صحيفة فرانكفورت الجماينىة: "تمبكتو".. فيلم موريتاني يواجه القاعدة

الإثنين 02/فبراير/2015 - 08:01 م
طباعة صحيفة فرانكفورت الجماينىة:
 
صحيفة فرانكفورت الجماينىة:
يعرض المخرج الموريتاني عبد الرحمن سيساكو في فيلمه "تمبكتو" كابوس التطرف - ويدعو في الوقت نفسه إلى جعل الطيبة مصدرا للمقاومة واتخاذ التعاطف الإنساني في مواجهة الجنون الإيديولوجي. تم تصوير هذا الفيلم بلغة بصرية رائعة من قبل المصور التونسي سفيان الفاني. 
عندما انتشرت في عام 2012 الأخبار حول صعود الإسلاميين في مالي، الذين احتلوا شمالها طيلة تسعة أشهر، كان يوجد من ضمن هذه الأخبار أيضًا خبر حول إعدام رجل وامرأة كانا يعيشان مع بعضهما من دون زواج، قام المخرج عبد الرحمن سيساكو، الذي ولد في عام 1961 في موريتانيا وتربى في مالي (أخرج فيلم "باماكو" عام 2006)، بتحويل هذا الخبر في فيلمه الجديد "تمبكتو" إلى قصة مؤثِّرة حول تعرُّض هذين الزوجين للرجم وفق تأويلات لـ (الشريعة الإسلامية).
وهذا يحدث تقريبًا في وسط الفيلم، نشاهد في البداية وكذلك في النهاية، كيف يقوم بعض الرجال بمطاردة على متن سيارة جيب عبر الصحراء، في المرة الأولى يطاردون غزالة وفي النهاية يطاردون شخصًا بشكل مقصود. وترفرف فوقهم راية الجهاديين السوداء.
يعتبر العنف صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في هذا الفيلم، الذي تم تصويره أمام مباني تمبكتو البُنِّية المبنية بالطوب وفي رمال الصحراء الكبرى الممتدة نحو الجنوب، انتصار الشرّ تقابله طيبة الناس الذين يواجهون الاحتلال في العادة بصمت وذهول. تسأل المرأة البدوية ساتيما (أدَّت دورها الممثِّلة تولو كيكي) زوجها كيدان (أدَّى دوره إبراهيم أحمد ديت بينو): "أَلا يتعيَّن علينا أن نذهب؟" 
لقد جمع الجيران حاجاتهم منذ فترة طويلة ورحلوا مع مواشيهم إلى مكان آخر. "سوف يزول ذلك"، يقول لها زوجها ليطمئنها ويقصد بعبارته هذه الغرباء المسلحين، الذين جاءوا من الشمال ويحتاجون مترجمًا من أجل التواصل مع السكَّان المحليين، وذلك لأنَّهم لا يفهمون لغة الطوارق المعروفة باسم "تماشق".
يبدو أنَّ السلام يسود هنا في الخارج على نهر النيجر. حيث يتمتع كيدان فوق أريكة ليِّنة بتدخين غليونه، وبجانبه تجلس امرأته والابنة الصغيرة المفعمة بالحيوية، والتي تنظر بحب إلى والدها. لا يكاد يوجد منظر معبِّر عن راحة الأسرة أكثر من هذا المشهد.
ولكن في اليوم نفسه تداهم النكبة الجميع في كلِّ مكان هنا، فلأنَّ بقرة من قطيع كيدان داست على شباك الصياد، قتل هذا الصياد البقرة بواسطة حربة، وفي خضم هذا النزاع يُقدِم لذلك كيدان على قتل الصياد، وبحسب أحكام الشريعة الإسلامية فإنَّ هذا يعني موته، إذا لم تعفُ عنه أسرة القتيل. بيد أنَّها لا تعفو عنه، ونشاهد هنا وجوهًا قاسية وغاضبة.
يدمج المخرج عبد الرحمن سيساكو هذه القصة ضمن تصرفات الإسلامويين السلطوية، حيث يتجوَّل الجهاديون في الأزقة ويصرخون بمكبر الصوت معلنين أنَّ الموسيقى والتدخين والكحول والوقوف غير الضروري في الشوارع أمور يعاقب فاعلها. وكذلك يتم التحقُّق من الالتزام بقواعد اللباس الجديد، وتتم معاقبة الشباب على العزف على الغيتارة والغناء، ويتم جلد امرأة أمام الملأ، بالإضافة إلى تطبيق حدّ الرجم. ويقترب موعد إعدام كيدان.
طقوس العنف
لكن هناك صرخة - عمل متمرِّد يكسر هذا النظام المتحجِّر. ليست كلمات الإمام الواعظة للمتطرفين، بل امرأة اسمها ساتيما - هي التي تعكِّر طقوس العنف. وهذا الفيلم مؤسَّسٌ منذ البداية على  هذا الانعكاس المفاجئ، تقريبًا مثل فيلم روسي ثوري من أفلام العشرينيات - وهذا إرث أثَّر تأثيرًا عميقًا على المخرج عبد الرحمن سيساكو منذ دراسته الإخراج في موسكو.
لعل المشاهد الأوروبي يسحره منظر مدينة القوافل هذه -التي يمتد تاريخها لقرون من الزمن- بأزقَّتها الضيِّقة ومدارسها ومساجدها. أو منظر عاصفة رملية فوق الصحراء. وعبد الرحمن سيساكو لا يفوِّت استخدام هذه الجاذبية الغريبة، بيد أنَّ المدينة والصحراء والسماء الليلية هي مجرَّد خلفية لمأساة إنسانية بلغت ذروتها في تعبير الوجوه: الوجوه اللطيفة الطيِّبة من ناحية وكذلك من ناحية أخرى وجوه مُمَهِّدي الطريق لدولة إسلاموية تبدو تارة في حيرة إلى حدّ بعيد، وماكرة تارة أخرى.
ويبدو تارة أنَّ حتى التعاطف الإنساني يريد أن يوقف الجنون الإيديولوجي قليلاً، عندما يقوم القاضي باستجواب كيدان، ولكنه لا يعود قادرًا على مساعدته على الرغم من تعاطفه مع هذا الأب وأبنائه الذين سيصبحون أيتامًا في المستقبل.
وفيلم "تمبكتو" يسعى إلى التغلب على كابوس التطرف، التغلب على كابوس كلِّ مسلم صالح، وذلك من خلال دعوته إلى جعل الطيبة كمصدر للمقاومة. عمل أسلوب المصوِّر التونسي سفيان الفاني، الذي يتوقَّف في بعض الأحيان بشكل قريب جدًا من الوجوه وأحيانًا في المدينة والطبيعة، على تصوير هذا الفيلم بلغة بصرية رائعة.
كذلك تجدر الإشارة إلى الموسيقى التصويرية التي وضعها الموسيقار التونسي أمين بوحافة، والتي تواكب الأحداث المصوَّرة في الفيلم وتنتهل من التقاليد وكذلك من الحداثة. فلماذا يا ترى لم نشاهد بعد أفلامًا من أفريقيا مثل هذا الفيلم؟ إنها موجودة، ويجب علينا فقط العثور عليها.

شارك