البابا والملكة و"الصباغ".. يطرحون المسكوت عنه في كواليس الرسوم المسيئة

الخميس 22/يناير/2015 - 08:21 م
طباعة البابا والملكة والصباغ..
 
جمعت المصادفة أمس ثلاثة آراء لثلاثة شخصيات حول قضية الرسوم المسيئة  والتي نشرتها مجلة شارلي إيبدو، وأدت إلى مذبحة  ما زالت تترك آثارًا متنوعة ما بين سخط وعنف وصلت لحرق 45 كنيسة بالنيجر. وصدور قوانين تحد من الحريات في أوروبا كان الرأي الأول المتجدد للبابا فرنسيس بابا الفاتيكان، الذي تحدث عن الخصوصية الثقافية حيث سئل البابا على متن طائرة العودة من الفلبين إلى روما عن موضوع الاستعمار الأيدولوجي  (الذي يعتبره البعض إحدى آليات العولمة الفكرية)، فقال إن هذا الاستعمار يبدأ عندما يفرض على شعب ما نظرية لا علاقة له بها ولكنها تجبره على تغييرات بنيوية أو عقلانية، ومن  هنا يفقد الشعب حريته يجب على كل شعب أن يحظى بتاريخ له وبثقافة تميزه عن الآخرين هذه الإيدولوجية المتبعة اليوم في بعض الدول تسعى للسيطرة على الإنسانية

نحن بشر:

بابا الفاتيكان
بابا الفاتيكان
أما من باب إيضاح ما قاله البابا على متن طائرة العودة من سريلانكا حول حرية التعبير وإن تكلم أحد منا بالسوء عن أمه أمامه قد يضطر للكمه في وجهه طلب إليه أن يشرح الموضوع أكثر كي يفهم من الجميع لأن البعض فهمه وكأنه يشجع ممارسة العنف فأجاب،  أنه من الناحية النظرية أي ردة فعل عنيفة هي غير مقبولة، ومن الناحية النظرية يمكننا أن، وبحسب ما يقوله الإنجيل، ندير الخد الآخر، ويمكننا أن نقول ايضًا أننا نملك حرية التعبير، ولكن نحن بشر ولا نستطيع إهانة شخص آخر أو استفزازه لأننا نخاطر بجعله غاضبًا ونواجه خطر تلقي ردة فعل ظالمة منه وهذا ليس بعادل ولكنه إنساني لهذا السبب يجب على الشخص أن يكون حذرًا من حيث حرية التعبي وكرر البابا نداءه  الى كبار القادة المسلمين كي يأخذوا موقفاً ضد الهجمات الإرهابية فقال: "هناك أيضًا النداء الذي توجهت به الى الدبلوماسيين في خطابي الافتتاحي في سريلانكا حين قلت أن القادة الدينيين والسياسيين يعبرون عن أنفسهم، والعالم الإسلامي أيضاً يسأل قادته أن يفعلوا الأمر عينه، وبعضهم فعل، والبعض الآخر يحتاج لبعض الوقت لأن الوضع ليس سهلا بالنسبة إليهم، ولكنني لا أفقد الأمل لأن بينهم كثيرًا من الناس الطيبين

الملكة رانيا: من الخطأ ربط دين بأكمله بأعمال أقلية

رانيا العبدالله
رانيا العبدالله ملكة الاردن
الملكة رانيا العب دالله  ملكة الاردن أكدت على ضرورة احترام الأديان والتعاليم الخاصة بها وعدم الإساءة للإسلام ومشاعر المسلمين، واعتبرت أن ربط دين بأكمله وأتباعه بأعمال أقلية هو أمر خاطئ، ولوم الاسلام عليها هو تحامل، معبرة عن رفضها للرسومات المسيئة، قائلة "كمسلمة، أنا ضد هذه الرسومات وأشعر بالآهانة والألم لعدم احترام ما نؤمن به"وأضافت في مقابلة مع مجلة "ذي اكس برس" الفرنسية نشرت، اليوم الاربعاء، لا يمكن لـ16 مليار مسلم أن يتحملوا المسؤولية الجماعية لأفعال هذه الأقلية التي تتعارض مع تعاليم الإسلام – الدين السمح الذي يعطي قيمة وقدسية لحياة الانسان
وحول إعادة نشر الرسومات أكدت أن "المزيد من تلك الرسومات يعمق عدم الثقة ويحرض على التحامل، في وقت علينا أن نعزز فيه التسامح والتفاهم" واضافت أن الكثيرين من العالم العربي مستاؤون من ازدواجية المعايير عندما يتعلق الأمر بحرية التعبير وتساءلت الملكة رانيا "لماذا يتم اعتبارها حرية تعبير عندما يتعلق الأمر بالإسلام، بينما يتم اعتبارها أمراً محرماً وخطاً أحمر عندما تكون المسألة مختلفة؟ " وأضافت "بالتأكيد هناك توازن يتوجب ايجاده بين حرية التعبير وحماية كرامة وحرمة الدين، ولا يجب أن يكون الدافع لذلك هو الخوف، بل يجب أن يقوده الاحترام والتفاهم" وقالت لنكن واضحين، لا يجوز استخدام العنف، وللجميع الحق الكامل في الشعور بالاستياء، "والتعبير عن الرفض، والشجب، والانتقاد، والاحتجاج، ولكن يجب القيام بذلك باحترام وبطريقة سلمية"
وأضافت "في الإسلام، وبكل بساطة، من غير المقبول أن يتم تجسيد الأنبياء بأي شكل، واحترام الأنبياء هو مبدأ رئيسي لديننا، فعلى سبيل المثال أخيراً، مُنع فيلم (الخروج: الآلهة والملوك) في عدة دول عربية لأنه اعتبر أنه لا يظهر احتراماً كافياً لمكانة النبي موسى عليه السلام"
وفي سؤال عن مشاركتها في المسيرة في باريس، قالت نحن في المنطقة العربية من أكثر الشعوب التي تتفهم الصدمة والخسارة التي شعر بها الفرنسيون، وذلك لأن تلك الأمور "هي حقيقة يومية ومؤلمة في العديد من أرجاء العالم العربي، من سوريا إلى العراق وفلسطين وغيرها، وعلى الرغم من مرور أكثر من تسع سنوات، بالتأكيد لن أنسى ولن ينسى أحد أبداً في الأردن تفجيرات عمان فقدنا 60 روحاً بريئة في ذلك اليوم المأساوي"وقالت "المجموعات المتطرفة قتلت الالاف والآلاف من الأبرياء، والحقيقة أن غالبية الضحايا هم من المسلمين"وأضافت أن المشاركة في مسيرة باريس حملت رسالة في غاية الأهمية هي الاتحاد العالمي ضد أيديولوجية الكراهية، وهذا بالضبط ما لا يريده المتطرفون، مشيرة إلى أن ما نواجه اليوم هو صراع بين المعتدلين والمتطرفين، ليس في الشرق الأوسط فقط، بل في العالم، وأكدت الملكة أن المشاركة في المسيرة جاءت ايضا تقديرا لمواقف الشعب الفرنسي تجاه القضايا العربية في أوقات صعبة، وفي مراحل مختلفة من التاريخ، آخرها موقف البرلمان الفرنسي المشرف في الاعتراف بالدولة الفلسطينية وحول وجود المسلمين في الدول الغربية، أكدت الملكة رانيا أن ذلك "واقع وحقيقة تمثل فرصة، تخوفي هو أننا نرى تزايداً في الخوف  والصور النمطية السلبية عن العرب والمسلمين في الغرب"، وقالت "على الدول أن تعمل بجد لدمج الأقليات بمساواة واحترام كاملين لثقافتهم وتقاليدهم"وأضافت  "أن تصبح مجتمعاتنا مزيجاً متنوعاً من الأديان والأعراق والثقافات المختلفة هو واقع لا يمكننا تجاوزه في عصر العولمة الذي يفرض هذه الحقيقة، وتحقيق العدالة والتوازن هو الوسيلة الأمثل للعيش في انسجام اجتماعي"، وقالت "نحن المسلمون لسنا مختلفين، لدينا نفس المتطلبات التي لدى أي شخص، نحب أولادنا ونريد الأفضل لهم، ونهتم بجيراننا، ونعمل بجد، والتجارب والتفاعلات الشخصية يمكن ان تساعد في طمس سطور الانقسام بين نحن وهم" وحول دور المسلمين الاوروبيين في امكانية اعطاء تعريف جديد للعلاقة بين الدين والحداثة، وبين الدين والديمقراطية، قالت "لا اشعر أبداً ان هناك تعارضاً بين الدين والحداثة، والدين بالتأكيد لا يتعارض مع الديمقراطية "وأضافت "في الحقيقة، اعتقد ان العديد من قيم ديننا كالمساواة، والتسامح، والمغفرة، والحوار، والسلام، والاهتمام بالتعلم، والتقدم، والعمل الجاد لها أن تساهم في مواجهة بعض التحديات التي نواجها في العالم العربي اليوم"واكدت ان "الحداثة تعني التقدم، ولا تعني أن نتخلى عن هويتنا في تقليد أعمى لثقافات أخرى، انها تعني التواصل مع العالم والتفاعل معه والانفتاح عليه، وهذا لا يأتي على حساب الدين أو الهوية.

رنا الصباغ: في التاريخ نكرات أدبية مثل سلمان رشدي و"شارلي إيبدو"

الكاتبة الصحفية رنا
الكاتبة الصحفية رنا الصباغ
وفي سياق متصل اكدت الكاتبة الصحفية رنا الصباغ  قامت الدنيا ولم تقعد في العالم العربي والإسلامي منذ نشرت المجلة الفرنسية الساخرة "شارلي إيبدو" رسوماً كاريكاتورية متخيلة، مسيئة للرسول الكريم، بعد أيام على مقتل ثمانية من محرريها ورساميها في هجوم شنّه الأخوان كواشي، المتخرجان من رحم "داعش"، على مقرّ المجلة.
وقد سارع زعماء وساسة وبرلمانيون وإعلاميون عرب إلى إدانة الصحيفة التي نشرت الرسم على صفحتها الأولى للعدد الذي أعده "الناجون" من فريق تحريرها ورد رسامو كاريكاتير عرب على الأسبوعية بأعمال ساخرة، تشكك في مقاصد حرية التعبير في الغرب، وانتقدوا نفاق قادته، وكذلك إسرائيل، والمعايير المزدوجة ضد المسلمين وجالت مظاهرات في شوارع المدن والقرى وسط مطالبات بمقاطعة المنتجات الفرنسية وهذه التصرفات من قبل هؤلاء الزعماء والساسة والبرلمانيين والإعلاميين العرب مبررة، وهي من حقهم، بحسب ما نلمس من مواقف المقابل، لم يتحرك الشارع العربي ضد الممارسات الإرهابية لتنظيم "داعش" الذي يتصرف باسم الإسلام عندما قتل مئات العراقيين من الإيزيديين والمسلمين الشيعة، وعذب وقتل وطرد مسيحيين من ديارهم في الموصل وغيرها من المدن، وحين جزّ رقاب صحفيين عرب وأجانب هذه المعادلة تستدعي مجموعة أسئلة مليونية: هل ثمّة ازدواجية في المعايير عندنا؟ وهل نقبل هذه الازدواجية وندفن رؤوسنا في الرمال؟ ومن أضر أكثر بالدين الإسلامي الحنيف وبثقافتنا ذات الجذور العربية الإسلامية، رسوم "تشارلي إيبدو" واستفزازات مجلة هامشية مشاكسة في دولة ديمقراطية عريقة كفرنسا، أم أفعال تنظيمات سلفية وفكرها الظلامي والتكفيري الذي يتغلغل في أحشاء مجتمعاتنا.. حال فكر "داعش" وأخواته، باسم الدين، فيما الدين منها براء؟ الحجة الأكثر ترديداً هي أن المجلة مسّت مشاعر مليار ونصف المليار مسلم حول العالم، بمن فيهم العرب، هويتهم الأولى والجامعة هي الإسلام، الحجة الثانية هي أن المرجعية الفكرية والثقافية العربية الإسلامية في مجتمعاتنا تختلف جذريا عن غالبية المجتمعات الغربية التي مرت بعصور تنوير قبل عقود، وجاهدت لفصل الدين (الكنيسة) عن الدولة، وشرعنة حرية التعبير كحق مقدس، بما فيه حق انتقاد الشخوص الدينية فبيننا وبينهم سنوات ضوئية أما الحجة الثالثة، فهي أن تيارات يهودية متشددة مارست الإرهاب ضد كل من ينتقد الدين اليهودي، ونجحت في دفع أي شخص للتفكير مرتين قبل أن يقترب من مس دينها ومعتقداتها برسوم كاريكاتورية أو خطب رسمية أو مقالات وكتب ووفق هذه الحجة، فإن علينا تجريم المس بالدين الإسلامي وبالأنبياء والرسل والمعتقدات، هذه الحجج قد تُقبل أو تُرفض بحسب المتلقي، وإسقاطاته النفسية ومرجعياته الفكرية والقيمية والدينية لكن يظل السؤال الأساس في بال من يريد العيش في القرن الحادي والعشرين وثورة المعلومات والعولمة التي كسرت كل الحدود: ماذا تغير في منظومة قيمنا الفكرية والأخلاقية، بحيث غدا المرفوض مقبولا أو قابلا للتبرير، وبات هناك "داعش" صغير يطل برأسه شيئا فشيئا؟ بالتأكيد تغير الكثير داخل عالمنا خلال عقود الاستبداد والفساد، وسياسات التجهيل المتعمد، وغياب أي محاولة لقيام دول على أسس المواطنة وتقبّل الرأي المخالف بفعل تلك العوامل البنيوية، تحولنا إلى مجتمعات أحادية التفكير، تفرض حصارا على الفكر والحريات، وتطارد الضمائر والحروف والرسوم والمسالمين، لكننا لا نستطيع فرض أجوائنا على العالم الكبير، لا نستطيع إجباره على التفكير على نسقنا، والكتابة مثلنا، والإيمان مثلنا فمنذ أواخر القرن السابع عشر، يعتبر الغرب حرية التعبير ركنا في حضارته هذه الحرية جاءت بعد عقود من الدماء والصراع السياسي ومن حق من يرفض هذه الحضارة وقيمها أن لا يعيش فيها، وأن يبحث عن مجتمع يشبهه ويمنحه مناخا فكريا وقيميا خاصا به 
لنتخيل السيناريو التالي: لو لم نعر المسيء أي اهتمام، لكنّا حرمناه من التضخم، ونزعنا عنه لقب البطولة وفي التاريخ نماذج عديدة لنكرات أدبية تحولت إلى ضحايا وأبطال، مثل الهندي سلمان رشدي و"تشارلي إيبدو" تحولت إلى حركة عابرة للحدود، ترمز لحرية الرأي والتعبير، إذ طبعت المجلة ثلاثة ملايين نسخة بعد أن كانت على حافة الإفلاس دون 70 ألف عدد، لنعد إلى الوراء كم من المرات نظم كفار قريش قصائد تذم الرسول وصحابته الكرام تلك القصائد لم تصلنا، لأن المسلمين الأوائل لم يتناقلوها ولم يعيروها أي اهتمام، فكان أن اندثرت ماذا لو قرر ملايين العرب والمسلمين وغيرهم ممن يعتقد بأن هذه الرسوم أساءت للنبي والإسلام، عدم الالتفات إليها وإهمالها؟ أليس من الأفضل العمل بوصية عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "أميتوا الباطل بالسكوت عنه ولا تثرثروا".

شارك