الجيش اليمني.. رهينة صراعات الجماعات السياسية في البلاد
الأربعاء 25/فبراير/2015 - 01:22 م
طباعة

الجيش والمؤسسات الأمنية اليمنية أصبحت في حال يرثى لها، مع اشتعال الصراع السياسي في البلاد بين جماعة الحوثيين في الشمال والرئيس عبدربه منصور هادي في الجنوب.
إذ بدأت المواجهات المسلّحة تقترب لجهة الأبواب الشمالية لجنوب اليمن، بين الجماعة من جهة، والقبائل واللجان الشعبية الجنوبية من جهة أخرى، لا سيما في مناطق يافع القبلية الجنوبية، ويبقى وضع الجيش اليمني أكبر الخاسرين في الصراع السياسي المشتعل بالبلاد.
الحوثيون والجيش

الجيش اليمني الآن في حالة يرثى لها وقد يكون متعرضا للتفتت والتفكك على أساس الولاءات للجماعات السياسية المتناحرة في البلاد، وهو ما أدى إلى مزيد من تأزم الموقف وارتفاع فاتورة الدم، مع ترهل وضعف القرار داخل مؤسسات الأمنية باليمن.
وقد سيطر الحوثيون، الأربعاء 25 فبراير 2015 على معسكر القوات الخاصة في صنعاء، وهي قوات النخبة في الجيش اليمني وأفضلها تسليحا.
وقال جنود من معسكر القوات الخاصة: إن الاشتباكات في المعسكر الواقع بالعاصمة صنعاء استمرت حوالي ست ساعات وبدأت في وقت متأخر مساء أمس الثلاثاء عندما قصف الحوثيون المعسكر بالأسلحة الثقيلة.
واجتاحت جماعة الحوثي محافظات في الشمال والغرب بـ"أسلحة الجيش" التي استولوا عليها من اقتحامهم لقيادة المنطقة السادسة (الفرقة أولى مدرع سابقا) والمعسكرات التابعة لها مثل اللواء 310 في عمران، ومن القيادة المركزية لوزارة الدفاع وهيئة الأركان، وحصل الحوثيون على أسلحة نوعية من اقتحامهم لقيادة المنطقة السادسة (الفرقة أولى مدرع سابقا) والمعسكرات التابعة لها مثل اللواء 310 في عمران، ومن القيادة المركزية لوزارة الدفاع وهيئة الأركان، وفقا لتقرير مركز "ابعاد" للدراسات والبحوث (غير حكومي).
ويضيف التقرير: أصبح في يد الحوثيين منذ بدء إسقاطهم لمعسكرات الدولة في هذا العام أكثر من 120 دبابة من نوع ( T55-T62)، وحوالي 70 مدرعة ( BTR – BMB) .20 مدفع ( شيلكا وهاوتزر ذاتي الحركة) وحوالي 10 عربات ( كاتيوشا)، وما يقارب من 100 صاروخ ( بين حراري مضاد للطيران وغراد بر- بر)، وأكثر من 100 مدرعة تحمل رشاشات ثقيلة ومتوسطة، إلى جانب مئات الأطقم العسكرية وعشرات المخازن للذخيرة الحية.
ويشير التقرير أن احتمالية حصولهم على شحنات صواريخ إيرانية نوعية إلى جانب شحنات سفينة جيهان التي كانت محتجزة فإنهم يمتلكون حوالي 70 % من قدرات الجيش اليمني، فيما هم يحاصرون معسكرات أخرى فيها أسلحة نوعية واستراتيجية مثل الصواريخ بعيدة المدى، ويتحكمون بالمطارات العسكرية بالطيارات الموجودة فيها.
وقال عسكريون: إن الحوثيين الذين خاضوا ست حروب ضد الدولة خلال حكم صالح، استولوا على أسلحة حديثة كانت في مخازن ألوية الحماية الرئاسية الواقعة في دار (قصر) الرئاسة بصنعاء، بينها مدرعات أمريكية وقناصات ومدافع.
السيطرة على الجيش

أجريت تغيرات في الجيش بموجب الإعلان الدستوري وكان من أبرز التغيرات في ألوية الجيش كان من نصيب اللواء فؤاد عبدالله العماد قيادة اللواء الثالث التابع لحماية الرئاسية، وهو تم اعتقاله ومحاكمته بتهمة التجسس لصالح الحوثيين في 2006.
وجرى تعيين الضابط الموالي للحوثيين العقيد مجاهد يحيى عمار الذي شارك بحرب إسقاط مدينة عمران في يوليو 2014، كقائد للواء 310 خلفا للعميد الراحل حميد القشيبي الذي دافع عن عمران وقاتل الحوثيين لأكثر من ستة أشهر انتهت بمقتله.
وتم إقالة ضابطين محسوبين على اللواء علي محسن الأحمر مستشار رئيس الجمهورية لشئون الدفاع والأمن، وأحدهما هو اللواء أحمد محمد الولي- المحسوب أيضا على "إخوان اليمن"- من رئاسة هيئة الإسناد اللوجستي بوزارة الدفاع، وجرى تكليف العميد علي محمد الكحلاني بديلا منه، وهو من الموالين للرئيس السابق علي عبد الله صالح والحوثي.
كما جرى تعيين العقيد علي هاشم الموالي للحوثيين في رئاسة دائرة الإمداد والتموين بوزارة الدفاع، فيما عين العميد محمد علي الميسري-أيضا من الموالين للحوثي- بقيادة اللواء 23 ميكا المتمركز في منطقة العبر على الحدود مع السعودية، مشيرة إلى أنه لم يسبق لهذا الضابط أن قاد أي لواء سابقا، وكان عمله مكتبيا بوزارة الدفاع.
أما المنطقة الأولى الواقعة في وادي حضرموت فإن قائدها اللواء عبد الرحمن الحليلي أعلن ولاءه للحوثيين.
كما أن القوات الجوية بقيادة اللواء راشد الجند أصبحت تحت سيطرة الحوثيين عند استيلائهم على العاصمة، كما أن قائد هذه القوات أعلن أيضاً ولاءه للحوثيين.
الإخوان واللواء محسن

الأمر لم يتوقف عند جماعة الحوثيين، بل لعب الإخوان دورا كبيرا في تفتيت الجيش اليمني وإضعافه؛ من أجل تحقيق مصالحهم، فالإخوان كالحوثيين تماما لديهم أهداف السيطرة والاستحواذ على مقاليد الأمور بالبلاد، وكانوا دائما يدفعون إلى عملية تفتيت الجيش والمؤسسات الأمنية تحت عنوان "إعادة الهيكلة"، والتي كانوا يقومون فيها بإبعاد كل من يقف ضدهم في شئون البلاد.
كما دخل ميليشيات الحزب اليمني للإصلاح "إخوان اليمن" في صراعات ومواجهات مع الجيش، وكان اللواء علي محسن الأحمر أحد أبرز قيادات الجيش اليمني المحسوبين والمقربين من جماعة الإخوان اليد الطولي لحزب الإصلاح اليمني في تدمير الجيش، عبر تصعيد القيادات المرضي عنهم والذين يضمنون ولاء لقيادات الجماعة.
وكان من أبرز قيادات الإخوان بالجيش اللواء أحمد محمد الولي-المحسوب أيضا على اللواء محسن الأحمر- من رئاسة هيئة الإسناد اللوجستي بوزارة الدفاع.
دور الرئيس صالح

عن الحرس الجمهوري الذي أنشاه الرئيس السابق علي عبد الله صالح منتصف التسعينيات كجيش مواز للجيش الوطني قال تقرير "ابعاد" للدراسات "له عشرات الألوية في مختلف محافظات الجمهورية أهمها المعسكرات المحيطة بصنعاء، وقد تم هيكلة هذه الوحدات وتدريبها وتسليحها وفق خطط أشرف عليها ضباط عرب وغربيون محترفون، ولم تدخل هذه الوحدات في استنزاف وحروب، وشاركت فقط بشكل بسيط في الحرب السادسة أثناء تقدم الحوثيين إلى منطقة بني حشيش في صنعاء والمحيطة بالعاصمة".
وجاء في التقرير: "لكن الحرب التي خاضتها ضد القبائل الداعمة للثورة الشبابية في 2011م في مناطق متعددة أهمها أرحب والحصبة، وَلَّدَ لدى قادة هذه الوحدات حالة من الانتقام والعداء؛ ولذا ظلت معارضة للانتقال وعرقل بعض قادتها مشروع الهيكلة، لكن ذلك لم يكن السبب الرئيس لدعم الحوثيين للانتقام من ثورة الشباب".
هادي والجيش

قبيل 2011 كانت هناك قرابة الألف عسكري جنوبي، كانوا موزعين على الجيش والحرس الجمهوري والأمن المركزي. وحاليا لم يتبق منهم سوى ثلاثة ألويات مرتبطة بالحماية الرئاسية، بدأت بدورها عمليات نزوح جماعي إلى المحافظات الجنوبية مباشرة بعيد اقتحام الحوثيين للعاصمة اليمنية، وفي المقابل هناك موجات نزوح جماعية من قبل الأفراد الشماليين في الجيش المرابطين في الجنوب للعودة إلى المحافظات الشمالية.
وأضاف: "طريقة تعامل الرئيس هادي مع هذه القوات- باعتبارها ملكا للرئيس السابق- أضرت كثيرا بقدرات هذه الوحدات، حيث عمد على تفكيك بعض وحداتها، وتهميش بعض قادتها، وسحب امتيازات مالية كثيرة كان قائد هذه الوحدات نجل الرئيس السابق العميد أحمد علي عبد الله صالح يغدق بها عليهم".
وخلق الرئيس هادي خلق ولاءات شخصية له داخل عدد غير قليل من وحدات الجيش اليمني وقيادة الجرس الجمهوري، فأصبحت أكثر تشتتا وبعدا عن العقيدة الوطنية للجيش اليمني وتتنازعها استقطابات الحوثيين وصالح والإخوان والرئيس هادي.
واليوم ومع انتقال الرئيس هادي إلى الجنوب فإن منطقتين عسكريتين في الجنوب تدينان بالولاء له هي المنطقة العسكرية الرابعة التي يقودها اللواء عبد ربه الطاهري، والمنطقة العسكرية الثانية، التي تتخذ من مدينة المكلا مقراً لها، وتمتد في ساحل حضرموت ومحافظة المهرة والخليل سقطري.
وثالثة في الشمال تعتبر المنطقة العسكرية الواقعة في محافظتي مأرب والجوف، مضافاً إليها محافظة شبوة الجنوبية، لا تزال تدين بالولاء للرئيس هادي ويقودها اللواء أحمد سيف المحرمي.
دراسة

بحسب دراسة عبد الرحمن الرياني، فإن حوالي نصف مليون ينخرطون في صفوف الجيش الرسمي اليمني، والقوة الضاربة فيه هي قوات الحرس الجمهوري وقوامها خمسة وأربعون لواء تضمّ قرابة مئة وعشرين ألف رجل مدرّبين على أعلى مستوى. فيما يُقدر عدد مسلحي جماعة الحوثي عند اجتياح صنعاء بـ20 ألف مسلح قبلي.
وتتوزع تركيبة الجيش اليمني بين ألوية المشاة والمدرعات والقوات الخاصة وقوات الاحتياط وألوية الحامية الرئاسية وألوية الصواريخ وسلاح الجو والقوات البحرية، وغالبيتها كانت تحت إمرة أحمد نجل الرئيس السابق، وتقاتل مع الحوثيين حاليا بفضل التحالف الناشئ بينهما، وقد صارت القوات الخاصة في أيدي الجماعة منذ تعيين أحد الموالين لها قائدا لها بعد سقوط صنعاء، بحسب معارضين لجماعة أنصار الله.
وبدأت عملية تدمير الجيش من خلال إعادة الهيكلة التي أعلنها الرئيس هادي في العام 2012، والتي قادت إلى تفكيك الكثير من المعسكرات ونقلها إلى أماكن متباعدة؛ ما أضعف أهم الوحدات العسكرية. وشبّه الرياني خطة إعادة هيكلة الجيش اليمني ببيريسترويكا ميخائيل غورباتشوف، لكن بصبغة عسكرية، والتي أدّت إلى إضعاف الجيش اليمني، الذي كان وحتى تاريخ 21 سبتمبر 2014، يوم اقتحام العاصمة اليمنية من قبل الحوثيين، متماسكا إلى حد كبير ولديه القدرة للتصدي بقوة لأي جماعات مسلحة غير شرعية في البلاد.
نقطة التحول نحو الانهيار في الجيش اليمني كانت عندما نجحت عملية الاستقطاب ذات الغطاء المذهبي، من قبل القوات الحوثية والرئيس السابق علي عبدالله صالح لعدد كبير من قيادات الجيش اليمني، وإجبارها على عدم التصدي للقوات المقتحمة للعاصمة، وللعلم المسبق للرئيس هادي من أن التركيبة الفئوية للجيش اليمني هي السائدة، وأن معظم قيادات الجيش اليمني لا تزال على صلة بالرئيس السابق، وأنه يعد بمثابة المرجعية الأولى لقطاعات كبيرة من الجيش.
وتفاديا للحرج آثر الرئيس هادي عدم خوض معركة نتيجتها معروفة سلفا، عندها أعطى أوامره لمختلف الألوية العسكرية بعدم خوض أي معركة مع "القوات الحوثية" المدعومة من عدد من الألوية العسكرية للرئيس السابق، خاصة من قوات الحرس الجمهوري، التي كانت تحت قيادة نجل الرئيس السابق والتي أسسها لتكون القوة البديلة لحماية النظام، في حالة حدوث تمرد أو انقلاب عسكري ضد الرئيس صالح. وما إن أصبحت العاصمة تحت قبضة القوات الحوثية والألوية المتحالفة معها حتى بدأت جماعة الحوثي باستهداف الجيش اليمني.
انهيار الجيش

كل الأطياف والجماعات السياسية مشتركة في هذا الانهيار السريع للجيش اليمني لأنهم أسسوا لجيش ولاؤه لشخص أو لفصيل سياسي أو جماعة دينية أو قبيلة.
الجيش اليمني الذي كان من أقوى الجيوش العربية من حيث العتاد والعدد لا من حيث الولاء الوطني والقدرة على الدفاع عن الأراضي اليمنية... هذا الجيش الذي أسهم في انضمام بلاده إلى مصاف الدول الفاشلة تحكمه عقيدة الولاء لرأس النظام السياسي والقبيلة وسيطرة الفساد والانقسام.
الحالة اليمنية الراهنة ستكون بمثابة منعطف تاريخي تداعياته خطيرة على البلاد التي انضمّت إلى قائمة الدول الفاشلة، بفقدانها لسلطة مركزية كانت قادرة على بسط نفوذها على كامل الأراضي الوطنية. وعلى غرار نظيره العراقي، الذي انهار بشكل مدوّ تسبب في خسارة جزء من أراضي الدولة العراقية لصالح تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، وفتح المجال أمام الميليشيات الشيعية لتقوم بدوره، صار الجيش لغزا كبيرا في الشارع اليمني، بعد أشهر من تركه العاصمة صنعاء فريسة سهلة لمسلحي جماعة أنصار الله الحوثية، ثم كرر السيناريو، منتصف شهر يناير الماضي، ووقف مشاهدا لهجوم مقاتليها على مقار رئاسية ومنزل الرئيس عبدربه منصور هادي.
والآن أصبح الجيش منقسم إلى شمال وجنوب وجماعات سياسية، وتقريبا لم يعد هناك جيش بالمفهوم العسكري، بل شبه جيش في ظل هروب الجنوبيين من مناطق الشمال إلى الجنوب، وهروب أبناء الشمال اليمني من الجنوب صوب العاصمة صنعاء، مما يكرس مفهوم الانقسام واختفاء الدولة الوطنية الموحدة؟