" طهران ..إسطنبول ..بيروت" الإخوان والبحث عن: المأ وى والنفوذ المالي والاعلامي
الإثنين 12/مايو/2014 - 08:22 م
طباعة

في الوقت الذي يُحاصر فيه تنظيم الإخوان بلقب "الإرهابية"، بالتزامن مع التغيير المفاجئ لبعض الحكومات الغربية، التي استضافات التنظيم الدولي على أراضيها، والتي بدأت في التخلي التدريجي عن الجماعة مثل انجلترا - لم تجد الجماعة بدًّا من البحث عن ملجأ تأوي إليه هرباً من الملاحقات والتضييقات، التي نتجت عن ممارستها المُهددة لدول المنطقة، في محاولة منها لجمع شتاتها وإعادة بناء قواعدها التي انهارت، عقب الإطاحه بحكمها في مصر، خاصة بعد أن تغيرت قوانين اللعبة، بعد الحصار السياسي الذي تعرض له الجناح الممول للجماعة والمتمثل في قطر، والمهدد بفرض عزلة عربية عليه بسبب دعمه للجماعة، إضافة لحالة الوهن التي أصابت الجناح المسلح المتمثل في حماس، بعد أن وجد نفسه في مواجهة لا قبل له بها مع الدولة المصرية، ولم يجد إلا الخنوع مفرًّا له من تلك المواجهة المحسومة للجانب المصري.
لقد أدركت الجماعة ضرورة خلق بديل عن داعميها التقليديين، والبحث عن أرض جديدة تحتضن نشاطاتها التي تواجه رفضا شديدا بالمنطقة، فتحولت بوصلتها تجاه لبنان وإيران وتركيا، بعد أن درست جيداً كيفية الاستفادة من تواجدها بكل دولة، إضافة إلى نوع الدعم الذي ستلقاه، فهناك دول تمتلك القدرة على استضافة قيادات الجماعة الملاحقين أمنيًّا، والمطرودين من الدول العربية التي كانوا يعيشون أو يقيمون بها، وهناك دول قد توفر لهم سوقا استثماريا جيدا، يستطيعون خلاله الاستمرار بضخ الأموال اللازمة لتنفيذ مخططاتهم السياسية والمسلحة في الدول المستهدفة، وأخرى تمثل بالنسبة لهم منبرا إعلاميا قويا، يمكن مخاطبة الدول الغربية والمجتمع الدولي من خلاله، ومن جانب آخر يكون هناك حلقة تواصل مع القواعد الأخرى في الداخل المصري.
التقارب الإيرانى الإخواني.. عقاب للسعودية والخليج وباب خلفي لعودة أستاذية العالم

روحاني
التوتر المستمر بين المملكة العربية السعودية وجمهورية إيران الإسلامية- خلق حالة قوية من الاستقطاب المستمر، والذي تصاعدت وتيرته في السنوات الماضية؛ ليتحول إلى صراع فرض سيطرة على جماعات الضغط السياسي ذات الأيديولوجية العقائدية، إضافة لتوسيع النفوذ في دول الجوار، خاصة دول الخليج والشمال الإفريقي، وكانت جماعة الإخوان من أهم أهداف الاستقطاب بالنسبة للطرفين، إلا أن الجماعة كانت تميل أكثر للجانب الإيراني، خاصة أنها الداعم الأكبر لحركة حماس- أحد فروع تنظيم الإخوان- وبالتالي فإن الدعم الإيراني يصب بشكل مباشر في مصلحة الجماعة، ولأن الطرفين يملكان مشروعا توسعيا بُني في الأساس على أيديولوجية عقائدية، حتى وإن كان في الظاهر فقط، وبرغم أن المشروع الإيراني يستند في منهجه العقائدي إلى المذهب "الجعفري"، على عكس المشروع الإخواني المستند إلى المذهب "السني"، إلا أن المشروعين اتفقا بشكل كبير من حيث آليات التنفيذ والهيكل التنظيمي لكل طرف، واهتما بالبُعد السياسي على حساب العقيدة، وفي زيارة الوفد الإخواني لطهران عقب الثورة الإسلامية لتهنئة الخوميني- دلالة واضحة على تطابق الهدف بينهما، ألا وهو مشروع "أستاذية العالم"، ولفترة طويلة كان التعاون الإخواني الإيراني في الخفاء أو من خلال وسطاء، بحكم الموقف الأمني المفروض على الجماعة في مصر، وكذلك الموقف المصري من إيران، وكان دائماً ما كان التواصل بينهما، أما من خلال حركة حماس، أو من خلال أعضاء التنظيم الدولي للجماعة، وبرغم الهجوم الظاهري الذي شنه الرئيس السابق "محمد مرسي" على الشيعة في الداخل والخارج ومساندة طهران لنظام الأسد في سوريا، إلا أن العلاقات بينهما كانت تخفي عكس ذلك، وهو ما اتضح في موقف إيران من 30 يونيو، عندما خرج مسئولو النظام الإيراني يرفضونها ويعتبرونها انقلابا عسكريا، متجاهلين ملايين الشعب المصري الذي خرج ضد جماعة الإخوان، ولم يتغير الموقف حتى الآن، ومع حالة الرفض الشديد الذي تواجهه جماعة الإخوان، ومحاصرتها من قبل المجتمع الدولي، خاصة المجتمع الخليجي والغربي، وبعد أن اعتبرت المملكة العربية السعودية ودولتا الإمارات العربية والبحرين جماعة الإخوان تنظيما إرهابيا- وجد كل من طهران والجماعة أنه لا مفر من كشف حقيقة التعاون بينهما، وبحسب تقارير سيادية مصرية فقد تم رصد اتصالات ولقاءات سرية جمعت بين 3 دبلوماسيين إيرانيين وقيادات في تنظيم الإخوان، وصُعدت التقارير إلى وزارة الخارجية، التي استدعت بدورها القائم بالأعمال الإيرانية "مجتبى أماني" وطالبته أن تلتزم البعثة بقواعد العمل الدبلوماسي.
وقد وجدت إيران في موقف السعودية من جماعة الإخوان فرصة ذهبية، لتحتوي الجماعة في طهران، خاصة بعدما طالبت قطر القيادات الموجودة فيها بمغادرة البلاد، والذي تزامن مع نفس الموقف من جهة حماس، التي طلبت من قيادات الجماعة وأعوانهم الهاربين والمختبئين في غزة، ضرورة ترك الأراضي الفلسطينية، بعدما عانت من مغبات مساندتها للجماعة، وجاء عرض إيران على تنظيم الإخوان، من أجل هدفين أساسيين، أولهما أن تستخدم الجماعة في حربها الباردة مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج، وثانيهما هو تطابق مشروع أستاذية العالم بين الجماعة وطهران، فأرادت طهران أن تستحوذ على أدوات الإخوان الإضافية في المنطقة من أجل خدمة مشروعها على أن تكون الجماعة جزءاً منه، فالجمهورية الإسلامية غلفت مشروعها التوسعي بمسمى "الوحدة الإسلامية"، وكانت دائماً ما ترتكز في السيطرة الكلية على الجماعة.
وبعد الموقف السعودي توسعت الاتصالات بين القيادة الإيرانية والتنظيم الدولي للجماعة وبعض القيادات الإخوانية الهاربة خارج مصر وعلى رأسهم محمود عزت، على أن توفر لهم طهران ملاذاً آمناً لقيادات الإخوان التي تعاني من الملاحقات وتخشى أن يتم القبض عليها، بل إن الاتصالات بينهم وصلت إلى أن تتمركز جماعة الإخوان وبعض قيادات التنظيم الدولي بإيران، وأن تصبح المقر الآمن لها، وقد أكدت مصادر من المعارضة الإيرانية أن الأسابيع الماضية شهدت زيارات مكوكية لأعضاء تنظيم الإخوان، اجتمعوا خلالها مع مسئولين أمنيين إيرانيين، في تمهيد لنقل أعمال الجماعة إلى الأراضي الإيرانية.
وبحسب تقارير سيادية فإن التعاون الإستراتيجي بين طهران وتنظيم الإخوان، كان مستمرا طوال الثلاث سنوات التي أعقبت 25 يناير 2011، فقد كشفت تقارير عن وجود 36 ضابطا من الحرس الثوري الإيراني على الحدود الشرقية للبلاد، وتحديداً بين رفح المصرية وقطاع غزة، مهمتهم إمداد الجماعات المسلحة، التي تخوض مواجهة مسلحة ضد الجيش المصري، بكل ما تحتاجه من أسلحة وخطط وخرائط ومعدات تقنية متقدمة؛ بهدف إشعال الأوضاع.
الإخوان والعلاقة الاقتصادية مع إسطنبول بعد الرفض الأوروبي للجماعة

اردوغان
تسلم رجب طيب أردوغان تركيا وهي على مشارف الانهيار الاقتصادي والسياسي، بعد أن رجحت كفة المؤسسة العسكرية في الصراع بينها وبين نجم الدين أربكان، وفي غضون سنوات قليلة نجح في أن يضع الاقتصاد الأوروبي في مصاف الدول القوية، ثم قاتل من أجل أن تنضم تركيا إلى دول الاتحاد الأوروبي، لكن الأخيرة استماتت؛ من أجل إجهاض الحلم الذي طالما داعب مخيلات أردوغان، ولعل السبب الرئيسي والوحيد للرفض الأوروبي كان عقائدياً في المرتبة الأولى، حيث ترى أوروبا في إسطنبول شبح الدولة العثمانية وحلم الخلافة الإسلامية، إلا أن أردوغان سرعان ما أدار الدفة تجاه الدول العربية التي تتفق مع المرجعية الإسلامية، خاصة وأن جماعة الإخوان مرجعيتها الدينية والسياسية أصبحت من القوة بما يسمح لها بأن تكون عنصرا مهما في معادلة دولة الخلافة، ولأن أردوغان مر بتجربة الحكم من قبل فروع جماعة الإخوان في الدول العربية وعلى رأسها مصر، كان لازاماً على إخوان مصر أن تلجأ لأردوغان وتقتبس من تجربة حزبه في الحكم، حيث إن الظروف التي وصلت فيها جماعة الإخوان إلى حكم مصر تكاد تكون متطابقة مع الظروف التركية.
كانت الأوضاع الاقتصادية المصرية هي أصعب ما يواجه الجماعة، ولأن أردوغان نجح في زمن قياسي من تخطي الأزمة الاقتصادية، وقد استغل أردوغان تلك الرغبة في الضغط الاقتصادي على الاتحاد الأوربي، خاصة وأن أموال الجماعة أنعشت السوق الأوربي بعد إغلاق بنك التقوى عقب أحداث 11 سبتمبر، واتجهت بها جماعة الإخوان إلى السوق الأوروبي لتصنع لوبيا اقتصاديا قويا كان له بالغ الأثر في القرار السياسي تجاه عزل الإخوان عن حكم مصر- لذلك فإن أردوغان أقنع الجماعة بشراكة اقتصادية تستطيع من خلالها النهوض بالأوضاع الاقتصادية في مصر، وهو ما وضح بشدة في تدفق البضائع التركية على مصر خلال عامي 2012 و2013، وكذلك تدفق أموال الجماعة ورجال أعمالها على إسطنبول لفتح قنوات استثمار بينهما، وكان الهدف من هذا التعاون هو سيطرة تركيا على الاقتصاد المصري من خلال الشركات بين رجال الأعمال، خاصة رجال التنظيم من رءوس الأموال الكبار مثل حسن مالك وخيرت الشاطر وغيرهما، وبعد سقوط الحكم اللاإخواني في 30 يونيو، واجهت الجماعة مشاكل في الدول الأوروبية التي تضخ فيها جزءا كبيرا من استثماراتها، وتزايدت مخاوف الجماعة من مصادرة أموالها في تلك الدول بعد الموقف الخليجي منها وإعلانها جماعة إرهابية، خاصة وأن تجربة بنك التقوى ليست ببعيدة، فما كان منها إلا أن قررت تحويل رءوس أموالها للاستثمار في تركيا وسحبها من أوربا، وهو ما وجد صدى إيجابيا لدى أردوغان، والذي اعتبره نوعا من الضغط على الاتحاد الأوروبي الرافض انضمام تركيا لتحالفه، ومن زاوية أخرى اعتبر أردوغان أن تنامي الاقتصاد التركي بشراكة الإخوان من شأنه التعجيل بفرض سيطرة تركيا على المنطقة وتنفيذ المشروع التوسعي، المسمى بالخلافة الإسلامية أو عودة الدولة العثمانية.
بيروت تتحول لمنبر إعلامي وسياسي لجماعة الإخوان بعد الدوحة

حسن نصر الله
بعد موقف المملكة العربية السعودية والبحرين والإمارات من قطر، نتيجة دعمها جماعة الإخوان بكل السبل، وبعد الضغوط السياسية التي وقعت على قطر للتخلي عن مساندة تنظيم الإخوان- لاحت بوادر الموقف القطري المنسحب ببطء عن مساندة الجماعة، وهو ما رأت الجماعة أن له أبعادا سلبية على موقفها الصعب، خاصة وأن قناة الجزيرة القطرية من أهم الأدوات التي تستند إليها الجماعة في مخاطبة المجتمع الدولي، والترويج لما تدعيه من تعرض الرئيس السابق محمد مرسي لانقلاب عسكري، وتعرض أعضائها لاضطهاد يرتقي لمرتبة الإبادة والاعتقال العشوائي، لكل من له صلة بالجماعة أو رافض لإقصاء مرسي عن الحكم، وتلعب من خلال الجزيرة بمشاعر وعقول الشعوب الأوروبية التي تقدس الديمقراطية، وتعتبرها حقا لا يمكن أن تحيد عنه الأنظمة والدول، وتصور الجماعة لتلك الشعوب أن ما يحدث في مصر ما هو إلا عودة صريحة للديكتاتورية المقيتة، وأن الشعب فُرض عليه وضع بعينه، ولا يمكن أن يستمر ذلك الوضع على ما هو عليه، وعليهم أن يتدخلوا لإنقاذ الشعب المصري لما يتعرض له من انتهاكات إنسانيه على يد الأجهزة الأمنية والسيادية في مصر.
وقد نجحت الجزيرة إلى حد ما في الترويج لكل تلك النقاط، واعتبر بعض المحللين أن ما تتناوله من تقارير وأخبار يجد مصداقية لدى قطاع من الصحفيين والإعلاميين الغربيين، لما كان للجزيرة من دور كبير فيما سُمي بـ"الربيع العربي"، ومع توافر المعطيات لدى الجماعة عن تحجيم دور الجزيرة في الفترة المقبلة عن دعمها، خاصة وأن اللغة الإعلامية للقناة بدأت فعلا في التغيير، فبعد أن كانت تصف الجيش السوري دائماً بميليشيات الأسد المسلحة و"الشبيحة"، تغير المسمى في بعض البرامج الخبرية، وعاد ليُسمى بالجيش السوري النظامي، ومن هنا أدركت الجماعة أنها مسألة وقت قصير حتى تغير الجزيرة من سياستها الإعلامية، حيث إن من شروط المصالحة التي فرضتها الدول الثلاث الخليجية الرافضة لسياسة قطر الخارجية، كان ضمن بنودها أن تغير قناة الجزيرة من منهجها الداعم للجماعة، والتوقف عن الترويج لها، ووقفها من التدخل في الشأن المصري وشأن الدول العربية.

جعجع
وفي حقيقة الأمر لم تتبن الجزيرة وحدها هذه السياسة الإعلامية لكنها كانت الأشهر، فقد مارست بعض القنوات المحسوبة على حماس وحزب الله وإيران نفس المنهج، ولكن تأثيرها لم يكن بقوة الجزيرة، ومن المعروف أن تلك القنوات تتبنى سياسة مموليها الداعمة للجماعة، وقد أصبح من الضرورة الملحة للإخوان أن يصنعوا منبراً إعلاميًّا بديلا للجزيرة في تلك الفترة، وهو ما وجدوه متاحا في بيروت، والتي تعتبر من أهم مراكز صناعة الإعلام والإعلاميين في الوطن العربي، فقد احتل الإعلاميون اللبنانيون مكانة رفيعة في مجال البرامج السياسية "حوارية وخبرية"، إضافة إلى صناعة الإعلام السياسي، من معدين ومخرجين وفنيين، ولأن التيار السياسي الأقوى في لبنان والمتمثل في "حزب الله" من مؤيدة للمنهج الإخواني على غرار إيران، فقد توفرت للجماعة مساحة من التحرك السياسي والإعلامي في بيروت.
فقد رأت الجماعة في لبنان المنبر الإعلامي الأمثل بعد الدوحة؛ ولذلك بدأ التجهيز لتأسيس صرح إعلامي ضخم، رصدت له الجماعة ما يقرب من 100 مليون دولار، وبدأت التواصل مع بعض الصحفيين والإعلاميين المصريين المعارضين للنظام السياسي القائم، والمؤيدين للجماعة وسياستها، بجانب جزء كبير من الإعلاميين الغير مصريين، والذين لا يروا في التعاون المهني مع الجماعة أي حرج، إضافة إلى الصحفيين والإعلاميين الذين عملوا لفترة بالمؤسسات الإخوانية، وعجزوا بعدها عن توفير فرصة عمل لهم في الداخل المصري، ومن ثم سافروا إلى تركيا وقطر بحثاً عن عمل يتفق مع قناعتهم المهنية المساندة للجماعة.
وقد خرج فرع الجماعة بلبنان بقيادة "عماد الحوت" ليعلن تأييده "سمير جعجع" الرجل الأقرب لتولي الحكم في لبنان، أو على أقل تقدير صاحب النفوذ القوية على الساحة اللبنانية، ومن ثم تضمن الجماعة تواجدها من خلال صفقة ثلاثية تجمع حزب الله وجعجع والجماعة.
الإخوان ولعبة تقسيم الأدوار

من هذا المنطلق نجد أن جماعة الإخوان أدركت مؤخراً خطورة الاعتماد الكلي والارتكاز في أي فترة من الفترات على فصيل أو كيان أو دولة بعينها، حتى لا يتثنى لأي قوة محلية أو إقليمية أن تمارس عليها الضغط عليها، سواء كان سياسيا أو أمنيا أو إعلاميا، ومن ثم مارست في هذه الفترة من تاريخها إستراتيجية تقسيم الأدوار لكي لا تضع كل الكروت في حوزة لاعب واحد، يستطيع من خلالها السيطرة الكاملة على مفاتيح اللعب، بل إنها مارست البراجماتية في أزهى صورها، حيث وجدت في إيران أنها تأوي إلى ركن شديد، فكانت المنزل الآمن للقيادات المستهدفة، ومركز عمليات تنطلق من خلالها العمليات الميدانية، كما صنعت من العلاقة التركية ما يشبه المصاهرة، حيث تزاوج رءوس الأموال من الطرفين، والتي تستطيع الجماعة من خلاله ممارسة الاقتصاد الحر دون تخوف من ضربة قاصمة، استشعرت الجماعة أن تأتي من الدول الأوروبية في حالة عدم الاستقرار السياسي بينهما، والذي نتج عن رفض الشعوب الغربية لهم، وهم يدركون جيداً أن في تلك الدول الكلمة الأخيرة للشعوب وليست الحكومات؛ لما يتمتع به المواطنون من حالة إدراك ووعي لما يدور حولهم من الألم، ولأن الأمور في لبنان لا تسير على خير حال وتفتقد مساحة من الأمن والاستقرار، فذهبت إلى أن تكون مجرد منبر إعلامي لطرح رؤية الجماعة على المجتمع الدولي، وهو ما جعلها تغريهم بأن تكون بديلا للدوحة، ومع توافر تلك العناصر لم تر الجماعة حرجاً من أن ترفع من سقف عملها السياسي، وتبدأ في تكوين تحالف سياسي يمثل معارضة خارجية أو ما يطلق عليه "حكومة منفى".
ثلاثية الإخوان والعلاقة بين وثيقة بروكسل وبيان الإخوان وتحالف المعارضة المصرية

تناولت بعض التقارير الصحفية التي أعقبت سقوط الإخوان نية جماعة الإخوان تشكيل ما يطلق عليه اصطلاحاً "حكومة منفى"، خاصة بعد أن نجح عدد من قياداتها ومؤيديها من الرموز السياسية في الهروب خارج مصر أو التواجد في دول أجنبية أثناء الإطاحة بحكم مرسي، وتداولت أنباء عن أن هناك مفاوضات تتم بين الجماعة وهؤلاء الرموز المحسوبين على التيار المدني أو الليبرالي، ومنهم الدكتوران أيمن نور ومحمد البرادعي؛ ليكتسب ذلك التحالف صبغة المعارضة متعددة الأيديولوجيات، ولكي لا يحسب على تيار الإسلاميين فقط، ومن ثم يفقد الهدف من تكوينه، وهو صنع رأي عام دولي مؤيد له في محاولة بائسة لاكتساب شرعية دولية على غرار المعارضة السورية، وقد اتضح منذ البداية انضمام نور لمعسكر الجماعة وبقي موقف البرادعي غائباً عن المشهد.
وكانت المؤشرات والتحليلات تتجه إلى صدق نية الجماعة في السعي نحو هذا الاتجاه، حتى أعلن عن ما أطلق عليه "وثيقة البنود العشرة"، والتي أثارت حالة شديدة من تباين الآراء داخل جماعة الإخوان مؤيدة "الجبهة السلفية، الجماعة الإسلامية جبهة الزمر، تحالف دعم الشرعية والجماعة الجهادية"؛ لما لهم من تحفظات على بنودها، والتي وصلت لاتهام الحزب الإسلامي- الذراع السياسية للجماعة الجهادية- بالتعاون الأمريكي الإخواني من أجل وضع تلك الوثيقة، ولكن ما لم يدركه المعارضون أن تلك الخطوة يجب أن تسبق الإعلان عن ما أطلق عليه "تحالف المعارضة المصرية بالخارج" وهو الخطوة السابقة لإعلان حكومة المنفى كما يستهدف تنظيم الإخوان.
دائماً ما تبني الإخوان إستراتيجيتها على نظرة المجتمع الدولي وموقفه من أي خطوة تستهدفها، ولما وجدت الجماعة أن الشعوب الغربية قد أدركت حقيقة ما تمارسه على أرض الواقع من إرهاب وعمليات مسلحة على الساحة العربية- عادت مرة أخرى لخدعة "الاستعطاف" الدولي بنظرية "المحنة" والاضطهاد، على أمل أن تنطلي على المجتمع الدولي، الذي أدرك تماماً خطورة الجماعة برغم موافقة الأنظمة الحاكمة لسياسة الجماعة والتي يرى بعضهم أنها تصب في مصلحتهم على عكس الواقع.

فى حين أن قريبين من الجماعة يشيرون إلى أن الإعلان عن ذلك الكيان هو بداية النهاية السياسية لتنظيم الإخوان، فهو حسب وجهة نظرهم تمهيد لتهديدات الأجواء وإقناع القواعد والشباب بالتخلي عن الحراك الميداني، والتركيز على العمل السياسي بديلاً عن العنف الذي استنفذ قوى الجماعة البشرية وجزءا كبيرا من ثقلها الاقتصادي؛ وهو ما جعل بعض المؤيدين والتابعين لها يعتبرون أن وثيقة بروكسل وبيان الجماعة الذي تبعها بعنوان "جماعة الإخوان ومؤسسات الدولة"، ثم الإعلان عن إنشاء تحالف معارضة بالخارج ما هو إلا بداية تهدئة حقيقية للزخم والحراك الذي يقوم بهما مؤيدو الجماعة في الشارع المصري.
وهنا نجد أن الربط بين سعي الجماعة لخلق نقاط ارتكاز لها في الخارج وفرض التهدئة في الداخل- أصبح منطقياً؛ لأن من أدبيات الجماعة أن لا تسعى لاحتواء أزمة ضارية تمر بها، إلا وتصنع في الوقت ذاته بابا خلفيا لممارسة الضغط، فيما يتساوى مع ما تقدمه من تنازلات لتكون النتيجة النهائية "صفرا".
ومن هنا نجد أن تقسيم الأدوار الذي مارسته الجماعة والذي يسعى لإنعاش الجماعة مرة أخرى بفتح قنوات شراكة بينها وبين إسطنبول، من أجل دعم التحرك السياسي الخارجي الذي تمارسه الجماعة؛ لكي لا تدخل مرة أخرى في دوامة توفير التمويل لعناصرها وقواعدها وعمليتها المسلحة وقتما تحتاجها، وعلى الجانب الآخر توفر احتياجات المنابر الإعلامية التي تستعد الجماعة لإطلاقها في نهاية العام الجاري، وما تحتاجه من تدفق ملايين الدولارات؛ لكي تضمن أن يحقق مقصده، وتوفر ملجأً آمنا لقياداتها في تلك الفترة الحرجة التي تمر بها الجماعة، كان يستهدف تمهيد الأرض في نهاية الأمر للعودة إلى العمل السياسي مرة أخرى، بعدما تيقنت من استحالة العودة فوق رغبة الشعب المصري.
إن ثلاثية الأدوات التي تمارسها الجماعة تعلن عن نهايتها سياسيا في الداخل المصري وإدراكها أنها مرفوضة ومنبوذة من الشارع المصري؛ لذا فقد خلقت البديل في الخارج؛ نظرا للصعوبات التي تواجه عودتها للعمل داخل مصر.