في رسائل متبادلة بين بطريرك أنطاكية والرئيس السيسي: تجديد الخطاب الديني مسئولية جماعية
الأربعاء 04/فبراير/2015 - 08:01 م
طباعة

صدى خطاب الرئيس السيسي في الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، والذي طالب فيه بتجديد الخطاب الديني- ما زال يدق على القلوب والعقول؛ الأمر الذي دعى بطريرك أنطاكية (سوريا) البطريرك غريغوريوس الثالث، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والإسكندرية وأورشليم للروم الملكيين الكاثوليك بإرسال خطاب إلى السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربيّة يعبر فيه عن إعجابه بخطاب سيادته ويؤكد على أهمية مشاركة المسيحيين في تجديد الخطاب كشهود يعيشون بين المسلمين، ويستمعون إلى الخطاب الديني ويتعاملون من خلاله، وقد أجاب السيد الرئيس على خطاب غبطة البطريرك بخطاب مماثل. أوضح فيه أن خطاب المحبة والسلام هو الخطاب الحقيقي المعبر عن روح الإسلام السمحة.
نص الخطاب

غريغوريوس الثالث بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والإسكندريّة وأورشليم
سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي
رئيس جمهورية مصر العربية
تحية مع المحبة وفائق التقدير والدعاء....
"لقد سررت جداً بمشاركتي في احتفالية المولد النبوي الشريف في مطلع العام الميلادي الجديد 2015..
سيادة الرئيس!
أحبُّ أن أعبِّر لكم عن إعجابي الكبير بخطابكم الرائع بهذه المناسبة العطرة. لقد جمعتم بين الدين والدنيا، وتكلمتم كرجل مؤمن ورجل دولة عظمى. إنه خطاب حضاري بامتياز وخطاب تجلَّت فيه وفي محبّة الرئيس لشعبه ورؤيته الواسعة- الآفاق، والتي تلامس الواقع الحقيقي لأوضاع الرعية، وتسدد خطى المسئولين لما فيه خير البلاد والعباد.
وأشكركم بنوع خاص على دفاعكم عن الإسلام بطريقة أثَّرت فيَّ جداً ولم أسمعها قط من زعيم عربي، لا ديني ولا مدني؛ لأنكم تريدون إسلاما "لا يخيفُ أحداً ولا يخاف منه أحد". وعبرتم عن رؤية متفتحة عن الإسلام، وطالبتم بثورة دينيّة حقيقيّة.
ونحن كمسيحيين نريد أن نكون مشاركين في هذه الثورة الدينية، ونسهم مع إخوتنا المسلمين في إبراز الصورة الحقيقية للإسلام.
وقد دعانا إلى ذلك قداسة البابا فرنسيس، بابا روما، في رسالته إلى مسيحيي الشرق الأوسط بمناسبة عيد الميلاد المجيد. ويسرّني أن أنقل لكم مقطعاً صغيراً منها:
إن جهدكم الهادف إلى التعاون مع أشخاص من ديانات مختلفة، مع اليهود ومع المسلمين، يشكل علامة أخرى لملكوت الله. الحوار ما بين الأديان يكتسب أهمية أكبر بقدر ما تزداد الأوضاع صعوبة. لا يوجد سبيل آخر. إن الحوار المرتكز إلى مواقف الانفتاح، في الحقيقة والمحبة، يشكل أيضًا أفضل ترياق لتجربة الأصولية الدينية التي تُهدّد مؤمني كل الديانات. والحوار هو في الآن معا خدمة للعدالة وشرط أساسي للسلام المنشود.
يعيش معظمكم في بيئة ذات غالبية مسلمة. يمكنكم أن تساعدوا مواطنيكم المسلمين على أن يقدّموا، باستبصار، صورة أكثر أصالة عن الإسلام كما يريد كثيرون منهم، من يرددون أن الإسلام هو دين سلام ويمكن أن يتفق مع احترام حقوق الإنسان ويسهّل التعايش بين الجميع. وهذا يعود بالفائدة عليهم وعلى المجتمع برمته.
أيّها الأعزاء جميعكم تقريباً مواطنون أصليون في بلادكم وتتمتعون بالتالي بالواجب وبالحق في المشاركة التامة بحياة أُمَّتكم ونموها. أنتم مدعوون في المنطقة لأن تكونوا صانعي السلام والمصالحة والنمو، لتعززوا الحوار وتبنوا الجسور تماشياً مع روح التطويبات (مَتَّى 5:3-12)، وتعلنوا إنجيل السلام وتكونوا منفتحين على التعاون مع كل السلطات الوطنيّة والدوليّة.
من جهة أخرى بصفتي بطريرك سوريا ومركز بطريرك الأول في دمشق، أعبر عن شكري لموقفكم وموقف حكومتكم ولسياستكم تجاه سوريا، وبنوع خاص تجاه مسيرة المصالحة العربيّة التي هي في أساس نجاح مشروعَين مهمَّين في منظاري كبطريرك عربي مسيحي سوري، وهما: حلّ سلمي توافقي للأزمة السوريّة، وحلّ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والعدالة للشعب الفلسطيني. وقناعتي ثابتة أنّ هذين الأمرين هما المفتاح لمستقبل بلادنا العربيّة المحبوبة، ولأجل الأمن والأمان، ولأجل دور العالم العربي بمسيحييه ومسلميه بإسلامه ومسيحيته، في مستقبل الحوار والعيش المشترك والسلام في المنطقة وفي العالم، ونصرنا جميعا أمام وتجاه التيارات التكفيريّة الجهاديّة المتطرفة التي هي خطر علينا جميعاً، وخطر على الإسلام أكثر من خطرها على المسيحيّة والمسيحيين.
إنّ خطابكم هو خطاب رجل دولة بامتياز، وهو نموذج يحتذى به عربيّا وعالميّا. ويا ليت وسائل إعلام مصر تنشره على نطاق واسع. وبهذا المساق أقترح أنّ يكون هناك قناة إنكليزية تنشر أفكاركم وتطلعاتكم ورسالة مهمة عربيّا وإسلاميّا وعالميّا.
لكم مجدداً يا سيادة الرئيس المحبوب خالص محبتي وتقديري وشكري لقيادتكم الرشيدة، مع خالص الدعاء".
غريغوريوس الثالث
بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والإسكندريّة وأورشليم
وجاء رد الرئيس كما يلي

الرئيس عبد الفتاح السيسي
صاحب الغبطة/ غريغوريوس الثالث الكلي الطوبي
بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والإسكندرية وأورشليم
للروم الملكيين الكاثوليك
تحية طيبة وبعد،
لقد تلقيت بمزيد من الامتنان خطاب غبطتكم. وأود أن أشيد بروح المحبة والمودة التي استشعرتها في ثنايا خطابكم، وكذا الحكمة التي لمستها في الكلمات الواردة به ولا سيما ما يتعلق بدعوة قداسة البابا فرنسيس لمسيحيي الشرق الأوسط بمناسبة عيد الميلاد المجيد. للتعاون مع أشخاص من ديانات مختلفة، حيث يمثل ذلك ضرورة قصوى في الوقت الحالي الذي تزداد فيه الأوضاع صعوبة على المستوى الدولي.
واسمح لي يا صاحب الغبطة أن أؤكد مجدداً ما تضمنه خطابي وحديثي خلال الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف، إنما يأتي تطبيقاً أميناً لما تعلمته وفهمته واستوعبته من تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف وكذا توجيهات وأحاديث رسولنا الكريم الذي أوصانا بالبر والتقوى والابتعاد عن الإثم والعدوان، فضلاً عن ضرورة المعاملة الطيبة مع أصحاب الديانات السماوية وفي مقدمتهم المسيحيون. وأنا على يقين تام بأن ما نراه حالياً من أعمال القتل والإرهاب التي تمارسها جماعات متطرفة باسم الدين الإسلامي لا سيما في منطقتنا العربية لهو أبشع انتهاك لتعاليم الإسلام العظيم وهو منها بريء، ولقد دفعني كل ذلك إلى توجيه تلك الدعوة لرجال الدين الإسلامي لتجديد عناصر الخطاب الديني؛ الأمر الذي أثق في قدرتهم على إنجازه بما يمثل تأسيساً بتعليمات رسولنا الذي نادى بنشر روح السلام والمحبة بين كافة البشر. وأود أن أشير هنا أيضاً إلى ما تضمنه لقائي مع قداسة البابا فرنسيس في الفاتيكان في شهر نوفمبر الماضي، من تأكيدنا معاً على أهمية استئناف الحوار بين الفاتيكان والأزهر الشريف في ضوء دقة المرحلة الحالية، وما تستوجبه من تكاتف الجانبين لتعزيز التفاهم والتسامح بين الشعوب، وترسيخ قيم تقبل الآخر، والبناء على القواسم المشتركة التي تنطلق منها الديانتان وتدعيم جهودهما في مواجهة الأفكار المتطرفة.
من ناحية أخرى أتفق كذلك مع رأيكم يا صاحب الغبطة حول ضرورة الحل السلمي لكافة الأزمات بالمنطقة العربية، ولا سيما في سوريا، وذلك لإنهاء المعاناة الإنسانية للشعب السوري الشقيق، فضلاً عن أهمية حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من خلال التوصل لتسوية سلمية شاملة وعادلة تقوم على حل الدولتين؛ الأمر الذي سيبعث بالأمل في نفوس كل شعوب منطقة الشرق الأوسط، وسيحقق الخير والاستقرار، بالإضافة إلى مساهمته الفعالة في القضاء على الذرائع والدوافع التي تستند إليها الجماعات والتنظيمات الإرهابية لتبرير أعمالها واستقطاب المزيد من العناصر لصفوفها من داخل وخارج المنطقة.
وفي الختام، تقبل مني يا صحاب الغبطة أسمى آيات التحية والتقدير، أملاً في أن يعم السلام والاستقرار كافة أنحاء منطقتنا العربية، وأن يظل شعوبها الأمان والمحبة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
رئيس الجمهورية
عبد الفتاح السيسي
دور المفكرين
تبقى الإشارة إلى أهمية أن يتضمن تجديد الخطاب معاونة المفكرين والمثقفين؛ حيث إن المؤسسات الدينية قد أصابها الكثير من التراخي والاختراق من المتشددين على مدار سنوات من انتشار الفكر المتطرف، فحتى عندما تستجيب المؤسسات الكنسية والإسلامية. لا بد من رؤية خارجية تشاهد الواقع المتردي بصورة أفضل.