هل يُخمد إبعاد "البلعوس" نار الفتنة في البيت الدرزي؟!

الثلاثاء 10/فبراير/2015 - 08:05 م
طباعة هل يُخمد إبعاد البلعوس
 
أدى الصراع المسلّح في سوريا إلى تمزق عدد من الطوائف التي انضم ابناؤها للاحتجاجات والثورة قبل أن تتحول إلى صراع مسلح، وأخرى بقيت إلى جانب الرئيس السوري بشار الأسد. 
ونجحت الطائفة الدرزية في محافظة السويداء السورية حتى الآن في تحصين نفسها من الاختراق الأمني والصراع بين الفصائل المسلحة والجيش السوري، أمنياً على مدى سنوات الأزمة السورية. 
إلا أن العديد من أبناء الدروز أبدى قلقه ومخاوفه من أن يتحول الاستقرار الذي تنعم به المحافظة إلى حالة من الفوضى والصراع المسلح، مع  بروز ظاهرة الشيخ وحيد البلعوس، الذي انطلق في حملة تحريض ضد الحكومة والنظام السوري والمؤسسة الدينية الدرزية، قبل أن يعلن الخميس الماضي التزامه قرار مشايخ العقل والمشايخ الروحانيين.

معقل الدروز:

معقل الدروز:
نجحت محافظة السويداء السورية التي يقطنها نحو نصف مليون نسمة غالبيتهم من أبناء طائفة الدرزية، في تجاوز الأزمات والصراع المسلح رغم أنها تقع في قلب هذه الصراعات، فشرق محافظة السويداء مسرحٌ لتقاتل مسلّحي تنظيم "داعش" من جهة، ومسلحي "جيش الإسلام" و"جبهة النصرة" فرع تنظيم القاعدة بسوريا من جهة ثانية. 
وفي الغرب، تقبع قرى الريف الشرقي لدرعا تحت سيطرة مسلحي "النصرة" وجماعات وكتائب مسلحة مختلفة تتصارع فيما بينها من حين لآخر.

ظاهرة "البلعوس":

ظاهرة البلعوس:
عاشت محافظة سويداء أسابيع طويلة في حالة خوف وترقب من وقوع اقتتال داخلي بين أبناء الطائفة الواحدة أو بين أبناء الطائفة وعددٍ من الللاجئين إليها من مدن وقرى الصراع.
وجاء خوف الاقتتال الداخلي بجبل العرب "محافظة السويداء" بعد تفشّي ظاهرة الشيخ أبو فهد وحيد البلعوس، أو ما يُعرف بتيار الكرامة، وإطلاقه مواقف تحريضية ضدّ  نظام بشّار الأسد، فضلاً عن هدم أنصاره حاجزاً للاستخبارات الجويّة السورية على مدخل بلدة المزرعة بالمحافظة.
وبدأت ظاهرة البلعوس والتي كانت تعرف بتيار "الكرامة" في المؤسسة الدينية الدرزية تكتسب شهرةً بسبب مواقفه المعادية للبدو الذين يقطنون السويداء ومحيطها، على خلفيّة أحداث الخطف التي تحصل دائماً بحقّ أبناء المحافظة.
وفي الأسابيع الأولى لعام 2014 حرض الشيخ البلعوس الأهالي على الخطف المضاد، مع كلّ حادث خطفٍ مقابل فدية، واتهام الدولة ورئيس فرع الأمن العسكري في السويداء ودرعا العميد وفيق ناصر بـ"عدم طرد البدو"، على قاعدة أن «كل البدو يتعاونون مع المجموعات المسلّحة، ويشكّلون خطراً على القرى"، على إثر مواجهات عنيفة شهدتها منطقة داما في السويداء، بين الدروز وجماعات مسلحة من البدو في أغسطس 2014، والتي راح ضحيتها العشرات من الجانبين. ومن بين من سقطوا في الميدان آنذاك كان شقيق الشيخ البلعوس.
و سجل البلعوس في يوم تشييع شهداء داما، موقفاً لافتاً مطالباً فيه الرئيس الأسد بتنفيذ سلسلة مطالب كان سبق أن طالبوه بها، متوجهاً إليه بالقول: "الشعب اللي بيحمي قائدو، من واجب قائدو يحمي"، وكانت كفيلة ببزوغ نجم الشيخ، الذي لم يعد وحيداً بعدما كثر مناصروه وغالبيتهم من رجال الدين، معلنين سلسلة مبادئ تحدّد طبيعة نشاطهم وهدفه، فهم تحت سقف الدولة، إلا أنهم ضد الفاسدين فيها، رفضوا حرمان جبل الدروز من المواد الأساسية من مازوت وغاز رغم التضحيات الكبيرة التي قدّمها في صفوف الجيش السوري في الحرب الأخيرة.
ومع الوقت انتقل البلعوس في تحريضه شباب السويداء الى مرحلة الدعوة لعدم الالتحاق بصفوف الجيش، واحتضن بعض رافضي الخدمة، ودعا إلى التسلّح بمعزلٍ عن التشكيلات العسكرية والأحزاب التي تنسّق عملها مع الجيش. وقد لقي خطاب رفض الخدمة استحساناً وسط شريحة الشباب، كما يحصل في مناطق أخرى بفعل قسوة الحرب، علما بأن عدداً كبيراً من أبناء السويداء يقاتلون في صفوف الجيش على خطوط النار إلى جانب أبناء المحافظات الأخرى.
غير أن المحطّة الأبرز في سياق حركته تمثلت في "العراضة" المسلّحة التي أقامها البلعوس مع عدد من رجاله أمام مقام عين الزمان قبل نحو 10 أشهر، على خلفية إشكال في خيمة انتخابية للانتخابات الرئاسية، واعتقال الأمن العسكري أحد المقرّبين منه بتهمة تجارة السلاح.

نهاية التصعيد:

نهاية التصعيد:
وشكل هجوم أنصار البلعوس على حاجز "الاستخبارات الجويّة" الاسبوعية في منتصف يناير الماضي بعد إشكال مع عناصره وإطلاقهم النار في الهواء، ثم جاء خطابه الذي هاجم فيه الدولة السورية والأسد وطائفة العلويين، وتناقلت وسائل التواصل الاجتماعي على شبكة الانترنت، مقطع فيديو للشيخ "أبو فهد وحيد البلعوس"، يتكلم فيه أمام شيخ عقل الدروز حمود الحناوي، حيث اتهم "البلعوس" نظام بشار الأسد بالغدر والخيانة والتخلي عن الناس والعمل على النيل من كراماتهم، واصفاً الأسد بالعميل لإيران.
وبحضور عدد من رجال الدين استعرض " البلعوس" ما أسماه خيانات السلطة اتجاه "الدروز" في كثير من المواقف والمعارك، منها معارك جبل الشيخ، حيث يقوم النظام بدفع المقاتلين الدروز إلى الصفوف الأماميةً دون حماية، وفي كثير من الأحيان تطلق قواته النار عليهم من الخلف مثل ما حدث في معركة داما حسبما قال "البلعوس".
واعتبر الشيخ  أن السلطة بتعاطيها مع الدروز كانت أكثر ظلماً وعدواناً من إسرائيل نفسها، مستهزئاً من مقولة إن النظام حامي الأقليات، ومستعرضاً في حديثه الذين قُتلوا في سجون النظام تحت التعذيب، وعرّج على حادثة جرمانا الأخيرة متهماً السلطة والفرقة الرابعة بذلك، وختم الشيخ حديثه بأن كرامتنا أغلى من بشار الأسد، وقال: "النظام  يتعاون مع  تنظيم الدولة الإسلامية ضد مصالح المواطنين".

موقف المؤسسة:

موقف المؤسسة:
حدث اتفاق بين مشايخ العقل الثلاثة لطائفة الموحّدين الدروز وفاعليات المحافظة على إبعاده عن جسم المؤسسة الدينية واحتواء حالته.تحرك مشايخ العقل الثلاثة في مواجهة هذه الظاهرة، وأصدروا في 30 يناير الماضي قراراً بإبعاد البلعوس وأتباعه عن المؤسسة الدينية، بسبب "تكرار الحوادث المخلّة بالدين وآدابه، والبعيدة كل البعد عن الأعراف الدينية".
وأضاف البيان: نرى أن على أهلنا الكرام تفهم هذا الواقع وإدراك أن صبرهم عليه هو صمود وطني ضروري لصمود سورية وجيشها الباسل الذي يواجه اليوم أبشع إرهاب عرفته البشرية يعمل على تكفير الآخرين من غيره ويدعو إلى استباحة دمائهم وأعراضهم . 
وتابع :"من هنا ندعو الجميع للوقوف إلى جانب الدولة السورية وجيشها العربي السوري حماية لوجودنا وصون لكرامتنا وأعراضنا، فلا بأس أن يقف بعض منا مع ذاته ويتساءل كم بحق خدمت مواقفه السويداء وسورية وهل من المناسب اليوم فتح ملفات صغيرة أمام عظمة التحديات الجلل التي تواجهنا وهل اخطأ أم أصاب حين ميز نفسه عن الآخر السوري وفي ذلك ثواب عظيم . لذلك تأمل الرئاسة الروحية ممن خانه التقدير وأخذته الحمية بعيدا عن منطق الوطن أن يراجع مواقفه وأن يعود إلى أسرته الكبيرة التي لم ولن تبخل بالصفح عن أبنائها المخطئين".

موقف البلعوس:

موقف البلعوس:
وعقب قرار المشايخ  أعلن البلعوس أنه تحت سقف قرار مشيخة العقل، وأنه ملتزمٌ بخلاصات الاجتماع"، وهو ما أكّده أمس في مقطع فيديو بثّته الصفحات الموالية له، وذكر البلعوس في خطابه أنه "يلتزم بقرار الإبعاد" ويشير إلى أنه "لا نخرج عن طاعة المشايخ الروحانيين". 
وقال: إن هذه الطائفة المعروفية عملية حسابية ليس لها حل لن تستطيع قوى العالم تفكيك هذه اللحمة التي بين أبنائها"، مضيفا "تعتقد الفضائيات مثل أورينت أو غيرها او الصفحات الفيسبوكية مثل "التوحيديون الجدد" أو شبكات أخبار السويداء أو وليد جنبلاط أو غيره، أن السويداء سوف تنقسم وسوف نصبح نحن الشباب جماعة تابعة لمشيخة العقل وجماعة لمشايخ الكرامة، لذا نقولها علنا، كلنا تحت راية الحدود الخمسة كـ طائفة، وتحت العلم السوري كـ سوريين، لهذا خسئتم فنحن روح واحدة بأجساد متعددة".

المشهد الدرزي:

راي مراقبون أن إبعاد الشيخ البلعوس من المؤسسة الدينية يأتي في إطار محاولة إخماد الفتنة، وإنقاذ الطائفة من صراع داخلي قد يهدد وجودها في الجبل، وقرار الإبعاد سينهي ـ دون شك ـ الجدل الذي أُثير خلال الأيام الماضية، عن إمكانية حدوث مواجهة بين أبناء السويداء، والنظام السوري، فهل سينهي إبعاد الشيخ البلعوس الفتنة أم ستعود من جديد؟

شارك