خلافات المصالح.. تهدد معركة الموصل وتبقي "داعش" آمنة
الثلاثاء 24/فبراير/2015 - 02:32 م
طباعة

تتوالى الأخبار التي غالبا ما يسربها مسئولون كبار وقيادات أمنية بارزة من الولايات المتحدة الأمريكية والعراق، والتي تؤكد بأن حسم موعد معركة الموصل اقترب من ساعة الصفر، سيما وأن الحكومة العراقية وقوات التحالف ما زالتا تعيشان تحت ضغط احتلال تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" لثاني أكبر مدينة (من ناحية عدد السكان) في العراق، وبعد مرور 8 أشهر على سقوط المحافظة بيد تنظيم داعش، ما زالت التصريحات والتوقعات (في كثير من الأحيان) تأتي بعبارات متناقضة ومرتبكة، خصوصا فيما يتعلق بمن سيشارك في المعركة؟ ومن سيقودها؟ وحجم القوات التي ستشارك؟ وما هو السقف الزمني المتوقع لحسمها؟ والأهم من ذلك كله، هل الحكومة وقواتها الأمنية مستعدة لخوض المعركة، على الأقل، من دون الاستعانة بقوات المتطوعين الشيعة (الحشد الشعبي)؟
العراقيون بحاجة إلى سلاح

تضاربت الروايات بين بغداد وواشنطن بشأن تحرير الموصل، فالمسئولون في الجانب العراقي يؤكدون عدم حصولهم على الأسلحة المتطورة التي يحتاجون إليها لهذه المعركة، في حين يتساءل بعضهم عما إذا كان الجيش مستعدًّا لهجوم الربيع أم لا؟ أما الجانب الأمريكي فيرد بخلاف ذلك، مؤكداً إرسال عشرات الآلاف من الأسلحة والذخيرة وبصدد إرسال المزيد.
وقال رئيس لجنة الأمن والدفاع في مجلس النواب "البرلمان" العراقي، حاكم الزاملي، إنه "لن تثمر أية عملية" ما لم يتم إعداد ألوية الجيش بشكل صحيح وإمدادها بالأسلحة التي تكفل نجاح العملية، مضيفا: "أعتقد أنه إذا لم تتح هذه الأسلحة قريباً، فإن العملية العسكرية قد تنتظر إلى ما بعد الربيع، ربما يكون للأمريكيين حساباتهم وتقديراتهم الخاصة، لكننا كعراقيين لنا رأينا الخاص، نحن الذين نقاتل ونتحرك على الأرض؛ لذلك لدينا رؤى أفضل، وما شهر نيسان ببعيد".
موقف أمريكي

وكان مسئول في القيادة المركزية الأمريكية قد كشف نهاية الأسبوع الماضي، عن بعض تفاصيل خطة المعركة، بقوله: إن المهمة العسكرية التي يجري تنسيقها لاستعادة السيطرة على الموصل قد تبدأ في أبريل أو مايو، مشيراً إلى أنها ستشمل نحو 25 ألف جندي عراقي، لافتاً إلى أن العراق سيتسلم في غضون أسابيع قليلة، نحو 250 عربة مدرعة مقاومة للألغام، بجانب أنظمة رادار لمثل هذه المركبات ومزيد من الذخيرة.
وحذر من أن العملية ستؤجل إذا لم يكن العراقيون مستعدين لها، مشدداً على أن جوهر القوة القتالية يتمثل في خمسة ألوية هي الأكثر إنجازاً وكفاءة في الجيش العراقي، والتي ستخضع لتدريب إضافي من الولايات المتحدة قبل بدء العملية.
وأعلن وزير الدفاع الأمريكي الجديد أشتون كارتر، بعد اجتماع مطول مع قيادات عسكرية وسياسية أمريكية في الكويت أمس، أن الحرب الأمريكية ضد تنظيم «داعش» تسير على السكة الصحيحة.
وعما إذا كان سيوصي بإرسال قوات أمريكية إلى مناطق قريبة من مناطق المعارك وربما لرصد الضربات الجوية أثناء الهجوم المرتقب لاستعادة الموصل، قال كارتر: «مثل أي أداة نستخدمها لإتمام إلحاق الهزيمة بالدولة الإسلامية أرى أننا نحتاج إلى الاقتناع بأن أي استخدام لقواتنا ضرورة، وسيكون كافياً. نعتقد أنها ليست مجرد أول خطوة، لكنها ثاني خطوة وثالث خطوة؛ لذا هذه هي الأمور فيما يتعلق بهذا السؤال، وكل سؤال يُطرح عليَّ كوزير للدفاع بشأن استخدام القوة أريد أن أتأكد أننا فكرنا في كل شيء».
غير أن رئيس لجنة الأمن والدفاع بالبرلمان العراقي، قال إنه برغم أن عدداً من الوحدات العراقية اجتازت تدريباً مؤخراً فإن هذه الألوية المدربة جيداً لا تستطيع دخول معارك من دون تجهيزها بالأسلحة المتطورة والفاعلة التي تمكنها من اختراق خطوط العدو.. تعكس تعليقات الزاملي شكوى عامة من الحكومة الاتحادية، خلال الأشهر الأخيرة ومعظم مراحل الحرب، برغم تأكيد واشنطن عشرات الآلاف من الأسلحة والذخيرة والدروع وغيرها من المعدات.
أبرز الأسلحة الأمريكية

وبحسب مسئول رفيع في وزارة الدفاع، فإن الولايات المتحدة أرسلت إلى العراق نحو 1600 صاروخ من طراز هيلفاير العام الماضي، كما سلمت 232 آخر. ومن المقرر أن تصل نحو 10 آلاف بندقية قتالية من طراز (إم-16) بجانب 23 ألف خزينة ذخيرة في غضون أسابيع قليلة، كذلك سلمت واشنطن الجانب العراقي آلاف الصواريخ وقذائف الهاون والدبابات، فضلاً عن طلقات رصاص من عيار 50، و10 آلاف جهاز رؤية من طراز إم-68 شائعة الاستخدام في الجيش الأمريكي. إلى جانب ذلك سيتسلم العراق نحو 250 عربة مدرعة مقاومة للألغام، بجانب أنظمة رادار لمثل هذه المركبات ومزيد من الذخيرة، حسبما أفاد مسئول- طلب عدم ذكر اسمه- لأنه غير مخول بالكشف عن معلومات في هذا الخصوص. وبشكل عام لا يكشف البنتاغون الكثير عن عملياته قبل تنفيذها، لكن في بعض الحالات تستخدم تكتيكا يهدف إلى التأثير على العدو وإثارة رد فعل، أو حتى دفع بعض المسلحين إلى الفرار قبل بدء الهجوم.
وفي السياق ذاته، يقول مسئولون عسكريون: إن أيًّا من المعلومات التي كشفتها القيادة المركزية الأمريكية يمكن استخدامها من مسلحي تنظيم داعش.
العملية ذاتها لا تنطوي على أية مفاجأة للتنظيم، فالمسئولون في بغداد يعلنون بوضوح منذ شهور أنهم يعتزمون تنفيذ عملية لاستعادة السيطرة على الموصل، معربين عن حرصهم على الشروع فيها. وعلاوة على ذلك اعترف مسئولون أمريكيون بالفعل بأنهم بدءوا الاستعدادات لعملية الموصل، ولا سيما استخدام الغارات الجوية لإغلاق خطوط الإمداد التي يستخدمها المتمردون للحصول على المعدات وتسهيل حركة الأشخاص من وإلى المدينة.
أزمة الميليشيات

إلى كل هذا، يطرح وجود الميليشيات الشيعية سؤالاً كبيراً على الأمريكيين، حيث أكد المسئول في قيادة المنطقة المركزية أن على الميليشيات أن تنخرط في القوات النظامية قبل أن تصبح مؤهلة لتلقي التدريب والعمل مع المستشارين الأمريكيين، وقبل أن تتلقى السلاح الأمريكي.
وكشف تقرير عسكري عراقي عن ارتفاع عدد أعضاء الميليشيات العراقية إلى نحو مائة ألف مقاتل، يتوزعون على 42 ميليشيا مسلّحة، 39 منها تتلقى دعمًا مباشرًا من إيران، والأخرى من قِبل الحكومة وشخصيات ومراجع دينية في البلاد.
وتنتشر تلك الميليشيات في مناطق متفرقة من العراق، وتذوب في كثير من الأحيان مع قوات الجيش النظامي، وترتدي ملابسه وتستخدم أسلحته ومعداته العسكرية والعربات الخاصة به.
وهذا العدد الكبير من الميليشيات يؤكد أن هناك أزمة حقيقة في وضع جدول زمني وخطة عسكرية قوية لتحرير الموصل والقضاء علي تنظيم "داعش" .
الدور الإيراني

كما يعتبر الحضور الإيراني إلى جانب القوات النظامية العراقية والميليشيات الشيعية، يشكل جزءا من التخبط في أزمة مواجهة "داعش"، ففي لحظة حاسمة من الإيجاز الصحافي لم يتمكّن المسئول الأمريكي من إيضاح حقيقة ودور القوات الإيرانية في العراق، لكنه أكد أنها قوات أمر واقع.
وذكرت نشطاء عراقيين أن إيران أرسلت أكثر من ألف مستشار عسكري ووحدات عسكرية خاصة إلى العراق، وأن طائراتها تنفذ عمليات عسكرية ضد عناصر وأهداف تابعة لداعش.
وأشار إلى تواجد الجنرال قاسم سليماني قائد قوات "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني: يتواجد بعدد من قواته وقادته في العراق، ويتمتع بدرجة كبيرة من التنسيق والتعاون مع الأكراد والحكومة العراقية والأمريكان في مواجهة "داعش".
وهو ما يشير إلى أن درجة التحرك الأمريكي لتحرير الموصا ليس قرارا أمريكيا فقط، بل سيشارك فيه الجيش العراقي، والميليشيات الشيعية وإيران، بالإضافة إلى العشائر في الموصل والتي ترفض وجود الميليشيات العراقية.
المشهد العراقي

الواضح من هذه التسريبات أن القلق الذي ينتاب الأطراف المشاركة في تحرير الموصل، فجاهزية القوات العراقية وقوات البيشمركة على اقتحام مدينة الموصل مرهونة بضمان أن لا تتحول المعركة إلى حرب طائفية أو عشائرية أو قومية، بدلا من حرب لمكافحة الإرهاب، وهو ما يؤخر ساعة الصفر، ربما من أجل التنسيق العالي مع عشائر ووجهاء الموصل والأهالي لإرسال التطمينات اللازمة لما بعد معركة التحرير.
كما يأتي وضع الموصل والخوف من الخلاف بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان حول المناطق المتنازع عليها، وهو ما أكده رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بالقول: "إن المناطق المحررة يجب أن تكون لأهل الموصل، مشددا بالقول: لا نريد نحن كحكومة اتحادية ولا للبيشمركة أن يسيطروا بالحرب، فالمناطق المتنازع عليها تحل بالدستور".
ويشكل الرفض الشعبي من عشائر وأهالي الموصل لمشاركة قوات الميليشيات الشيعية "الحشد الشعبي" في تحرير مدينة الموصل، أحد أهم أسباب تأخر عملية تحرير الموصل.
الحاجة إلى الجهوزية الكاملة من قبل القوات المشاركة وإجادتها لقتال الشوارع فمقاتلو داعش لن يتنازلوا عن مدينة الموصل بسهولة، فهي تمثل لهم القوة والقدرة العسكرية ومنها أعلنت الخلافة وبدا صوتهم مسموعا في العالم.
الموازنة بين الرغبات الإقليمية والدولية ومصلحة الدولة العراقية، صعبة للغاية، فالتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية موجود، فيما تدعم جهات إقليمية أخرى أطراف موجودة على الأرض، ومن هنا ألمح "العبادي" إلى أن الحكومة العراقية ترحب بجميع المساعدات الخارجية، إلا أن الموازنة بين هذه الأطراف ومصالحها داخل العراق أهم من المساعدات المقدمة... فهل ستبقى الموصل رهينة التخبط أطراف تحرير الوصل وخلاف المصالح ليبقي "داعش" آمنا وقويا.