بعد توتر علاقاتها مع إيران.. "حماس" تلجأ لـ"السعودية" من أجل الدعم والمصالحة مع مصر
الأربعاء 11/فبراير/2015 - 02:02 م
طباعة

عقب تولي الملك سلمان حكم المملكة العربية السعودية، أثيرت قضية العلاقات المصرية السعودية، وبالأخص الموقف من جماعة الإخوان المسلمين وحركة حماس.
ورأى متابعون أن هناك تحولا ملحوظا طرأ على أدبيات العلاقة المصرية السعودية، مشيرين إلى أن السعودية اشترطت على مصر التصالح مع الإخوان؛ من أجل استمرار الدعم المالي، إضافة إلى نداء حركة حماس للملك سلمان بالعمل على فك الحصار عن غزة وعودة العلاقات مع مصر.
ومع الحديث عن عودة العلاقات بقوة بين السعودية وحركة حماس، هل يحدث تحول في العلاقات بين مصر والسعودية؟ وهل تلعب السعودية دورا مهما في عودة العلاقات بين حماس ومصر؟
السعودية وحماس

يرى مراقبون أن علاقة المملكة العربية السعودية مع حركة حماس معروفة من جناح المحافظين، وغالبا ما تبحث عن الاستقرار ولا تبحث عن الصراعات.
وبالرجوع إلى زيارة خالد مشعل للسعودية أثناء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والتي جبت ما قبلها من تصريحات أغضبت السعودية حينما صرحت الحركة بأنها تبحث عن بوادر للحل من خلال قطر وتركيا، وتجاهلت السعودية التي تعتبر نفسها لاعبا أساسيا ومحوريا في المنطقة، يتضح أن زيارة مشعل كانت ناجحة بامتياز وعملت على تلطيف الأجواء بعد 45 يومًا من الحرب بين السعودية وحركة حماس؛ لذلك ليس من الصعب على السعودية أن تلعب دورا محوريا كهذا وترقى بالعلاقات بين الطرفين لمستوى أفضل مما عليه الآن.
ويتوقع متابعون أن السعودية يمكن أن تلعب دورا مهما ومميزا في عودة العلاقات العربية مع حركة حماس؛ بشرط أن تعترف حماس بالمبادرة العربية للسلام والتي قدمتها السعودية، وأن عدم اعتراف حماس بالمبادرة العربية يثير المخاوف بالنسبة للسعودية؛ حيث إن السعودية ترحب بمن يدخل في تحالفها.
في ذات السياق، نقل موقع صحيفة "وورلد نيوز تريبيون" الأمريكية عن مصادر دبلوماسية عربية قولها: إن القيادة السعودية جددت الاتصالات مع حماس، وإن الملك سلمان يشجع المصالحة مع الحركة الإسلامية الفلسطينية.
وتقول: إن سلمان عمل طويلا جنبا إلى جنب مع حماس والإخوان المسلمين ولا يريد قطيعة دائمة معهم، مشيرة إلى أن وكالة الأنباء السعودية الرسمية ذكرت في 25 يناير، أن حماس أرسلت تعازيها في وفاة الملك عبد الله قبل يومين، وأن الوكالة أشارت إلى أن زعيم الحركة خالد مشعل قدم تعازيه إلى السفارة السعودية في قطر. وأن ممثلي حماس زاروا السفارة السعودية في لبنان.
ونقلت الصحيفة عن القيادي البارز في حماس إسماعيل هنية قوله: "نحن نتطلع إلى علاقة مستقرة مع المملكة العربية السعودية"، مؤكدة أن المصادر ذكرت أن الملك سلمان وولي العهد الأمير مقرن يريدان استعادة الروابط مع حماس والإخوان لوقف التوسع الإيراني، لا سيما في اليمن المجاورة.

وأضافت المصادر أن القيادة السعودية الجديدة يمكن أن تساعد في التوفيق بين نظام حماس في غزة ومصر بحسب الصحيفة.
وأوضحت المصادر للصحيفة: لن نرى تطورا دراميا خلال الأشهر المقبلة، ومع ذلك فإن الرياض ستطلب تجميد علاقة حماس مع إيران.
من جانبه أوضح الباحث أبو طه أن موقف السعودية من الإخوان المسلمين واضح منذ البداية عندما ذهبت باتجاه عدم تمكين الإخوان المسلمين من الحكم، ووجهت كل الدعم الحالي للنظام المصري الحال، لافتا إلى أن هذه الاستراتيجية كانت أقوى من الخلافات الطفيفة.
ورجح أن يتم سيناريو التصالح مع حركة حماس أكثر بتدخل من السعودية معللا: كيف للنظام المصري أن يعيد الأمور على حالها وهو يصور الإخوان على أنهم عدو منذ أكثر من 8 شهور؟
كان قد صرح إسماعيل هنية نائب رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس أن حركته تتطلع لعلاقات مستقرة وثابتة مع المملكة العربية السعودية، موضحا أن السعودية تمثل "ثقلا دينيا وعربيا واقتصاديا وإقليميا ودوليا للشعب الفلسطيني، مضيفا أن حماس تتطلع لعلاقات مستقرة مع كافة الدول العربية والإسلامية وفي مقدمتها السعودية، معتبرا أن العلاقات بين الشعب الفلسطيني وحركته من جهة والمملكة العربية السعودية من جهة أخرى طويلة وعميقة تاريخيا.
وقال هنية إنّ حركته تقدمت بالتعزية إلى السعودية بوفاة الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود في إطار ما وصفها بـ"العلاقات الطبيعية" والواجب الإسلامي والإنساني.
العلاقات مع مصر

مع توتر العلاقات بين مصر وحماس في الآونة الأخيرة وبالأخص عقب عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي، والتي زادت من حدة تدهور الوضع بين الطرفين والاتهامات المتبادلة بين الجانبين، تسعى حماس في أن تلعب السعودية بقيادة الملك سلمان، دورا بارزا في إصلاح علاقاتها مع مصر، مرحبة "بأي تحرك سعودي يساهم في تحسين العلاقات مع كل الأطراف؛ لأنها ليست جزءا من أي خلافات عربية"، وفق تصريحات المتحدث باسم حماس في الخارج حسام بدران.
من جانبه يقول الدكتور أسامة شعث، أستاذ العلاقات الدولية المساعد والخبير في الشأن الفلسطيني: "إن حركة حماس تعاني من انسداد الأفق لمعظم نفوذ الحركة، وخصوصا بعدما تراجع التنظيم الدولي للإخوان، وسقوط نظام الإخوان المسلمين في معظم الدول، منها مصر وتونس وليبيا"، مشددا أن الدور السعودي القادم ظهر جليا وواضحا على المستوى الإقليمي.
وترغب حماس عن طريق السعودية أن تتحسن علاقاتها بمصر، خاصة وأنها الشريك الإقليمي الأقدر على لعب هذا الدور بعدما قامت بتوطيد علاقات إقليمية بين قطر ومصر، كما أن السعودية لديها تقارب بالقيادة المصرية والقيادة الفلسطينية، وأنها تأمل من خلال السعودية في فتح آفاق جديدة مع مصر وتحريك المياه الراكدة بينهما خاصة بعد تصاعد التوتر الأمني في سيناء، ومن ثم التصاعد القضائي الأخير بالحكم على كتائب القسام، الذراع العسكرية لحركة حماس على أنها إرهابية.
ولجأت حماس إلى السعودية بعد الأزمة التي تعانيها، سواء على مستوى بنيانها الداخلي أو على مستوى العلاقات الإقليمية؛ وذلك لتسهيل المعابر، كما أن حماس مطالبة بتضييق ساحة الخصوم وخاصة مع دولة مصر.
ويأتي قرار محكمة الأمور المستعجلة في القاهرة اعتبار كتائب القسام- التي تعترف حركة حماس بأنها جناحها العسكري- حركة إرهابية، ليصدم الحركة نفسها، ولم تكن تتخيل أو تتوقع أن تصل العلاقة بينها وبين النظام المصري الحالي إلى هذه النقطة.
ومع ازدياد الضغط على حماس، الذي يتزامن مع تأخر الإعمار واستمرار الاغلاق والحصار المطبق على القطاع والقرار المصري الجديد- باتت الحركة تستشعر خطراً قادماً إليها هذه المرة من بلد عربي لا يزال إعلامه يتهم حماس وكتائبها.
ومع تولي النظام المصري الحالي الحكم، لم تتوقع حماس أن يكون التعامل معها قاسيا إلى هذا الحد، وقدمت الكثير من القرابين إلى مصر، عبر تسليمها القاهرة وساطة المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل في العدوان الأخير على القطاع، لكن ذلك لم يجد نفعاً في العلاقة التي انقلبت رأساً على عقب بين ليلة وضحاها.
ولا يعتقد أن قرار المحكمة سيؤثر كثيرا على وضعية القسام أو حماس على الأرض، أو حتى إنهما تستطيعان خوض معركة قانونية ضده، فالقسام في النهاية تنظيم سري يظهر أعضاؤه في الصور مقنعين، وحماس، الجناح السياسي، تضطر في أحيان كثيرة إلى إنكار صلتها به، خاصة إذا كانت هناك تفجيرات أو أعمال ضد مدنيين، وكثير من الدول الغربية تصنف القسام أو حماس منظمة إرهابية، ومع ذلك تتفاوض معها من تحت الطاولة.

ومع زيادة تبادل الاتهامات بين الطرفين ظهرت حركة حماس في المرحلة الأخيرة لتتهم الجيش المصري بإطلاق النار على موقعين أمنيين قرب الحدود بين قطاع غزة ومصر.
وتعتبر حماس المتورط الرئيسي في الأحداث الإرهابية التي تشهدها سيناء الأسبوعيين الماضيين.
ومع زيادة الشبهات حول الحركة تقوم مصر بدور الوساطة لدى إسرائيل لوقف الأعمال العسكرية على المدنيين في غزة.
عقب حكم الإخوان المسلمين كانت كل ما تريده حماس هو دخول سيناء أو تحتل شريطا منها- وهو وضع أشبه بحزب الله في جنوب لبنان- تستطيع أن تتحرك فيه بعيدا عن الشريط الضيق جغرافيًا المحاصرة فيه في غزة، بمعنى آخر الهروب إلى الوراء على حساب آخرين؛ من أجل ترسيخ وضعها كحاكم سياسي في غزة ضد السلطة الفلسطينية، لكن باعتبار أنه لا يوجد في تقاليد الدولة المصرية شعبيا ورسميا ما يسمح بظهور أي منافس لها على أراضيها في حمل السلاح أو السيادة كان لا بد أن يحدث الصدام على المستويين، خاصة بعدما جرت الإطاحة بحكم الإخوان، واتخذت قيادات حماس مواقف مؤيدة لهم.
من جانبها ترفض السلطة الفلسطينية متمثلة في حركة فتح أي دور رئيس لحركة حماس في قيادة القضية الفلسطينية، وهذا الرفض يأتي من إدراكها أن تاريخها النضالي لن يسعفها أو يصلح من أخطائها التي وقعت بها طوال مسيرة التسوية.
في النهاية فإن العلاقات المصرية مع حماس لا بد وأن يكون من خلال دخول بعض الوساطات العربية والإقليمية لترتيب العلاقة، وإيجاد نقاط تقارب بين الطرفين، بحيث يتم تخفيف شدة الاتهامات والاتهامات المتبادلة إعلاميا بشكل أساسي، وتخفيف حالة الحصار من خلال إيجاد صيغة تشارك بها بعض الأطراف المقبولة.
القضية الفلسطينية

السعودية، أسهمت بشكل كبير في جهود المصالحة وإعادة إعمار غزة وإنشاء مؤسسات ومستشفيات ومساكن للفلسطينيين خلال السنوات الماضية في عدد من المحافظات الفلسطينية.
وأعلنت السعودية عن أنها تنوي تخصيص 580 مليون دولار لإعادة إعمار قطاع غزة، بعد الدمار الذي تعرض له خلال العملية العسكرية الإسرائيلية.
وتم تخصيص 300 مليون ريال (80 مليون دولار) لأغراض تقديم المساعدات الطبية للفلسطينيين، والـ 500 مليون دولار الأخرى ستنفق على إعادة إعمار الجزء الساحلي من القطاع من خلال صندوق التنمية.
من جهته قال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، أن الملك عبدالله كان له جهود كبيرة في المصالحة الفلسطينية ودعم إعادة الإعمار في قطاع غزة ومساندة قضية القدس، وقدم هنية خالص تعازيه للمملكة العربية السعودية بوفاة الملك عبدالله.
ومن الجانب المصري شهدت العلاقات بين مصر وحماس توترا ملحوظًا بسبب القضية الفلسطينية، فالجانب المصري كان في العقود الأخيرة على خلاف مع الحركة بسبب الانقسام الذي سببته في الصف الفلسطيني، وأساليبها التي أضرت عمليا بالمصالح الفلسطينية، خاصة عندما كان الرئيس الفلسطيني الراحل عرفات يفاوض رابين، وبعده رؤساء حكومات إسرائيليين آخرين تحت رعاية أمريكية مباشرة، وكانت حماس والكتائب التابعة لها القسام تنفذ تفجيرات انتحارية متواصلة، وكانت طبيعة الأهداف المستهدفة لا توحي بأي قيمة عسكرية لها، فمعظمها مقاهٍ ومطاعم وباصات أو مصالح مدنية.
ومع التعاطف الدائم مع القضية الفلسطينية في الحصول على دولته وإنهاء الاحتلال يضع حدودا للاختلاف، فحتى عندما حرضت حركة حماس في الفترة الأخيرة لعهد مبارك على اقتحام الحدود المصرية وعبر عشرات الآلاف، لعدة أيام، وكأن حل القضية يمر عبر الأراضي المصرية جرى التعامل مع ذلك بضبط نفس شديد، رغم الإشارات الخطرة لنوايا حماس وقتها، كما جرى التغاضي عن عشرات الأنفاق التي كانت تمر تحت خط الحدود، رغم ما فيها من انتهاك للسيادة ومخاطر أمنية في ضوء عمليات التهريب التي كانت تجري.
الدعم والموقف من إيران

في نهاية شهر ديسمبر الماضي أعلنت السلطات السعودية غضبها من التقارب الأخير بين حركة حماس وإيران.
وأوضح موقع تابع للحكومة السابقة بغزة، والتي كانت تديرها حركة حماس- نقلا عن مصادر- أن "اتصالاً رسمياً جرى بين مسئولين في جهاز المخابرات السعودية وبين قيادة حركة حماس في الخارج حول تطور علاقات الحركة مع إيران".
وعبرت السعودية عن غضبها من سياسة حركة حماس الخارجية حيال إيران، ودعتها إلى وقف كل أشكال التواصل بينهما، مقابل أن تمارس السعودية ضغوطا كبيرة في إطار رفع الحصار عن قطاع غزة.
ونقل عن المصادر قولها: "إن قيادة حركة حماس، استقبلت الطلب السعودي دون أن تقوم بالرد عليه حتى الآن، حيث وعدت بدراسته".
وتتسم العلاقات الإيرانية السعودية بالتوتر الشديد بسبب الخلافات السياسية والمذهبية، وزاد من توترها الدعم الإيراني الكبير للنظام السوري.
وعلى مدار سنوات عديدة أقامت حماس علاقات قوية ومتينة مع النظام الإيراني، ضمن ما كان يعرف قبيل اندلاع ثورات الربيع العربي، بـ"محور الممانعة" الذي كان يضم إيران، وسوريا، وحزب الله اللبناني، وحركة حماس، في مقابل "محور الاعتدال"، الذي كان يضم مصر والسعودية والإمارات والأردن.
ومع اندلاع الثورة السورية عام 2011، ورفض حماس تأييد نظام بشار الأسد، توترت العلاقات بينهم، إلى أن وصلت لقطيعة تامة بين الحركة ودمشق، وشبه قطيعة بينها وبين إيران، وحليفها "حزب الله" اللبناني.
في سياق مواز، شن موقع "تابناك" التابع للحرس الثوري الإيراني، والذي يشرف عليه الجنرال محسن رضائي قائد الحرس الثوري الإيراني الأسبق ومستشار خامنئي الحالي، هجومًا شرسًا على رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" خالد مشعل.

وقال الموقع في مقال تحت عنوان "موجة من الأحاديث التي تطرح حول عودة العلاقات الطبيعية بين إيران وحركة المقاومة الإسلامية- حماس": إن "خالد مشعل وقيادات حماس وقفوا واصطفوا قبل عامين إلى جانب الإرهابيين الدوليين في سوريا، مطالبين بإسقاط النظام السوري والرئيس بشار الأسد، بينما نراهم الآن يضعون الشروط لعودة العلاقات بين حماس وإيران، وكأن إيران ليست لديها أي شروط، مضيفا، عندما غادر خالد مشعل؛ رئيس المكتب السياسي لحركة حماس دمشق إلى الدوحة لم يتصور أن الزعماء والرؤساء الذين طالبوا بإسقاط النظام السوري والرئيس بشار الأسد قد تغيروا، من مصر حتى الدوحة.
وأشار "تابناك" إلى أن محمد مرسي سقط في مصر، ويرأسها اليوم عبد الفتاح السيسي الذي يتمتع بعلاقات جيدة مع بشار الأسد.
وأضاف الموقع في سياق من التهكم أن "مشعل"، و"عن طريق التظاهر بالمقاومة وإظهار نفسه بالشخص المقاوم حصل على الدكتوراه الفخرية من جامعة طهران".
واختتم "تابناك" تعليقه عن "مشعل" وحركة "حماس" قائلًا: "حركة حماس اليوم في وضع لا يسمح لها بأن تضع شروطًا لعودة مجرى علاقتها بشكل طبيعي مع طهران، وليس من عادة إيران أن تعتمد على أي جهة أو طرف بعد أن ينكشف معدنه الحقيقي"، بحسب تعبيرات الموقع الإيراني".
المشهد يوضح أن حماس تسعي لاستعادة العلاقات مع السعودية حتى تلعب الأخيرة دورا بارزا في إصلاح ما يمكن إصلاحه من العلاقات مع مصر وكذلك إنقاذ غزة، وأن السعودية يمكن لها أن تكون وسيطا قويا في ترميم العلاقات بحكم علاقتها بمصر، لكن ذلك يرتبط بشكل أساسي في دفع المصالحة الفلسطينية إلى الأمام.