الحرب البرية على داعش بين "النجاح والفشل"
الأربعاء 11/فبراير/2015 - 04:56 م
طباعة

شكل "حرق" الطيار الأردني معاذ الكساسبة على يد التنظيم الدموي "داعش" دفعة جديدة للحديث عن إمكانية شن حرب برية من جانب التحالف الدولي ضد "داعش"، خاصة بعد فشل الغارات الجوية للتحالف في تحقيق تقدم ملحوظ على الأرض باستثناء استعادة الأكراد للأراضي التي استولى عليها التنظيم في المناطق الكردية فقط في العراق وسوريا.

البداية كانت مع إعلان جون آلان، منسق التحالف الدولي ضد "داعش"، مستشار الرئيس الأمريكي باراك أوباما، عن أن هجوما على الأرض سيبدأ ضد "داعش" قريباً تقوده القوات العراقية بإسناد من دول التحالف، وأن "قوات التحالف تجهز 12 لواء عراقيا تدريبا وتسليحا؛ تمهيدا لحملة برية واسعة ضد داعش"، وأنه سيتوجه إلى دول شرق آسيا لتوسيع التحالف الدولي الذي يضم اليوم 62 دولة.
وأكدت المؤشرات الأولية على أن الحرب البرية ستكون الصيف المقبل وبالتحديد على الموصل معقل الدولة الإسلامية في العراق، وستكون من قوات عربية فقط، وخاصة 12 لواء عراقيا، وقوات أردنية خاصة ونظامية، بينما تكتفي الولايات المتحدة وباقي الدول العربية والأوروبية المنخرطة في التحالف بالقصف والإسناد الجوي، وأن القيادة العسكرية للقوات البرية ستتولاها القوات العراقية مع رجال "العشائر السنية" في الأنبار والتاجي وأربيل وبسمايا ونينوي، بدعم من خبراء من الولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا والدانمارك وإسبانيا وإيطاليا وألمانيا وبلجيكا وهولندا، وبالتنسيق مع قوات "البيشمركة" في حكومة إقليم كردستان العراق.

وقال اللواء محمود خلف الخبير الاستراتيجي مستشار أكاديمية ناصر العسكرية: إن الضربات الجوية لن تقضي على «داعش»، وإن العمليات العسكرية هي عمليات جراحية لازمة لاستئصال الأورام الخبيثة، والتي تتطلب جراحة عميقة ومكتملة، وإن الضربات الجوية تشبه المسكنات في التعامل مع الأورام.
وتابع: "إن كل العلوم العسكرية أكدت استحالة حسم المعارك من خلال الضربات الجوية، وأنه لا بد من تدخل قوات برية، وأن أمريكا تعلم ذلك الأمر جيداً، ولديها خبرات سابقة، منها الحرب في أفغانستان والعراق؛ ولذلك يجب أن تتضمن استراتيجية التحالف الدولي للحرب على «داعش» مناطق في سوريا مسرحاً رئيسياً للعمليات واعتمادها مناطق دعم لوجستي لحركة قوات التحالف والمعارضة السورية على الأرض.
الأردن بين نار الكساسبة وداعش

الأردن صاحبة الثأر المشتعل حاليا بعد حرق الكساسبة وأكثر الأطراف العربية "حماسة" للدخول في هذه الحرب، حشدت قوات من الجيش الأردني على حدود مع العراق بعد أيام من إعدام التنظيم للكساسبة، وتوعد الملك والجيش الأردني بالرد المزلزل، ولكن خيارات الرد تبدو ضيقة الآن، وربما مع تعزيز سيناريو الحرب البرية سيكون للأردن دور كبير خاصة مع "عدائية" "داعش" بالنسبة للأردنيين.
وأعلن عن مشاركته في مؤتمر واشنطن الدولي لمكافحة الإرهاب، الذي ينطلق في 18 الشهر الجاري، وبوفد رفيع يضم وزير الخارجية وشئون المغتربين، ناصر جودة، ووزير الداخلية حسين هزاع المجالي وقام باتخاذ عدة إجراءات أمنية وعسكرية واستخباراتية، وتشكيل فرق خاصة عابرة للحدود لمطاردة زعماء "داعش"، شبيهة بالفرق التي تأسست عقب تفجيرات عمان 2005.
للمزيد عن تفجيرات عمان 2005.. اضغط هنا

وفي خطوة عملية في الأردن قامت الأجهزة الأمنية بمراقبة مواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت لقطع طرق إمداد تأييد داعش داخليا، وقطع الطريق عليها ورفع حالة التأهب العسكرية إلى القصوى.
وأعلن منصور صالح الجبور قائد سلاح الجو اللواء الطيار قيام المقاتلات الأردنية بتدمير أهداف لداعش خلال ثلاثة أيام، التي تلت الإعلان عن استشهاد الكساسبة ونية الأردن بالاستمرار بمحاربة داعش حتى اجتثاثها عن وجه الأرض وأن الطلعات الجوية تميزت بدقتها، واستهدفت مواقع للعصابة الإرهابية، بعيدة عن الأماكن السكنية والمدنية، واستهدفت كذلك مراكز الثقل القيادي للإرهابيين التي تضم قادتها وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي.
وسيطلب الوفد الأردني من التحالف ومن الولايات المتحدة على وجه التحديد، بالإسراع في تزويد الأردن بأسلحة ومعدات عسكرية متطورة تلزمه في حربه على داعش، وهو ما دفع الولايات المتحدة إلى الموافقة على توفير ثلاثة مليارات دولار لمساعدة الأردن اقتصاديا وعسكريا (2015 – 2017).
و قال اللواء فايز الدويري الخبير العسكري: إن قدرات الأردن العسكرية يمكن توظيفها في أمرين: الأول، عبر ضربات جوية مساندة مع دعم إضافي، والثاني، باستخدام القوات الخاصة لمكافحة الإرهاب وإن الأمر يمر عبر ثلاثة سيناريوهات:
الأول، أن يدخل الأردن في حرب برية منفرداً وهو أمر مستبعد وغير ممكن، والثاني، أن يدخل الأردن حرباً برية ضمن تحالف عربي يكون فيه رأس الحربة، وهو أمر مستبعد لصعوبة تشكيل التحالف العربي في الأوضاع الحالية، والسيناريو الثالث، هو أن يدخل الأردن ضمن تحالف دولي وقوة دولية، غير أن هذا السيناريو يصطدم بتضارب الرؤى في أمريكا حول الدخول البري بين أوباما وأفراد إدارته.
سوريا بين "دماء داعش والشعب السوري"

ترفض سورية وبشدة الدخول ضمن منظومة دول التحالف الدولي لمحاربة داعش تحت دعوى أن تلك الدول هي من صنعت ودعمت الإرهاب.
وقال الرئيس السوري بشار الأسد في حوار مع هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي": لا بالطبع لا نستطيع وليس لدينا الرغبة ولا نريد، لسبب واحد بسيط أننا لا نستطيع التحالف مع دول تدعم الإرهاب، ولا يوجد تعاون مباشر منذ بدء الغارات الجوية للتحالف ضد عصابات داعش داخل سورية في سبتمبر، لكن أطرافا أخرى بينها العراق، تنقل "معلومات". بحد قوله.
هذا في الوقت الذي تقوم فيه القوات السورية بمواجهات وانسحابات مع مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في مدينة دير الزور، وفي أحياء الحويقة والرصافة، تترافق مع تحليق كثيف للطيران الحربي السوري ولا تكف طائرات الجيش السوري عن شن غارات جوية على محيط جسر السياسية وأحياء الحميدية، والعمال، والحويقة الشرقية، ومنطقة حويجة صكر، وجميع المناطق في دير الزور التي تصيب في أغلبها مدنيين، ويرد تنظيم "الدولة" بشن هجوم على قوات الأسد المتمركزة في الجبل المطل على مدينة دير الزور.
وأكد رياض قهوجي مدير مركز «إنيجما» للدراسات الدفاعية والاستراتيجية في الإمارات على أن الحرب على «داعش» لها بعد سياسي وآخر عسكري، وأن استراتيجية التحالف تفتقر للواقعية السياسية والعسكرية، وكيف يمكن التوقع بقدرة المعارضة السورية على تحرير مناطق شاسعة يسيطر عليها التنظيم الإرهابي في سوريا (الرقة ودير الزور والحسكة وحلب)، وذلك بالتزامن مع الحرب الشرسة التي تخوضها المعارضة ضد النظام السوري، وضرورة أن تتضمن استراتيجية التحالف بدائل للتعامل مع النظام السوري لمنعه من ضرب الثوار الذين سيتم الاعتماد عليهم في مواجهة «داعش»، وذلك من خلال ضغوط سياسية أو فرض حظر جوي لمنطقة العمليات التي ستشهد الحرب على التنظيم الإرهابي، خاصة أن مركز الثقل لـ«داعش» يتواجد في سوريا، موضحاً أنه لا يمكن الحديث عن التنظيم أو التعامل معه دون الحديث عن النظام السوري وأجندة التعامل معه.
العراق "البيشمركة نجح والجيش العراقي فشل"

تعتمد المواجهة البرية في العراق حاليا ضد "داعش" على القوات الحكومية العراقية، وقوات البيشمركة الكردية (جيش إقليم شمال العراق) وميليشيات أغلبها "شيعية "مسلحة موالية للحكومة العراقية، وترفض حكومة بغداد أي تدخل بري خارجي ضد "داعش" على أراضيها؛ كونه "انتهاكاً للسيادة الوطنية"، وتصر بغداد على اقتصار دعم التحالف على تقديم المشورة العسكرية والتسليح والتدريب للقوات التي تقاتل حالياً على الأرض، وتحاول بعملية برية استعادة محافظات ومدن رئيسية سيطر عليها التنظيم، كالموصل وتكريت والفلوجة، ومناطق أخرى، لأن استعادتها لن تتحقق بالغارات فقط، ولكن يواجه الجيش العراقي تحديات أساسية، على رأسها مدى قدراته في إدارة حرب مدن، والتعقيد الطائفي للأطراف والميليشيات المنخرطة في هذه المعركة.
وأكد خبراء عسكريون أن العملية البرية والتي من المحتمل أن ينفذها الجيش العراقي ضد "داعش" سترسم نهاية ما تبقى منه من جنود لدى العراق، وأن الولايات المتحدة من صنعت التنظيم المُسلح، وتريد أن تدفع بالجنود العربية في معارك لا نهاية لها.

وقال اللواء نبيل ثروت الخبير العسكري والاستراتيجي: إن اتجاه القوات العراقية أو الأردنية، للقيام بعملية عسكرية برية ضد داعش في العراق، هي بمثابة نهاية للجيش العراقي والأردني، وإن الولايات المتحدة الأمريكية قضت على 80% من الجيش العراقي باحتلال العراق في 2003، وهي الآن تريد القضاء على ما تبقى منه، وإن تصريحات منسق التحالف الدولي ضد داعش مبررات وهمية، هدفها توريط الجيوش العربية لاستنزاف قدراتها، قائلاً: إن أمريكا تصنع المؤامرات لتفتيت البلدان والجيوش العربية، وإن الولايات المتحدة لو أنها تريد القضاء على داعش لفعلت، لكنها ترغب في ترك شوكة في ظهر كل جندي عربي، مشيراً إلى أن العشائر العراقية هي الأخرى ستجر للإبادة الجماعية التي تُخطط لها الولايات المتحدة.
وشدد العميد نزار عبد القادر الخبير الاستراتيجي في بيروت على أن المعركة البرية يمكن حسمها من خلال استغلال القوات العراقية وقوات البيشمركة والفصائل الثورية، للضربات الجوية التي وصفها بأنها ستكون مؤلمة وقاسية؛ حيث ستشمل الضربة الجوية المزيد من الطائرات والقدرات الصاروخية العالية والقاذفات التي لا تستطيع رادارات (داعش) كشفها، وأن القضاء على (داعش) في العراق يمكن تنفيذه بخلاف سوريا.
داعش و"معركة نهاية الزمان"

تعتبر "داعش" أن الحرب البرية عليها ستشكل خسارة كبير للقوات المهاجمة حيث إنها تمتد على مساحة كبيرة على الأراضي السورية والعراقية، وتعتمد "داعش" على تقسيم إداري قوي يقسِّم مناطق نفوذها إلى وحداتٍ إدارية يطلق عليها اسم "ولايات"، ويتولى مسئولية "الولايات" مجموعة من الأمراء، وتنتشر في 16 ولاية نصفها 8 ولايات في العراق وهي ديالي- الجنوب- صلاح الدين- الأنبار- كركوك- نينوي- شمال بغداد- بغداد و8 ولايات في سوريا، وهي حمص- حلب- الخير "دير الزور"- البركة "الحسكة"- "البادية"- الرقة- حماة- دمشق مما يجعلها قادرة على صد أي هجوم بري عليها.
ويعتمد تنظيم "داعش" على الباعث الديني بما يشبه الـ"نبوءة"، لمواجهة القوات البرية الدولية بإيهام أتباعه عن مكان المعركة الفاصلة في الإسلام في بلدة "دابق" شمالي سوريا مع الصليبيين التي يسيطر عليها للتذكير بأن التنظيم يترقب لقاء قوات التحالف البرية في دابق، وأنه بدأ فعليًّا بالتحضيرات للمعركة الفاصلة مع أعدائه، ويرون أنها تحققت، وبدأت تظهر بالفعل، مع انضمام المئات من الغربيين إلى التنظيم وأسر عدد آخر منهم، والاستعدادات الدولية لقتال التنظيم عبر التحالف الذي يتوسع باضطراد.
وبإعلان جون آلان منسق التحالف نيته التوجه إلى دول شرق آسيا لتوسع التحالف الدولي الذي يضم اليوم 62 دولة، ينظر أنصار "داعش" إلى الأمر على أنه علامة جديدة تتحقق من "النبوءة" بإمكانية وصول رايات الدول المعادية للتنظيم إلى 80 ليكون الموعد مع مقاتليهم في "دابق". ويصر التنظيم الدموي على تدعيم روايته حول "الملحمة" و"النبوءة" والترويج لها واستثمار الأمر في حشد وتجنيد مقاتلين جدد وضمهم إلى صفوفه لمواجهة الهجوم البري.
وقد استطاع داعش أن يجر الجميع مع بداية ظهوره إلى حرب استنزاف، ومما يساعده على هذا الاستمرار في هذا حربه بقوة قتالية لا تضعف ميدان الحرب الذي يقاتل فيه، الذي يمتد من سوريا إلى العراق، فعندما تضعف في العراق تنتقل للقتال في سوريا، والعكس؛ مما يجعل من هزيمتها أمرا صعبا.
المجتمع الدولي: "الطيران وحده لا يكفي"

ينظر المجتمع الدولي وتحالفه إلى الحرب البرية ضد داعش بحذر، فقد أعلنت واشنطن عن أن دورها في هذا الهجوم سيقتصر على الإشراف والدعم اللوجستي فقط، من دون خوض المعركة على الأرض، لتبقى الساحة مفتوحة لهجمات مضادة سيشنها الجيش العراقي بمشاركة القوات العراقية والكردية، التي تتلقى تدريباً من قبل بعض دول التحالف في قواعد عسكرية في العراق، إضافة إلى مشاركة الميليشيات وأبناء العشائر.
وأعلنت الولايات المتحدة أنها ستوفر تدريباً عسكرياً مكثفاً للقوات العراقية، إضافة إلى الأسلحة والمعدات اللازمة للقتال البري، وتراهن على نجاحه في القضاء على التنظيم المتطرف في العراق، وسط مطالب بضرورة توفير كل الموارد اللازمة لتحقيق النجاح المنشود ويطلب البيت الأبيض من الكونغرس تفويضاً جديداً باستخدام القوة ضد مقاتلي تنظيم "داعش".
واعتبر قادة بارزون في الجيش الأمريكي أن معسكرات التدريب التي يقودها أمريكيون وأستراليون ودانماركيون وبرازيليون وبرتغاليون ونيوزيلنديون وإسبانيون وإيطاليون وألمانيون وبلجيكيون وهولنديون، قادرة على تدريب القوات العراقية لمواجهة برية.
وحسم الرئيس باراك أوباما الأمر بالقول أن الحرب مع الإرهاب سوف تطول ولم يتطرق إلى خطة احتياطية حال فشلت الخطة الأولى القصف الجوي، ليؤكد جون كيري وزير الخارجية الأمريكي على أن الدول العربية هي من ستقوم بدور حاسم في التحالف، أن دول التحالف لم تتحدث عن إرسال قوات برية، وأن الولايات المتحدة لا تحارب (داعش)، بل تحارب الإرهاب من خلال عملية واسعة النطاق.
ليرد عليهم خبراء عسكريون، بأن الضربات الجوية على داعش والتي ستنفذها القوات الأمريكية من خلال التحالف الدولي، لن تنجح دون تدخل بري، مؤكدين أن العلوم العسكرية والحروب السابقة، أكدت عدم إمكانية حسم الحرب من خلال القوات الجوية وحدها، وتوقعوا استدراج بعض دول التحالف للمشاركة بقوات برية، وأن الضربات الجوية ستعمل على تهيئة بيئة مساندة لقوات البيشمركة والجيش العراقي وبعض الفصائل المعتدلة في العراق، للتعامل مع داعش وأن توجيه ضربات جوية قاسية لداعش يقوم على المعلومات الاستخباراتية دقيقة حول أماكن تواجد مراكزها ومقاتليها.
وبحسب إحصائية أجرتها مجلة "ميليتاري تايمز" في سبتمبر الماضي، فإن 70.1٪ من الضباط والجنود الأمريكيين يرفضون إرسال قوات برية للعراق أو سوريا، غير أن هذه النسبة تنخفض إلى 62٪ بين المواطنين الأمريكيين بحسب إحصائية شبكة "سي إن إن" الأمريكية التي أجرتها في الشهر نفسه، وتتقلص هذه النسبة لتصل إلى 28٪ في حالة استهداف تنظيم الدولة السفارة الأمريكية في بغداد وتعريض حياة الدبلوماسيين الأمريكيين هناك للخطر، أي أن 72٪ من عينة "سي إن إن" يؤيدون التدخل البري المباشر في تلك الحالة.
ليبقى السؤال وسط هذا الإجماع العربي والغربي على الحرب البرية على داعش: هل تستطيع هذه الدولة دحر هذا التنظيم الدموي على الأرض أم أن الأمر سيتحول إلى فيتنام جديدة؟