قبل الوقوع في فخ داعش.. ردود أفعال حول مجزرة ليبيا
الأربعاء 18/فبراير/2015 - 09:47 م
طباعة

مازالت ردود الأفعال الدينية تتوالى حول مقتل 21 قبطيا بليبيا، حيث قام عدد من السفراء بتقديم واجب العزاء بمقرات الكنائس القبطية في مختلف بلدان دول العالم كما تنوعت التعليقات لرجال الدين المسيحي حول المذبحة، من ذلك ما نرصده في التقرير التالي:
سنبقي لأن هذا قدرنا

قال الأب انطون سابيلا: تريد داعش وحلفاؤها بتصرفاتهم هذه القول أنهم يدافعون عن الدين الإسلامي الحنيف وكأن المسيحيين واليهود والملحدين هم الآن في الطريق إلى الأراضي المقدسة في السعودية، أو وكأن دولاً بأسرها قد تخلت عن الدين الإسلامي تحت وطأة القنابل النووية التي ترميها أمريكا وروسيا هنا وهناك قالوا قديماً أن الملح كذب الرجال، وحديثاً فإن الحقيقة هي أن الخلاف الإسلامي-الإسلامي هو سبب كل هذه المجازر بحق الإنسانية ولا علاقة للمسيحيين أو اليهود أو الملحدين به كل ما في الأمر أن داعش تريد تجييش الأنصار لمحاربة المذاهب الاسلامية الأخرى وتستخدم الأقليات المسيحية والأخرى ككبش فداء وممر طريق لقلوب البسطاء، ويضيف الأب سابيلا من الحقائق الأخرى أن لا المسيحيين ولا اليهود ولا الملحدين عموماً مشغولين بهموم الأديان الأخرى لأن لديهم همومهم وأكثر، ولكن الحقيقة الكبرى هي أن الداعشيين وأمثالهم يخافون من الدين أكثر من خوفهم على الدين فمعظم الداعشيين، من أصحاب السوابق الجنائية في بلادهم وكثيرون من قادتهم كانوا مسئولين في أجهزة استخبارات عربية وأمريكية وغربية وإسرائيلية، وهم يريدون القول الآن أنهم تابوا ولكن التوبة تكون في المثل الصالح ونجدة الضعيف ونصرة المظلوم وليس في قطع رؤوس عمال فقراء ذهبوا إلى المغترب من أجل رغيف الخبز لأولادهم! ومع ذلك نقول أننا لن نقع في فخ داعش وأخواتها وسنبقى عرباً قلباً وقالباً، نقف مع بعضنا البعض في السراء والضراء لأن هذا هو قدرنا وهو أيضاً تاريخنا، ولا ننسى أن داعش مادة طارئة قرب انتهاء مفعول استخدامها!!
يا ليت التاريخ لا يعيد نفسه

وقال الأب توفيق الدكاش من لبنان أنها طرقٌ جديدة لقمع عيش الإنسانيّة، حرق، ذبح، إعدام، تعذيب، قتل، رمي بالرصاص وغيرها فشكراً لكم على استرجاع ذهنيّة قد عاشتها شعوب في القرون القديمة والوسطى، والآن قد تُتَابَع هذه الأعمال على حدّ قول المثل اللبناني " التاريخ بعيد نفسه "، فيا ليت هذا التاريخ لم يعد نفسه ونصبح قادرين على الأقلّ احترام الإنسان وإنسانيّته فأيّة حِكَمٍ نأخذ من أعمالكم؟ الإجرام؟ التعدّي على حرية عيش الإنسان بسلام؟ فمن أقامكم أسيادا على تحديد مصير الإنسان الآخر؟ لا ثمّ لا، وكفى فلن تقدروا أن تتابعوا هكذا ولن نأخذ الحِكَم لا من أعمالكم ولا من أفواهكم، بل سنعمل جاهدين على زرع حِكَمِنا في أفواهكم لتنادوا بالمحبة وعيش الأخوّة، لقد أصبحنا في القرن الواحد والعشرين حيث التطوّر والتكنولوجيا يعمّان العالم، دخلا أيضاً في عمق أعماق إنسان اليوم فامتلكاه من حيث لا يدري، بل أمواجهما تجرفه يوميًّا ولم يعد يستطيع أن يسيطر عليهما بل سيطرا عليه من هنا الحرب الإعلاميّة تلعب دورها؛ فأصبحت السلطة الأولى في عمليّة إظهارها لهؤلاء الناس كيف أنّ المجرمين يذبحون أشخاصا تارةً ويحرقونهم أو يدفنونهم أحياء تارةً أخرى، وغيرها من الأعمال البشعة المرتكبة بحق إنسان اليوم وأيضاً المنتهكة لحقوقه، فالسؤال الأكبر والأبرز هو لماذا؟ لماذا نشهد حتى يومنا هذا تلك الأعمال المشيِّعة لحياة الإنسان؟ يا للأسف أنسأل لماذا؟ إنّه لواضحٌ جدًّا أنّ تلك الحلقة المسرحيّة التي نشهدها، تموَّل من جهة وتحارَب من جهة أخرى وكلّها تحت شعار " فليسقط الإرهاب "ما عدنا نفهم إذا كنتم مع أو ضدّ، أنقيم محكمة وقضاة تحقيق لنعرف؟ وأضاف الأب الدكاش يحقّ لإنسان اليوم أن يعيش بكرامة تحت هدي السكنية والهدوء، وليس تحت رحمة مجرمين هدفهم نزع راية السلام أليس الحبّ أعظم من الحقد؟ السلام أجمل من الحرب؟ والتعاون أسمى من النزاعات؟ هذه هي الفضائل والحِكَم التي يجب عليكم أن تأخذوها كدستور لحياتكم، فبدل القتل تصبح التضحية أكبر جهاد في سبيل حياة الإنسان غاب النور وتبدّد الظلام، ومع ذلك أصبحت ليالي أناس كثيرين مظلمة ولم يعد الوعي سيّد الموقف فقد أضحوا مثل الرجل الآلي الذي يُؤمَر ماذا يجب أن يفعل المحزن المبكي يكون اللجوء الى الاختباء خلف راياتٍ دينيّة واختلافات ربّما صحيحة وربّما لا وهنا تصبح الوسائل الإعلاميّة منبراً لكلّ هؤلاء الأشخاص المرادين في إطلاق تصريحات ورمي اتهاماتٍ شمالاً ويساراً هنا يقتضي عمل المؤسسات الإعلاميّة عدم استقبالهم لتفادي زعزعات داخل عقول الناس ومن ثَمّ تضليلهم، لا ينقصهم أبداً رياح تأخذهم الى أماكن مجهولة ودخولهم في أنفاق طويلة المدى، مظلمة، مؤلمة لا يدركون مَنفَذَها
الإسلام بريء

وقال الأب جورج مسوح من القدس بات الخطاب الاعتذاريّ والتبريريّ ممجوجًا بات حجّة أقبح من ذنب باتت الصور التي تجمع الأئمة والبطاركة غير مقنعة فما جرى في ليبيا، وقبلها في كلّ بقعة من بقاع هذا الشرق المتألّم، لا يجوز أن يواجَه بخطاب ببّغائيّ مضمونه عدم مسؤوليّة الأديان عن انتشار الإرهاب في ديارنا فإنْ كان بديهيًّا القول بعدم مسئوليّة الأديان فهذا لا يعني البتّة عدم مسؤوليّة المؤسّسات الدينيّة وقادتها في تنامي التطرّف ورفض الآخر المغاير، وإنْ كان هذا الآخر منتميًّا إلى الديانة نفسها، وإذا كان صحيحًا التأكيد على كون الإسلام بريئًا من جرائم "داعش" وأفعاله الشنيعة، غير أنّ تعميم ثقافة الكراهيّة ونبذ الآخر الدينيّ أو المذهبيّ فمسئولة عنه المؤسّسات الدينيّة التي لم تقم بواجبها في تعميم ثقافة الاحترام المتبادل والمساواة التامّة بين المسيحيّين والمسلمين كما أنّ تلك المؤسّسات نفسها مسؤولة عن تعميم ثقافة الكراهيّة بين المذاهب الإسلاميّة، إذ إنّها لم تقم بما يكفي لإزالة أسباب الانقسامات والخلافات الدينيّة ما بين المسلمين أنفسهم.
ما نشهده اليوم ليس سوى حصيلة عقود من الفكر الدينيّ المتشدّد فمنذ نصف قرن تقريبًا بدأنا نشهد انتشار الخطاب الدينيّ التكفيريّ وتكاثر الحركات التي تتوسّل العنف من أجل تحقيق أهدافها فمؤلّفات سيّد قطب (المفكّر المصريّ الذي مات إعدامًا عام 1966) أسهمت في بروز إيديولوجيا إسلامويّة تبرّر تكفير المجتمعات التي لا تعتمد الشريعة الإسلاميّة في الحكم، وتتبنّى الإرهاب سبيلاً وحيدًا للوصول إلى ما تصبو إليه.
وما انتشار "داعش" وتوسّعه سوى نتيجة حتميّة لتصاعد هذا الإسلام التكفيريّ، وعدم قدرة المؤسّسات الدينيّة الرسميّة على مواجهة الفكر التكفيريّ بفكر منفتح على العصر لقد أُغلق باب الاجتهاد، وإنْ قيل العكس فإلى الآن ترعى الدولة المواطنين الأقباط بقوانين وفرمانات ترقى إلى أيّام الدولة العثمانيّة أمّا المؤسّسات الدينيّة الخاضعة للنظام القائم فتصمت عن الغبن اللاحق بشركائها في الوطن، فلا تسعى إلى اجتهادات فقهيّة حديثة تتبنّى المساواة التامّة ما بين المسلمين وغير المسلمين في الحقوق والواجبات ولنا، على سبيل المثال، في القيود الموضوعة أمام السماح ببناء الكنائس والتسهيلات الهائلة أمام بناء المساجد مثالاً ساطعًا على التفاوت في المعاملة الشهداء الذين سقوا تراب ليبيا بدمائهم الزكيّة يصحّ فيهم ما أنشده صاحب المزامير حين قال: "هؤلاء بالمركبات وأولاء بالخيول، أمّا نحن فاسمَ الربّ إلهنا ندعو هم ترنّحوا وسقطوا، ونحن قمنا وانتصبنا" (20، 8-9) نعم، هم قاموا وانتصبوا في حضرة الله أمّا المسيحيّون، نسل الشهداء والقدّيسين، فعليهم أن يثبتوا حيث هم، جغرافيًّا ودينيًّا وأخلاقيًّا وحضاريًّا، إلى أن تعبر المحنة هذا صليبهم المحيي فليحملوه القيامة آتية لا ريب فيها، وقد أتت.
التطرف قديم

وقال الاب رفعت بدر من الاردن لم يكن التطرف غائباً في يوم من الأيام، من جريمة قتل قابيل لأخيه هابيل لكنه اليوم حاضر بقوة وتجد الإنسانية كلها نفسَها في مواجهة تيارات جديدة أو متصاعدة للتطرّف، إنها معركة ذات ميدانين اثنين: المعركة الحربية وهي تعتمد على القرارات السياسية والعسكرية والسيادية لكل دولة مشاركة أما الميدان الثاني، فهو الميدان الفكري، وهو الحرب الأكثر امتداداً من الميدان الحربي وفي بلدنا الحبيب لدينا الحربان والميدانان ولا يكاد يخلو يوم من دعوة أو اثنتين للمشاركة في وقفة أو منتدى أو مؤتمر وكلّها تحمل طابع «محاربة التطرف» ومكافحته والتقليل من صعوده، لا بل القضاء عليه نهائيا أن التطرّف وأخواته الكراهية والإرهاب والتعصب والانغلاق والغلوّ ومحاولة إلغاء الآخر، هو فكر قبل أن يكون ممارسة، وهو عقلية قبل أن يكون عملاً ظاهراً أمام العيونمن هنا، تتطلب المرحلة الحالية تضافر كل الجهود الاجتماعية والعلمية والثقافية والدينية والسياسية لتنقية «العقل» البشري من الفكر المختل أو العقليات المنغلقة والهّدامة والطريق بلا شك طويلة وشاقة وقد تكوّنت لدينا في الفترة الأخيرة العديد من التجمّعات والتحالفات بين أطياف عدَة، كل هذا جيد، لكننا لم نصل بعد إلى وضع «وثيقة عمل» موحدة تبين وبشكل علمي - وليس فقط خطابياً- أصول الفكر المتطرِّف وأنواعه وأشكاله وكذلك سبل التصدي له علمياً وفكرياً وممارسة تربوية.
وأضاف الأب رفعت: الأمور الفكرية التي يركز عليها حالياً، هو اصلاح الخطاب الديني، أو تجديده أو تكييفه مع واقع الناس وأوضاعهم اليوم، وقد وجدَت دعوة الرئيس المصري مؤخراً صدى عالمياً واسعاً بأنه «آن الأوان لتقديم الدين بطريقة أكثر إنسانية ولا تركز فقط على «حشو» العقل البشري بانتصارات الماضي وبالشعور بأنه دائماً غالب ومنصور ومتفوق على غيره» وهذا «التجديد» أو «التجدّد»، لا يعني ولا بأيّ شكل التخلي عن معتقدات أساسية وجوهرية بالدين، لكنْ تقديم كل ذلك بطرق عصرية وأكثر انسانية، وابراز انّ الدين ليس خوفا من جحيم وطمعا في نعيم انّه محبّة الله التي تسري عبر محبّة الأخوة: اي محبّة الله ومحبّة الجار - أو القريب آن الأوان لإبراز الشراكة الحضارية بين مختلف - ليس الأقليات والأكثريات - بل المكوَنات والعناصر الدينية التي تتكاثف معاً تحت مبدأ، ليس الأقلية والأكثرية، بل المواطنة والمساواة الدستورية والقانونية، ومن الأمور المهمة كذلك إصلاح المناهج التربوية، بما يغذي فكر الطالب والجيل الطالع، بالثقافة الإنسانية الواسعة، واحترام الآخر ومحبته والتعاون معه وليس إلغاؤه وطرده وتهجيره والنظر إليه من منظار العداوة والإقصاء