داعش والأكراد ومعركة النفط

الإثنين 02/فبراير/2015 - 01:29 م
طباعة داعش والأكراد ومعركة
 
 احتدمت معركة السيطرة على النفط بين عناصر الدولة الإسلامية "داعش" والقوات الكردية "البيشمركة" وخاصة في مناطق كركوك نينوي وصلاح الدين وديالي وبعض المنشآت النفطية كالمصافي التي تقوم باستغلالها داعش منذ يونيو الماضي، فقد أعلن محافظ كركوك نجم الدين كريم أن خسائر تنظيم "داعش" في معارك جنوب كركوك بلغت أكثر من 300 قتيل، إضافة إلى مقتل عدد من مقاتلي البيشمركة الكردية، من بينهم ضابط برتبة عميد وآخر برتبة لواء، وأن استعادة حقل خباز النفطي، وإعادة الموظفين المحتجزين لدى التنظيم إلى منازلهم بعد تحريرهم من قبل القوات الكردية.
وزير النفط، عادل
وزير النفط، عادل عبد المهدي
ووصل وزير النفط، عادل عبد المهدي، إلى محافظة كركوك للاطمئنان على  سير الإنتاج في حقول كركوك النفطية، مؤكداً على ضرورة تعظيم الإنتاج فيها وتطوير عملها بما يلائم وتحديات المرحلة القادمة.
المعارك الطاحنة التي دارت بين القوات الكردية "البيشمركة" وعناصر الدولة الإسلامية "داعش" تعد الأشرس منذ سيطرت داعش على الموصل والرقة وأجزاء واسعة من العراق، وهو ما فتح شهية التنظيم إلى التوسع في المناطق النفطية في محافظة كركوك الغنية بالنفط، وتحديداً عند منطقة خباز، التي تضم أكبر حقول النفط وهو ما واجهته القوات الكردية بعنف؛ نظرا لأهمية النفط للأكراد وداعش معا. 
البراجماتية الكردية تتفاعل مع ملف النفط العراقي والكردي على حسب مصالحها، ففي الوقت الذي تحارب فيه داعش على المناطق النفطية نجدها متورطة عبر قيادات لها في تهريب النفط المسروق من الحقول العراقية على يد داعش إلى تركيا، فقد أثبتت تقارير مخابراتية ضلوع مسئولين عسكريين وآخرين في الحزبين النافذين في إقليم كردستان العراق، "الديمقراطي الكردستاني" بزعامة مسعود بارزاني، و"الاتحاد الوطني" بزعامة جلال طالباني، في تجارة النفط ومشتقاته مع تنظيم "الدولة الإسلامية" داعش، ويعد هذا الأمر من أخطر القضايا في الإقليم، ذات الصلة بالحرب التي تخوضها قوات البيشمركة الكردية ضدّ تنظيم "الدولة الإسلامية"؛ حيث تتم عمليات شراء وبيع للنفط الخام والمشتقات النفطيّة من خلال الأكراد. 
داعش والأكراد ومعركة
أشارت التقارير إلى أنّ "الحكومة العراقية" شكّلت لجنة وزاريّة للتحقيق في الموضوع، تضمّ في عضويتها وزراء الداخلية والبيشمركة والثروات الطبيعية وتلقّي البرلمان العراقي عن ثلاث شحنات من البنزين، نُقلت عبر مدينة كركوك إلى مسلحي "داعش"، خلال يومي 27 و28 سبتمبر الماضي وقد تولّت إحدى السيّارات العائدة لمسئول ميداني في قوات البيشمركة توفير الحماية لانتقال الشحنات. وفي الحالة الثانية التي جرت ليلة 23- 24 سبتمبر الماضي، تمّ نقل أربع شحنات من البنزين، عبر مناطق خاضعة لسيطرة لواءين من قوات البيشمركة، يتزعّم أحدهما مسئول في الحزب "الديمقراطي الكردستاني"، ويقود الثاني أحد مسئولي حزب الاتحاد "الوطني الكردستاني"، وأن هناك 11 متهماً في موضوع الإتجار مع "داعش"، عدد منهم أعضاء في قوات البيشمركة، ومن المنتظر أن تتولّى محاكم عسكريّة ومدنيّة في إقليم كردستان النظر في قضايا المتورطين بالمتاجرة مع تنظيم "داعش"؛ بسبب وجود مدنيين وعسكريين متّهمين في القضية. ووفق القوانين العسكريّة المطبّقة في إقليم كردستان، سيواجه من يُدان من عناصر البيشمركة بالتعامل مع تنظيم "داعش" عقوبة الإعدام؛ لأنّه سيُتهم بالخيانة العظمى الوطنيّة من دون أن يشمله أي عفو أو تخفيف للعقوبة.
داعش والأكراد ومعركة
ويقوم التنظيم ببيع النفط الخام إلى سماسرة ووسطاء، كما يعمد إلى استبداله بمادة البنزين. وتنتهي كميات النفط الخام إلى مشترين، ثم إلى وجهة من اثنتين متوقعتين، إمّا إلى مصافٍ تعمل على تكرير النفط الخام، شمالي العراق، أو إلى مشترين في الخارج كتركيا وإيران، وبسبب الأسعار المتدنية التي يبيع بها "داعش" النفط الخام، والتي تتراوح بين 25 و60 دولاراً للبرميل، فيما السعر القياسي العالمي هو 85 دولاراً للبرميل، فإن أشخاصاً وشركات عدة، عمدت خلال الفترة الماضية، إلى شراء ذلك النفط.
وقالت الولايات المتحدة: إن تنظيم الدولة يحقق ملايين الدولارات أسبوعيا من تهريب النفط، ويسيطرون على نصف حقول النفط في العراق تقريبا ويبيع تنظيم الدولة النفط لإقليم كردستان بأسعار رخيصة جدا، ومن كردستان يقوم الأكراد ببيعه إلى تركيا وإيران. وساعدت أرباح النفط تنظيم الدولة الإسلامية على تغطية فاتورة رواتبه العالية: 500$ للمقاتل، و1200$ تقريبًا للقائد العسكري.
داعش والأكراد ومعركة
وقال «سامي خلف»، أحد مهربي النفط وضابط مخابرات سابق في حكم صدام حسين: «إننا نشتري كل خزان نفط يحمل من 26 إلى 28 طنا بـ4200$، ثم نبيعه للأردن بحدود 15000$. وكل مهرب يأخذ ثماني خزانات نفط تقريبًا كل أسبوع وأنّ المهربين يدفعون لمسئولي الحدود الفاسدين 650$ عند كل نقطة تفتيش ليغضوا النظر عنهم، وأن «داعش» تستخدم محافظة الأنبار، التي تشترك بالحدود مع الأردن، كقناة تهريب رئيسية. وتسيطر «داعش» على ثلاثة حقول رئيسة في العراق: عجيل شمال تكريت، والكيارة، وحمرين، ولكن اللافت أن التجار الأكراد وافقوا على شراء النفط بنصف سعره الدولي، ودفعوا 1500$ لكل خزان يمر عن طريق نقاط تفتيش البيشمركة في كركوك ومخمور وداقوق وطوز خرماتو.
ورصدت الطائرات بدون طيار الأمريكية أعدادًا كبيرة من شاحنات النفط تعبر من مناطق «داعش» إلى كردستان دون عوائق. في ذلك الوقت، كان محاربو البيشمركة يواجهون «داعش» في خط جديد وهشّ. وقدم القادة الأمريكيون للمسئولين الأكراد صور ستالايت وطالبوهم بالضغط لإيقاف ذلك، بالإضافة لتدمير الطائرات الأمريكية لسبعة خزانات، مع الطيران العراقي الذي ضرب أهدافًا مماثلة الشهر الماضي.
داعش والأكراد ومعركة
النفط السوري لم يغب أيضا عن أنظار داعش والأكراد؛ حيث ذكرت تقارير لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية أن مدينة اليعربية الحدودية الواقعة في شمال شرقي سوريا على الحدود التركية العراقية، شهدت معركة قاتلة على الموارد النفطية بين تنظيم داعش والمقاتلين الأكراد الذي يستغل كلاهما الرجال والنساء والأطفال للعمل في آلاف الأفران المعدنية البدائية لتكرير النفط الخام الذي يوزعه الأطراف المتحاربة لشراء ولائهم، ويبيع السكان الوقود الذي يعدونه إلى تجار السوق السوداء، وأن النفط الآن هو الدخل الثابت الوحيد في هذه المجتمعات الريفية الفقيرة، في تلك المناطق التي يكره سكانها العرب المحليين الأكراد بقدر ما يخشون "داعش" التي تسيطر على معظم الجزء الجنوبي من محافظة الحسكة السورية ومحافظة دير الزور المجاورة بأكملها تقريبا، الغنية بالنفط والغاز، بالإضافة إلى معظم محافظة الرقة المجاورة.
ووفقا لمقابلات أجرتها الصحيفة مع زعماء القبائل وداعش ومسئولين في الجيش والمخابرات الكردي، يستغل التنظيم أموال النفط لضمان ولاء ودعم حربهم ضد الأكراد، وأن مشاركة شيوخ العشائر الأرباح مع أتباعهم يحافظ أيضا على إمدادات ثابتة من داعش.
وفي منطقة حقول رميلان (1322 بئراً) تسيطر القوات العسكرية الكردية المعروفة بوحدات حماية الشعب  (YPG)عليها وذلك بعد تسويات ومفاوضات بينها وبين فصائل من المعارضة الإسلامية المسلحة، ويبلغ إنتاج هذه الآبار ما يقارب 400 ألف ليتر من مادة المازوت يومياً (سعر الليتر 30 ليرة سورية) إضافة إلى 150 ألف ليتر من مادة البنزين التي وُصِفَت جودتها بالـSuper  مقابل (150 ليرة سورية لليتر الواحد). وتسعى "داعش" للسيطرة عليها ثم بيع هذا النفط إلى مهربين أتراك بثمن بخس وتكرير الباقي وبيعه كبنزين في الموصل. 
داعش والأكراد ومعركة
وفي حقل نفط الشدادي الواقع في شمال شرق سوريا، تبيع داعش النفط وعينها على منطقة دير الزور الشرقية المنتجة لـ 130 ألف برميل يومياً وشمالها الشرقي الذي تسيطر عليها الميليشيات، بالإضافة إلى 380 ألف برميل يومياً في محافظة الحسكة التي سيطر عليها الأكراد، وإذا سقطت الحسكة في أيدي داعش فإن التنظيم سيكون له السيطرة على كل منشآت البلاد النفطية تقريباً.
إلا أن التنظيم لم يستطع بعد استغلال الحقول التي يسيطر عليها بالفعل استغلالاً كاملاً بسبب الافتقار إلى الخبرة الفنية. أما الحقول الرئيسية التي يسيطر عليها كالشدادي والعمر والتنك وورد، فكانت تقوم بتشغيلها في الغالب شركات نفط دولية، غير أن شركات رويال داتش شل وتوتال وبترو كندا غادرت المنطقة منذ وقت طويل؛ الأمر الذي جعل الاستغلال الكامل للحقول تحدياً رهيباً، ولم يبق في المناطق التي يسيطر عليها داعش إلا القليل من الأفراد ذوي الخبرة الفنية، في حين بقي في المنطقة التي يسيطر عليها الأكراد الكثير من الموظفين الذين ما زال بعضهم يتلقى راتبه من وزارة النفط في دمشق.
داعش والأكراد ومعركة
الولايات المتحدة الأمريكية دخلت المعركة بين الجانبين في الصراع على النفط العراقي، وأعلنت أنها تتعاون مع حكومة إقليم كردستان العراق لوقف تهريب النفط؛ لتجفيف مصدر تمويل هام "للدولة الإسلامية"، بعد أن سيطر مقاتلو التنظيم على حقول ومصاف نفطية في شمال العراق ويصدرون النفط من خلال شبكات للتهريب. 
وكشف اموس هوكستاين القائم بأعمال مبعوث الولايات المتحدة للطاقة خلال مؤتمر للنفط أن بلاده تتعاون عن كثب مع كردستان العراق؛ من أجل وقف اتجار تنظيم "الدولة الإسلامية" بالنفط قائلا: "نعمل مع الحكومة الإقليمية في آربيل لدعم جهودها لوقف تلك الشحنات وعمليات التهريب، ومن المهم للغاية بالنسبة للولايات المتحدة والمجتمع الدولي وإقليم كردستان نفسه تكثيف جهود وقف التهريب، وإن حكومة كردستان العراق اعتقلت عددا من الأشخاص بتهمة التهريب ونتعاون حاليا مع كردستان للتعرف على طرق تهريب النفط والشاحنات والتجار المتورطين في عمليات التهريب، ومنع التهريب عبر الحدود، من خلال إقامة نقاط؛ ولذلك يجب أن تغطي الجهود السلسلة كلها لمنع عمليات التهريب للدولة الإسلامية؛ لأن الطرق تتغير وربما يمر البعض من خلال تركيا وإيران وكردستان العراق وربما الأردن، وبالتالي هي ليست ثابتة، وهذا يصعب الأمر، لكن أعتقد أن الجهود نجحت في إبطاء العملية".
الجيش الأمريكي ساعد بشكل مباشر في تمدد نفوذ الأكراد في المناطق النفطية من خلال تنفيذه لـ 26 ضربة جوية على أهداف لتنظيم "داعش"، قرب مدينة كركوك، وبالتحديد مناطقها النفطية لاستمرار النفوذ الكردي عليها.

شارك