سوريا.. التراجع الميداني للمعارضة المسلحة يغير المشهد السياسي
الإثنين 02/مارس/2015 - 03:25 م
طباعة

واصل الجيش السوري استعادة القرى والمدن من يد "جبهة النصرة" فرع "تنظيم القاعدة بسوريا"، والفصائل الإسلامية المعارضة، في تقدم يؤدي إلى إعادة رسم مشهد جديد لخارطة الأزمة السورية، والتي فشل مجهود المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا في التوصل لاتفاقية لوقف القتال في مدينة حلب السورية.
رفض الهدنة

لم يكد المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، يتفق مع الحكومة السورية على إرسال بعثة من مكتبه في دمشق إلى حلب من أجل التفاوض مع ممثلي المعارضة بشأن مبادرته لتجميد القتال في المدينة، حتى جاءه رفض هؤلاء مبادرته، ولقاءه، تزامناً مع مغادرته البلاد بعد زيارة استمرت يوماً واحداً. الضربة الأولى لحراك الموفد الأممي أتت قبل لقائه معارضي ومسلحي مدينة حلب أو ريفها، إذ ربط هؤلاء الحراك الدولي من أجل «تجميد القتال» في مدينة سورية بمقررات «جنيف 1» (حسب تفسير المعارضة) الداعي إلى حكومة انتقالية.
وأعلنت قوى معارضة، في بيان صادر عن «هيئة قوى الثورة في حلب» التي تضم ممثلين عن «الائتلاف» وعن مجموعات مقاتلة وقوى سياسية في محافظة حلب، رفضها لقاء دي ميستورا «إلا على أرضية حل شامل للمأساة السورية يتضمن رحيل (الرئيس بشار) الأسد وأركانه ومحاسبة مجرمي الحرب منهم». ورأت «الهيئة» أنّ أفكار دي ميستورا وتصريحاته «تنسف المقررات الدولية السابقة التي اتُّفق عليها، والتي تتضمن تشكيل هيئة حكم انتقالي بصلاحيات كاملة ورحيل نظام الأسد»، وتابع البيان أن «سوريا وشعبها كلٌّ واحدٌّ لا يتجزأ، ودماء إخوتنا في درعا والغوطة وحمص وباقي سوريا لا تقل شاناً عن دمائنا في حلب».
وأوضح مصدر في «الائتلاف» لوكالة «فرانس برس» أنّ مبادرة دي ميستورا «شهدت مع مرور الزمن سلسلة تراجعات، وتحددت في الزمان والمكان والمضمون: فمن محافظة حلب، صار الكلام عن مدينة حلب، ثم عن حيّين في حلب. ولم تحدد المبادرة أصلاً مهلة زمنية، بينما صار اليوم الحديث عن ستة أشهر، ومن وقف القتال إلى وقف القصف الجوي والمدفعي...».
وغادر دي ميستورا، أمس، دمشق بعد زيارة استغرقت 24 ساعة التقى خلالها وزير الخارجية وليد المعلم. وأفاد مكتب المبعوث الدولي في جنيف أن دي ميستورا «يتابع مناقشاته مع الحكومة السورية حول تجميد القتال في حلب، وأنه سيكلف بعثة بمهمة في حلب من أجل تقويم الوضع على الأرض والتأكد- حال إعلان التجميد- من زيادة المساعدات الإنسانية، والتحضير لتدابير يمكن اتخاذها في حال انتهاك الهدنة».
تقدم الجيش السوري

تعرض المجموعات المسلحة في سوريا إلى نكسات متواصلة، حيث لم تكد القوات السورية تطلق المرحلة الثانية من معركة الجنوب حتى «انهارت» دفاعات الفصائل، وبينها «جبهة النصرة»، وانسحبت تحت ضربات مكثفة من المدفعية والغارات الجوية من مناطق كان يمكن وصفها بالحصون. واستطاعت القوات السورية السيطرة على عدد من القرى في ريف درعا؛ ما يفتح الطريق أمامها لشن هجوم على تل الحارة، أهم التلال الاستراتيجية في مثلث ريف درعا ودمشق والقنيطرة.
ويأتي الهجوم الجديد للجيش لتقطيع أوصال المناطق التي يسيطر المسلحون عليها في المنطقة الجنوبية، والذي كان توقف قبل حوالي ثلاثة أسابيع جراء العاصفة التي ضربت المنطقة، مع ضربة جديدة تعرضت لها المجموعات المسلحة المدعومة من الغرب، وذكرت القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة، في بيان أمس الأول، أن وحدات عسكرية أعادت الأمن والاستقرار إلى بلدات الهبارية وحمريت وخربة سلطانة في ريف دمشق الغربي وتل قرين وتلال فاطمة في ريف درعا الغربي.
وأضاف البيان أن «العمليات لا تزال مستمرة على محاور عدة في المنطقة في ظل حالة من الفوضى والانهيار الكبير في صفوف العصابات الإرهابية»، معتبراً أن «أهمية هذه النجاحات تأتي من كونها تضيق الخناق على الإرهابيين في باقي المناطق وتقطع خطوط إمدادهم، وتشكل قاعدة انطلاق لتوسيع العمليات وإنهاء الوجود الإرهابي في المنطقة».
كما تمكّن الجيش السوري من تحقيق تقدّم في الريف الجنوبي الشرقي لمدينة القامشلي، وسيطر على عدّة قرى (الطفيحية، وخربة نورا، وخزنة، وتل أحمد، وتل عنبر، وفرفرة والطواريج وتل سطيح) مع تقدم مستمر له في المنطقة.
وفي الحسكة أعلن مصدر ميداني استعادة الجيش السيطرة على أكثر من 33 قرية في ريف تل براك.
صراع الفصائل

المشهد السوري لم يتوقف عند المبعوث الأممي ورفض الفصائل المسلحةِ الهدنةَ لعدة أسابيع، فقد أعلنت حركة حزم وهي واحدة من جماعات المعارضة السورية الرئيسية المدعومة من الغرب حل نفسها، وانضمامها لتحالف إسلامي أوسع بعد أسابيع من معركة خسرت فيها أراضي ورجالا لمسلحي تنظيم القاعدة.
حيث أعلنت «حركة حزم» حل نفسها واندماج مقاتليها مع «الجبهة الشامية» بعد هجوم كاسح لـ«جبهة النصرة» على معاقلها في ريف حلب. واستولت «النصرة» في الهجوم على مقر «الفوج 46» قرب الأتارب على كافة مستودعات الأسلحة، التي احتوت على صواريخ حديثة ودبابات وعربات ومدافع وذخيرة وغيرها.
وعقب الانتصار على حركة حزم يواصل «تنظيم القاعدة» الازدهار في سوريا على مرأى الجميع. الفرع السوري للتنظيم، والمتمثل في «جبهة النصرة»، حقّق انتصاراً جديداً، أسفر عن تقويض «حركة حزم» وما مثّلته من رهاناتٍ «مُعتدلة» هُلّل لها طويلاً، مع الأخذ في عين الاعتبار أن اعتدال «الحركة» البائدة لم يكن في حقيقة الأمر سوى إعادة تدويرٍ لمجموعات وأشخاص يغلب عليهم الهوى «الإخواني»، وفقاً لمتطلبات المرحلة السابقة.
وتبقى المفارقة أنّ «حزم» كانت في الأول من مارس من العام الماضي واحداً من مكوّنات «غرفة عمليات الفتح المبين لقتال الكافرين»، مع كلّ من «حركة أحرار الشام» و«حركة فجر الشام»، و«جبهة النصرة»، وجميعها مجموعات «جهادية». وها هي في الأول من مارس الحالي تُعلن حلّ نفسها مهزومةً أمام حلفاء الأمس.
الأكراد يضيقون الخناق على "داعش"

في الجبهة الشرقية لسوريا، وفي معركة عابرة للحدود بدأت بتنسيق عالٍ بين «التحالف الدولي» و«وحدات حماية الشعب» و«البيشمركة»- سيطرت «الوحدات» على ناحية تل حميس وأكثر من مئة قرية ومزرعة في ريف القامشلي الجنوبي. إذ تجاوزت قوات «البشمركة» الحدود وسيطرت على 7 قرى تابعة لناحية تل حميس من جهة العراق، منها قرى فلسطين وتميم وخزاعة وسليمة المجاورة لبلدة ربيعة العراقية، لمنع فرار المنسحبين من بلدة تل حميس باتجاهها.
ترافق ذلك مع حشود كبيرة لـ«البيشمركة» على الحدود، تمهيداً لعملية عسكرية تستهدف قطع طرق إمداد «داعش» بين نينوي العراقية ومحافظات دير الزور والحسكة السورية من خلال السيطرة على معبر أم جريص والقرى المجاورة له، ما يعني أن «داعش» بات على وشك الانهيار التام في تلك المنطقة.
يأتي ذلك في ظلّ الأنباء عن عملية جديدة ستستهدف أيضاً السيطرة على مدينة الشدادي وبلدة الهول والشريط الحدودي بين سوريا والعراق في تلك المناطق.
المشهد السوري

بات المشهد السوري يتضح رويدا مع بدء انحصار المعارضة المسلحة والجماعات الجهادية، والتنظيمات الإرهابية "النصرة" و"داعش"، التغيرات الميدانية على الأرض سيكون لها دور كبير في تغير خارطة المعادلة السياسية، بما يسمح بحل في الأفق للقريب لأزمة امتدت لأكثر من 4 سنوات خلفت أكثر من 200 ألف قتيل، وفي ظل تغير في السياسة العربية، عقب ثورات ما يسمى بالربيع العربي والتي صعدت فيها الجماعات الإسلامية إلى الحكم بدعم أمريكي غربي، ولكن سقوطها أدى إلى تغير المعادلة السياسية في سوريا مؤقتا.