تجدد مرض المرشد الأعلى.. يعيد صراع خلافة خامنئي لصدارة المشهد الإيراني
الأحد 01/مارس/2015 - 03:27 م
طباعة

عاد الحديث عن تدهور صحة المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي، وبدأ الصراع على خلافته، وسط تساؤل: ماذا سيحدث لجمهورية إيران الإسلامية عندما لا يكون المرشد الأعلى علي خامنئي في السلطة؟ رغم وجود أسباب قليلة تدعونا إلى الاعتقاد بأنه سيغيب قريباً عن المشهد، إلا أن تقدمه في السن والشائعات عن اعتلال صحته والمصير الأخير لحكام إقليميين آخرين يعني أنه ليس هناك شيء مؤكد.
تدهور صحة المرشد

منذ أن خضع المرشد الأعلى للنظام في إيران علي خامنئي لجراحة سرطان البروستات في الثامن من سبتمبر الماضي أثيرت التكهنات حول وضعه الصحي وحول من يخلفه كـ"ولي فقيه" يتمتع بصلاحيات دستورية واسعة في نظام شديد المركزية.
ونشرت صحيفة "فيجارو" الفرنسية في تقرير لها، أمس السبت 28 فبراير، خبرا يؤكد استنادا إلى مصادر استخباراتية غربية أن حظوظ المرشد الأعلى الإيراني في البقاء على قيد الحياة محصورة بسنتين؛ لأن سرطان البروستات الذي يعاني منه بلغ المرحلة الرابعة وهذا يعني تفشي الخلايا الخبيثة وتمددها إلى سائر أعضاء جسمه.
وأشار التقرير الفرنسي إلى أنه نظراً للوضع الصحي هذا يرى الأطباء: "بما أن آية الله خامنئي يبلغ الـ76 من العمر فإن حظوظ بقائه على قيد الحياة هي حوالي سنتين فقط." ورأت الصحيفة في تقريرها أنه نظراً للخلافات المتوقعة فإن الصراع على خلافة خامنئي سيبدأ مبكراً.
ولفتت "فيجارو" إلى أنّ المرض الذي يعاني منه خامنئي منذ عشرة أعوام لم يعد سراً، غير أن الأطباء فوجئوا بتطور المرض رغم أنه كان مستقرا. وتمّ إطلاع عدد قليل على الوضع الصحي الحقيقي. فعلاوة على عائلته لا سيما ابنه مجتبى خامنئي (45 عاما)، وهو شخصية مؤثرة في الأوساط الدينية والسياسية ويستشيره والده باستمرار، تم إبلاغ أعضاء مكتبه الذي يديره محمد غولباي يغاني.
وتابعت أنه ربما يهز تدهور صحته ويؤثر في عوامل خلافته، مما يمنح فرصة للعديد من المتنافسين لتقديم بيادقهم.
مهام ولي الفقيه

نصت المادة الخامسة من الدستور الإيراني على أن ولاية الأمة في "ظل استتار الإمام" تئول إلى أعدل وأعلم وأتقى رجل في الأمة، ليدير شئون البلاد وفق ما جاء في المادة (107) من الدستور، ونصت المادة نفسها على تساوي المرشد مع عامة الشعب أمام القانون.
ومؤهلات المرشد هي: العلم والعدالة والمروءة والفقه الواسع بظروف العصر، والشجاعة والفطنة والذكاء والقدرة على إدارة الأمور.
ويحظى الولي الفقيه الذي تطلق عليه الصحافة العربية مسمى "المرشد الأعلى" بصلاحيات دستورية واسعة بدءاً من القيادة العامة للقوات المسلحة، وتعيين رئيس السلطة القضائية والمصادقة على صلاحيات رئيس الجمهورية بعد انتخابه، وتعيين رئيس مجلس صيانة الدستور ورئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام. كما يحق له إلغاء قرارات البرلمان وإعلان الحرب والسلم، فهذه الصلاحيات في مجملها تجعل غياب المرشد يحدث فراغاً في غاية الدقة والحساسية في إيران.
عوامل اختيار المرشد

في هذا الخصوص لا شك أن الشخصية التي تعتلي سدة ولاية الفقيه- المرشد الأعلى سوف تخضع لعدة اعتبارات سياسية قومية دينية؛ وذلك لأهميتها في شكل النظام الحاكم في طهران، ومن هذه الاعتبارات يجب أن يكون خليفة المرشد، أولاً: إيراني الأصل والنسب، ثانياً: من "السادات" هاشمي النسب أي من بيت الرسول محمد، ثالثاً: مؤمناً بنظرية ولاية الفقيه.
ومن جانب آخر، وهو في غاية من الأهمية استمرارية النظام الشيعي الحالي وعاصمته طهران، وفي ظل هذه الاعتبارات من الصعب جداً التنبؤ بالشخص المفترض أن يحل محل المرشد الحالي "علي الخامنئي".
انتخاب المرشد

يتم انتخاب المرشد الأعلى من قبل مجلس الخبراء (المنتخب من قبل الشعب)، وكان الخميني أول من أنيطت به ولاية الفقيه إلى أن توفي عام 1989 فتولى المرشد الحالي علي خامنئي هذا المنصب.
وينسق "مكتب المرشد الأعلى" نشاط الولي الفقيه وظهوره أمام الناس، وهو مكون من أربعة أعضاء يشترط أن يكون كل منهم "حجة الإسلام" أو "آية الله".
وللمرشد الأعلى أكثر من 2000 ممثل أغلبهم برتبة حجة الإسلام، ينتشرون في كل الوزارات وفي مؤسسات الدولة، وفي المراكز الثقافية داخل إيران وخارجها وفي محافظات إيران الثماني والعشرين.
ويمكن لمجلس الخبراء- دستورياً- أن يعزل القائد من مهامه في إحدى الحالتين التاليتين: في حال عجزه عن أداء واجباته الدستورية، وفي حال فقدانه صفة من صفات الأهلية التي نصت عليها المادتان (5) و(109) من الدستور، أو إذا تبين أنه لا يملك تلك الصفة من الأساس.
الصراع على خلافته

يظهر في إيران صراع المحافظين والإصلاحيين على منصب المرشد، ويساند المرشد على خامنئي- بصلاحياته الدستورية الواسعة- المعسكر المحافظ، مما كرس الأزمة السياسية بين قطبي المشهد السياسي (الإصلاحيون والمحافظون) خلال السنوات الماضية.
ومع أن الإصلاحيين يؤمنون بالإطار النظري لدستور الجمهورية الإسلامية، الذي يعتبر أن الالتزام العملي بمقولة ولاية الفقيه، كما وصفها الإمام الخميني هو معيار أي عمل سياسي، فإن قطاعات واسعة- مثقفين، طلاب، نساء- محسوبة على الإصلاحيين طالبت بمنح مزيد من الصلاحيات الدستورية لمنصب رئاسة الجمهورية، حتى تخف قبضة الولي الفقيه على مقاليد الحكم.
ويعتقد مراقبون للشأن الإيراني أن الصراع على أعلى منصب حكومي وديني في إيران بدأ بالفعل منذ فترة .
لكن هنالك شخصيات دينية مهمة تداولها الإعلام المعارض فقط، والذي ينشط من خارج حدود إيران، ومن هذه الشخصيات الدينية: نجل المرشد مجتبى خامنئي، أكبر هاشمي رفسنجاني، وسيد محمود هاشمي شاهرودي، حفيد الخميني حسن خميني وغيرهم من الفقهاء والشخصيات الأخرى.
وقد همش خامنئي الجيل الأول للسياسيين الثوريين وخاصة أكبر هاشمي رفسنجاني (رئيس "مجلس تشخيص مصلحة النظام" الذي ربما يقوم المرشد الأعلى قريباً بإطاحته من منصبه)، ومير حسين موسوي (زعيم "حركة المعارضة الخضراء" الذي ما يزال رهن الإقامة الجبرية). وفي الوقت ذاته أعاد خامنئي تشكيل الطيف السياسي بترقية جيل جديد من السياسيين الضعفاء الذين يدينون له بمؤهلاتهم.
وكان هاشمي رفسنجاني أشار قبل أسبوعين في مقابلة مع صحيفة "جمهوري إسلامي" إلى مستقبل ولاية الفقيه في إيران قائلاً: "لو توفي آية الله خامنئي غداً، هل هناك من يحظى بالخلفية الثورية والاجتهاد ومعرفة كافة ظروف البلد وخاصة القوات المسلحة، ليصبح خليفة له؟".
معلوم أن رفسنجاني يؤيد فكرة تأسيس "مجلس قيادي" بدلاً من انتخاب مرشد جديد؛ حيث صرح في تلك المقابلة قائلاً: "ربما في المستقبل لن نستطيع إدارة الأمور بدون مثل هذا المجلس".
أبرز المرشحين للخلافة

هناك عدة أسماء تدور التكهنات حول أصحابها بدءاً من مجتبى خامنئي نجل المرشد الحالي وهاشمي رفسنجاني وصولاً إلى آية الله هاشمي شاهرودي، الرئيس السابق للسلطة القضائية، وآية الله جوادي آملي، وصادق لاريجاني الرئيس الحالي للسلطة القضائية.
ويعد أبرز المرشحن صادق آملي لاريجاني "54 عاما" رئيس السلطة القضائية في إيران هو أمولي لاريجاني. وكان في وقت سابق عضوا في مجلس صيانة الدستور ثم العليا. وهو أيضا عضو في مجلس الخبراء في الفترة الثالثة والرابعة من مازندران. وهو واحد من خمسة أشقاء لعائلة لاريجاني ذات النفوذ في العملية السياسية والاقتصادية الإيرانية، وهو يعتبر أقرب المرشحين لخلافة خامنئي.
ومن تيار المحافظين، آية الله محمود هاشمي شاهرودي "67 عاما"، وتأتي أهمية هذا الشخص كونه من الفقهاء في مجلس خبراء القيادة ورئيساً له وذلك على إثر الأزمة القلبية التي لحقت مؤخراً برئيس مجلس الخبراء مهدوي كني، وعضواً في مجمع المدرسين لحوزة قم، وعضواً في مجلس تشخيص مصلحة النظام، كما عينه المرشد علي خامنئي رئيساً لأهم المؤسسات الشيعية، ألا وهي، "دائرة المعارف لمذهب أهل البيت"، ولا سيما حين كان رئيساً للقضاء الإيراني لعشرة أعوام، ورئيساً حالياً للجنة العليا لحل الخلاف بين السلطات الثلاث، وبالإضافة للمناصب سابقة الذكر، يعتبر سيد محمود شاهرودي من أكثر الفقهاء الإيرانيين علماً ومعرفة في أصول الدين والدنيا، كما أنه من "المراجع العظام" حسب مفهوم الفكر الشيعي، ولا سيما أن شاهرودي كان أستاذاً للمرشد علي الخامنئي، كما أنه ولد في مدينة النجف العراقية؛ مما لهذا الأمر أثر في أبعاد انتخابه كـ "ولي لأمر المسلمين".
الكبار المراجع
ثالث المرشحين آية الله أحمد خاتمي (55 عاما ولا علاقة له بالرئيس السابق)، وهو أحد أعضاء مجلس الخبراء ويلقي خطبة الجمعة في المسجد الكبير في طهران، ولكن لا يتمتع بقوة في مؤسسات انتخاب المرشد، وفرصه قليلة في الوصول إلى منصب المرشد الأعلى.
والمرشح آية الله أحمد جنتي (88 عاما ) ويعتبر هذا الرجل الذي يرأس مجلس صيانة الدستور شديد التطرف وهو مكلف بالمصادقة على كل القوانين التي يصوت عليها البرلمان، وعلى كل المرشحين للانتخابات، ولكن تقدم السن قد يكون أحد أسباب عدم وجود تشجيع بانتخابه المرشد الأعلى.
الاصلاحيين

وهناك أيضا هاشمي رفسنجاني (81 عاما) وحسن روحاني (66 عاما)، وهما على التوالي الرئيس السابق والحالي، لكنهما يمكن أن يعانيا من صورتهما كمعتدلين وعلى الخصوص عدم انتمائهما إلى آل البيت، وهما بعيدان تماما عن تولي منصب المرشد؛ بسبب قوة المحافظين في مجالس انتخاب المرشد.
وهناك آية الله محمد رضا نكونام (66 عاما) ويعتبر أحد المراجع الذي يدرس 'فقه الخارج' في الحوزة العلمية، وهو الذي يخوّل رجال الدين الشيعة من نيل درجة الاجتهاد، وأيضا في الاقتصاد الإسلامي، وله شعبيته بين التيار الإصلاحي، من المراجع الداعمة للرئيس الإيراني حسن روحاني، ويمثل أحد أبرز المرشحين لخلافة خامنئي، وتم اعتقاله من قبل قوات الحرس الثوري الإيراني في أول يناير الماضي.
دور الحرس الثوري

سيكون لقادة الحرس الثوري الإيراني دور في انتخاب المرشد الجديد خلفا لخامنئي، فالحرس الذي يتحكم في الجيش والبرنامج النووي وجزء كبير من اقتصاد إيران- سيكون على الأرجح هو اللاعب الرئيسي في عملية الخلافة.
وقد سمح خامنئي، لـ "الحرس الثوري" باقتحام السياسة والسيطرة على ثلث الاقتصاد على الأقل. وفي الحقيقة إن خامنئي هو الشخص الأكثر نفوذاً في إيران، ويعود ذلك إلى حد كبير بسبب اعتماده على "فيلق الحرس الثوري". ومن الصعب التخيل بأن تسمح هذه المؤسسة لـ "مجلس الخبراء" وحده أن يقرر من سيكون خليفته. كما سيلعب "فيلق الحرس الثوري" أيضاً دوراً بارزاً في تهدئة مخاوف النظام بشأن الاضطرابات الشعبية خلال المرحلة الانتقالية.
وعلى الرغم من أن المرشد الأعلى القادم سيكون على الأرجح تحت سيطرة مكثفة من قبل "فيلق الحرس الثوري"، ومن هنا ستكون له سلطة شخصية ضعيفة (على الأقل في البداية) إلا أنه مع ذلك سيبقى الشخص المسئول عن الحفاظ رسمياً على الشرعية والسلطة الدينية للجمهورية الإسلامية. وبناء على ذلك فإن خامنئي وكبار قادة الجيش لديهم بلا شك قوائمهم من الخلفاء (المتداخلة في أغلبها) مع أولئك المتاحين. وبغض النظر عن أي من المرشحين سوف يكون على القمة، إلا أن هؤلاء الذين هم في السلطة حالياً سوف يؤجلون الأمر إلى ما بعد وفاة خامنئي.
فهل س تشهد إيران صراعا مريرا بين المحافظين والإصلاحيين على المنصب الأهم في الجمهورية الإسلامية، أم أن الحرس الثوري بقوته وتشعب علاقته ونفوذه سيكون له دور في تنصيب المرشد الجديد؟