التسوية المشروطة.. هل تنقذ ليبيا؟
الخميس 29/يناير/2015 - 02:27 م
طباعة

ما زالت ليبيا تبحث عن الاستقرار والهدوء الذي افتقدته، فمنذ العام الماضي ودخلت ليبيا في صراعات على الأحقية في قيادة البلاد، فمن حين لآخر لا تكاد الاشتباكات تهدأ حتى تتجدد بين قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر وكل من أنصار الشريعة ودرع ليبيا المنضوية تحت اسم "شورى ثوار بنغازي".
وعلى الرغم من المساعي لانعقاد حوار ليبي يحقق مطالب الأطراف المتنازعة، فإن الصراعات لا تزال قائمة، وفي ظل انتشار الميليشيات المسلحة، باتت الدولة على حافة الانهيار، إن لم تكن انهارت بالفعل.
تجاهل المجتمع الدولي

الصراعات في ليبيا، ما هي إلا نزاعات على السلطة عقب الإطاحة بالرئيس المخلوع معمر القذافي، زادت في ظل تشكيل حكومة انتقالية، ورغم ذلك يوجد برلمانان وحكومتان وجيشان، فهناك حكومة معترف بها دوليًّا بقيادة عبدالله الثني، وتقيم في طبرق، وكذلك ينتمي لها جيش اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وهناك أخرى موازية بقيادة عمر الحاسي المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين، والتي تقيم في طرابلس، وتقود أيضا ميليشيات "فجر ليبيا".
على الرغم من الصراعات القائمة على الأراضي الليبية، فإن المجتمع الدولي ما زال متجاهلا تمامًا التدخل لاحتواء الأزمة.. العديد من التساؤلات تدور في الشأن، عن سبب اكتفاء المجتمع الدولي بالإدانة فقط.. قد تكون مصلحة المجتمع الدولي من استمرار الفوضى القائمة في ليبيا هي السبب الرئيسي في عدم التدخل، حيث إن تمويل الميليشيات التي تقاتل في البلاد تتم من الجانب الدولي.
في هذا الصدد، يقول وزير الخارجية الليبي، محمد الدايري: إن الحكومة المؤقتة الليبية طلبت دعما دوليا لتعزيز دور الجيش الوطني لمحاربة المجموعات الإرهابية، لكنها لم تتلق الدعم المطلوب سوى من بعض الدول العربية.
وتكشف هذه التصريحات تخاذل المجتمع الدولي عن دعم حكومة عبدالله الثني ضد تنامي التنظيمات الجهادية المتشددة وتصاعد الفوضى وأعمال العنف.
شدد الدايري، على أهمية تحسين الوضع الأمني في ليبيا وتثبيت مؤسسات الدولة، منوهًا إلى أنَّ الحكومة الشرعية ملتزمة بإيجاد حل سياسي في ليبيا، وهو ما سيكون خطوة في الاتجاه الصحيح لمحاربة الإرهاب والتطرف.
واستنكر الدايري الذي عبَّر عنه بقوله: من غير المعقول أنْ ننتظر تشكيل حكومة في ليبيا لنبدأ الحرب ضد الإرهاب! نتطلع إلى مزيد من القدرات العسكرية لمحاربة هذه الظاهرة في كامل أنحاء البلاد.
بداية المواجهة

الجدير بالذكر أنه في 16 مايو الماضي، دشن اللواء المتقاعد خليفة حفتر عملية عسكرية تسمى "الكرامة" ضد كتائب الثوار وتنظيم أنصار الشريعة متهما إياهم بأنهم من يقف وراء تردي الوضع الأمني في المدينة، بينما اعتبرت أطراف حكومية آنذاك ذلك "انقلابا على الشرعية".
من المعروف أن معارك مسلحة في الغرب الليبي، تدور +بين قوات فجر ليبيا المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين، والمكونة من ثوار مدينة مصراته والزاوية وغريان وزليتن، التي سيطرت على العاصمة طرابلس منذ أشهر ضد قوات مدينة الزنتان وورشفانه بدعم من غرفة عمليات المنطقة الغربية التابعة لرئاسة أركان الجيش المنبثقة عن مجلس النواب المجتمع في طبرق شرق.
وتشهد بنغازي حرب الشوارع في عدة أحياء من مدينه بنغازي بين تنظيم أنصار الشريعة والثوار من جهة وبين قوات دخلت المدينة قادمة من الشرق الليبي، وهي تابعه لرئاسة أركان الجيش الليبي المنبثقة عن البرلمان المجتمع بطبرق والموالية لحفتر ومناصرين لها من المدنيين.
وتسود في مختلف المناطق ببنغازي حالة من الفوضى العارمة، بعد دخول قوات رئاسة أركان الجيش الليبي القادم بعضها من شرق ليبيا مدعومة بمسلحين مدنيين من الأحياء، تصدى لها أفراد تنظيم أنصار الشريعة وكتائب الثوار الإسلامية المتحالفة في تكتل يعرف بـ"مجلس شورى ثوار بنغازي."
تسوية مشروطة

بعد انتخاب مجلس النواب، في يوليو الماضي أبدى المجلس، الذي يعقد جلساته في منطقة طبرق شرق، دعما للعملية التي يقودها حفتر وصلت إلى حد اعتبار قواته جيشاً نظاميا، وضمت عملية "الكرامة" لعمليات الجيش المعترف بها وذلك خلال بيان رسمي، كما أعاد حفتر وقادة عسكريين آخرين للخدمة العسكرية.
ومع سعي الحكومة المعترف بها دوليًا، بقيادة عبدالله الثني، لعودة الاستقرار في البلاد، ومحاولة اللواء خليفة حفتر، الذي أرجعه البرلمان الليبي مؤخرا من تقاعده للخدمة العسكرية، لقيادة عملية عسكرية ضد كتائب الثوار في ليبيا وتنظيم أنصار الشريعة الإرهابية، لاحتواء الأزمة بكافة الطرق- أعرب اليوم الأربعاء 29 يناير 2015، أنه مستعد للدخول في تسوية مشروطة تؤدي إلى استتباب الأمن في ليبيا، مع حفتر حيث قال: "أنا مستعد للدخول في تسوية إذا ما كانت ستؤدي إلى استتباب الأمن في ليبيا وأي شيء يسعد الشعب الليبي سأبصم عليه بالعشرة".
واشترط حفتر للدخول في تسوية تسليح الجيش الليبي، وما وصفه برجوع خصومه إلى عقولهم، وأن يعرفوا أن الحقيقة هي أن يعيش الشعب الليبي في أمن وحياة طبيعية، مضيفا: نحن نطلب ما نستطيع أن ندافع به عن أنفسنا، وهذه المجموعات المسلحة التي تأتي من آسيا ومناطق أخرى ينبغي مواجهتها و"لا نسعى بالمساعدات العربية الخروج من نطاق ليبيا".
وأوضح أن قوات الجيش ألحقت خسائر كبيرة في صفوف المجموعات المسلحة التي تقاتلها منذ مايو 2014 في مدينة بنغازي، مؤكداً أن قواته يقتربون من القضاء على الجماعات المسلحة بعد تحجيم الإمدادات التي تصل إليها من مالي ودول أخرى، ولم يجزم حفتر خلال حديثه أن قواته تمكنت بشكل نهائي من قطع الإمدادات التي تصل إلى خصومه، قائلاً: لم توقف كل الإمدادات التي تصل للمسلحين، لكننا استطعنا أن نسد العديد من أماكن تلك الإمدادات.
وبخصوص طرابلس عاصمة بلاده، أكد حفتر: "نحن حريصون على ألا تكون هناك حرب داخل طرابلس؛ لأنها عاصمتنا بعكس الجماعات المسلحة حريصة على تخريبها مثلما حدث في بنغازي"، وقال إنه "حريص على عدم وصول القتال إلى داخل المدينة"، في إشارة إلى طرابلس العاصمة.
نبذ العنف

يأتي ذلك بالتزامن مع اختتام الجولة الثانية من حوار الفرقاء الليبيين المنعقد في جنيف، برعاية أممية، والذي انتهي إلى الاتفاق على نبذ العنف، وأن يتزامن تشكيل حكومة وحدة وطنية توافقية، مع اتفاق حول الترتيبات الأمنية التي تشمل وقف إطلاق للنار دائم وشامل مع آليات مراقبة فعالة، وترتيبات انسحاب المجموعات المسلحة من المدن خصوصاً العاصمة للسماح للحكومة بالعمل في أجواء مواتية ومستقرة.
فيما دعت منظمة العفو الدولية إلى فرض عقوبات انتقائية من جانب الأمم المتحدة، وفتح تحقيقات في ارتكاب جرائم حرب محتملة في ليبيا، لوقف عمليات الخطف والقتل العشوائي من جانب التشكيلات المسلحة.
ودعت المنظمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لفرض عقوبات انتقائية مثل حظر السفر وتجميد أرصدة المسئولين عن الانتهاكات، وقالت: إن على المحكمة الجنائية الدولة توسيع نطاق تحقيقاتها لتشمل جرائم حرب.
وقالت نائبة المدير الإقليمي للمنظمة، حسيبة حاج صحراوي: "تنزل بنغازي باطراد إلى الفوضى وغياب القانون، المدينة يمزقها العنف الواسع النطاق الذي تشنه جماعات متنافسة وأنصارها الذين يسعون للثأر".
الانضمام للتحالف الدولي

في سياق مواز، دعا البرلمان الليبي المعترف به دوليًا، المجتمع الدولي إلى ضم بلاده للتحالف الدولي لمكافحة جرائم الإرهاب، مطالباً برفع الحظر عن تسليح الجيش الليبي وتوفير الدعم الكامل له، وذلك في أعقاب الهجوم على فندق في العاصمة الليبية طرابلس.
وطالب البرلمان في بيان جميع الدول الصديقة والشقيقة لليبيا "إدانة هذا العمل الإرهابي" الذي راح ضحيته تسعة أشخاص، بينهم خمسة أجانب.
وفيما أكد إدانته للهجوم، اعتبر البرلمان أن "هذه العملية الإرهابية التي طالت مدينة طرابلس تأتي في إطار سعي ما يسمى بتنظيم "داعش"، إلى أن يكون له موضع قدم في المدينة.
ودعا البرلمانُ الليبيين كافةً إلى التكاتف والتماسك والوقوف صفاً واحداً منيعاً ضد الإرهاب، مشيراً إلى أنه يدعم مساعي بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا ولجنة الحوار الممثلة للمجلس، من أجل إيجاد حل سلمي للأزمة الليبية، والمحافظة على المسار الديمقراطي.
المشهد الحالي يوضح، أن ليبيا دخلت بالفعل إلى طريق معتم غير واضح المعالم، فمع كل هذه الصراعات التي تتصاعد يوما عن الأخر، تواجه ليبيا فوضى غير مسبوقة قد تؤدي بها إلى استمرار النزاعات ما لم يتدخل المجتمع الدولي وكذلك حال فشل الحوار الليبي.