مصر تخفض سقف مطالبها بالاكتفاء بمناشدة رفع حظر تسليح الجيش الليبي

الخميس 19/فبراير/2015 - 02:31 م
طباعة مصر تخفض سقف مطالبها
 
تراجعت مؤشرات احتمالات حصول مصر على موافقة دولية لتشكيل حلف أممي، يمكنه من توجيه ضربات عسكرية ضد البؤر الإرهابية، المنتشرة في دولة ليبيا التي تجاور مصر من الجهة الغربية، وخفضت مصر من سقف طموحها الدولي، بعدما كانت هي الأكثر حماساً لتدخل أممي، بعد دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسي مجلس الأمن إلى منح غطاء سياسي لتشكيل تحالف يحارب الإرهاب في ليبيا.
والسبب في ذلك هو أن العديد من الدول الأوربية، بقيادة أمريكا، تمسكت بضرورة الحل السياسي لتجاوز الأزمة الليبية، رغم فشل الفصائل والميليشيا الليبية، في الجلوس على طاولة المفاوضات للوصول إلى حل حتى الآن.  
وتمثل انخفاض سقف طموحات القاهرة، في عدم تضمين مشروع القرار الذي عرضته على مجلس الأمن أمس (الأربعاء) الدعوة لتدخل عسكري في ليبيا، بل اكتفت بالدعوة إلى مراجعة القيود المفروضة على إمدادات السلاح وفتح المجال أمام دول المنطقة لدعم الحكومة الليبية الشرعية، وعلى المستوى العربي دعت الجزائر إلى احترام سيادة الدولة الليبية، رافضة أي تدخل أجنبي سياسي أو عسكري، وكذلك فعلت تونس وقطر، بينما حذرت إيطاليا، من تنامي نفوذ الجماعات المسلحة في ليبيا.
مصر تخفض سقف مطالبها
الخارجية المصرية، قالت في بيان لها أمس (الأربعاء): إن "القاهرة ترغب في استصدار قرار من مجلس الأمن برفع الحظر المفروض على إمدادات السلاح للحكومة الليبية برئاسة عبدالله الثني، والمعترف بها دوليا"، مشيرة إلى أن وزير الخارجية سامح شكري، الموجود حاليا في نيويورك، أكد ضرورة اضطلاع مجلس الأمن بمسئولياته، والنظر في إمكانية رفع القيود المفروضة على تزويد الحكومة الليبية بالأسلحة.
وبدا أن القاهرة مصرة على دعم الحكومة الليبية، برئاسة عبدالله الثني، حيث ناقش رئيس الحكومة المصرية إبراهيم محلب مباحثات مع وفد حكومي ليبي برئاسة نائب رئيس الحكومة الليبية الشرعية عبدالسلام البدري، في القاهرة أمس تطورات الأحداث، وصرح المتحدث باسم الحكومة المصرية حسام القاويش بأن محلب أبدى استجابته لتوفير الاحتياجات لدعم وتدريب الكوادر الليبية، مؤكدا أن نجاح الضربات الجوية المصرية لمواقع "داعش" بداية لكسر شوكة الإرهاب، بينما طالبت الحكومة الليبية القاهرة بالاستمرار في توجيه ضربات جوية لأوكار الإرهاب بالتنسيق مع السلاح الجوي الليبي.
خفض المطالب
مسئولون مصريون، تحدثوا أمس لوكالة "فرانس برس"، وطلبوا عدم ذكر أسمائهم أن الدبلوماسية المصرية تدرك موازين القوى الدولية؛ لذلك فإنها لن تطلب تضمين مشروع القرار الذي سيعرض على مجلس الأمن الدعوة لتدخل دولي في ليبيا.
مصر تخفض سقف مطالبها
خبراء عسكريون رجحوا أن يكون التدخل العسكري الدولي في ليبيا، شديد التعقيد، وقد يؤدي إلى تفاقم الفوضى السائدة في هذا البلد الذي تسيطر الميليشيات والجماعات المسلحة عليه، خاصة إن كان ذلك التدخل بدون استراتيجية واضحة.
المجتمع الدولي من جانبه، يرى أن الخطر الحقيقي في ليبيا هو تنامي قوة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) أكثر من الفوضى الناجمة عن الصراع بين الميليشيات المسلحة بكل مشاربها؛ من أجل السيطرة على الحكم؛ لذلك فإن أي تدخل سيستهدف أولا مجموعات المقاتلين الجهاديين، لكن هؤلاء أهداف يصعب إصابتها؛ لأنهم قوة متحركة وقادرة على الاختباء وسط السكان كما هو الحال في سورية والعراق.
مصر تخفض سقف مطالبها
فيما يرى بعض المراقبين أن التدخل العسكري سيشكل دعما لاستراتيجية اللواء خليفة حفتر الذي يواجه ميليشيا "فجر ليبيا" التي يقودها قيادات من جماعة الإخوان، والتي تسيطر على العاصمة طرابلس، وترفض أي تدخل أجنبي، لكن حفتر يلقى صعوبة في تشديد قبضته على الشرق الليبي وخاصة بنغازي ثاني مدن البلاد؛ حيث ما زال يواجه مقاومة المجموعات الإسلامية، وبينها جماعة أنصار الشريعة التي تعتبرها الأمم المتحدة تنظيما إرهابيا.
ويعتبر الخبراء أنه أمر في غاية الصعوبة بالنسبة لتحالف دولي أن يحدد أهدافا لقصفها جوا بدون الاستناد إلى عمل استخباراتي معمق جدا؛ بسبب كثرة الفصائل الجهادية التي لا تتقاسم حكما نفس أيديولوجية تنظيم الدولة الإسلامية أو أنصار الشريعة.
جلسة مجلس الأمن 
وزعت الأردن فجر اليوم الخميس مشروع قرار مصري على أعضاء مجلس الأمن بشأن الأوضاع في ليبيا، تدعو فيه لرفع حظر تصدير السلاح إلى "الجيش الوطني الليبي تحت قيادة السلطة التنفيذية الشرعية بليبيا" في إشارة إلى الحكومة المنبثقة عن مجلس النواب في طبرق.
كما أدان المشروع تنظيم الدولة الإسلامية وأنصار الشريعة وكل الجماعات التابعة لتنظيم القاعدة- على حد وصفه- مُرَحِّباً بقيادة الأمم المتحدة لجلسات الحوار بين الأطراف الليبية "غير العنيفة".
مصر تخفض سقف مطالبها
من جانبه، دعا وزير الخارجية المصري سامح شكري في مستهل جلسة خاصة لمجلس الأمن، مساء الأربعاء، إلى رفع الحظر الأممي عن تزويد ليبيا بالسلاح، وقال: إن ذلك سيمكن القوات التابعة لحكومة عبد الله الثني "الشرعية" من التصدي لما وصفها بالجماعات الإرهابية في ليبيا، معتبرا أن الحوار ومكافحة الإرهاب يمكن أن يتما بشكل متزامن.
كما دعا شكري في المقابل إلى منع تزويد القوات التابعة للمؤتمر الوطني العام في طرابلس بالسلاح.
من جهته، طالب محمد الدايري وزير الخارجية في حكومة الثني برفع حظر التسلح عن ليبيا، وحث مصر على توجيه مزيد من الضربات الجوية لما سماها التنظيمات الإرهابية في البلاد. 
بدوره شدد مندوب إيطاليا سباستيانو كاردي على خطورة الوضع في ليبيا، وأكد استعداد بلاده للمساعدة على التوصل إلى حل سياسي يشمل حكومة وحدة وطنية، ووقفا شاملا لإطلاق النار، كما أعلن أن بلاده مستعدة لتدريب قوات ليبية.
غير أن هذه الدعوات قوبلت بتأكيد دول عربية مثل الجزائر وتونس، بالإضافة إلى المبعوث الأممي، على أن الحوار هو المخرج للأزمة، فقد قال المندوب التونسي محمد خالد الخياري إن بلاده تدعم الحوار في ليبيا، وتؤكد أن الحل السياسي هو السبيل الأمثل لوحدة الشعب الليبي.
وبدوره قال الوزير الجزائري المنتدب المكلف بالشئون الإفريقية والمغاربية عبد القادر مساهل، إن بلاده ستواصل عملها في إطار جهود الأمم المتحدة للوصول إلى حل توافقي يصون وحدة الأراضي الليبية.
مخاطر التدخل البري
مصر تخفض سقف مطالبها
وفي حال رغبة بعض الدول التدخل بريًّا، فإن ذلك يتطلب تعبئة عشرات آلاف الرجال لكن "فرص نجاحه ضئيلة، والحالة الأفغانية خير مثال على ذلك، ويقول مازن شريف الخبير في مسائل الإرهاب: إن التدخل البري سيجعل ليبيا أرض جهاد يتدفق إليها الجهاديون من بلدان المغرب العربي وإفريقيا وأيضا من سورية والعراق، كما أنه في حال اقتصار العملية على مجرد القصف الجوي، فسيدفع ذلك السكان إلى التشدد خاصة بسبب ما يمكن أن تتسبب فيه عملية كهذه من أضرار جانبية وضحايا في صفوف المدنيين.
وشدد الخبير اللييي أحمد نوح في هذا السياق على مسئولية المجتمع الدولي. وقال: "إن الغرب غدر بنا في 2011، فهو تخلى عنا (بعد سقوط القذافي)، والآن يشعر أنه في خطر، إنها الفرصة للإسراع في إنقاذ ما يمكن".
وبشكل عام فإن الوضع في ليبيا أكثر تعقيدا مما تصوره وسائل الإعلام، حيث لم تعد "درنة" وحدها هي مرتكز العناصر الإرهابية، حيث انتشر فكر السلفية الجهادية في بقية أنحاء ليبيا، خصوصا في محيط القبائل المحافظة التي ترتفع فيها معدلات الشباب المتدين، علما بأن المجتمع الليبي محافظ بالأساس، وبالتالي فهو مهيأ لاستقبال تلك الأفكار، إضافة إلى ذلك فإن ضعف السلطة المركزية وترامي الحدود الليبية فتح الباب لاستقبال أعداد غفيرة من النشطاء غير الليبيين، سواء من دول الجوار (تونس والجزائر بوجه أخص) واليمن والسودان.
وما يمكن الجزم به بقوة أن الليبيين الذين أعلنوا ولاءهم لـ"داعش" يشكلون جزءاً من قبائل مهمة في ليبيا تتولى حمايتهم، إضافة إلى أن تنظيم الدولة الإسلامية بات يضم أعدادا غير قليلة من غير الليبيين ومن غير العرب، وهؤلاء أصبحوا منتشرين في مختلف أنحاء البلاد.

شارك