اليمن.. عقبات تهدد حلم الحوثيين في الحكم
الأحد 15/فبراير/2015 - 03:31 م
طباعة

الأيديولوجية الفكرية والعقائدية لأي تيار ديني تكون عاملا متحكما في استراتيجية التعامل مع الأزمات، والأخطاء التي وقعت فيها جماعة الإخوان في تجربة الحكم بعدد من البلدان العربية وعلى رأسها مصر واليمن، من الانفراد بالحكم وإشاعة الفتن بين أبناء الشعب الواحد، وسياسة الاغتيالات والاتهامات ضد الخصوم، مع السعي دائما لأن يكون بيدهم كل أوراق اللعبة في السيطرة على السلطة والتمكين تكررها جماعة أنصار الله "الحوثيين" الوجه الشيعي لجماعات الإسلام السياسي في اليمن.
عوامل صعود الحوثيين

صعود الحوثيين جاء عقب انفراد الإخوان بمقاليد الأمور في اليمن، وإبعاد القوى السياسية الأخرى، مع سياسة تعتمد على إشعال الفتن بين القوى السياسية الواحدة واتهامات دائما لحزب الحاكم السابق "حزب المؤتمر الشعبي العام" أنه وراء صناعة الأزمات، وأخطاء في إدارة المرحلة الانتقالية صعدت بالحوثيين في 21 سبتمبر إلى قمة السلطة في اليمن عقب قرار خاطئ من حكومة محمد سالم باسندوة برفع أسعار الوقود "الجرعة".
اليوم يسير الحوثيون على نهج الإخوان في التعامل مع القوى السياسية وفلسفة التمكين لمؤسسات الدولة، وفي مقدمتها الجيش والشرطة، بالإضافة إلى سياسة الاستعلاء على القوى السياسية الأخرى، واتهام الحزب اليمني للإصلاح "الإخوان" بأنهم وراء عدم الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي بالبلاد.
عوامل سقوط الحوثيين

أهم أخطاء الحوثيين في إدارة البلاد خلال الأشهر الماضية تتمثل في الانفراد بالقرارات واتباع سياسة "الأمر الواقع" عبر فرض قرارات وواقع بالمؤسسات بقوة السلاح وميليشيات "اللجان الشعبية" التي تنتشر في ربوع اليمن الشمالي خاصة العاصمة السياسية صنعاء.
فقد كشفت خطابات زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، وقيادات التفاوض داخل فندق "موفنبيك" بين أنصار الله والقوى السياسية الأخرى عن غطرسة سياسية قوية لجماعة الحوثيين في المفاوضات، والتمسك بالإعلان الدستوري وحل البرلمان، وهي خطوات غير دستورية؛ لأن من أصدر الدستور غير ذي صفة بمؤسسات الحكم باليمن، يأتي ذلك وسط رفض شديد من القوى السياسية الأخرى وفي مقدمتها الحراك الجنوبي والمؤتمر الشعبي العام وأحزاب التحالف الديمقراطي، والحزب اليمني للإصلاح "الإخوان" والأحزاب المتعاونة معهم
اتهام الإخوان

من العوامل الأخرى التي أسهمت في صعود الحوثيين السياسة الخاطئة لجماعة الإخوان في حكم اليمن، ولكن أنصار الله وبقيادة عبد الملك الحوثي في ظل فشل وارتباك واضِحَيْن في إدارة الأمور باليمن حتى الآن- يوجهون اتهامات دائمة لجماعة الإخوان بأنهم وراء عدم الاستقرار الأمني في البلاد، بالإضافة إلى الفشل في التوصل إلى اتفاق سياسي خلال مفاوضات "موفنبيك" التي تجري برعاية المبعوث الأممي إلى اليمن جمال بن عمر.
وهاجم زعيم جماعة أنصار الله (الحوثيين) عبد الملك الحوثي الإخوان، واتهمه بإثارة المشاكل والعمل ضد إرادة الشعب اليمني.
واتهم الحوثي الحركة بمحاولة "الاستحواذ على الموارد السيادية؛ لأنها لن تحقق أي فائدة" على حد تعبيره، مشيرا إلى أن هذه المحاولة تتلخص برفض قبائل مدينة مأرب النفطية تلقي أي أوامر من سلطات الانقلاب الحوثي في صنعاء.
الاقتصاد

كان قرار حكومة محمد سالم باسندوة برفع أسعار الوقود "الجرعة" في سبتمبر الماضي إلى قيام الحوثيين باستغلال الاحتجاجات الشيعية ضد قرار "الجرعة" لتقفز إلى سدة الحكم عبر توقيع اتفاق السلم والشراكة الوطنية، ثم محاصرة العاصمة صنعاء، ومحاصرة الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي ورئيس الحكومة خالد بحاح حتى قدما استقالتهما؛ مما أدى إلى تأزم الموقف السياسي في اليمن.
واليمن تشهد اليوم ترديا في الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وارتفاع نسبة البطالة والفقر لأغلب شرائح المجتمع، فقد ذكر تقرير حديث للأمم المتحدة أن أكثر من نصف سكان اليمن، أي حوالي 13 مليون نسمة- بحاجة لمساعدات إنسانية عاجلة، خصوصاً بعد أن قدرت المنظمة أن نصفهم يعيش تحت خط الفقر، بأقل من دولارين باليوم.
وذكر التقرير أن مشكلة الفقر التي يعاني منها اليمن منذ عقود جاءت بسبب سوء الإدارة الاقتصادية والتي باتت تشكل هاجسا وعقبة نحو تحقيق مساعي النمو الاقتصادي، خصوصاً بعد وصول الفقر لمعدلات مرتفعة، إضافة إلى ارتفاع معدل البطالة بين صفوف الشباب لأكثر من 60%.
وأشار التقرير إلى أن اليمن استقبلت ما يقارب 107 آلاف من اللاجئين والمهاجرين لأسباب اقتصادية من إفريقيا، هروبا من الحرب والقمع والمجاعة في أوطانهم، وهو ما فاقم المشكلة اقتصاديا أمام السكان الأصليين.
ويعتبر الدعم الاقتصادي المقدم من دول الخليج للحكومة اليمنية، أحد أبرز الموارد التي تستخدمها صنعاء في دفع رواتب الموظفين، وتسهم في الدعم الاقتصادي للبلاد، وهو ما يشير إلى أن جماعة الحوثي بحاجة إلى دعم مالي لمواجهة الأزمة الاقتصادية الحادة وهو ما يعجل بسقوطها في غياب هذا الدعم أو وجود إصلاحات اقتصادية وقد تسقط الحركة إذا تحرك الجنوب بالانفصال.
الدعم المالي يعتبر أبرز سلاح دول الخليج في مواجهة أي تطورات لا يريدها ولا يرغب فيها مجلس التعاون الخليجي، وأكد ذلك وزير التخطيط والتعاون الدولي اليمني السابق الدكتور "محمد الميتمي"، قائلا: إن كثيرا من الدول المانحة ودول الخليج تحديدًا ترددت في الوفاء بالتزاماتها المالية لمساعدة اليمن «بسبب الأوضاع الأمنية والسياسية غير المستقرة».
ويعتمد اليمن كثيرًا على الدعم الخليجي، فالسعودية وحدها تموّل عددًا من المشاريع التنموية في اليمن بنحو 700 مليون دولار أبرزها "مدينة الملك عبد الله الطبية" في العاصمة صنعاء بتكلفة 400 مليون دولار، ومشاريع في قطاعات الكهرباء والمدن السكنية لذوي الدخل المحدود والطرق بقيمة 300 مليون دولار، كما أنها قدمت للحكومة اليمنية منذ مطلع العام الجاري مساعدات بمليار و400 مليون دولار، ووضعت "وديعة" في البنك المركزي اليمني بمليار دولار لحماية العملة النقدية المحلية من الهزات.
كما قدمت دولة قطر دعمًا بقيمة 350 مليون دولار لصندوق دعم المتضررين مخصّصًا لتعويضات أبناء المحافظات الجنوبية، جرّاء ما لحق بهم في حرب صيف 1994 بين الشمال والجنوب.
المظاهرات

كانت التحركات والمظاهرات ضد حكم حكومة محمد سالم باسندوة المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين أحد أهم أدوات الحوثيين للصعود إلى الحكم، وفي ظل التعامل القاسي والسيئ من قبل جماعة أنصار الله مع المتظاهرين الرافضين للإعلان الدستوري، فإن شعبية الحوثيين التي صعدت إلى أعلى مستوى لها في 21 سبتمبر تتراجع وقد تتلاشى في سياسة أنصار الله في التعامل مع الرافضين للإعلان الدستوري.
لم يفلح الحوثيون في لجم انتفاضة الشعب اليمني المتصاعدة، رغم قمعهم الدموي للمتظاهرين باستخدام الأسلحة النارية، في وقت يتنامى فيه حس وطني عام. وأطلق مسلحون من الحوثيين، الذين يسيطرون على العاصمة اليمنية، صباح السبت الرصاص لتفريق تظاهرة معارضة لهم في مدينة إب (وسط)؛ ما أسفر عن إصابة ستة أشخاص على الأقل، لكن رغم ذلك ارتفعت وتيرة المظاهرات وزادت أعداد المشاركين فيها بشكل كبير.
وقال شهود عيان: إن المسلحين أطلقوا عيارات تحذيرية لتفريق التظاهرة؛ ما أدى إلى إصابة نحو ستة جرحى، بحسب شهود عيان.
وأضاف الشهود أن المتظاهرين أحرقوا سيارة تابعة للحوثيين، بعدما خرج الآلاف من أبناء محافظة إب في مسيرة حاشدة للمطالبة بإسقاط الجماعة وإنهاء "انقلابها" على مؤسسات الدولة وسيطرتها على المدن والمحافظات.
وفي العاصمة صنعاء خرج المئات في تظاهرة مناهضة للحوثيين، ورفعوا لافتات كتب عليها "المليشيات عصابات لا تبني دولة"، كما رددوا شعارات مثل "ارحل يا حوثي ارحل، يا حوثي لست الدولة". وردد المتظاهرون شعارات من بينها «يا حوثي يا إيران، اليمن مش لبنان»، و«يا حوثي يا روسيا، اليمن مش سوريا» و«الحوثي والقاعدة قيادتهما واحدة»، وذلك قبل أن تتم تفرقتهم من قبل الحوثيين. وقال شهود عيان إن المسلحين أطلقوا عيارات تحذيرية لتفريق التظاهرة؛ ما أدى إلى إصابة نحو ستة جرحى، بحسب شهود عيان.
وخرجت تظاهرات مماثلة في مدينة ذمار الخاضعة لسيطرة الحوثيين، ومدينة الضالع، حيث طالب المحتجون الأحزاب السياسية بإنهاء محادثاتهم التي تجري بوساطة الأمم المتحدة مع الحوثيين في صنعاء. وفي صنعاء خرج المئات في تظاهرة مناهضة للحوثيين، ورفعوا لافتات كتب عليها «المليشيات عصابات لا تبني دولة».
كما يتبنى الحوثيون سياسة الاعتقالات والتهديد مع القوى السياسية والنشطاء الرافضين للإعلان الدستوري وسيطرتهم على البلاد، فقد أعلن الناطق باسم حركة رفض موسى العيزقي، أن مجموعة من مسلحي ميليشيات الحوثي قامت أمس السبت، بمداهمة منزل مؤسس حركة رفض المناهضة لجماعة الحوثي، أحمد هزاع وسط مدينة إب واقتادوه إلى جهة غير معلومة.
سياسة التعامل الفاشلة مع المظاهرات من قبل الحوثيين ستكون أحد أسباب سقوطهم السريع عن سدة الحكم، وقد يلحقوا برفيقتهم جماعة الإخوان.
الرفض الإقليمي والدولي

رغم أن حكومة محمد سالم باسندوة جاءت على خلفية توقيع المبادرة الخليجية في 2012 والتي قضت برحيل الرئيس اليمين السابق علي عبدالله صالح عن الحكم وتولي الرئيس عبدربه منصور هادي، إلا أنها لم تستطع أن تصمد أمام الرفض الشعبي وفي ظل السياسة الاقتصادية الخاطئة مع استمرار الفشل الأمني.
إلا أن جماعة الحوثيين، ومع إغلاق العشرات من الدول لسفارتها في العاصمة صنعاء، ومطالبة دول مجلس التعاون الخليجي مجلس الأمن الدولي بفرض عقوبات على جماعة أنصار الله، ووقف الدعم الاقتصادي سيكون أحد أهم أسباب تراجع الحوثيين في اليمن، وإن لم يكن سوطهم سياسيا.
وباءت محاولات "عبد الملك الحوثي"، زعيم جماعة "أنصار الله"، الشهيرة بـ"الحوثيين"، لطمأنة البعثات الدبلوماسية في صنعاء بالفشل، رغم تأكيداته على أن الوضع الأمني في صنعاء "مستقر جدًّا". فبعد ساعات من خطاب الحوثي علقت كل من إسبانيا والإمارات وتركيا عمل بعثاتها الدبلوماسية في صنعاء أمس السبت؛ فيما أغلقت هولندا والسعودية وألمانيا وإيطاليا والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، سفاراتها في العاصمة اليمنية خلال الأيام الماضية، كما أغلقت السفارة اليابانية القسم القنصلي هناك.
فيما قررت سفيرة الاتحاد الأوروبي بصنعاء "بتينا موشايت"، أمس الأربعاء، مغادرة اليمن خلال 48 ساعة لأسباب أمنية. وكانت سفارة الاتحاد الأوروبي بصنعاء أغلقت أبوابها في مايو الماضي نتيجة للوضع المضطرب الذي يمر به اليمن.
وبحسب مراقبين فإن هذا الإجراء الذي أقدم عليه عدد من دول العالم العظمى، يأتي في سياق المواقف السياسية الدولية الرافضة لما أقدمت عليه جماعة الحوثي مؤخراً، التي أعلنت في الـ7 من الشهر الحالي وبشكل انفرادي، ما سمي بـ"إعلان دستوري"، متحدية بذلك القوى المحلية والإقليمية والدولية التي تشرف على مفاوضات يمنية- يمنية للتوصل لحل لحالة الفراغ الدستوري التي خلفتها استقالة الرئيس عبد ربه منصور هادي في الـ20 من يناير الماضي.
المشهد اليمني
الأوضاع في اليمن تحت حكم الحوثيين تسير من سيئ إلى أسوأ، وربما يأتي إغلاق السفارات العربية والأجنبية كأكبر ضربة للآمال وطموحات الحوثيين في الانفراد بالحكم، واستمرار في سياسية الأمر الواقع التي كانت تأتي بنتائجها خلال المرحلة الماضية، ولكن استمرار هذه السياسة سوف يؤدي إلى نتائج عكسية، وقد يخسر الحوثيون ما اكتسبته الجماعة منذ 2011.. فهل سينجح الحوثيون في تدارك الأمور لتحقيق حلم السلطة أم أنه تحول لكابوس يهدد وجودهم؟