جماعة الإخوان الإرهابية واغتيال أحمد ماهر
الجمعة 24/فبراير/2023 - 09:53 ص
طباعة
حسام الحداد
في مثل هذا اليوم الرابع والعشرين من فبراير 1945: تم اغتيال رئيس الوزراء الأسبق أحمد ماهر على يد جماعة الإخوان المسلمين ، ليؤكد على التاريخ الدامي للإخوان والجماعات المنبثقة عنهم، فليس لديهم غير لغة البارود والدم لفرض سيطرتهم على مصر، فهم حسب هذا التاريخ لا يجيدون سوى لغة القتل، فقد كان حادث اغتيال أحمد ماهر حادث دراميًا بكل المقاييس، لرجل ظل طوال حياته السياسية مثيراً للجدل السياسي، فهو الوفدي العريق، الذى انضم إلى الأجهزة «السرية»، واتهم بتشكيل «جماعة اغتيالات»، ثم كلفه الملك فاروق، بعد ذلك بتشكيل وزارة، تألفت من السعديين والأحرار الدستوريين والحزب الوطني والكتلة الوفدية، وعلى يد الجهاز الخاص للإخوان يلقى مصرعه في البهو الفرعوني بمجلس النواب متأثراً بإصابته بعد إطلاق الرصاص عليه.
أحمد ماهر
هناك تاريخان لمولده، الأول أورده محمد السوادي في كتابه «أقطاب مصر بين الثورتين»، وهو عام ١٨٨٥م، والثاني ١٨٨٨م الذى أورده الدكتور يونان لبيب رزق، في كتابه "تاريخ الوزارات في مصر"
المصادر التاريخية اتفقت على أنه تخرج في مدرسة الحقوق عام ١٩٠٨ ووالده هو محمد ماهر، وكيل وزارة الحربية ومحافظ القاهرة، وعمل عامين بالمحاماة.
أحمد ماهر باشا.. سافر عام ١٩١٠ إلى فرنسا التي حصل فيها على الدكتوراه في القانون والاقتصاد من جامعة مونبيلييه.
بعد حصوله على الدكتوراه عاد إلى مصر عام ١٩١٣ ليعمل في مدرسة التجارة، التي التقى فيها بزميل عمره محمود فهمى النقراشي. فتزاملا وسارا معاً تحت راية سعد زغلول، كما التحقا بأجهزة عبدالرحمن فهمى «السرية»، وألقى القبض عليهما في قضية اغتيال حسن عبدالرازق وإسماعيل زهدي، أمام مبنى جريدة «السياسة» عام ١٩٢٢، ثم أفرج عنهما لعدم ثبوت الاتهام، ثم قبض عليهما مرة أخرى معاً في مايو ١٩٢٥ بتهمة تشكيل جماعة سرية للاغتيالات، وشكل سعد زغلول هيئة للدفاع عنهما، كان على رأسها المحامي المغوار «آنذاك» مصطفى النحاس باشا، الذى حصل لهما على البراءة بعد أقل من عام.
ورغم أن السياسة فرقت بين مصطفى النحاس وأحمد ماهر، بعد ذلك بعشر سنوات، حينما انشق ماهر والنقراشي عن حزب «الوفد»، فإن الثاني ظل طوال حياته لا ينطق ولا يسمح لأحد بأن ينطقه بكلمة تسيء إلى النحاس، وإذا كان أحمد ماهر قد حفظ لمصطفى النحاس دوره في الدفاع عنه فإن ذلك لم يمنعه من أن يتطلع لرئاسة «الوفد»، بعد رحيل الزعيم سعد زغلول، كما رأى أحمد ماهر والنقراشي أحقيتهما في شغل موقع سكرتير الحزب أكثر من مكرم عبيد لأسبقيتهما في الارتباط بـ«سعد زغلول» ودورهما في الكفاح السرى الذى كاد يعرضهما للموت أكثر من مرة.
كانت المنافسة بين ماهر والنقراشي من جانب والنحاس ومكرم من جانب آخر أشبه بمقدمة للانشقاق، الذى حدث بين عامي ١٩٣٧ و١٩٣٨، بعد أن خرج ماهر وغالب والنقراشي مع مجموعة من شباب «الوفد» وشكلوا "الهيئة السعدية".
وحين أبرمت معاهدة ١٩٣٦ كان أحمد ماهر يحتل موقع رئيس مجلس النواب، وحين ألف مصطفى النحاس وزارته الرابعة في أول أغسطس ١٩٣٧ خلت من مجموعة أحمد ماهر مثل محمود غالب، وعلى فهمى، والنقراشي، ومحمد صفوت وانفجر الموقف داخل "الوفد"، وفى الجبهة المعادية للحزب، وتبادل الفريقان الاتهامات وخرجت مظاهرات تنادى بوحدة "الوفد".
وتبادل النحاس والنقراشي خطابين شديدي اللهجة في ٧ و١٠ سبتمبر وصدر قرار الحزب بالإجماع بفصل النقراشي في ١٣ سبتمبر ١٩٣٧ وبقى أحمد ماهر في "الوفد".
وفى اجتماع كان أشبه بتجديد الثقة للنحاس بعد دفاعه عن الحقوق الدستورية للملك، حظى بتأييد الجميع إلا ثلاثة هم: أحمد ماهر، وحامد محمود، وإبراهيم عبدالهادي، فصدر قرار بفصلهم في ٣ يناير ١٩٣٨ على أثر إقالة وزارة النحاس في ٣٠ ديسمبر عام ١٩٣٧ وظن أحمد ماهر أن التكليف بتشكيل وزارة جديدة سيذهب إليه غير أنه فوجئ به يذهب إلى محمد محمود باشا، صاحب وزارة «اليد الحديدية»، الذى حل البرلمان الوفدي.
وفى الوزارة الرابعة لمحمد محمود باشا في يونيه ١٩٣٨ دخل أحمد ماهر باشا والنقراشي ومحمود غالب وحامد محمود الوزارة ليشاركوا في إحكام القبضة «المحمودية» على الشعب وفى قمع الحريات لتكون هذه بداية السقوط.
وفى أكتوبر ١٩٤٤ فاجأ الملك فاروق الجميع بتكليفه أحمد ماهر باشا بتشكيل الوزارة التي تألفت من السعديين والأحرار الدستوريين والحزب الوطني والكتلة الوفدية، وخرج مكرم عبيد من السجن ليأتي وزيراً تحت رئاسة خصمه القديم، ثم أتت وزارة أحمد ماهر الثانية في ١٥ فبراير عام ١٩٤٥ لتواجه إشكالية إعلان الحرب على المحور للاشتراك في مؤتمر سان فرانسيسكو.
اغتياله
يوم السبت ٢٤ فبراير ١٩٤٥، وما إن ألقى أحمد ماهر بيانه أمام مجلس النواب وهمَّ بالانتقال إلى مجلس الشيوخ، في البهو الفرعوني حتى تقدم منه محمود العيسوي حيث أطلق الرصاص عليه فمات على الفور.
و محمود العيسوي كان محاميا شابا يتمرن في مكتب الأستاذ عبد المقصود متولي احد الأعضاء البارزين في الحزب الوطني .... لم يعترف القاتل بأي شيء ولم يذكر أسماء من كانوا معه، فقط قال انه أقدم على العملية لان أحمد ماهر أعلن الحرب على اليابان وهكذا نسبت العملية إلى الحزب الوطني ولم ينتبه احد لافي الحزب أو خارجه إلى إن الذين قاموا بعمليات اغتيال من قبل لأسباب وطنية في بداية القرن العشرين كان يهمهم أن يعترفوا من باب الفخر والاعتزاز وجدنا ذلك في حالة إبراهيم الو رداني الذي قام باغتيال بطرس غالي ناظر النظار وفي حالة عريان يوسف سعد الذي حاول اغتيال يوسف وهبة رئيس الوزراء أبان ثورة 1919لكن العيسوي كان مختلفا إذ التزم الصمت العقائدي المطبق ان صحت التسمية .
ولقد صدم الحزب الوطني يومها بالحدث وقد ذكر عبد الرحمن بدوي في سيرته أن الحزب لم يكن يومها يمتلك جناحا عسكريا ولم يفكر بذلك أبدا ولم يكن له نية لاغتيال ماهر بل لم يجد العيسوي احدا يؤيده أو يتعاطف معه من أعضاء أو قيادة الحزب الوطني .
وقد ظل الاعتقاد سائدا بين الدارسين والمؤرخين إن اغتيال احمد ماهر بعيد تماما عن جماعة الإخوان واكتفى الجميع بنسبة ما قام به العيسوي إلى الهوس والتطرف الوطني حتى جاءت الثمانينات من القرن المنصرم وبعد مرور أكثر من أربعة عقود على اغتيال ماهر بكشفين مهمين أو اعترافين الأول جاء على لسان السيد سابق في جريدة (المسلمون)، بأن اغتيال ماهر نفذه التنظيم الخاص للجماعة وان العيسوي كان منخرطا في التنظيم الخاص بشكل سري حتى وان تصور الجميع انه منخرط بالحزب الوطني وكانت العملية نموذجا لدقة التخطيط وإتقان التنفيذ فضلا عن الكتمان وخطورة شهادة السيد سابق انه كان عضوا فاعلا في التنظيم الخاص، أما الشهادة الثانية فقد جاءت من الشيخ الباقوري الذي كتبت ذكرياته في صحيفة المسلمون أيضًا ثم صدرت بكتاب عن مركز الأهرام للترجمة والنشر وفيها يقطع بان جريمة اغتيال ماهر كانت بتخطيط وتنفيذ الجهاز الخاص للجماعة وأهمية هذه الشهادة من أن الباقوري لم يكن شخصا عاديا في الجماعة، بل كان عضوا بارزا بمكتب الإرشاد ومرشحا قويا لخلافة البنا بعد اغتياله يضاف إلى ذلك إن الباقوري من الذين شملهم الاعتقال بعد الاغتيال فكان مطلعًا على القضية بحكم ما تعرض له وهو سياسي أيضًا ويعرف ويعي ما يقول ويبدو إن الرجل اثر أن يقول كلمته قبل أن يمضي إلى ربه .