أردوغان يلجأ للأكراد لتحقيق مجده الشخصي.. وكلمة السر "هاكان"
الأحد 08/فبراير/2015 - 05:43 م
طباعة

رغم تحذير مراقبين مهتمين بالشأن التركي من خطورة مساعي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي يترأس حزب "العدالة والتنمية" المُنتمي إلى تنظيم "الإخوان"، من تحويل النظام السياسي في الدولة التركية من النظام البرلماني إلى الرئاسي، باحثاً عن دور أكثر فاعلية في منصب رئيس الجمهورية، ولم تكد تهدأ ساحات القتال السياسي في تركيا، بعد الكشف أخيراً عن الكثير من قضايا الفساد المتورط فيها شخصيات عديدة من حزب أردوغان السياسي، بما فيهم نجله، ما كان له أثر بالغ في تراجع شعبية الحزب في الشارع التركي.. حتى فتح الرئيس التركي بتلك المساعي باباً متسعاً من الجدل، حول الفائدة من تحويل النظام إلى رئاسي ومدى تأثير ذلك الإجراء على المسار الديمقراطي في البلاد.
كان أردوغان قد طالب مؤيدي الحزب، خلال لقاء جماهيري في مدينة بورصة الجمعة الماضية، دعم مساعيه من تغيير النظام في تركيا إلى رئاسي، عبر انتخاب 400 نائب يدعمون مشروعه، وهو ما اعتبره الكثير من المراقبين طلباً تعجيزياً، حيث يخوض رئيس الوزراء، زعيم حزب "العدالة والتنمية" أحمد داود أوغلو، انتخابات النواب في 7 يونيه المقبل، وطموحه ألا يتراجع أصوات الحزب في عهده، وأن تبقى النسبة التي حصل عليها الحزب في البرلمان هي ذات النسبة الحالية 45 %.
وقال مراقبون إن حصول حزب "العدالة والتنمية" على 400 مقعد من أصل 550 مقعداً، يعني أن تقفز أصوات الحزب الى أكثر من 60 في المئة، وهو الأمر المستحيل تحقيقه، حيث لم يحصل ذلك الأمر في تاريخ الجمهورية التركية، إلا أنه يبدو أن أردوغان يسعى إلى إقامة تحالف مع حزب "الشعوب الديموقراطية الكردي".
التحالف مع الأكراد سبيل أردوغان لتحقيق حلمه الشخصي

وبررت مواقع تابعة لحزب "العدالة والتنمية" قصد أردوغان من الرقم 400، أنه مجموع عدد نواب الحزب مع حزب الشعوب الديموقراطية الكردي، المتوقع أن يحصل على 60 مقعداً في الانتخابات المقبلة، ما يعني أن أردوغان قرر أن يسير في طريق تحقيق طموحه السياسي يداً بيد مع الزعيم الكردي السجين عبدالله أوجلان.

كان رئيس جهاز استخبارات تركيا هاكان فيدان بحث مع أوجلان، ترتيبات إعلان حزب "العمال الكردستاني" وقف أبدي لإطلاق النار، في مقابل إقرار قانون توسيع الحكم المحلي الإداري والذي يمهد لفرض نظام فيديرالي يستفيد منه الأكراد، ونقل أوجلان إلى حبس منزلي، على أن يكون ذلك قبل الانتخابات، من أجل ضمان أكبر عدد من أصوات ناخبي الحزبين.
بعد ساعات من تلك الصفقة بين النظام التركي والأكراد، أعلن هاكان فيدان المعروف بأنه الذراع اليمنى لأردوغان، استقالته من جهاز الاستخبارات استعداداً لخوض معركة الاقتراع ودخول البرلمان، وسط دهشة لدى نواب الحزب الحاكم، عن سبب تضحية فيدان بمنصب يتمتع بحصانة قضائية لمجرد أن يكون نائباً، إلا إذا كان ذلك بطلب من أردوغان وتمهيداً لتولي الأول منصباً أرفع لن يكون في هذه الحال أقل من رئيس وزراء، كما يخمّن نائب رئيس الوزراء بولنت أرينش.

وتقول تقارير إعلامية أن مستقبل رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو بات حبيس حلم شخصي لأردوغان لا يبدو أن للأول مكاناً فيه، فالمطلوب من داود أوغلو إدارة أحلام الرئيس وتحقيقها، ثم الانزواء أو العودة الى وزارة الخارجية لخدمة طموح أردوغان الذي سيتمتع بصلاحيات تعدّ سابقة، بينما يتحمل داود أوغلو طيلة هذه الفترة انتقادات المعارضة ونعتها إياه بأنه "دمية"، ومع ذلك يحاول من خلال زيارات عائلية إلى قصر الرئيس، تأكيد أن علاقته بأردوغان طيبة، لا يشوبها أي خلاف أو استياء.
مزاعم أردوغان في تبرير النظام الرئاسي
ويحاول أردوغان إقناع الأتراك بتحويل النظام من برلماني إلى رئاسي على الطريقة الأميركية، وما إن طرح مشروعه الجديد، حتى أضيف الموضوع إلى أجندة النقاشات السياسية في هذا البلد المسيّس، ففي حين رأى البعض أنّ فكرة أردوغان تعبير تسلطي منه، لأنه قد يكون حالماً بأن يصبح رئيس جمهورية ذا صلاحيات واسعة للغاية في يوم من الأيام، وبين من دافع تحت مزاعم الرغبة في إقامة مشروع قادر على الملاءمة بين الديموقراطية والوضعية الدولية الريادية التي يحلم بها حكام أنقرة.
ودافع أردوغان عن حلمه التسلطي، في مقابلة متلفزة، حيث قال إنه يستهدف من ذلك الإجراء تفادي العقم التشريعي الذي لطالما وقعت فيه تركيا على خلفية نزاع الصلاحيات بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وذكّر بالأيام الصعبة في عهد الرئيس السابق أحمد نجدت سيزر، الذي أمعن على حد وصفه في استخدام حق الفيتو لإعاقة قوانين وقرارات البرلمان والحكومة.
وزعم أنّه يقدّم حلّاً لفصل السلطات، بدليل أنّ الولايات المتحدة متقدمة علينا بأشواط في إطار الحريات والحقوق، غير أنّه، على حد تعبير النائب عن حزب الشعب الجمهوري المعارض أنور أويمن، النظام الأميركي هو نتيجة مسار تاريخي لا يتلاءم مع تاريخنا ولا واقعنا، كما أن لأردوغان مشكلة كبيرة مع التعددية والعلمانية، ويسعى جاهداً لإرساء الديكتاتورية خطوة تلو خطوة.

اللافت للنظر أن أردوغان رفض مساعي الرئيس التركي الأسبق، سليمان ديميريل، الذي سبق أن رفع شعار الانتقال إلى النظام الرئاسي خلال ولايته (1993 - 2000)، وقال أردوغان وقتذاك، ليس من السهل القول: "لننتقل إلى النظام الرئاسي".
ولا يمكن الاحتجاج بأن النظام الأمريكي، رئاسي ولا بد أن نقتفي أثره، حيث ان لكل دولة نظامها، والدليل على فشل اقتباس الأنظمة السياسية من الدول دون النظر إلى مدى اعتبارها ملائمة من عدمه، أنّ الدول الأميركية اللاتينية التي نسخت هذا النمط من الحكم، غرقت في بحر من الانقلابات والديكتاتوريات.
حزب "الحركة القومية" التركي المعارض، رفض مساعي أردوغان، وقال النائب عثمان شكير، إنّ اعتماد النظام الرئاسي سوف يخلق أوجاع رأس جديدة، معرباً عن ثقته بأن أردوغان ليس جادّاً في طرحه، ومتوقعاً أن يتخلى عنه في غضون بضعة أسابيع.

ولا يمكن اعتبار مساعي أردوغان للانتقال من النظام البرلماني إلى الرئاسي في تركيا، هو الأول كما أوضحنا أنه سبقه إلى ذلك الرئيس الأسبق سليمان ديميريل، وتورغوت أوزال، إلا أن محاولاتهم فشلت، ويمكن إجمال مزاعم أردوغان في ذلك الأمر في عدة نقاط هي:
مبررات النظام الرئاسي
1 - النظام السياسي الحالي والموصوف بالبرلماني يعاني خللا في العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، أي الحكومة والبرلمان، حيث يشكو الثاني من سيطرة الأولى، وعليه فإن الانتقال إلى النظام الرئاسي سيحل هذا الخلل من جهة، ومن جهة ثانية سيجعل النظام السياسي أكثر استقرارا.
2 - الدور القوي للنظام الرئاسي ينبع من طريقة الاقتراع في الانتخابات الرئاسية بالبلاد، حيث للمرة الأولى جرى الاقتراع بشكل مباشر من الشعب خلافا للمرات السابقة التي كانت تتم من داخل البرلمان، وعليه يرى أنصار النظام الرئاسي أن الرئيس بات يمثل الشعب الذي طالما فاز بأصواته.
3 - تركيا التي حققت خلال العقد الماضي نجاحات كبيرة، ولا سيما في المجال الاقتصادي وشهدت تغيرات سياسية داخلية عميقة واكتسبت نفوذا إقليميا ودوليا باتت بحاجة إلى دستور جديد يعبر عن هذا الدور ويعكس هذا الصعود في النفوذ والمكانة، وهو ما يعني أن يقوم الرئيس بإدارة الملفات الأساسية، ولا سيما ملف السياسة الخارجية.
4 - الحديث عن ضرورة الانتقال إلى النظام الرئاسي لا يمكن تصوره بعيدا عن شخصية أردوغان الذي يرى أن النظام الرئاسي سيخلص السلطات التنفيذية والتشريعية من البيروقراطية الموجودة والإجراءات الروتينية، وسيعطي قوة دفع كبيرة للسياستين الداخلية والخارجية في تطلعهما نحو أهدافهما المرسومة عام 2023 من خلال إنجاز سلسلة ضخمة من المشاريع الاقتصادية والقيام بإصلاحات سياسية حقيقية وحل القضايا المزمنة ولا سيما القضية الكردية، على أمل أن يضع كل ما سبق تركيا ضمن قائمة أفضل عشرة اقتصادات في العالم.
مخاوف المعارضين

ويمكن إجمال مخاوف المعارضين من مساعي أدروغان فيما يلي:
1 - الخوف من أن يكون الانتقال إلى النظام الرئاسي مدخلا لحكم شمولي دكتاتوري، إذ ترى المعارضة أن الرئيس أردوغان سيستغل هذا الانتقال ليصبح حاكما مطلقا بما يشكل خطرا على الديمقراطية والتعددية في البلاد.
2 - التخوف من أن يكون الانتقال إلى النظام الرئاسي مدخلا لحكم شمولي دكتاتوري.
3 - بعيدا عن المخاوف من الدكتاتورية ثمة رؤية تقول إن تركيا غير جاهزة للانتقال إلى النظام الرئاسي، ويرى أصحاب هذه الرؤية أن الاستشهاد بالنظام الرئاسي في الولايات المتحدة كمثال للاقتداء به فيه ظلم كبير، فهناك مسار تاريخي لم يتحقق بعد، وهناك قضايا جوهرية عالقة في طبيعة الحكم بتركيا.
4 - هناك رؤية تخشى من يؤدي الانتقال إلى النظام الرئاسي إلى تحرك الجيش، وأصحاب هذه الرؤية يعتقدون أنه رغم نجاح حكومة العدالة والتنمية في الحد من دور المؤسسة العسكرية التركية وتدخلها في الحياة السياسية والعامة فإن الجيش ما زال يحتفظ بالعديد من عناصر قوته ويتحين الفرصة للتحرك، وإن الانتقال إلى النظام الرئاسي الذي سيتوج أردوغان بصلاحيات مطلقة قد يشكل مدخلا لهذا التحرك باسم الحفاظ على الديمقراطية والمبادئ العلمانية للجمهورية من رئيس يسعى إلى استعادة العثمانية ويعمل لأسلمة الدولة والمجتمع.