في الذكرى الـ 36 لثورة الخميني.. تصدير الثورة والتشيع أبرز الملفات الإيرانية في المنطقة
الخميس 12/فبراير/2015 - 02:41 م
طباعة

في تصريحات، لم تكن جديدة على ما تدين بها الجماهيرية الإسلامية الإيرانية، تجاه سياستها الخارجية، والتي باتت محل جدل كبير على المستويين الإقليمي والدولي، كونها تمزج دائماً بين حكم الدين، ولعبة السياسة، إلى جانب رغبتها الدائمة في تصدير الثورة للدول الجوار دون مواربة، منذ اندلاع الثورة الإسلامية بقيادة روح الله الخُميني عام 1979.
ولعل السبب في ذلك هو أن طهران لا تُخفي رغبتها الدائمة في أن يعترف المجتمع الدولي وسائر دول المنطقة بموقعها كقوة إقليمية عظمى، وذلك بسبب قدراتها البشرية والسياسية والعسكرية الذي بدأ يتمثل في مساعي التسليح النووي، إلى جانب غياب المنافس الإقليمي لها، بالنظر إلى الأوضاع السائدة حالياً في العراق، خاصة بعد الغزو الأمريكي لها 2002، وقتما كانت تحت حكم الرئيس الراحل صدام حسين، إلى جانب الأوضاع الحالية في باكستان، وعدم وضوح الدور التركي، خاصة مع إصرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على البحث عن مجد شخصي له.

وجاءت تصريحات قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني، اللواء قاسم سليماني، أمس (الأربعاء) لتؤكد صراحة دور إيران في تحريك الاضطرابات في العديد من البلدان العربية، حيث قال السليماني في كلمة له بمناسبة الذكرى السادسة والثلاثين للثورة الإيرانية: إن "مؤشرات تصدير الثورة الإسلامية باتت مشهودة اليوم في كل المنطقة، سواء من البحرين والعراق إلى سورية واليمن وحتى شمال إفريقيا".
وأضاف سليماني، أن "الاستكبار والصهيونية العالمية ومن خلال هزائمهما المتوالية أمام جبهة المقاومة أقرّا بعجزهما واقتدار الجمهورية الإسلامية الإيرانية أكثر فأكثر"، مشيراً إلى أن "حزب الله نموذج بارز لرمز المقاومة التي تمكنت رغم جهوزية جيش الاحتلال الإسرائيلي من توجيه ضربة لهذا الكيان".
واعتبر أن "آخر حربه للاستكبار هي تحريك وإعداد وتنظيم التيار التكفيري بهدف تشويه صورة الإسلام وإشعال نار الفتنة والحرب الداخلية في أوساط المسلمين"، مؤكداً أنه "ونظراً للهزائم النكراء التي لحقت بداعش وباقي المجموعات الإرهابية في العراق وسورية، فإننا واثقون بأن هذه المجموعات اقتربت من نهايتها الحتمية".

من جانبه، أعلن الرئيس الإيراني حسن روحاني في خطاب ألقاه أمس (الأربعاء) في حشد جماهيري أن "بسط السلام والاستقرار واستئصال الإرهاب في الشرق الأوسط، لا يمرّ إلا عبر الجمهورية الإسلامية"، متابعاً: "رأيتم أن الدولة التي ساعدت شعوب العراق وسورية ولبنان واليمن لمواجهة المجموعات الإرهابية هي جمهورية إيران الإسلامية".
العقيدة الإيرانية في تصدير الثورة
لعل شعور إيران بأنها باتت دولة مستهدفة منذ إقامة ثورتها، دفعها إلى إقامة علاقات صداقة وأذرع وحلفاء يكونون بمثابة حائط دفاع عن الدولة الجديدة، وحينما فشلت في إقامة ذلك مع العديد من دول المنطقة بدأت إيران تبحث عن تنظيمات، وهو ما يكشف حقيقة علاقتها مع تنظيمات مثل، حزب الله اللبناني وحركة المقاومة الإسلامية حماس، في حين دخلت في حرب مع دولة العراق، وتوترت علاقتها مع مصر ودول الخليج، فضلاً عن دول أوربية أخرى.
كل ذلك أدى إلى ميلاد عقيدة تصدير الثورة، وهي العقيدة التي ربما تكون قد جلبت على إيران خيراً وشراً كثيراً.

ويمكن الرجوع إلى العقيدية الإيرانية في تصدير الثورة، إلى المقولة التاريخية التي أصدرها قائد الثورة الإيرانية روح الله الخميني، في 11 فبراير 1980، "إننا سنصدر ثورتنا إلى كل العالم حتى يعلم الجميع لماذا قمنا بالثورة، لقد كان هدفنا الاستقلال بمعنى التحرر من القيود والتبعية للشرق والغرب، أي أمريكا والاتحاد السوفيتي (السابق)، والحرية، أي التحرر من أغلال استبداد إمبراطورية شاه إيران (الحكم البهلوي)، والجمهورية الإسلامية، أي أن يحقق الإيرانيون حلمهم بإقامة حكومة على أساس الإسلام والديمقراطية".
وحاول الخميني تبرير منهجه في تصدير الثورة عبر القول: "هدفنا من تصدير الثورة ليس الاعتداء العسكري؛ لأن هذا عمل الدول الاستعمارية ولا سيما المعسكرين الموجودين في تلك الفترة، إننا نريد أن يعرف العالم مبررات ثورتنا، ونوضح أهدافنا أن القوى العظمى لا تريد ذلك، لو أن الناس في العالم يعرفوننا، فإنهم سيقومون بالدفاع عنا، ولن ينخدعوا بحيل وسائل الإعلام الإمبريالية؛ لأنهم يهاجمون ثورة الشعب الإيراني ويتآمرون عليها بسبب ضياع مصالحهم فيها".
ولعل الهدف من سرد كل هذه المُقتبسات، هو إظهار عقيدة إيران في تصدير الثورة، حيث قال الخميني في ذات الخطاب: "إنّنا نصدر ثورتنا للعالم كله، فثورتنا إسلامية، وما لم يدو شعار لا إله إلاّ الله محمد رسول الله في كل أرجاء العالم، سنواصل الكفاح، وما دام الكفاح متواصلاً في أي منطقة من العالم ضد المستكبرين، فنحن موجودون، وحينما نقول: إن ثورتنا يجب أن تصدّر إلى كل أنحاء العالم، لا يفهم من ذلك على نحو خاطئ إنّنا نريد فتح البلدان، فمعنى تصدير الثورة هو أن تستيقظ كل الشعوب والحكومات".
نتائج تصدير الثورة
يمكن رصد نتائج السياسة الإيرانية في تصدير الثورة، في دخولها في حرب مع العراق استمرت نحو 8 سنوات بدأت عام 1980 حتى عام 1988، أودت بحياة نحو مليون ونصف المليون إنسان، فضلاً عن تسببها في الحرب الأهلية التي وقعت في لبنان، التي كان ضمن أسبابها محاولة تأسيس دولة شيعية داخل الدولة اللبنانية عبر حركة أمل، التي تلاها في الدور حزب الله الذي جيّش أتباع طائفته وصنع كيانا مسلحا داخل لبنان، يفوق في تسليحه جيش الدولة نفسها.
وفي اليمن ساعدت على إنشاء إيران ميليشيات الحوثي، التي انقلبت حالياً على الرئيس الشرعي عبد ربه منصور، وأصدرت إعلانا دستوريا، وكانت إيران تدعم تلك الميليشيا بالمال والسلاح، واستضافت عناصرها الذين دربهم الحرس الثوري الإيراني.

اللافت أن إيران سعت إلى بث القلاقل في المملكة العربية السعودية، في المنطقة الشرقية ذات الكثافة الشيعية، فضلاً عن استخدام ميليشيا الحوثي، في إثارة القلاقل في المنطقة الجنوبية، للمملكة العربية السعودية، وتسببت تلك الميليشيا في إنهاك الجيش اليمني طوال السنوات الأخيرة.
إيران بدا دورها واضحاً بقوة في الأحداث التي تدور حالياً في العراق، فمنذ سقوط النظام البعثي بقيادة الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، ولعبت دوراً بارزاً في دعم الجماعات الشيعية هناك، على رأسها جماعة السيستاني الشيعية، إلى جانب المساهمة في إنشاء الميليشيا الشيعية المسلحة كعصائب أهل الحق وجيش المهدي وفيلق بدر وأكثر من أربعة عشر فصيلا مسلحا، أوغل جميعها في الحرب الأهلية وبث الفرقة بين سنة العراق وشيعته، فانتشرت التفجيرات والقتل على الهوية والتهجير على الطائفة.
في البحرين، وعبر مسرحية دوار اللؤلؤة دعمت إيران الانقلابيين وحاولت قلب نظام الحكم، في أحداث عنف وقعت في 2011، إلا أن قوات درع الجزيرة تمكنت من إحباط ذلك المخطط، كما أنها تحتل حالياً جزرا عربية ثلاثا من الإمارات وترفض أي مفاوضات بشأنها أو حتى الاحتكام إلى محاكم دولية.
لم تسلم الكويت من المؤامرات الإيرانية، وتعرض أميرها الشيخ جابر الصباح عام 1985 لمحاولة اغتيال فاشلة على يد انتحاري من حزب الدعوة العراقي المدعوم إيرانيا، واتهمت الكويت صراحة إيران بوقوفها خلف العملية بسبب وقوف الكويت مع العراق إبان حربه مع إيران.
وتعتبر منطقة الأحواز العربية التي احتلتها إيران بتواطؤ بريطاني في 25 أبريل عام 1922 والتي كانت دولة عربية معروفة تزيد حضارتها عن سبعة آلاف عام، ومع ذلك ألغيت وطُمست هويتها العربية بشكل كامل، مع أن سكانها قبائل عربية صرفة.
انقلاب الحوثيين يستكمل الهلال الشيعي

وتكشف تحركات إيران إلى ولعها الدائم بنشر التشيع في كل البلدان، حيث تمثل قضية التشييع واحدة من أبرز محاور الخلاف بين إيران ودول الجوار، التي تشير إلى أن طهران تحاول نشر المذهب الجعفري الشيعي بين مواطنيها بوسائل متعددة، وهو ما تنفيه إيران بشدة، متهمة جهات معادية لها باستخدام هذا الملف ذريعة لإخافة الرأي العام منها.
لكن الخلاف حول هذه القضية لم يبق طويلاً في إطار التأويلات، بل أخرجته إلى العلن تصريحات رسمية، كتلك الصادرة عن المغرب قبل فترة، إلى جانب القلق الذي عبر عنه في السابق العاهل الأردني، الملك عبدالله الثاني، من نشوء "الهلال الشيعي،" الممتد من إيران إلى لبنان مروراً بالعراق وسوريا.
ولعل الانقلاب الحوثي في اليمن، عزز من وجود الهلال الشيعي في المنطقة، ليكون الهلال على شكل بلدان هي (إيران – العراق – سوريا – جنوب لبنان – اليمن)، وقد طالب الأزهر الشريف، في أكثر من تصريح عبر شيخه أحمد الطيب، إيران وقف تلك السياسات.
وتعتمد إيران في سياستها الخارجية على عدة عوامل، بينها اعتمادها وإمساكها بورقة التنظيمات المقاتلة في مجموعة من دول المنطقة، بينها تنظيم (حزب الله – حماس- الجهاد الإسلامي – الحوثي – كافة الفصائل الشيعية في العراق).
وتبرز أهمية هذه الأوراق في أنها تشكل واحدة من مرتكزات القوة الإيرانية الدبلوماسية والعسكرية، إذ تدرك طهران بأن تعدد الأدوار في أكثر من دولة بالمنطقة يضمن لها مكانة إقليمية في أي توزيع جديد لحصص النفوذ العالمي.

كما يأتي الملف النووي على محور الاهتمام الدولي المنصب على إيران حالياً، فالولايات المتحدة وإسرائيل وبعض العواصم الغربية لا تخفي قلقها من برنامج إيران النووي، ويتهمونها بالسعي لتطوير أسلحة دمار شامل، وهو ما تنفيه طهران بشدة.
وقد تسبب هذا الملف بفرض عقوبات اقتصادية وسياسية على إيران، إلا أن ذلك لم يثنيها عن متابعة السير فيه والحديث بشكل متواصل عن زيادة قدرات التخصيب بجهود محلية.
وينقسم الخبراء حول طبيعة هذا البرنامج، فيرى البعض أن إيران تتجه لبناء قنبلة نووية تشكل قوة ردع بوجه القوى الدولية التي قد تقف بوجه مشروعها الإقليمي، ويستدلون على صحة ما يذهبون إليه بالإشارة إلى تطوير إيران بشكل متزامن لقدراتها الصاروخية، وهو ما دفع واشنطن لإطلاق مشروع "الدرع الصاروخية" في أوروبا.
بالمقابل، يقول البعض الآخر أن طهران إنما ترغب في بناء مفاعلات سلمية لإنتاج الطاقة الكهربائية من جهة، وتأكيد قدراتها التقنية التي تضعها في مصاف الدول المتقدمة من جهة أخرى.