في ظل ضربات التحالف الإفريقي.. هل تنجح "بوكو حرام" في السيطرة على مدينة "كانم بورنو"؟
الأحد 01/مارس/2015 - 01:00 م
طباعة

شهدت الأيام القليلة الماضية نشاطاً مكثفاً لعدد من الدول الإفريقية لمواجهة الجماعة الأشرس في منطقة القرن الإفريقي "بوكو حرام"، ففي حين استمر الاستنفار الأمني والعسكري لقوات الدول الإفريقية التي شكلت قوات عسكرية لمواجهة التنظيم الإرهابي، نظم آلاف من المتظاهرين تظاهرة في شوارع الكاميرون أمس، وذلك للتنديد بالمجازر التي يرتكبها التنظيم، فضلاً عن الدعوة إلى مواجهة التنظيم واستهداف زعيم الحركة أبو بكر شيكاو.
التظاهرة شارك فيها عدد من الوزراء، حيث قال وزير العمل الكاميروني، جريجوار أوونا: إن المسيرة ترمز إلى وحدة الكاميرون ضد (بوكو حرام)، كما قاد عدد من الوزراء المسيرة السلمية التي تعالت خلالها الهتافات ورفعت أعلام الكاميرون وتشاد ونيجيريا، وقال فيلومين ايكومبو، أحد المتظاهرين وهو يحمل علم الكاميرون: "من المهم أن أكون هنا اليوم من أجل أشقائي الموجودين على الجبهة ومن أجل بلادي".
الجدير بالذكر، أن الجيش الكاميروني، يقاتل إسلاميين نيجيريين متشددين، ينتمون إلى تنظيم "بوكو حرام"، وذلك ضمن تحالف إفريقي إقليمي، يتكون من قوات عسكرية تتبع بلاد "الكاميرون" و"نيجيريا" و"تشاد"، فيما تخطت هجمات جماعة "بوكو حرام" حدود نيجيريا إلى أراضي الدول المجاورة، التي كانت في الماضي مملكة إسلامية قوية تدعى "كانم بورنو" واستمرت حوالي ألف سنة، يسعى المتمردون النيجيريون إلى إعطاء قتالهم شرعية تاريخية بالمطالبة باستعادتها.
إمبراطورية "كانم بورنو"

منطقة "كانم بورنو"، هي منطقة موزعة في أراضي الدول الأربعة "الكاميرون" و"النيجر" و"تشاد" و"نيجيريا"، وتلك المنطقة شهدت الميلاد الأول لجماعة "بوكو حرام"، حيث تجمع هؤلاء في حركة أطلق عليها اسم "طالبان"، والاسم يوحي بوجود علاقة مباشرة لها مع حركتي طالبان في أفغانستان وباكستان، لكن العديد من المحللين النيجيريين والغربيين يرون أن هذه العلاقة غير محتملة.
إلا أن المحللين يقرون بوجود شبكات ونشاطات دعوية إسلامية في نيجيريا، البلد المنتج للنفط والأكثر كثافة سكانية في إفريقيا (140 مليونا) وتتكون "طالبان"، التي يعني اسمها بلغة الهوسة "بوكو حرام"، أي "التربية الغربية حرام"، بالخصوص من طلاب تخلوا عن دراساتهم، كما كان للتنظيم فرع آخر في مدينة مايدوجوري، وتشير عدد من التقارير إلى أن الجماعة ظهرت بهذا الاسم سنة 2002 في مايدوجوري، عاصمة ولاية بورنو، لكن السلطات قالت إنها تأسست منذ 1995.
وفي 2004 أقام "طالبان" نيجيريا الذين كان عددهم مائتين، بمن فيهم النساء، قاعدتهم في قرية "كاناما يوبي"، ويبدو أن زعيم الحركة وقتذاك محمد يوسف استطاع أن يستقطب آلاف الأنصار، فوقعت أعنف المواجهات الدامية خلال الأيام الأخيرة في "مايدوجوري" عاصمة بورنو، التي احتضنت لفترة طويلة مركز التعليم الإسلامي، وكانت مهد امبراطورية "كانم بورنو"، التي تأسست على ضفاف بحيرة تشاد سنة 850 ميلادية، في الموقع الذي شهد دخول الإسلام إلى نيجيريا.
وفي 1086، اعتنق حاكم "كانم بورنو" في تلك الحقبة، والذي كان يدعى، ماي ابن عبد الجليل، الإسلام وأقام مركزاً للدراسات الإسلامية، وكانت أكبر ولايات شمال البلاد، وفي 1804 قاد طالب إسلامي من فولاني يدعى عثمان دان فوديو حركة تمرد أدت سنة 1808 إلى إقامة خلافة إسلامية، عاصمتها "سوكوتو" في شمال شرق البلاد، وقد سيطرت هذه الخلافة على أكبر جزء من شمال البلاد حتى تمت الإطاحة بآخر خليفة قتله البريطانيون سنة 1903، وسقطت إمبراطورية "كانم بورنو" الإسلامية في الفترة نفسها.
وخلال حكمهم في شمال نيجيريا أبقى البريطانيون على العديد من قوانين الشريعة في قانون العقوبات المحلي، وخلال انتخابات 1999 فاز رجل سياسي في الشمال يدعى أحمد ساني، بحملة ركز فيها على ضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية في النظام القضائي، حيث قالت عدد من التقارير إنه منذ 1960 شهدت نيجيريا عدة انتفاضات إسلامية تولى الجيش إجهاضها.
إذاً وبشكل عام، الأراضي التي أغرقتها "بوكو حرام" في الفوضى جنوب بحيرة تشاد، كانت في الماضي منطقة مملكة إسلامية قوية استمرت حوالي نحو ألف سنة، أشار إليها المتمردون النيجيريون عدة مرات للإعطاء قتالهم شرعية تاريخية، إلا أن عددًا من الخبراء قالوا: إن إعلان الجماعة انتماءها إلى هذه المملكة التاريخية ليس له أي تأثير لدى السكان المحليين أول ضحايا أعمال العنف الواسعة النطاق التي ينفذها المتمردون.
وامبراطورية "كانم بورنو" شهدت تغيرات عديدة منذ انبثاقها في القرن التاسع حتى سقوطها في سنوات 1890، وقد امتدت في أوج ازدهارها في شمال شرق نيجيريا وبعضًا من مناطق الكاميرون وتشاد والنيجر الحالية، وللمرة الأولى، استهدفت جماعة "بوكو حرام"، أمس الجمعة، تلك المنطقة، والتي كانت قد أعلنت أنها تريد إقامة دولة إسلامية في نيجيريا.

وأشار خبراء إلى أن بوكو حرام حاولت عدة مرات تبرير هجماتها على أهداف اعتبرتها "غير إسلامية" بأن تنسب نفسها إلى هذه الإمبراطورية التاريخية التي كانت تتخطى الحدود التي رسمها الأوروبيون لاحقًا للمنطقة، وعلى الأرجح أن هذا الرجوع إلى الإمبراطورية لن يكون له أي وقع، على "الكانوري"- عرق الكانوري أو بعض قبيلة البرنو ويسمَون في لغة الهوسا "بـِري بـِري" وهي مجموعة عرقية تقطن ولاية بورنو، وعاصمتها الإدارية "ميدوجوري" ويطلق عليها السكان المحليون اسم "يروا"، ويقطن بعض أبناء هذه القبائل أيضا أنحاء من ولاية "يوبي" شمال شرق نيجيريا، ويبلغ تعدادهم نحو أربعة ونصف مليون نسمة – حيث يعاني "الكانوريون" من مجازر وأعمال خطف تنفذها "بوكو حرام" أفقدتها المصداقية.
وعلى امتداد تاريخها فرضت امبراطورية "كانم بورنو" نفسها مركزا مهما للدراسات الإسلامية، وجذبت زوارا عربا أتوها من بعيد من الطرف الآخر لمنطقة الساحل، وصمدت في مواجهة تقدم دولة الخلافة المجاورة التي أسسها الإمام عثمان دان فوديو، الكاتب من القرن التاسع عشر، حيث صدتها قواتها المؤلفة بشكل أساسي من الكانوري. ويشير خبراء إلى أن الصراع على السلطة ما زال يثقل العلاقات المتوترة بين الكانوري والاثنيتين الأكثريتين في سائر شمال نيجيريا وهما الهاوسا والفولاني.
الهجوم على "كانم بورنو"

الهجوم على مدينة "كانم بورنو" فتح العديد من الأسئلة حول مدى قدرة التنظيم على حسم المعركة لصالحه في السيطرة على تلك المدينة، خاصة وأن التنظيم بات يلقى ضربات مؤثرة من قبل التحالف الإفريقي، ويفقد العديد من المناطق التي كان قد أعلن أنه سيطر عليها.
خبراء في الحركات الأصولية قالوا لوكالة "فرانس برس": إن إعلان الجماعة انتماءها إلى المملكة التاريخية ليس له أي تأثير لدى السكان المحليين أول ضحايا أعمال العنف الواسعة النطاق التي ينفذها المتمردون، ويعتبر هجوم "بوكو حرام" هو الأول على مناطق تدخل في حدود دول الكاميرون وتشاد والنيجر، في حين أعلنت وزارة الدفاع الكندية أمس الأول أن جنودا من القوات الخاصة الكندية يشاركون في مهمة تدريب في جنوب شرق النيجر على الحدود مع نيجيريا انسحبوا من المنطقة منعا لتعرضهم لنيران الجماعة المتطرفة.
وأشار الخبراء إلى أن "بوكو حرام" حاولت عدة مرات تبرير هجماتها على أهداف اعتبرتها غير إسلامية بأن تنسب نفسها إلى الإمبراطورية التاريخية التي كانت تتخطى الحدود التي رسمها الأوروبيون لاحقا للمنطقة.
"بوكو حرام" تستخدم الفتيات في العمليات الانتحارية

في السياق قالت تقارير صحافية: إن الهجمات الانتحارية التي تنفذها الفتيات في شمال نيجيريا، باتت ظاهرة آخذة في الازدياد، ورغم أنه لا تتبناها أي جهة في غالب الأحيان، فهي تحمل توقيع جماعة "بوكو حرام" المتطرفة.
ونقلت إحدى المواقع تقريرا إخباريا عن طفلة تبلغ من العمر 7 سنوات، قتلت سبعة أشخاص بمدينة بوتيسكوم، شمال شرق نيجيريا. وقبلها بأسبوع، نفذت انتحارية عملية أخرى مماثلة في محطة حافلات في داماتورو، الواقعة أيضا في الشمال، وكانت حصيلتها سبعة قتلى وعشرات الجرحى. وفي 10 يناير الماضي، فجرت فتاة نفسها بسوق في مدينة داماتورو وأوقعت 20 قتيلا و18 جريحا.
وتبدو هذه القائمة مرشحة لأن تطول، فقد صارت النساء سلاح الحرب الجديد لجماعة بوكو حرام. كل أسبوع تقريبا تقوم نساء، وأغلبهن في سن الطفولة أو المراهقة، بزرع الموت، ويقول التقرير الصحافي: إن كانت ظاهرة مشاركة المرأة في القتال ليست جديدة، فإن استخدامها كقنابل بشرية تعتبر ظاهرة فريدة. فتواجدت انتحاريات في صفوف "نمور التاميل" في سيرلانكا، وفي معارك الانفصاليين من حزب العمال الكردستاني في تركيا، وفي النزاع في الشيشان حيث هاجمت "الأرامل السود" المصالح الروسية في القوقاز انتقاما لموت أفراد من أسرهن. لكن يبقى الهجوم الانتحاري في أغلب الأحيان من فعل الرجال.
أما "في إفريقيا فهي ظاهرة فريدة"، هذا ما تؤكده فاطمة لاحنيت، الباحثة في معهد "فن الحكم" وصاحبة تقرير "النساء الانتحاريات أو الجهاد الأنثوي"، والتي شاركت النساء في الحملة التي قامت بها جبهة التحرير الوطني خلال معركة الجزائر سنة 1950، وفي أوغندا وجنوب إفريقيا وسيراليون وقع استخدام النساء أيضا كأدوات للترهيب، إلا أنهن كن مقاتلات خططن لمعارك تهدف للتحرير، ما هو مختلف في نيجيريا.