بعد 11 عامًا حركة "أبناء الجنوب الاسلامية" بالجزائر تتصالح مع الدولة وتوقف عملياتها المسلحة
الأربعاء 18/فبراير/2015 - 09:39 م
طباعة

مدخل:

بعد فترة من جولات المفاوضات التي اتخذت شكل السرية في بعض أوقاتها، والمُعلنة في أوقات أخرى، بين الحكومة الجزائرية، وحركة "أبناء الصحراء من أجل العدالة" – جماعة مُسلحة تتبع تنظيم القاعدة، أعلنت انشقاقها أخيراً عن جماعتي "التوحيد والجهاد" و"الملثمين" وتنشط في منطقة الصحراء – حيث أعرب التنظيم الجزائري عن استعداده التوقف عن العمل المسلح في مقابل الإفراج عن الموقوفين لدى قوات الأمـن الجزائرية.
كان التنظيم قد قرر حل ذاته، وذلك من خلال بثّه شريطاً مصورًا من حوالى 7 دقائق، طرح فيه التنظيم رؤيته المبنية على استعداده التخلي عن العمل المسلح، مقابل إبداء الحكومة الجزائرية استعدادها تلبية مطالب الحركة، التي من بينها إطلاق سراح مَن وصفوهم بـ "المساجين السياسيين جراء أنشطة تهريب الوقود والمواد الغذائية وغيرها"، وإسقاط الملاحقة القضائية عن أعضاء الحركة والمتعاطفين معها، وإشراك التنظيم في حل النزاعات الإقليمية مع دول الجوار، بينها ليبيا ومالي والنيجر.
نشأة التنظيم:

حركة أبناء الصحراء من أجل العدالة هو تنظيم جزائري انفصالي تأسس في 2004 بزعامة عبدالسلام طرمون، واثنين من عائلة بوشنب هما محمد الأمين ويوسف، بهدف المطالبة "بحقوق أبناء الجنوب".
وتقول بعض التقارير الإعلامية أنه تم إضافة اسم “الإسلامية” من طرف الأمين بوشنب، لتصبح “حركة أبناء الجنوب من أجل العدالة الإسلامية”، بعدما تورطت في عملية استهدفت مقر الدرك الوطني في "ورقلة" 2012 جنوب العاصمة الجزائرية.
وأُعلن عن قيام الحركة في السابع عشر من أكتوبر 2007، بعدما نفذت سلسة هجمات مسلحة، بدأت باستهداف شركة نفطية جنوب الجزائر في منطقة عين أميناس، كما قامت بعد ذلك بهجوم على مطار جانت الدولي، في نوفمبر ٢٠٠٧، وأسفر الهجوم عن إصابة طائرة شحن من نوع نيوشن كانت موجودة بالمطار إضافة لمروحيتين.
وزعمت الحركة في البداية أنها اجتماعية، تستهدف تحقيق العدالة الاجتماعية، وتمكين أبناء الجنوب الجزائري من العمل، لكن ما لبثت أن تطورت، إلى المطالبة بانفصال جنوب الصحراء عن الجزائر، وفي المرحلة الأخيرة تحولت حركة أبناء الجنوب إلى جماعة إرهابية، خصوصا بعد مغادرة الأمين بن شنب إلى شمال مالي، وهناك يبدو أنه تبنى فكر القاعدة.
وأوضحت العديد من التقارير، أن النظام الجزائري، دخل في مفاوضات مع الحركة، ما أدى إلى توقف عمليات الحركة، قبل أن تقود تلك المفاوضات إلى انقسامات بين أعضاء الحركة، حيث أعلن جزء منها عودته إلى العمل المسلح، وهرب معظمهم إلى شمال المالي، قبل أن يعلنوا في وقت لاحق التعاون مع تنظيم القاعدة من أجل استعادة ما يصفونه بحقهم في إقامة العدالة الإسلامية في الجنوب الجزائري وفي الجزائر ككل.
وأوضحت الحركة أن لجوئها خارج البلاد كان بهدف إعادة هيكلة نفسها وتكوين المنضمين لها، وإقامة علاقات متوازنة مع من يشترك معها في أهدافها.
تفاوض الحكومة الجزائرية والحركة:

كانت الأسابيع الماضية قد شهدت أنباء عن بدأ الحكومة الجزائرية إجراء مفاوضات إيجابية، مع الرجل الأول في التنظيم المسلّح عبدالسلام طرمون، الذي ورث القيادة عن محمد الأمين بن شنب، الذي قُتل في الهجوم على منشأة "تيقنتورين" جنوب شرق الجزائر في 16 يناير 2013، حيث كان بن شنب ينزع للعمل المسلَّح بعكس طرمون، الذي يريد وفق مصادر التوصل إلى سلام مشروط مع النظام.
وذكرت مصادر جزائرية، أن الحكومة أنهت مفاوضات مع عناصر التنظيم الذي عرض مطالب اجتماعية لـ"أبناء الجنوب"، وقالت المصادر إن وسطاء الحكومة الجزائرية يمثلون أجهزة أمنية، توصلوا إلى اتفاق مع الحركة يُفضي إلى الإفراج عن أبرز قادة التنظيم المحبوسين لدى الدولة، مقابل تعهد عبدالسلام بوقف العمل المسلح، لكن هذه المعلومات لم تؤكدها أي جهة بعد لاسيما قوى الأمن.
ويبدو أن التنظيم جاد هذه المرة في وضع السلاح، خاصة أن المصادر التي تحدثت مع جريدة "الحياة اللندنية" قالت إن طرمون عبدالسلام اشترط أن يرابط برفقة عدد من قياديي حركته في موقعهم في جبال الطاسيلي، إلى حين دخول الجيش الجزائري إلى النقطة ذاتها لإنشاء موقع وثكنة عسكرية، وتسلم أسلحة التنظيم، وان الحكومة تبحث حالياً منح المسلحين عفواً رئاسياً، في حال أبصر هذا الاتفاق النور.
وبحسب مراقبين فإنه في حال صحة تلك الإجراءات فإن الجزائر تكون قد تمكنت من قطع صلة تنظيم "حركة أبناء الصحراء" بتنظيم القاعدة، الذي لعب خلال الفترة الماضية دوراً هاماً في تزويد "أبناء الصحراء" بالأسلحة والمتفجرات لتنفيذ مخططات إرهابية على الأراضي الجزائرية.
كانت مصادر مطلعة على ملف حركة "أبناء الصحراء" قالت إن المفاوضات مع الحركة بدأت أواخر 2013، بمبادرة من الوزير الأول عبدالمالك سلال، بعد حصوله على الضوء الاخضر من الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وكان الطرف الأخر في المفوضات عبد السلام طرمون، قائد الحركة الحالي.
وأشار عدد من التقارير أن المفاوضات كانت على وشك الانهيار، بعد إطلاق الجيش الجزائري عملية تطهير منطقة الصحراء من عناصر التنظيم، لولا تدخل عبدالمالك سلال، الذي أخطر قيادة أركان الجيش الوطني الشعبي، بضرورة توقيف العمليات في المنطقة، وبالتالي بدأت تكشف أولى خطوات الوساطة التي قادها الوزير الأول في وقتها .
وتعود فكرة وضع الحركة سلاحها مقابل الإفراج عن قادة التنظيم الموقوفين لدى الحكومة، إلى عام 2007، حيث طرح وقتذاك زعيم الحركة السابق لمين بوشنب المدعو ابو عائشة، وضع السلاح ، شريطة الالتفات إلى أبناء الجنوب وإعطائهم حقهم في العمل ومختلف الحقوق الاجتماعية الأخرى على غرار أقرانهم في الشمال إضافة إلى التنمية المتوازنة التي لا تستثني المنطقة ، ولكن توقفت المفاوضات لأسباب غير معلومة.
الإعلان عن اتفاق هدنة:

من جانبه، وفي خطوة تؤكد قرب إتمام اتفاق بين حركة "أبناء الصحراء" والحكومة الجزائرية، أعلن زعيم الحركة عبد السلام طرمون ضمنيا، عن وضع حد للعمل المسلح ضد السلطات الجزائرية، وقال في شريط مصور بث على الانترنت، عن ”نجاح مبادرة حل سلمي للأزمة، قادها الوزير الأول عبد المالك سلال".
وأثنى طرمون على سلال في كلمته، وقال إنه بدأ يوم الجمعة الماضي تنفيذ بنود اتفاق الهدنة الذي دخل حيز التنفيذ بين حركة ”أبناء الصحراء من أجل العدالة”، والقوات المسلحة في إقليم ولاية إليزي، وتتم تنفيذ البند الأول من الاتفاق بعودة 3 من المطاردين إلى الجزائر عبر الحدود البرية بين ليبيا والجزائر.
وتابع السلال كاشفاً عن الكثير من تفاصيل الاتفاق، تم نقل 3 معتقلين آخرين إلى إقامة جبرية في انتظار البت في مصيرهم، من قبل السلطات القضائية على مستوى مجلس قضاء ولاية إليزي، موضحاً أن سلال في لقاءات خاصة مع أعيان ووجهاء قبليين، وشخصيات مقربة من حركة "أبناء الصحراء" تعهد بالنظر في مطالب الحركة المتعلقة بالتنمية والشغل وتحسين الخدمات في مناطق الجنوب الكبير.
على الجانب الرسمي، قال مصدر مطلع إن سلسلة من الإجراءات اتخذتها الحكومة الجزائرية بالفعل، بينها توفير حصص إضافية من السكنات لمناطق الجنوب التي تعاني أزمة سكن، وجلب أطباء أخصائيين من كوبا للعمل في مناطق أقصى الجنوب، وإعادة تفعيل إجراءات الرقابة على نشاط الشركات النفطية في مجال التشغيل.
وقال أحد المفاوضين الذين شاركوا في الاتصالات مع زعيم حركة ”أبناء الصحراء"، طلب عدم الكشف عن هويته، إن سلال أرسل رسالة واضحة حول التزام الحكومة بحل مشاكل الجنوب، أثناء تواجده بولاية إليزي خلال حملة الرئاسيات الماضية.
ووفق الاتفاقية سيتم تخصيص حيز جغرافي لجماعة أبناء الصحراء في منطقة جبلية بتاسيلي، وتوفير الغذاء وكل المستلزمات لأعضاء الحركة، مع تقديم ضمانات لكل العناصر التابعين للجماعة الذين تنقلوا إلى ليبيا والنيجر ومالي، من أجل العودة إلى الجزائر دون التعرض للمساءلة، شريطة أن لا يكون أي منهم قد تورط في أعمال قتل.
وصنف الاتفاق أعضاء الحركة إلى 3 مجموعات، الأولى هي المجموعة التي لم تتورط في عمليات قتل أو اعتداءات، وبالنسبة لهؤلاء، تم تخييرهم بين العودة إلى بيوتهم بعد الخضوع لبعض الإجراءات الأمنية، أو البقاء رفقة قائد الجماعة عبد السلام طرمون.
أما المجموعة الثانية، فهي المعتقلون الذين تمت إدانتهم بأحكام قضائية، وينتظر هؤلاء، حسب مصادرنا، عفوا خاصا من الرئيس بوتفليقة قد يصدر بمناسبة ذكرى عيد الاستقلال يوليو المقبل.
أما المجموعة الثالثة، وتتضمن شقيق لمين بشنب الذي يشتبه في أنه شارك بصفة غير مباشرة في عملية تيڤنتورين 2013، وعبد السلام طرمون الذي سبق له أن استفاد من إجراءات المصالحة الوطنية، وعدد من الأشخاص الذين كانوا ضمن حركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا في شمال مالي، فهؤلاء سيفصل في قضيتهم الرئيس بوتفليقة أيضا، بإصدار عفو لصالحهم.
انشقاق "أبناء الصحراء" عن تنظيم "التوحيد والجهاد":

في مايو 2013، أعلن الرجل الثاني في حركة "أبناء الصحراء" عبدالسلام طرمون، في "فيديو" جديد، يُفيد انشقاق الحركة عن حركتي "التوحيد والجهاد" في غرب إفريقيا و"كتيبة الملثمين"، وفي أعقاب الانشقاق نقلت الحركة مجال نشاطها إلى شمال النيجر وغرب ليبيا، وصولاً إلى الحدود الجنوبية الشرقية للجزائر، وهي مناطق تشهد فراغاً أمنياً.
وقررت الحركة، منذ إعلان انشقاقها، تبني مطالب بعيدة عن خطاب تنظيم القاعدة السلفي الجهادي، وقال مراقبون إن الهدف من ذلك هو مغازلة الحركات الاحتجاجية جنوب الجزائر، موضحين أن الإجراءات الأمنية المشددة التي فرضتها القوات الفرنسية والمالية والإفريقية ضيقت الحصار على تلك الجماعات الإرهابية الموجودة في إقليم أزواد، ومنها التوحيد والجهاد، ما دفع عدداً من عناصر حركة أبناء الصحراء من أجل العدالة الإسلامية للتخلي عن السلاح وتسليم أنفسهم.
ويُقدر مراقبون عدد مسلحي حركة أبناء الصحراء من أجل العدالة بما لا يقل عن 100، منهم ليبيون ونيجيريون وماليون، وجزائريون ينحدر أغلبهم من ولايات إليزي التي ينتمي إليها أغلب المسلحين، ثم ورقلة وغرداية وأدرار.
زعامة الحركة:

في مطلع 2013 تم مُبايعة يوسف بوشنب أميراً للجماعة خلفا لزعيمها للأمين بوشنب المكنى حركيا "الطاهر أبو عائشة"، الذي قضى في عملية عين أمناس جنوب شرق الجزائر والتي وقعت الأحد 20 يناير 2013، بعد أربعة أيام من احتجاز الرهائن.
كان بوشنب قد تمكن في 2005، من الفرار إلى شمال مالي، بعد أن ألقت قوات الأمن الجزائرية القبض على أفراد الحركة، وفي مالي، قام بوشنب مع زعيم الحركة طرمون بشراء السلاح وتأسيس جناح عسكري لحركة أبناء الجنوب.
وارتبط اسم الأمين بو شنب بالعمل المسلح ضمن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وكان قبل القضاء عليهـ على لائحة المطلوبين أمنيا “لنشاطه المسلح” في شمال مالي، بعد تأسيسه حركة "أبناء الصحراء للعدالة الإسلامية"، وتبنى بذلك الفكر الجهادي للحركات الإسلامية الناشطة في شمال مالي.
وواجه حكما غيابيا بالإعدام من السلطات الجزائرية، جرّاء تعاونه مع جماعة "الملثمين" التي كان يقودها، مختار بلمختار، قبل ميلاد جماعة "الموقعون بالدماء التي تبنت عملية عين أمناس"، كما تمت متابعة بن شنب بتهمة تهريب أعضاء من حركة أبناء الجنوب التي تحالفت مع بلمختار، إلى تراب مالي.