة العسكريين للقوات غير النظامية التي رفضت نزع سلاحها بعد الإطاحة بالقذافي عام 2011. وفي مايو من عام 2014 بدأ حفتر وهو لواء سابق إبان حكم القذافي حربه ضد المقاتلين الإسلاميين من أنصار الشريعة في مدينة بنغازي بشرق البلاد، لكن طائراته الحربية هاجمت أيضا موانئ تجارية ومصنعا للصلب في غرب ليبيا، وأصابت ناقلة نفط تديرها اليونان في درنة هذا الشهر؛ مما أدى إلى مقتل اثنين من البحارة، وقالت قوات حفتر: إن الناقلة كانت تقل مقاتلين إسلاميين.
وفي سياق مواز، نددت جماعة فجر ليبيا المتشددة بحفتر ووصفته بأنه من الموالين للقذافي، ويحاول شن ثورة مضادة مع مسئولين بالنظام السابق، وأنه ساعد القذافي في الاستيلاء على السلطة عام 1969 لكنه انفصل عنه في الثمانينيات بعد هزيمة مدوية للجيش الليبي خلال حرب في تشاد.
من جهة أخرى، قالت غرفة عمليات السدرة التابعة لحكومة عبد الله الثني: إنها لم تتلق بعد أية أوامر بشأن وقف إطلاق النار، مشيرة إلى أنها ستنفذه متى تلقته من رئاسة الأركان العامة.
وأكدت الغرفة في بيان لها في الوقت نفسه على أن رئاسة الأركان العامة التي تتبعها الغرفة لن ترضى بإصدار قرار بوقف إطلاق النار؛ لأن "كل الليبيين أجمعوا على أننا نواجه إرهابيين، يهدفون إلى السيطرة على الهلال النفطي من أجل تحقيق أغراض سياسية واقتصادية بحتة".
ولفت البيان إلى أن قوات "فجر ليبيا" لا تزال إلى هذه اللحظة تقيم التحصينات والخطوط الدفاعية داخل بلدة بن جواد، و"يحشدون مزيدا من القوات، ما سيعطل عملية تصدير النفط من ميناء السدرة في المستقبل؛ لأنه في مرمى النيران".
وشددت غرفة عمليات السدرة على أن جهاز حرس المنشآت النفطية ووحدات الجيش وسلاح الجو المساند تقاتل داخل حدود الرقعة الجغرافية المكلفة بحمايتها، والتي تمتد غربا إلى ما بعد سرت بـ 150 كم، وأن مسلحي ما يعرف بفجر ليبيا متمركزون غرب ميناء السدرة بمسافة 30 كم، ما أرغم عددا من الشركات الأجنبية على المغادرة.
القاعدة.. الذراع الخفي داخل ليبيا

الأمر لا يتوقف على إطلاق النار في أنحاء البلاد، ولكن بدأت العناصر المسلحة، تتطرق إلى الاختطاف، والذي كان آخرها اختفاء محافظ ليبيا لدى "أوبك" في طرابلس، وأعلنت عائلة أحد أرفع موظفي وزارة النفط الليبية عن اختفائه منذ يوم الخميس بعد مغادرته لمكان عمله.
ويشغل سمير سليم كمال منصب محافظ ليبيا لدى منظمة "أوبك" ومدير عام إدارة التخطيط والمتابعة بوزارة النفط الليبية، وقد اختفى كمال عند الساعة الثالثة ظهراً بعد مغادرته مكتبه في وسط العاصمة طرابلس، ولم تصدر أي بيانات رسمية تكشف عن مصير كمال من قبل السلطات التي تدير شئون البلاد .
وزعم ممثلو الميليشيات الحاكمة في طرابلس المتمثلة في الإخوان المسلمين، بأن "كمال" بخير، وأنهم يعلمون بمكان وجوده وبأنهم يتابعون موضوعه.
ومن جانبها تبنت "القاعدة" عمليات استهداف المصريين بليبيا، حيث كشفت مصادر أمنية مطلعة على ملف المصريين المختطفين بليبيا، أن تنظيم "القاعدة" هو مَن يدير عمليات الاختطاف، سواء بشكل مباشر أو عبر مجموعات مسلحة تخضع له بالولاء وتتلقى منه التمويل، ولا سيما "أنصار الشريعة".
وحددت المصادر، خمسة من أبرز قيادات المتشددين الذين يديرون عمليات استهداف المصريين بليبيا، وهم "ناصر طليمون"، القيادي بالقاعدة الذي تدرب بأفغانستان وعاد إلى ليبيا وحُكم عليه بالإعدام لكن سقوط نظام القذافي جعله يهرب من السجن، و"إسماعيل الصلابي"، القيادي بتنظيم الشريعة ومسئول التدريب بما يسمى المعسكرات الجهادية، و"سفيان بن قمبو"، مسئول الاتصال بأنصار الشريعة بدرنة، و"عبد الباسط عزوز"، مستشار أيمن الظواهري زعيم القاعدة والقائد الميداني للتنظيم بليبيا، و"محمد ريان"، الشهير بـ "مساعد ريان"، الذي أشرف على إنشاء العديد من معسكرات المتشددين.
الصراعات في 4 جبهات

يدور الصراع في ليبيا على أربع جبهات، وليس جبهتين اثنتين فقط، كما عرض كامل عبد الله محمود خبير الشئون الليبية في مركز الدراسات الاستراتيجية بالأهرام، وهي كالتالي: جبهة الشرق، والتي تدور المعارك الأساسية في رحاها ويتمركز فيها اللواء حفتر، وقد التفت حوله عدة فئات، منها الضباط السابقون الذين حاربوا معه في تشاد إبان الثمانينيات، إضافة إلى إحدى كتائب المنطقة "كتيبة حسين الجويفي"، ومجموعة حملت اسم "أولياء الدم" وهم عائلات الذين قتلوا في الاشتباكات، والشخصيات التي خضعت لقانون العزل الذي أصدره المؤتمر الوطني، وأقصى من الحياة السياسية كل وزراء وأعوان القذافي.
الجبهة الثانية، جبهة الغرب، وركيزتها مدينة طرابلس العاصمة مقر المؤتمر العام والبنك المركزي ووزارات الدولة، وتتجمع فيها القوى التي قامت بثورة 17 فبراير، والتي أسقطت العاصمة وأنهت حكم القذافي والإسلاميون ضمن تلك القوى، وقد شكل هؤلاء وهؤلاء ما عُرف بقوات "فجر ليبيا"، وهم مؤيدون من قبائل مصراتة والأمازيغ والزاوية وغريان، إلى جانب أهالي مدينة سوق الجمعة وما يربو على 22 مدينة في الغرب. ومن الغريب أن يوصف هؤلاء بأنهم إرهابيون.
أما الجبهة الثالثة فهي جبهة درنة، وهي مدينة حضرية تعد معقلا للإسلاميين المتشددين، وعلى رأسهم جماعة "أنصار الشريعة" وأنصار تنظيم الدولة الإسلامية والأخيرون هم الذين بايعوا داعش، إلى جانب مجلس شورى شباب الإسلام.
ويشكل الليبيون القاعدة الأساسية لتلك الجماعات، إلا أن بينهم آخرين انضموا إليهم من أنحاء مختلفة من دول المغرب العربي ومصر. وهؤلاء قدَّرتهم المصادر الأمريكية بما لا يزيد على 200 شخص، في حين تتحدث وسائل الإعلام العربية عن أن عددهم يتراوح من سبعة إلى عشرة آلاف شخص.
وقد استفادت الجماعات المتشددة من الطبيعة الجغرافية للمدينة التي خصصتها لمواجهة العدوان، وادعوا أنهم أقاموا إمارة إسلامية على أرضها، ولم تنجح قوات حفتر في الوصول إليه، حتى الآن.
الجبهة الرابعة كما صنفها عبدالله محمود، هي الجنوب الليبي: وهو الحزام الملاصق والمتداخل مع الدول الإفريقية المجاورة، وتسكنه قبائل "التبو" ذات الأصول الإفريقية، والطوارق وجزء من الأمازيغ إلى جانب العرب، وبين تلك القبائل جوار ترتبت عليه مشاحنات عدة بعد الثورة، بسبب التسابق بينها إلى النفوذ على طرق التهريب والتجارة في مناطق الحدود.
المشهد الحالي يوضح، أن الحوار الليبي الذي دعت له الأمم المتحدة، أمر لا بد منه في الوقت الراهن، وإلا سيكون عواقب ما يحدث إطالة أمد الصراع واستمراره لأجل طويل، كما أنه يتبين لنا من هناك أيادي خارجية تريد الإطالة في الصراعات القائمة على الأراض الليبية، في سعيها لتحقيق مصالحها الخاصة، وهذا الأمر أحيا صراعات كانت قديمة بين القبائل المتواجدة وأظهر العناصر المسلحة في ليبيا وجعلها تتحرك كما يحلو لها.
ويتبين ذلك من خلال قبائل مصراتة والزنتان وبين التبو الأفارقة والقبائل العربية، والذي تتوسع بينهم دائرة النزاع يوما عن الآخر؛ ما يجعل عودة الحياة في ليبيا كما كانت أمرا صعبا الآن، ويجعل ليبيا هي ضحية نزاعات قديمة أحيتها الصراعات السلطوية الحالية؛ ما سيؤدي إلى تهديد الاستقرار في الوقت الحالي.