اليمن.. الحوثيون يدخلون "الحوار" من أجل الشرعية والوقت.. في ظل رفض داخلي وخارجي
الأربعاء 11/فبراير/2015 - 12:13 م
طباعة

لا جديد في الأزمة اليمينة والحوثيون يسعون إلى كسب الوقت من أجل تمكين وجودهم في المؤسسات والشارع اليمني، والمظاهرات بالنسبة لهم مسألة وقت ستنتهي في الغالب أو سيتم التعامل معها بسيناريو النفس الطويل، ويبقى الاقتصاد هو العامل الأكثر قلقا لجماعة أنصار الله التي أصبحت تسير في الحكم وفقا لمخطط موضوع مسبقا، والمفاوضات لعبت كسب الوقت أو تقديم القليل للقوى السياسية.
قيادت الحوثيين لا جديد

وفي مفارقة غريبة تجاهل عبد الملك الحوثي زعيم الحوثيين الشيعة باليمن كافة الانتقادات الدولية والعربية الموجهة له ولجماعته بسبب الإعلان الدستوري وكأن شيئا لم يحدث.
وشن الحوثي هجوما حادا على حزب التجمع اليمني الإصلاحي (المحسوب على الإخوان المسلمين)، متهمًا إياه بـ"تبني نهج إقصائي وتكفيري"، قائلا: "إن حزب الإصلاح يتبنى "نهجًا إقصائيًّا تكفيريًّا"، لكنه أضاف في الوقت ذاته: إن "الحزب مرحب به في العملية السياسية!".
وبرر زعيم الحوثيين "الإعلان الدستوري" الذي وصفته كافة القوى السياسية في اليمن ومختلف الدول العربية والعالمية بأنه خطوة ضرورية ومهمة، ولم يكن أمامنا خيار آخر".
وتابع قائلا: "الإعلان الدستوري عالج حالة فراغ كان سيترتب عليها فوضى وانهيار وتمزيق للبلد، وكان توجهاً صحيحاً وضرورياً، ولم يستهدف أي طرف".
وأشار الحوثي إلى أن "القوى السياسية لم تتعاط بمسئولية كما ينبغي تجاه حالة الفراغ الدستوري، ولم تبادر إلى التوافق ومراعاة مصلحة الشعب"، وذلك على حد قوله.
فيما أكد المتحدث باسم جماعة الحوثي محمد عبدالسلام أن جماعته لن تتراجع عن الإعلان الدستوري الذي صدر يوم الجمعة الماضي.
وقال عبد السلام في تصريحات صحفية: "نحن مع الحوار، والإعلان الدستوري أكد على شرعية وأهمية الحوار مع كل الفرقاء السياسيين وما كنا لنقبل بالحوار على قاعدة إلغاء الإعلان الدستوري، وقد دعينا من قبل جمال بن عمر للحوار وقلنا: لا مشكلة لدينا في العودة إلى الحوار"، مؤكدا: "إن الخطوات الثورية والإعلان الدستوري الذي تلاها ستستمر في هذا الاتجاه، والحوار أيضاً سيستمر مع كل القوى السياسية".
واتهم بعض القوى السياسية بأنها في الحوارات السابقة لم تكن جادة وغير مهتمة بإنهاء المشكلة في البلاد. وقال: "إن تلك القوى كانت تتعاطى معنا وكأننا في الحرب السادسة، ولم يبق إلا أن يقولوا للثورة وللشعب سلموا أنفسكم وتراجعوا عن كل مطالبكم وكانوا يريدون أن يوصلوا ثورة الـ21 من سبتمبر إلى نقطة الصفر، ولم يعترفوا بها، وأرادوا الانقلاب عليها أكثر من مرة، وكان آخرها استقالة هادي وحكومة بحاح".
القوى السياسية متضاربة

قوبل إعلان جماعة الحوثي بالرفض من معظم الأطراف السياسية في اليمن، ومع إعلان الرفض السياسي والشعبي بدأت جولة جديدة من الحوار متوقع لها الفشل مقدما.
واستأنفت- مساء الثلاثاء- القوى السياسية مفاوضاتها في فندق موفنبيك، بالعاصمة صنعاء، بحضور المبعوث الأممي إلى اليمن جمال بنعمر، فيما تمسكت جماعة الحوثي بـ"الإعلان الدستوري"، وحل البرلمان، ورفضت مقترحاً كان مطروحاً للنقاش ويقضي بالإبقاء على شرعية البرلمان، وتوسعة عضوية مجلس الشوري، وتشكيل مجلس رئاسي.
ولفتت تقارير إعلامية إلى أن ممثل جماعة الحوثي حضر جلسة مفاوضات، الثلاثاء، وتمسك بما تسميه جماعته بـ"الإعلان الدستوري"، وضرورة حل البرلمان؛ إلا أن ممثلي المؤتمر الشعبي العام الذي يرأسه علي عبدالله صالح رفضوا ذلك.
ووضع حزب المؤتمر الشعبي العام خيارا من أجل الخروج من مأزق الإعلان الدستوري، يتمثل في بقاء مجلس النواب كما هو عليه، ويعاد تشكيل مجلس الشورى بشكل كامل؛ بحيث يتم إحداث توازن في الأغلبية المؤتمرية الحاصلة في البرلمان، وفقاً لهذا المقترح يشكل البرلمان ومجلس النواب غرفتين، وباجتماعهما يشكلان المجلس الوطني، ويكون القرار في الغرفتين بالتوافق حسب ما كان جارياً في مؤتمر الحوار.. كان هناك توافق على هذا الخيار؛ إلا أن الحوثيين وممثلي الحزب الاشتراكي رفضوا هذا الخيار، وتمسكوا بضرورة حل البرلمان.
فيما تمسك ممثلو المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للإصلاح "إخوان اليمن" والتجمع الوحدوي اليمني وحزب العدالة بطرح المؤتمر الشعبي، كي يبقى البرلمان ولا يمر ما يريده الحوثي بالنص؛ غير أن ممثلي الحزب الاشتراكي وقفوا ضد هذه الرؤية وتمسكوا بضرورة حل البرلمان.
تحرك شعبي

فيما تعيش المحافظات اليمنية حالة من الغليان بعد أن أقدمت الميليشيات الحوثية على دخول محافظة البيضاء، الثلاثاء، وتوسعت دائرة الرفض لتشمل 13 محافظة من مجموع 22 محافظة، بما ينبئ بانتفاضة كبرى ضد الإعلان الدستوري في الذكرى الرابعة لاحتجاجات 2011.
ويتخوف الحوثيون من أن تتولى المحافظات تنظيم مجموعات دفاع عن النفس تعتمد أسلوب حرب العصابات ضد مسلحيهم بدل المواجهة المباشرة التي يكونون قادرين على حسمها بفعل التفوق العسكري.
وأعلنت محافظات جنوبية وشرقية ووسطى رفضها التام لـ"الإعلان الدستوري"، الذي أصدرته جماعة الحوثي، وقضى بحل البرلمان، وتشكيل مجلسين وطني ورئاسي.
وستعمل الميليشيا الحوثية على حسم المشهد عسكريا وبسرعة، بِغَض النظر عما سيتبع ذلك من ثورات صغيرة في المحافظات لتسويق نجاحها في فرض الأمن ونيل اعتراف القوى الدولية بالانقلاب، لكن ذلك لن يكون سهلا، خاصة في ظل الرفض الإقليمي للقفز على المبادرة الخليجية.
ويتعالى الحوثيون في تصريحاتهم عن نتائج الاتفاق الذي يجري ترتيب تفاصيله برعاية الأمم المتحدة، لكنهم يمارسون الكثير من الضغوط على أحزاب اللقاء المشترك للقبول بما يطرحه بنعمر من أفكار تصب في تثبيت سلطة اللجان الثورية.
الموقف الدولي

باراك أوباما
وبالتزامن مع الرفض المحلي للانقلاب الحوثي، تتسع كذلك دائرة الرافضين لهذا الانقلاب على المستوى الدولي والعربي.
أعلنت كل من أمريكا وبريطانيا تعليق العمل رسميًّا بسفارتيهما بصورة مؤقتة لدواع أمنية، ناصحين رعاياهم بمغادرة اليمن فورًا.
وقالت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية جنيفر ساكي في بيان صدر عن مكتبها، اليوم الأربعاء: "نظرًا للوضع الأمني غير المستقر في صنعاء، قررت وزارة الخارجية تعليق عمليات السفارة ونقل طاقم السفارة إلى خارج صنعاء بشكل مؤقت".
وأكدت "ساكي" على أن هذا القرار جاء نتيجة "الأفعال الأخيرة الأحادية الجانب، والتي عرقلت عملية التحول السياسي في اليمن؛ ما أدى إلى عودة مخاطر تجدد أعمال العنف التي تهدد اليمنيين والمجتمع الدبلوماسي في صنعاء".
وأعربت عن: "التزام الولايات المتحدة الثابت بدعم جميع اليمنيين الذين يواصلون العمل من أجل يمن يَعُمُّهُ السلام والازدهار والوحدة"، موضحة أن وزارة الخارجية الأمريكية "تدرس خيارات عودتنا إلى صنعاء عند تحسن الوضع على الأرض".
وكرر البيان دعوات مجلس الأمن الدولي لـ"إطلاق سراح الرئيس عبد ربه منصور هادي، ورئيس الوزراء خالد بحاح وأعضاء مجلس الوزراء اليمني؛ لأن العملية السياسية الشاملة لا يمكن أن تتم، بينما تقبع قيادات البلد تحت الإقامة الجبرية".
وفي بيان نشره الموقع الرسمي للوزارة، قال وزير شئون الشرق الأوسط البريطاني، توباياس إلوود: "في ظل استمرار تدهور الأوضاع خلال الأيام الأخيرة، ارتأينا للأسف أن مقر السفارة البريطانية في صنعاء والموظفين بها في خطر متزايد؛ وعليه قررنا سحب موظفينا الدبلوماسيين وتعليق خدمات السفارة بشكل مؤقت".
ولفت إلوود إلى أن السفيرة البريطانية لدى اليمن، جين ماريوت، غادرت هذا الصباح برفقة الموظفين الدبلوماسيين إلى المملكة المتحدة، ناصحًا الرعايا البريطانيين الذين ما زالوا في اليمن بالمغادرة فورًا.
وتابع: "ما زلنا نعتقد أن قيام دولة مستقرة وموحدة وديمقراطية ومزدهرة، هو أفضل مستقبل للبلاد".
واختتم بالقول: "سنواصل العمل على الصعيد الدولي لمساعدة اليمن على تحقيق عملية انتقال شرعية وشفافة وسياسية، تمثل اليمنيين كافة".
هذا ولحقت فرنسا بكل من الولايات المتحدة الأمريكة وبريطانيا بإغلاق سفارتها بالعاصمة اليمنية صنعاء، وهو ما يشير لموقف دولي رافض لسيطرة الحوثيين على مقاليد الأمور، ويأتي كرد مباشر على خطاب عبد الملك الحوثي زعيم "أنصار الله"، والذي لوَّح فيه بتهديد مصالح الدول الإقليمية والدولية باليمن.
فشل متوقع

رغم الجهود التي يبذلها المبعوث الأممي إلى اليمن جمال بنعمر من أجل التوصل لحل للخروج من الأزمة الحالية، إلا أن توقعات تشير إلى فشل هذا الحوار وتأزم الموقف، في ظل سياسة الأمر الواقع التي يفرضها الحوثيون.
واستبعد السياسي البارز القيادي السابق في جماعة الحوثي علي البخيتي، نجاح المفاوضات، موضحا أن "ميزان القوة مائل بشكل واضح لصالح الحوثيين، ولا يمكن تعديله إلا بميزان قوة جديد، بعيدا عن السلاح، وهو ميدان السياسة واستخدام الشارع".
فيما أبدى مراقبون مخاوفهم من أن الحوار بين الحوثيين والقوى السياسية سيعطي الشرعية للإعلان الدستوري، ويمكن الحوثيين من مفاصل الدولة.
وتابع المراقبون أن القوى السياسية دخلت مع جماعة أنصار الله في حوارات عدة ولم تكن مجدية. هذه المرة حتما سيكون الحوار عودة إلى المربع الأول. هذه قناعة الشارع اليمني الذي يرفض وضع الحوثي يده على مفاصل الدولة وتعطيلها، وشل كل صورها وأشكالها.
المشهد اليمني

يبدو أن الوضع في اليمن يسير من سيئ إلى أسوأ، وقد تنقلب الأمور إلى صراع داخلي، في ظل مساعي الحوثيين للسيطرة على مأرب أهم مناطق إنتاج النفط بالبلاد، ليضمنوا القوة الاقتصادية بجانب القوة العسكرية، في ظل مخاوف من الوضع الاقتصادي وعقوبات إقليمية ودولية قد تعيق فرصة في تحقيق نجاحات على أرض الواقع وتعجل بسقوط مشروعهم السياسي في اليمن والذي باتت ملامحه واضحة... فهل سيستمر الحوثيون في طريقهم نحو التمكين أم أنهم سيسقطون في أقرب مما يتخيلون؟