أمريكا تحارب الإرهاب بيد.. وتدعم الإخوان بالأخرى

الإثنين 02/فبراير/2015 - 04:39 م
طباعة أمريكا تحارب الإرهاب
 
ليس جديدا على الإدارة الأمريكية الكيل بمكيالين.. خاصة في القضايا التي تخص منطقة الشرق الأوسط فقد اتسمت النظرة الأمريكية للتنظيمات والجماعات الإسلامية خلال الفترة الماضية بالتباين ففي الوقت الذي أدرجت فيه الخارجية تنظيم "أجناد مصر" الذي ينتمي معظم عناصره إلى جماعة الإخوان، ترفض إدراج الجماعة الأم ضمن التنظيمات الإرهابية.
وقد أثار التناقض الأمريكي الكثير من علامات الاستفهام، وزاد التعجب بعدما اعترفت وزارة الخارجية بعقد اجتماع مع وفد ضم أربعة من قياديي الجماعة والمحسوبين عليها.
وزارة الخارجية المصرية
وزارة الخارجية المصرية
لكن وزارة الخارجية المصرية من جهتها ردت بأن تعامل بعض الدول- في إشارة إلى الولايات المتحدة- مع ما يسمى بـ"المجلس الثوري المصري" و"برلمان الثورة" التابعين لجماعة الإخوان يعد استهتاراً بإرادة المصريين، وإضفاءً للشرعية على كيانات خارجة عنها.
وأوضحت في بيان لها أمس، أن تعاطي دول مع هذه الكيانات الإرهابية، يفسح لها مجالاً للترويج لأفكارها التي تحض على العنف والإرهاب، كما أنه يتناقض مع ما تدعيه تلك الدول من التزام بمحاربة الإرهاب والتطرف. ويبدو أن واشنطن اختارت غض الطرف عن التصعيد الذي أعلنته وسائل إعلام تابعة للإخوان بموجبه باستهداف مؤسسات الدولة المصرية، ومنح مهلة للمستثمرين والدبلوماسيين الأجانب لمغادرة البلاد.
ويقول مراقبون: إن تنظيم الإخوان اختار العودة إلى الخطة القديمة التي أقرها حسن البنا عام 1948 لاستهداف المنشآت الأجنبية والشركات والمصالح الغربية في مصر، بعد إقدام محمود فهمي النقراشي باشا على إصدار قرار بحل الجماعة وقتها.
وأضافوا أن انتقال الجماعة من العمل العنيف السري إلى العلن يحرج الولايات المتحدة التي تصر على التعامل معها.
مصطفى زهران الباحث
مصطفى زهران الباحث في شئون الحركات الإسلامية
وكان لمصطفى زهران الباحث في شئون الحركات الإسلامية وجهة نظر قائمة على أن العنف الذي شهدته مصر خلال ذكرى ثورة ٢٥ يناير، حظي بمتابعة كبيرة من الصحافة العالمية وتأثيراتها الخارجية، كانت كبيرة ومؤلمة؛ لأنها أعادت طرح أسئلة عن الاستقرار في مصر، كانت القاهرة قد تجاوزتها مؤخرا.
أوضح زهران أن الإخوان استغلوا الصورة التي نقلتها وسائل الإعلام الغربية عن العنف في مصر، وبنوا عليها تواصلا سريعا مع الإدارة الأمريكية، مشيرا إلى أن الأوضاع في المنطقة ربما تدفع واشنطن إلى عدم استبعاد الحض على تقارب خليجي- إخواني، قد ينتج عنه تغيير نسبي في وضع الجماعة بمصر.

المخطط الأمريكي لتفتيت مصر

المخطط الأمريكي لتفتيت
المتتبع لتاريخ الولايات المتحدة الأمريكية مع مثل هذه الجماعات يعلم جيدا أنها الداعم الرئيسي لها، وتستخدمها في إطار ما يسمى بالحرب بالوكالة، واتضح هذا جليا في أواخر القرن الماضي، خاصة تمويلها لما كان يسمى بالمجاهدين الأفغان في حربهم ضد الاتحاد السوفيتي، وتجهيز وتدريب أسامة بن لادن، كذلك يعلم الجميع تورط الولايات المتحدة مع الكثير من هذه الجماعات الإرهابية، وإذا نظرنا بعمق على توجهات الولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط نجد أنها تنفذ خططا طويلة الأجل من أجل تدمير القوة العربية كاملة، وتفتيت الدول لدرء أي مخاطر عن مصالحها بمساندة بعض دول المنطقة، وبخاصة تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الموسع، والقضاء على محور الشر الذي أعلن عنه من قبل الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش في عام 2001 بعد أحداث 11 سبتمبر، وكان يقصد وقتها العراق وإيران وسوريا. 
البنتاجون الأمريكي
البنتاجون الأمريكي
واستطاع البنتاجون الأمريكي أن يضع خططه من أجل الوصول لذلك الهدف، من خلال تدمير الجيوش العربية وجعلها بلا قوة قد تعمل على مواجهة أي خطط ترغب في تنفيذها، وجاءت البداية في عام 2003 وبعد الاحتلال الأمريكي للعراق، ومع تعيين بول بريمر كأول حاكم أمريكي للعراق قام باتخاذ قراره الأول بحل الجيش العراقي، وهو الأمر الذي لم يحدث في أي دولة في العالم من قبل، فالجيش يعني هوية الدولة، كما يعني الاستقرار لها ومواجهة أي عمليات داخلية أو خارجية، وحتى لو كان منكسرا بعد حرب لا يمكن أن يتم حله إلا لو كان هناك أسباب تهدف إلى ذلك، وهي أسباب تصب جميعها في مصلحة الولايات المتحدة، وأهمها جعل العراق بلا هوية لإعادة تشكيلها من جديد والعمل على تقسيمها دون أية مقاومة، إلا أن المخطط الأمريكي ازداد شراسة مع دخول تنظيم القاعدة في الأراضي العراقية وتم تدمير ما تبقى من كيان وهوية الدولة العراقية؛ مما جعل العراق تبتعد عن الصورة الاقليمية، بعد أن كانت قوة مؤثرة بشكل كبير فيها. 
‎لم يتوقف المخطط الأمريكي الجهنمي عند هذا الحد فقط، بل إنها قامت في عام 2004 بإقرار مشروع الشرق الأوسط الموسع في قمة الثماني، ثم من بعده في قمة إسطنبول لحلف الناتو بحيث جعلت للحلف مهام أمنية واستراتيجية داخل المنطقة؛ من أجل أن يكون له الغلبة من خلال إعادة نشر قواته في مواقع استراتيجية مثل البحر الأحمر والخليج العربي وقواعد عسكرية في دول أخرى. 
‎وخلال تلك الفترة بدأت الإدارة الأمريكية في فتح قنوات اتصال مع بعض القوى المعارضة في بعض الدول العربية؛ لتكون موالية لها في حال تنفيذ أي ثورات بعد إعلان كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية في الإدارة الأمريكية السابقة، عن مصطلح الفوضى الخلاقة الذي يجب أن يتم تنفيذه في منطقة الشرق الأوسط والدول العربية، وحاولت الإدارة الأمريكية أن يكون لها حلفاء في حال حدوث ثورات عربية التي كانت تخطط له الولايات المتحدة لإعادة تشكيل المنطقة، كما ترغبها لحماية مصالحها وجعل إسرائيل هي القوة الوحيدة ومن ثم القضاء على القوة العربية المهددة لها. 
صورة مجمعة لثورات
صورة مجمعة لثورات الربيع العربي
وجاءت بعد ذلك ثورات الربيع العربي لتجد الولايات المتحدة دورا أكبر لها؛ لتكون نصيرا للديمقراطية في الشرق الأوسط، وهو الظاهر من خلال تصريحاتها التي دائما ما يطلقها القيادات في الإدارة، أما الخفي منها فهي تهدف إلى تنفيذ مشروعها الكبير من خلال تدمير مؤسسات الدول، ثم تدمير الجيوش العربية، وإفقاد الدول على تحديد مستقبلها مفردة، وتجعل من الولايات المتحدة وصية عليها تنفذ تعليماتها التي هي في الغالب تدمير لكل ما هو قوي في تلك الدول، مثلما حدث في النموذج العراقي، وهو ما يظهر جليا في تعامل الإدارة الأمريكية مع الملف السوري، إلا أن الولايات المتحدة جاءت لها فرصة ذهبية لتدمير الجيش السوري تماما من خلال تسليح المعارضة وإدخال البلاد في حرب أهلية، وتتحول الثورة من سلمية إلى دموية يقتتل فيه الجانبان، وفي النهاية تخرج سوريا مهلهلة بلا جيش مدمرة اقتصاديا، وبها صراعات طائفية. 
‎وقد فعلت ذلك من قبل مع ليبيا من خلال دور الناتو هناك وتسليح المعارضة، ثم بعد ذلك صراعات قبلية تدخل الدولة في دوامة كبيرة يتم بعدها الاحتكام للولايات المتحدة وحلفائها في الغرب ليتم تقسيم ليبيا إلى دويلات صغيرة. 
‎أما بالنسبة إلى مصر فهي نموذج مختلف بالنسبة لباقي الدول العربية، فمصر ليس بها خلافات اثنية، وليس بها خلافات قبلية فهي دولة متماسكة، حتى بعد الثورة؛ لأن بها جيشا قويا قادرا على حماية الدولة وأركانها، برغم المحاولات العديدة من البعض لإقحام الجيش في صراعات، إلا أنه استطاع أن يبتعد عن ذلك كله ويحمي الدولة مرة أخرى. 
‎وبعد مضي أكثر من 3 أعوام على اندلاع الثورات العربية فيما سمي عالميا بالربيع العربي، وحتى هذه اللحظة لم تستقر الأمور حتى يتم تحديد رؤية واضحة تحليلية حول مستقبل تلك الدول، أو المنطقة بشكل أشمل. 
‎لكن كل حالات الصخب والفوضى التي بدأت تظهر في دول الربيع العربي تؤكد- بما لا يدع مجالا للشك- أن دول المنطقة بدأت تدخل في إطار الفوضى الخلاقة وهو الشعار الذي رفعته كونداليزا رايس بعد غزو الولايات المتحدة الأمريكية العراق في عام 2003، وذلك في إطار مشروع الشرق الأوسط الجديد، والذي يتم فيه تقسيم الدول العربية إلى دويلات صغيرة وتصبح فيه إسرائيل القوة العظمى. 
أمريكا تحارب الإرهاب
ولو نظرنا إلى الحالة المصرية فيجب أن نعود أولا إلى سلسلة مقالات بعنوان مصر والحرب المقبلة نشرها الدكتور محمد عمارة في الثمانينيات نقلاً عن مجلة يصدرها البنتاجون (وزارة الدفاع الأمريكية) ونقلتها مجلة كيفونيم في القدس (فبراير 1982) كلام عن أن الخطة الإسرائيلية- الأمريكية تقضي بتقسيم مصر إلى أربع دويلات: 
1-  سيناء وشرق الدلتا (تحت النفوذ اليهودي). ليتحقق حلم اليهود من النيل إلى الفرات.
2- الدولة النصرانية عاصمتها الإسكندرية، تمتد من جنوب بني سويف حتى جنوب أسيوط وتتسع غربا لتضم الفيوم. ثم تمتد في خط صحراوي عبر وادي النطرون الذي يربط هذه المنطقة بالإسكندرية، وتتسع مرة أخرى لتضم أيضا جزءا من المنطقة الساحلية الممتدة حتى مرسى مطروح. 
3- دولة النوبة المتكاملة مع الأراضي الشمالية السودانية، عاصمتها أسوان، تربط الجزء الجنوبي الممتد من صعيد مصر حتى شمال السودان باسم بلاد النوبة بمنطقة الصحراء الكبرى، لتلتحم مع دولة البربر التي سوف تمتد من جنوب المغرب حتى البحر الأحمر. 
4- مصر الإسلامية عاصمتها القاهرة، تضم الجزء المتبقي من مصر، ويراد لها أن تكون أيضا تحت النفوذ الإسرائيلي. إذ أنها تدخل في نطاق إسرائيل الكبرى كما رسم حدودها المشروع الصهيوني. 
مصر الأربع دويلات هذه عادت إلى التداول بعد فترة من قيام الثورة المصرية، عندما كشف المجلس العسكري بصورة مفاجئة عن مؤامرة تستهدف وحدة البلاد الجغرافية محذراً من أخطار المرحلة المقبلة. 
عملية الكشف تمت في لقاء عدد من قيادات القوات المسلحة بممثلي ما يسمى ائتلاف مجلس قيادة الثورة المصرية، إبان فترة المجلس العسكري بعد ثورة يناير عرضت خلاله وثائق تؤكد وجود مؤامرة داخلية وخارجية (لم تعرض تفاصيلها) لتقسيم مصر إلى ثلاث دويلات نوبية وقبطية وإسلامية. أحد أعضاء الائتلاف قال بعد الاجتماع: إن هذه الوثائق تكشف عن عدة أهداف، وهي الوقيعة بين الشعب والشرطة لإغراق البلاد في الفوضى، والتأثير على الحالة الاقتصادية والاجتماعية، والوقيعة بين الأقباط والمسلمين لزعزعة استقرار البلاد، وإظهار مصر في صورة سيئة توحي للعالم بوجود فتنة طائفية. وأضاف: المؤامرة تهدف أيضاً إلى الوقيعة بين الشعب والجيش لمعاقبة القوات المسلحة على وقوفها إلى جانب الثورة وحمايتها، وأيضاً التأثير على القوة العسكرية للدولة وإضعافها. 
وأوضح الجيش أن الهدف النهائي من كل ما سبق هو تفتيت مصر إلى دويلات صغيرة، وأشارَ إلى أن ذلك يأتي في إطار خطة أوسع لتقسيم الدول العربية مثلما حدث مع السودان، والمحاولات التي جرت في العراق وتجري حالياً في ليبيا، كي تصبح مصر في غاية الضعف أمام إسرائيل بحيث تكون إسرائيل هي مخلب القط في الشرق الأوسط الجديد. 
أمريكا تحارب الإرهاب
وبشيء من التفصيل فهناك مخطط أمريكي إسرائيلي لتقسيم (أو إعادة تقسيم) العالم العربي إلى كانتونات عرقية وطائفية، حيثُ إن الولايات المتحدة عملت على إعداد مجموعات فاعلة من الشباب العربي تقود الثورات القائمة تحت شعار الديمقراطية في خدمة هذا المشروع، بدليل أن عدداً من شباب الثورة المصرية تدربوا في أمريكا منذ العام 2005 على برامج تحمل عنوان الديمقراطية ومهارات التنظيم السياسي.
واختلاف التعبيرات بين الشرق الأوسط الكبير أو الجديد أو الموسع في السياسة الخارجية الأمريكية، تزامن مع تدشين مشروع خط أنابيب النفط (باكو- تبليسى جيهان)، في شرق البحر الأبيض المتوسط، كما أن عبارة الشرق الأوسط الجديد وصلت إلى أوجهها، في تصريحات وزيرة خارجية أمريكا ورئيس وزراء إسرائيل، في عز الحصار الإسرائيلي للبنان في العام 2006، بدعم أنجلو- أمريكي، يوم أبلغ أولمرت ورايس وسائل الإعلام العالمية أن مشروعاً لخلق شرق أوسط جديد، قد انطلق من لبنان.
هذا الإعلان شَكَّل تأكيدا لوجود خريطة طريق عسكرية، بريطانية- أمريكية- إسرائيلية، في الشرق الأوسط. هذا المشروع الذي كان في مراحله التحضيرية منذ سنوات عدة يقضي بخلق قوس من عدم الاستقرار، والفوضى، والعنف، يمتد من لبنان إلى فلسطين وسوريا والعراق، والخليج العربي وإيران وصولا إلى حدود أفغانستان الشرقية والشمالية، مرورا بدول شمال إفريقيا.
وما حدث في تغير الموقف الأمريكي العام الماضي لم يكن تغيرا استراتيجيا، بل تغيرا تكتيكيا؛ حيث أطلقت يد قطر وتركيا في الملف المصري حتى لا تظهر هي في صورة المدافع طوال الوقت والراعي الرسمي للإرهاب، بينما ما حدث خلال الأسبوع الماضي من تفجيرات هنا وهناك على الأراضي المصرية وتحمل الإخوان جزءا كبيرا من هذه التفجيرات وزيارة وفد من جماعة الإخوان الإرهابية لواشنطن قد كشف الغطاء الأمريكي لهذه الجماعة، وأوضح أن تلك الجماعة تقوم بحربها ضد المصريين لتنفيذ المخطط الأمريكي الذي تحدثنا عنه. 

شارك