154 عاما على وفاة البابا كيرلس الرابع أبو الإصلاح صاحب شعار بناء المدرسة قبل الكنيسة
السبت 31/يناير/2015 - 07:20 م
طباعة
البابا كيرلس الرابع
مر اليوم نحو 154 عاما على وفاة البابا كيرلس الرابع البطريرك رقم 110 في تاريخ بطاركة الكنيسة القبطية الارثوذكسية والاقباط حيث رحل في 31 يناير 1861 عن عمر يناهز ال45 فقط فقد ولد عام 1816 م ورغم قصر عمره على الارض الا انه احد اهم بطاركة الكنيسة في العصر الحديث وقد حصل على لقب ( ابو الاصلاح ) لانه قاد نهضة علمية حديثة بالكنيسة .
ولد داود توماس بشوت بقرية نجع أبو زقالي بالصوامعة شرق أخميم محافظة سوهاج . وفي كتاب قريته الملحق بالكنيسة .تعلم الحساب والكتابة باللغتين العربية والقبطية ؛وعندما كبر قليلا عمل في الفلاحة لمساعدة والده ؛وهناك أحتك بالعربان المجاورين لقريته حيث تعلم منهم الفروسية وركوب الخيل ؛ وفي عام 1838 قرر ان يترهبن وكان عمره لا يزيد عن 22 عاما فذهب إلي دير . الانبا انطونيوس بالبحر الأحمر ورسم راهب باسم داود الانطوني وبعد وفاة رئيس الدير أجمع الرهبان علي تعيين القس داود رئيسا للدير ولم يمضي علي رهبنته أكثر من سنتين أي أن عمره كان 24 عاما .فأبطل الكثير من العادات السيئة التي كانت سائدة في الدير في ذلك الوقت .منها خروج الرهبان للتجول في البلاد بدون معرفة و إذن رئيس الدير ؛ كما حرص علي رفع المستوي العلمي والثقافي لرهبان الدير ؛فأنشأ مكتبة وقاعة للإطلاع بعزبة الدير ببوش ؛ وخلال هذه الفترة نشأ خلاف بين الرهبان الاثيوبيين وأسقفهم ؛ فكلفه البابا بطرس السابع البطريرك ال109 ؛والمعروف في التاريخ ببطرس الجاولي بالسفر الى اثيوبيا حيث كانت الكنيسة الاثيوبية خاضعة لكنيسة مصر و حل الخلاف واثناء وجوده باثيوبيا توفي البابا بطرس ؛فأتجهت الأنظار لرسامة الراهب داود بطريركا ؛فجمعت له التزكيات والتوقيعات من كل مكان ؛فرسم مطرانا عاما في يوم 17 أبريل 1853م ؛علي أساس أنه إذا أثبت كفاءة تتم ترقيته إلي منصب الأب البطريرك ؛وذلك بسبب صغر سنه وتخوف الشعب . "رجال الدين " من عدم نضجه بالقدر الكافي ؛ولكنه عندما أثبت كفاءة متناهية في منصبه تمت سيامته بطريركا بأسم "كيرلس الرابع " وكان ذلك يوم الأحد 4 يونيو 1854 لتبدأ الكنيسة القبطية عصر جديدا من النهضة والإصلاح .
قرارته الاصلاحية
من اهم الاعمال الإصلاحية التي قام بها البابا كيرلس الرابع إنشاء المدارس فقد اهتم بالمدارس بصورة عظيمة واعتبر ان بناء المدارس ياتى في الاهمية قبل بناء الكنائس وبدء بانشاء مدرسة لتعليم الأولاد فأشتري عدة منازل قديمة وهدمها ؛ثم أقام مكانها مدرسة شهيرة ذاع صيتها في جميع أنحاء البلاد ؛وفتحها للطلبة أجمعين مسلمين وأقباطا ؛ وكان هذه المدرسة تعلم اللغات العربية والقبطية والتركية والإنجليزية والفرنسية والإيطالية ؛بالإضافة إلي علوم الحساب والجغرافيا ؛ كما طالب بتوزيع الكتب والأدوات المدرسية مجانا ؛ وتذكر كتب التاريخ أنه كان وهو الأب البطريرك يحرص علي حضور الحصص المدرسية ويجلس في الفصل مثله مثل أي تلميذ حتي إذا ما شاهد التلاميذ الأب البطريرك جالسا بينهم ؛يتشجعون في طلب العلم أكثر وأكثر . ولقد سبق البابا كيرلس الرابع قاسم أمين والمعروف في التاريخ بقلب محرر المرأة في الدعوة إلي ضرورة تعليم البنات ؛حيث أنشأ مدرسة في حي الأزبكية لتعليم البنات ؛فكانت بذلك أول مدرسة أنشئت لتعليم البنات في مصر ؛ثم أنشأمدرستين في حارة السقايين ؛واحدة للبنين وأخري للبنات ؛كما ألحق بهما كنيسة علي أسم الملاك غبريال في حارة السقايين ؛وكان يحرص علي زيارة المدرستين بنفسه مرة كل أسبوعين علي الأقل ؛كما أنشأ أيضا مدرسة في المنصورة ؛. . ولقد تخرج من مدرسة الأقباط هذه العديد من الرموز الوطنية الكبري نذكر منهم "بطرس غالي" و"يوسف وهبة "و"عبد الخالق ثروت " و"حسين رشدي باشا " رئيس وفد مصر إلي المؤتمر البرلماني الدولي المنعقد في باريس في أغسطس 1927 وغيرهم الكثير
كما سعي إلي الحكومة المصرية لإيفاد الأقباط ضمن البعثات التي كانت ترسلها الحكومة الي أوربا ؛فأوفدت الحكومة .بالفعل "البير واصف عزمي" إلي فرنسا لدراسة الحقوق والإدارة ؛وكان ذلك عام 1855 ؛وعاد البير من البعثة عام 1860 وترقي في المناصب الحكومية حتي وصل إلي منصب رئيس الحكومة المختلطة عام 1883 ؛وأستمر في هذا المنصب حتي توفي عام 1898 .
اول مطبعة بالكنيسة
قرر البابا كيرلس الرابع شراء مطبعة حتي تتم طباعة الكتب الكنسية بدلا من الكتب المخطوطة ؛فأوفد أربعة من شباب الأقباط إلي المطبعة الأميرية ببولاق ليتعلموا فن صف الحروف ؛كما كلف الخواجا رفلة عبيد بشراء المطبعة وأدوات الطباعة من أوربا ؛ووصلت المطبعة عندما كان هو في دير الانبا انطونيوس لبناء سور جديد للدير وتجديد بناء الكنيسة الأثرية وقلالي الرهبان ؛ فأرسل رسالة إلي وكيل البطريركية بالقاهرة يطلب منه إستقبال المطبعة بموكب حافل يليق بالمكانة العلمية التي سترتقي بها المطبعة بالأمة القبطية ؛ وبالفعل أرتدي الكهنة ملابس صلوات القداس البيضاء وأنشد التلاميذ أناشيد الفرح ؛ وعندما علم بعض المتزمتين بهذا الأمر تضايقوا جدا ؛وأبدوا أستيائهم للأب البطريرك حيث رأوا في ذلك السلوك بدعة ؛ فرد عليهم البابا كيرلس الرابع "لو كنت حاضرا لرقصت أمامها كما رقص داود النبي أمام تابوت العهد " واهتم البابا كيرلس الرابع بأهمية الكتب والمكتبة ؛ فأمر بتنظيم المكتبة بالدار البطريركية وجمع فيها جميع كنوز ومخطوطات الأديرة والكنائس القديمة . كما حرص علي عودة الكتابة بالتاريخ القبطي الذي كان قد أبطل إستعماله إلا في الزراعة ؛ ولكن في أيام هذا البطريرك أعيد إستعماله مرة أخري اعتبارا من يوم 1 أبيب 1517 للشهداء الموافق 7 يوليو 1855 م ؛وبقي التاريخ القبطي مستعملا حتي 1 سبتمبر 1875 م ؛حيث أبدل بالتاريخ الميلادي الغربي المستعمل حاليا إلي جانب التاريخ القبطي والتاريخ الهجري .كما حرص البابا كيرلس الرابع علي رفع مستوي المعيشة للكهنة ؛فرفع مرتباتهم حتي تليق بمستوي الأسعار في ذلك الوقت . كما آمن البطريرك المصلح بأن الأسرة هي عماد المجتمع ؛وأن النهوض بالأسرة هي حجر الزاوية الرئيسية في نهضة المجتمع كله ؛فطالب بوضع حد أدني لسن الزواج للفتاة ؛ ونصح أن تكون فترة الخطوبة فترة إختبار حقيقية حتي يتيح للخطيبين فرصة التراجع عن الخطبة إذا أكتشفا عدم التوافق ؛وذلك حتي يسد الثغرة أمام جميع أسباب الخلافات الزواجية وعلي رأسها الطلاق . ولعل التاريخ سوف يسجل عنه أنه كان أول بطريرك يسعي للحوار مع الكنائس اليونانية ؛"وهي الكنائس التي قبلت قرارات مجمع خلقدونية عام 451م والتي تؤمن بوجود طبيعتين للمسيح ؛وترتب عليها ما عرف في التاريخ بالإنشقاق المسيحي الأول " فسعي بين كافة البطاركة للوحدة والسلام ؛ ويبدو أنهم أتفقوا علي الخطوط الرئيسية لإتحاد كافة الكنائس الموجوةد بمصر تحت رئاسته ؛حتي أن بطريرك الروم الآرثوذكس في ذلك الوقت عندما سافر إلي الأستانة ؛وضع شئون بطريركيته تحت تصرف البابا كيرلس الرابع ؛كما حرص البابا كيرلس الرابع علي إدخال العديد من الألحان والصلوات بالكنيسة اليونانية داخل طقس صلوات الكنيسة القبطية ؛وذلك حتي يدعم ويفعل الوحدة بين الكنائس المختلفة ؛ومازالت هذه الصلوات محفوظة داخل كتب صلوات الكنيسة القبطية " ومن منطلق حضاري آمن البابا كيرلس الرابع بأهمية اللغة القبطية بأعتبارها الحلقة الرابعة في سلسة تطور اللغة المصرية ( الهيروغروفية – الهيراطيقية – الديموطيقية – القبطية ) فكتب منشورا يحث فيه الأقباط علي التبرع لبناء معهد علمي لتعليم اللغة القبطية ؛وذكر في هذا المنشور الجهود التي بذلها العلماء الأجانب وعقد مقارنة بين اهتمام الأجانب وإتقانهم لها وبين عدم قدرة الأقباط علي فهمها ؛كما كان البابا كيرلس يزيد من مرتبات الكهنة الذين يتقنون الصلاة باللغة القبطية .
الغاء الجزية والجندية
ومن مظاهر محبته الشديدة للوطن فلقد تجلت عندما ألغي الخديوي سعيد باشا الجزية المفروضة علي الأقباط وكان ذلك في عام 1855 م ؛ حيث أشاع البعض أن البابا كيرلس الرابع طلب من الخديوي إعفاء الأقباط من دخول الجيش ؛وعندما سمع البابا كيرلس الرابع بهذه الأشاعة أنزعج جدا ؛حتي أنه أصدر بيانا مكتوبا قال فيه ( يقول البعض أني . طلبت من الباشا أن يعفي أولادنا الأقباط من الخدمة العسكرية ؛وحاشا لله أن أكون جبانا بهذا المقدار لا أعرف للوطنية قيمة .أو أن أفتري علي أعز أبناء الوطن بتجردهم من محبة أوطانهم وعدم الميل لخدمته حق الخدمة والمدافعة عنه ؛فليس هذا ما طلبته ولا ما سوف أطلبه ).ثم توفي في يوم 31 يناير 1861 عن عمر يناهز 45 عاما فقط ؛بعد أن قضي علي الكرسي البطريركي حوالي 7 سنوات و9 شهور و18 يوما ؛خلف خلالها سجلا حافلا بالإنجازات عجز عن صنعها الكثيرون في قرون .
.