محاكم داعش.. "عندما تذبح الإنسانية باسم الشريعة"
الأربعاء 21/يناير/2015 - 02:17 م
طباعة

منذ ظهور تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام "داعش" والعالم يفيق يوميا على نوبات مفزعة من عقوبات المحاكم الشرعية المروعة؛ لذلك التنظيم الدموي، ما بين صلب ورجم وذبح.
الأمم المتحدة اتهمت في تقرير لها "داعش" بإنشاء "محاكم شريعة" في الأراضي الواقعة تحت سيطرته، وتنفيذ عقوبات وصفتها بـ"القاسية وغير الإنسانية" ضد الرجال والنساء والأطفال، وأن التهديد الأكبر يطال النساء المثقفات، وخاصة المتعلمات والمهنيات.

رافينا شمداساني
وقالت رافينا شمداساني، المتحدثة باسم مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان: إن التنظيم "يوقع العقاب على الذين يقومون بانتهاك تفسيرات المجموعة المتطرفة للشريعة الإسلامية أو للاشتباه في عدم الولاء، ومن ذلك قتل رجلين بإلقائهما من أعلى مبنى بعد اتهامهما بارتكاب أعمال مثلية الجنس من قبل ما يسمى محكمة في الموصل، وهو مثال آخر رهيب لهذا النوع من الاستخفاف الوحشي للحياة البشرية التي ميزت حكم داعش الإرهابي في مناطق العراق."
وأشارت إلى أن الصور التي ينشرها التنظيم حول تنفيذ تلك الأحكام القاسية، وبينها صور لرجلين صُلبا بعد اتهامهما بالسرقة وصورة لامرأة تعرضت للرجم بالحجارة حتى الموت، بزعم ارتكاب الزنا، بالإضافة إلى أن المتعلمات والنساء المهنيات، ولا سيما اللاتي كن قد ترشحن في الانتخابات لشغل المناصب العامة يواجهن الخطر الأكبر. ففي غضون الأسبوعين الأولين من السنة، أشارت تقارير إلى إعدام ثلاث محاميات وإعدام أطباء بتهمة رفض معالجة عناصره، إلى جانب قتل العشرات في ساحات عامة بتهمة "الاشتباه في تعاونهم مع قوات الأمن العراقية" أو "رفضهم مبايعة داعش".
وكانت "داعش" قد بدأت في يوليو 2014م في إدارة المناطق التي سيطرت عليها، وكأنها دولة مستقلة كاملة الأركان وشرعت في تأسيس محاكم مدنية وإدارية تحت دعوى التزامها بالشريعة الإسلامية، ولكن الممارسات العملية لها جعلتها "محاكم تفتيش" على رقاب أهل العراق وسوريا، وهو الأمر الذي يذكرنا بصفحات تاريخ الكنيسة المسيحية من القرن الثالث عشر إلى السادس عشر وأساليبها البشعة في الصراع ليس مع منتقديها والخارجين على نظامها الصارم الذي أوقف الحياة وجعل كل "مؤمن" بغير أفكارها المتطرفة من "الهراطقة" وهم الكفرة من وجهة نظر الكنيسة وقتها، وتطير تحت سيوفها رقاب الآلاف من العلماء والفنانين ورجال الدين، بل والمواطنين من شتى الشرائح الاجتماعية وأبناء الأديان الأخرى.

وعندما استولت داعش على الموصل أعلنت عن فتح 8 محاكم شرعية في المدينة عبر مكبرات صوت بسيارات جابت شوارع المدينة، وفي مدينة الفلوجة أقامت "داعش" 8 محاكم شرعية، موزعة على الأحياء التي تقع تحت سيطرتها اثنتين منها في مدرستين، بينما اتخذت المحاكم الستة المتبقية في الجوامع.
وتعد أحكام هذه المحاكم نموذجا صارخا على التطرف وسيطرة رجال الدين الإدارة في الخلافة المزعومة لتصدر أحكام لا علاقة لها بالدين الإسلامي وتعاليمه السمحة، ومنها ما قامت به في ناحية السعدية من إعدام عدد كبير من المدنيين والموظفين لدى الحكومة من خلال هذه المحاكم الشرعية؛ مما أدى إلى خلو الناحية.
ووصلت البشاعة إلى قيام هذه المحاكم بصلب "طفل" بتهمة الإفطار في نهار رمضان، وبدون عذر شرعي وحكمت عليه محكمة داعش بأن يظل معلقا طيلة اليوم وتحت أشعة الشمس الحارة وتم وضع لافتة على صدر الطفل مكتوب عليها "إفطار دون عذر شرعي" ليكون عبرة للآخرين.

بالإضافة لصلب رجل في ساحة منطقة الساعة في محافظة الرقة، بعد إعدامه بإطلاق رصاصة على رأسه، وذلك بتهمة قتل مسلم في المحافظة عمدًا "غيلة"، أي لأخذ ماله، ومن قبلها صلب مراهق ثم قتله لاتهامه بالتجسس وبتقاضي أموال مقابل التقاط صور لمقر التنظيم في سوريا، ونشرت صورة غاية في البشاعة له وهو مصلوب وعمره لا يتجاوز 17 عاما، ومنهك وملطخ بالدماء، وعليه لافتة معلقة حول رقبته ومكتوب عليها بخط اليد:
"الجرم: تصوير مقرات الدولة مقابل مبلغ 500 ليرة تركي علني عن كل فيديو".
وأصدرت العديد من الأحكام، كصلب شاب بتهمة شهادة الزور وآخر تم قطع يده بعدما قام بسرقة مستأجره وبلغت المهازل أقصى مداها بمعاقبة كل من يمارس الحلاقة الرجالية، وحرق صالونات الحلاقة النسائية في الأحياء المسيطر عليها وإجبار الأهالي على وضع علم التنظيم، أمام كل منزل، ومن لم ينفذ يعاقب.

النساء لم تسلم من المحاكم الداعشية حيث بث نشطاء من تنظيم داعش فيديو بشعا يبين المهزلة التي تفعلها هذه المحاكم؛ حيث يظهر عملية رجم فتاة من ريف حماة الشرقي حتى الموت بتهمة الزنا، ويبين بوضوح قسوة ما تتعرض له النساء والفتيات من طرف هذه المحاكم، وهو ما جعل أغلبهن يطلقن نداء الاستغاثة، هربا من جحيم التنظيم حيث بدت إحدى الفتيات مرعوبة في الفيديو وهي تجيب عن أسئلة أحد "قضاة داعش"، الذي حاكمها في مكان تم إعدامها فيه على ما اعتبره جرما اقترفته، وأجبرها على الاعتراف أمام أبيها بدخولها في علاقة "غير شرعية" ما يستدعي، حسب قوله "تنفيذ حكم الله."
وبدا الأب غير راض عن فعلة ابنته، وطالبَ المسئولَ عن تنفيذ حكم الرجم بالعفو والصفح عن ابنته، فرفض ذلك تكرارا، حتى تَدَخَّل أفراد آخرون ليقوم بالصفح عنها. وطلب المسئول من الفتاة أن تقول آخر كلمة لها في الدنيا قبل انتقالها إلى الآخرة، فقالت: "أنصح كل حرمة مستورة أن تحافظ على عرضها أكثر مما تحافظ على روحها، وأنصح كل أب لم يزوج ابنته أن يراقبها."
ووجه بعدها المسئول في التنظيم رسالة شديدة اللهجة إلى الشباب والرجال ألا يتركوا النساء، ووصاهم بالتزام زوجاتهم حتى لا يلعب الشيطان بقلوبهن وعقولهن.

وفي حادثة هي الأولى من نوعها، رجمت "داعش" فتاة حتى الموت لاستعمالها حساباً شخصياً على موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك"، بعد أن اقتاد عناصر التنظيم الفتاة إلى المحكمة الشرعية في محافظة الرقة السورية، بعد أن تم ضبطها تستعمل حسابها الخاص على "فايسبوك "واعتبرت المحكمة أن "استعمال الفايسبوك فعل مشابه للزنا ويجب تطبيق عقابه، أي الرجم حتى الموت".
أحمد الزركوشي مدير ناحية السعدية وأحد الشهود على محاكم داعش في العراق أكد على أنه "منذ أن احتل تنظيم داعش الناحية وأسس فيها ما يسمى بالمحاكم الشرعية حتى شرع في إعدام أعداد كبيرة من المدنيين الأبرياء والعناصر الأمنية، بالإضافة إلى إعدام عدد من النساء والرجال كبيري السن وإحداث فاجعة إنسانية كبيرة بالناحية وسكانها".
واعتبر أن "مثل هذه المحاكم ما هي إلا عبارة عن مهزلة أقامها التنظيم الهدف منها إزهاق أرواح المدنيين وبالأخص أولئك الذين يعارضون التنظيم وأفكاره المتطرفة، وتنصيب والي يتصف بأبشع صور الإرهاب والإجرام الذي عُرف به التنظيم لتنفيذ أبشع الأحكام بحق المدنيين العُزل".
ويعتبر الدكتور فالح الحمراني أن عصابات داعش، تنشر في أجوائنا رائحة الدم والقتل والتعصب، لتصفي ما في وعي أبناء بلدنا من عادات وأخلاقيات برهن التاريخ على صحتها وعلى ثقافة التعايش بسلام وتسامح وقرابة وأخوّة، ولتبشر بقانون ليس من الأديان بشيء، أنه قانون الغابة وتعودنا على ممارسات بات إنسان العصر يشمئز منها، ولكن الفداحة تكمن في أنها تتحرك باسم "الإسلام" وتحتكره لنفسها، وتدعي بأنها "ظل الله على الأرض" وأن "داعش" بممارساتها تلك تعيد محاكم التفتيش مرة أخرى لتأخذ منحىً عالمياً، وتردد أصداؤها في تايلاند وإندونيسيا وماليزيا والفلبين.