في ظل غياب الرئيس اليمني والحكومة.. الحوثيون يحددون "الجمعة" الموعد الأخير
الخميس 29/يناير/2015 - 03:26 م
طباعة

فيما يبدو أن اليمن في طريقه إلى مزيد من الأزمات، فمع رفض رئيس الحكومة اليمنية المستقيلة، خالد بحاح، عن تراجع حكومته عن الاستقالة التي قدمها في 22 من الشهر الجاري.
ومع تفاقم الأوضاع الداخلية واتساع رقعة المسيرات الداعمة للحوثيين والرافضة لهم، في ظل مخاوف من وجود تأثير الصراع الإقليمي والدولي على الوضع اليمني.
استقالة نهائية

وصفت الحكومة اليمنية المستقيلة برئاسة خالد بحاح، اليوم الخميس، ما حدث في البلاد مؤخرا بأنه "عملية الانقلابية" قامت بها جماعة أنصار الله (المعروفة باسم جماعة الحوثي) ضد الرئاسة والحكومة والعملية السياسية، مشيرة إلى عدم تحملها مسئولية تصريف الأعمال في البلاد.
وفي بيان لها اليوم، قالت الحكومة اليمنية المستقيلة: "نعرب عن استيائنا من العملية الانقلابية التي قادتها حركة أنصار الله (الحوثيون) يوم 19 يناير 2015م، وذلك من خلال استيلائها على أهم موقع سيادي للدولة بطريقة عسكرية وهو دار الرئاسة، والذي أسفر عن سقوط عدد من القتلى والجرحى بعد مهاجمة منزل الرئيس عبدربه منصور هادي، والتسبب في مقتل وجرح عدد كبير من حراساته الشخصية".
وأضاف البيان أنه "سبقها عملية مدانة تمثلت باختطاف الشخصية الوطنية الدكتور أحمد عوض بن مبارك مدير مكتب رئاسة الجمهورية، ومحاولة اغتيال متعمدة لرئيس مجلس الوزراء، ووضع الرئيس ورئيس الوزراء وعدد من الوزراء تحت الإقامة الجبرية، في سابقة لم تحدث في التاريخ السياسي اليمني".
وأكدت الحكومة في بيانها أن استقالتها التي أعلنتها قبل أسبوع نافذة وغير قابلة للتراجع، بما فيها عدم مسئوليتها عن القيام بتصريف الأعمال في البلاد.
وحملت الحكومة جماعة الحوثي المسئولية الكاملة عن "إيقاف عمل الدولة برئاستها وحكومتها وعملية الانتقال السياسي التاريخي، وما سوف تؤول إليه الأوضاع في البلاد".
وقال البيان: إن "جماعة الحوثي وضعت الرئيس ورئيس الوزراء وعدد من الوزراء تحت الإقامة الجبرية في سابقة لم تحدث في التاريخ السياسي اليمني، كما أنه تم ممارسة الضغط على عدد من المؤسسات الإعلامية والاستيلاء عليها والتدخل في شئون الوزارات والمؤسسات الحكومية، والسيطرة بالقوة على عدد من محافظات الجمهورية، وعليه فإن استقالة الحكومة تعتبر عمليه إجرائية، وإن الاستقالة الحقيقية هي ما خطته جماعة أنصار الله على أرض الواقع بفعل القوة".
ورغم تعبير الحكومة اليمنية المستقيلة عن سعادتها بالإفراج عن أحمد بن مبارك مدير مكتب رئاسة الجمهورية، إلا أنها شددت على ضرورة "وقف هذا الأسلوب اللاأخلاقي الذي لن ينجوَ منه أحد"، حسب تعبير البيان.
واختتمت الحكومة اليمنية المستقيلة بيانها قائلة: "نأمل من كافة المكونات السياسية في أن تتحمل مسئوليتها الوطنية والتاريخية بكل صدق في هذه الفترة العصيبة التي تعصف بالبلد، والعودة إلى مرجعيات مؤتمر الحوار الوطني المتمثل في مسودة الدستور الوطني، ومشروع الدولة الاتحادية، وليبقَ صوت الوطن هو الأعلى".
تفريق مظاهرات

وفي ظل المظاهرات الرافضة لأنصار زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، فرق مسلحون من جماعة أنصار الله "الحوثيين"، صباح الخميس، مسيرة معارضة لهم بالقوة أمام جامعة صنعاء، واعتدوا على المشاركين، عقب تجمع العشرات من الشباب تجمعوا أمام جامعة صنعاء، وانطلقوا في مسيرة بشارع الدائري، وصولاً إلى جولة القادسية.
الحوثيون كانوا متواجدين في الشوارع المتفرعة من شارع الدائري، وحين وصلت المسيرة إلى جولة القادسية اعترض الحوثيون المسيرة، ونزلوا من سيارة فيتارا وحاولوا اختطاف عبد الرحمن النعمان- أحد منظمي المسيرة- والذي تعرض للاختطاف مرتين من قبل، وعند محاولة المشاركين منع ذلك، اعتدى الحوثيون على المشاركين في المسيرة بالضرب والطعن بالسلاح الأبيض.
ولم ير الحوثيون أن القوة لم تنجح في مواجهة القوة، والسلاح لم ينجح في مواجهة السلاح، لكن القوة تنكسر أمام عشرة من المتظاهرين السلميين وتصبح عاجزة وعبئا كبيرا على أصحابها، مظاهرات بعض طلاب جامعة صنعاء، كشفت أن القوة لا قيمة لها في مواجهة الاحتجاجات الشعبية السلمية، وأن عشرة متظاهرين سلميين أقوى من ميليشيات لحوثيين، وأنه إذا استمر قمع المظاهرات فإنه سيكون موقف الحوثيين في تراجع شعبي.
فقمع المظاهرات من قبل السلطة الرسمية دفع الكثيرين للخروج للتظاهر، فكيف إذا كان هذا القمع موجة من طرف سياسي لا شرعية لوجوده الأمني والعسكري، بالتأكيد فإنه يثير حساسية أعلى بكثير لدى مختلف التيارات الشعبية وأتباع الأحزاب السياسية من قمع السلطات الرسمية ويدفع بالآلاف للشعور بأن عليهم واجب للخروج للتظاهر، ومن هنا أتوقع أن يتزايد أعداد المتظاهرين، وتصبح المظاهرات ككرة الثلج التي تكبر باستمرار كلما تدحرجت.
رهان التفاوض

يعتبر رهان التفاوض بين القوى السياسية اليمنية، والحوثيين، محفوفا بالفشل في أي لحظة، فلا فائدة من أي اتفاق سيتم توقيعه، ويكون كباقي الاتفاقات التي تم توقيعها سابقاً، فأغلب الأطراف السياسية توقع الاتفاق وهي مضمرة الانقلاب عليه قبل التوقيع.
فقبل الحديث عن مجلس رئاسي أو عودة الرئيس عبدربه منصور هادي أو انتخابات مبكرة، يجب الحديث عن الميليشيات المسلحة التي تعرقل أي اتفاق، وتكون أداة لسقوط أي دولة أو حكومة.. يسبق المفاوضات خطوات تُثبت حسن نية كل طرف بقدر ما يمتلكه من قوة على الأرض، وبما أن الحوثيين هم الفاعل الأساس في صنعاء فإن عليهم- قبل الشروع في المفاوضات- سحب مسلحيهم على الأقل من محيط رئاسة الجمهورية ومنزل الرئيس ووزارة الدفاع والداخلية والأجهزة الأمنية والعسكرية الأخرى ومنازل الوزراء المستقيلين بالتنسيق مع تلك الجهات؛ لأنه لا يعقل أن تبدأ المفاوضات تحت فوهات البنادق، ولكي لا يشعر رئيس الجمهورية المستقيل وباقي القوى السياسية أنهم يفاوضون تحت التهديد أو الإقامة الجبرية لوزرائهم، كما أن ذلك سيثبت مدى استعداد أنصار الله- الطرف الأقوى- لتقديم تنازلات.
الأمر الآخر أن عدم وجود دولة يشعر القوى السياسية الأخرى بأنها مهددة بالاغتيال والتصفية أو الاختطاف والوضع تحت الإقامة الجبرية من قبل ميليشيات ليس لها أي صفة رسمية في الدولة، مع غياب الدولة ومؤسساتها بشكل عام، وهو ما يشير إلى أن الحديث عن الخروج على حل للوضع الراهن محفوف بالمخاطر والسقوط، وبالتالي العودة لطاولة الحوار مرة أخرى.
الموعد الأخير

ينتظر اليمنيون يوم الجمعة لمعرفة ما ستئول إليه الأحداث في اليمن، بين عبد الملك الحوثي، والدول والقوى السياسية والوطنية الأخرى، فيوم الجمعة هو المهلة التي أعطاها الحوثي في خطابة الأخير للقوى السياسية لتوقيع الاتفاق.
فقد أكد زعيم جماعة أنصار الله الحوثيين أن تقديم الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي والحكومة اليمنية استقالتهما كانت خطوة غريبة وشاذة وغير مسئولة، ومناورة غير جادة ولكن لعل عواقبها خير للبلد.
ووجه الحوثي، في نهاية خطابه، دعوة إلى اجتماع كبير وتاريخي في صنعاء يوم الجمعة بهدف مراجعة الوضع الداخلي على المستوى السياسي والأمني والخروج بقرارات مهمة.
ولكن الحوثي لم يوضح هذه الشروط في ظل سياسة التهديد باسم الثورة والاتهامات بالمؤامرة للآخرين، بما يعني أنه يعطي "صك" الوطنية لمن يريد ويقسم السلطة في اليمن كيفما يشاء، فنهاية سلطتهم تعتمد على طريقة إدارتهم للبلد ومدى إشراكهم للآخرين ليتحملوا معهم المسئولية، أما إذا انفردوا بالسلطة فسيلاقون مصير الإخوان خلال عام على الأكثر مع الفارق في درجة الانحسار؛ لأن قواعد أنصار الله أكثر ارتباطا بقيادتهم.
المشهد اليمني

المشهد اليمني يزداد تعقيدا في ظل سياسية الأمر الواقع والتفاوض على فوهة البنادق، وهو ما يعني أن الأوضاع في اليمن حتى لو تم التوصل إلى اتفاق، فإنها سترجع إلى الصراع مرة أخرى، فالحوثي يعتبر نفسه الحاكم، ومن يدير الأمور في البلاد باعتباره جزءا من مكاسبهم منذ احتجاجات 2011، فهم القوة التي ظلت تراقب الأوضاع وتدخل فيها وقتما تريد، حتى جاءت لهم اللحظة الكاملة للانقضاض على السلطة والتي يعتبرونها انتصارا تاريخيا، ولكن الوصول إلى السلطة قد يكون بداية النهاية لأي جماعة سياسية أو دينية.