العلويون في لبنان.. "جبل محسن" يدفع ثمن الصراع السوري
الثلاثاء 03/مارس/2015 - 01:33 م
طباعة

اغتال مسلحون مجهولون شقيق زعيم أبرز حزب ممثل للعلويين في لبنان مساء الاثنين 2 مارس الجاري، خلال مروره في سيارته في قرية سُنِّية في شمال لبنان، ملفا حساسا، لطالما كان اللبنانيون يتجنبونه. هذا الملف يحمل عنوان "الوجود العلوي في لبنان". فالملف ينبض بمقادير كبيرة من الأخطار التي تتعلق بوجود الأقليات في أي دولة من الدول مع وجود صراع مذهبي أو عرقي أو تحول سياسي.
شقيق قيادي علوي

توفي بدر عيد، شقيق النائب السابق ومؤسس الحزب العربي الديمقراطي علي عيد، متأثراً بجروح أصيب بها لدى إطلاق النار عليه من مجهولين خلال مروره بسيارته في بلدة الكويخات ذات الغالبية السنية في منطقة عكار.
وبدر في العقد السادس من العمر، وكان متوجهاً إلى منزله في قرية الحيطة ذات الغالبية العلوية المجاورة للكويخات.
وساد التوتر المنطقة على الأثر، وانتشر الجيش في محيط منطقة جبل محسن ذات الغالبية العلوية في مدينة طرابلس، كبرى مدن الشمال، وأقفل الطريق المؤدية اليها خوفا من حصول ردات فعل عنيفة مع منطقة باب التبانة السنية المجاورة.
الوجود العلوي في لبنان

تعرف الطائفة النصيرية أو العلوية نفسها بأنها "طائفة شيعية اثنا عشرية تحتكم في شئونها الدينية والفقهية للمذهب الجعفري"، ولها مذهب خاص يسمى المذهب العلوي، يعرفه أبناء الطائفة بأنه "مذهب كباقي المذاهب الشيعية، يُفضِّل علياً على غيره، ولا يخرج عن النطاق الإسلامي".
تتمركز الطائفة العلوية في لبنان في أماكن تجمع محددة وشبه منغلقة على نفسها، ويقع تجمعها المركزي الرئيسي في محلة بعل محسن (تسمى اليوم جبل محسن) في طرابلس بنسبة 60%، إضافة إلى تجمعات متناثرة في بلدات المسعودية والسماقية وحكر الظاهري والحوشة وتل حميرة في سهل عكار بنسبة 38%.
ويبلغ عدد أفراد الطائفة العلوية أو النصيرية- بحسب سجلات النفوس الرسمية في لبنان- حوالي 65 ألف نسمة، في حين تتحدث مصادر الطائفة عن 100 ألف نسمة.
الاعتراف الرسمي بالعلويين

اعْتُرف بالطائفة العلوية في لبنان عام 1936 أسوة بباقي الطوائف، إلاّ أن هذا الاعتراف كان اعترافًا إداريًا وليس اعترافًا سياسيًا إلى أن حصل العلويون على بعض الحقوق في إدارة وتنظيم شئونهم الدينية.
في العام 1975، أي مع بداية الحرب اللبنانية، تحولت حركة الشباب العلوي إلى تنظيم أوسع وأشمل بقيام جبهة المقاومة الوطنية التي قادها علي عيد. وكانت لهذه الجبهة مشاركات وأدوار خلال فترات الأحداث التي عصفت بلبنان.
وفي العام 1980 أسس السيد علي عيد مع آخرين حزبًا أسماه الحزب العربي الديمقراطي الذي ضمّ مؤيدين ومناصرين من أبناء الشمال والبقاع، كما ضمّ العديد من العلويين. وشارك هذا الحزب الذي أصبح له موقع ومراكز عدة في أكثر من منطقة لبنانية في المعارك التي شهدها الشمال وطرابلس تحديدًا خلال عامي 1983 و1984.
وفي 17أغسطس 1995 صدر عن مجلس النواب قانون حمل رقم 449 الذي منح الطائفة حق تنظيم وإدارة شئونها الدينية وأوقافها ومؤسساتها الخيرية والاجتماعية التابعة لها، على أن تتولى تنظيمها وإدارتها بنفسها طبقًا لأحكان الشريعة والفقه الجعفري.
كما شاركت الطائفة العلوية في انتخابات 1992 و1996 و2000 و2005، فكانت المشاركة في العام 1992 خجولة لسببين: الأول الشعور العام في لبنان بعدم نزاهة هذه الانتخابات والسبب الثاني والأهم هو فوز كل من علي عيد وعبد الرحمن عبد الرحمن بالتزكية مما أفقد العلويين حرية الاختيار.
وفي العام 1996، كانت المشاركة أوسع مع وجود مرشحين اثنين عن كل من المقعد العلوي في طرابلس والمقعد العلوي في عكار. ففاز عن طرابلس النائب أحمد حبوس بنسبة عالية لتتمثل الطائفة من خلال وجه جديد بعيدًا عن صورة الحرب الأهلية، واحتفظ النائب عبد الرحمن عبد الرحمن بمقعد عكار لأربعة سنوات جديدة.
أمّا في العام 2000 فكانت المشاركة أشمل بوجود 9 مرشحين عن طرابلس و4 عن عكار. فاحتفظ النواب أحمد حبوس وعبد الرحمن عبد الرحمن بمقاعدهم لولاية جديدة.
لم يتمكن العلويون أن يوصلوا أي عضو إلى المجلس البلدي في طرابلس في انتخابات عام 1998 ففقدوا المقاعد الثلاثة التي كانوا يشغرونها من خلال التعيينات. وتمكنوا من إيصال عضو واحد في انتخابات عام 2004.
وكانت انتخابات العام 2005 مخيبة بالنسبة للعلويين، وكانت المرّة الأولى التي تصب أصوات العلويين بأغلبيتها الساحقة لصالح لائحة واحدة وهي اللائحة المدعومة من التيار الوطني الحر وتيار المردة فحصل كل من سليمان فرنجية وجبران باسيل على نسبة تجاوزت الـ91%. وقد فاز عن المقعد العلوي في طرابلس مرشح تيار المستقبل بدر ونوس الذي حصل على نسبة لم تتجاوز 2% من أصوات العلويين. أما في عكار، ففاز أيضًا مرشح تيار المستقبل مصطفى حسين الذي حصل على نسبة مماثلة من أصوات العلويين.
العلاقة مع النظام السوري

وقبل الحديث عن الصراع المذهبي في لبنان بين العلويين والطوائف السنة أو غيرها، هناك ربط دائم بين النظام السوري والعلويين، ولقد أضرّ العلويّين في لبنان هذا الربط الاعتباطي بينهم، كطائفة وكأفراد، وبين النظام السوري خصوصاً في سنوات سيطرته في لبنان. والنظام السوري لم يعبأ بالعلويّين ولم يتحسّن وضعهم في تلك السنوات. والتحسّن الطفيف في وضعهم تمّ بشق النفس. وليس هناك من يرى أن قادة الطوائف المتحالفة مع النظام السوري (من أمثال نبيه برّي" حركة امل الشيعية" ووليد جنبلاط "القيادي الدرزي" ورفيق الحريري" رئيس تيار المستقبل سني") استفادوا من النظام السوري بدرجة أقل مما استفاد منه قادة العلويّين في لبنان. كان الحضور السياسي للطائفة العلويّة في سنوات سيطرة النظام السوري في لبنان ضئيلاً بالرغم من نفوذ ميليشيا علي عيد، الذي استفاد من علاقته بالنظام السوري دون أن يكترث لتحسين وضع الطائفة في النظام الطائفي. كما أن ممارسات ميليشياه كانت بسوء ميليشيا جنبلاط وبرّي في الحرب الأهلية. لكن لم يكن كل العلويّين مرتبطين بالنظام السوري، وقد انضوى كثير منهم في صفوف المنظمات اليساريّة التي صارعت النظام السوري في عام 1976 وما بعده.
وفي عام 1994 تم تجنيس 12 الف علوي. يقول زاهر: «من تجنس كان يقيم في طرابلس، لكنه تهجر خلال الاحداث 1976 إلى سورية. هناك اليوم 150 عائلة لبنانية علوية تقيم قرب حمص.
ويرتبط علي عيد رئيس الحزب العربي الديمقراطي بالنظام السوري وخاصة رفعت الاسد، ومن خلال الحزب العربي الديمقراطي هيمن الوجود السوري على طرابلس.
صراع مذهبي

ومع بداية الأزمة السورية، والصراع المسلح بين الدولة السورية وجماعات الإسلام السياسي والتغول لتنظيم جبهة النصرة "تنظيم القاعدة" وظهور تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، وبدأ الحرب المذهبي وفتاوي التكفير للعلويين والنظام الحاكم في سوريا بدأ الأوضاع تسير في الطريق والمنحى الخطر علي العلويين مع وقوف غالبية السنة في لبنان إلى جانب المعارضة السورية وتأييد العلويين لنظام الرئيس بشار الاسد.
والصراع هذا قد أجج الحقد المذهبي في سوريا وفي لبنان وفي كل أرجاء العالم العربي بتكفّر الشيعة وفي مقدمتهم العلويّين. وفتوى ابن تيميّة الشهيرة باتت نبراساً دينياً لكل من يريد تسويغ الكراهيّة أو القتل ضد كل العلويّين. إبن تيميّة لم يوارب في فتواه، فهو يقول: «هؤلاء القوم المسمون بالنصيرية- يقصد العلويين- هم وسائر أصناف القرامطة الباطنية أكفر من اليهود والنصارى، بل وأكفر من كثير من المشركين، وضررهم على أمة محمد صلى الله عليه وسلم أعظم من ضرر الكفار المحاربين مثل كفار التتار والفرنج وغيرهم...». وقد تعرّض العلويّون إلى حملات اضطهاد على مرّ القرون بما فيه العهد العثماني.
و ظلت الخصومة بين السنة والعلويين، قائمة منذ الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990)، وحتى الصراع السوري، وكانت المواجهات بينهما تندلع لأسباب تتعلق بالانتماءات الطائفية حينا وبمعارضة أو تأييد الحكومة السورية التي يقودها العلويون.
صراع الدم

وبين مايو 2007 ومارس 2015، وقعت أكثر من عشرون جولة قتال بين منطقتي باب التبانة ذات الغالبية السنية وجبل محسن في طرابلس، أوقعت مئات القتلى والجرحى. وشهد الصراع بين المنطقتين تصعيدا على خلفية النزاع السوري وتاييد الغالبية السنية في لبنان للمعارضة السورية مقابل انحياز الاقلية العلوية التي تتواجد خصوصا في جبل محسن إلى النظام السوري.
وفي 11 مايو 2008 اشتبك الموالون للحكومة والمعارضين لها من الطائفة العلوية في منطقة جبل محسن، واستُخدمت في القتال البنادق الرشاشة والقذائف الصاروخية.
وفي 22 و23 يونيو من العام نفسه لقي تسعة أشخاص على الأقل مصرعهم وجُرح 55 آخرون في طرابلس في اشتباكات بين سنة باب التبانة وعلويي جبل محسن.
وفي الفترة ما بين 25 يوليو و29 سبتمبر 2008 قُتل 23 شخصا في اشتباكات مشابهة. وتوصل قادة الطرفين بعد ذلك إلى اتفاق مصالحة وضع حدا للاقتتال بين الطائفتين وللتوتر الذي خيم على مدينة طرابلس منذ الحرب الأهلية.
وفي 12 مايو 2012 وقعت اشتباكات مسلحة بين الجيش اللبناني ومتظاهرين ينتمون إلى التيار السني المؤيد للمعارضة في سوريا، وكان مسرح الأحداث.
وفي اغسطس 2012 اندلعت موجهات عنيفة وادت إلى قتيلان و36 جريحا بينهم.
و شهدت طرابلس جولة من العنف أوقعت 31 قتيلا خلال مايو2013، في مواجهات بين مسلحين يؤيدون المعارضة السورية وآخرين موالين للرئيس السوري بشار الأسد، في منطقتي جبل محسن ذات الأغلبية العلوية وباب التبانة السنية بمدينة طرابلس كبرى مدن الشمال اللبناني.
وفي يونيو 2013 قتل 6 أشخاص وأصيب 38 آخرون، في تجدد الاشتباكات بين منطقتي باب التبانة ذات الغالبية السنية وجبل محسن ذو الغالبية العلوية واستخدمت فيها الأسلحة الرشاشة.
وفي دسمبر 2013 في قتل ثمانية أشخاص بينهم فتى في الـ15 وأصيب 22 آخرون بجروح السبت في اشتباكات بين سنة وعلويين في مدينة طرابلس في شمال لبنان.
وفي يناير 2014 شدد الجيش اللبناني إجراءاته الأمنية في مدينة طرابلس، لا سيما في منطقة جبل محسن، عقب التفجيرين الانتحاريين اللذين استهدفا أحد المقاهي، مما أدى إلى مقتل 9 أشخاص وإصابة أكثر من 30 جريحا.
وفي مارس 2014 قتل 30 شخصًا في مدينة طرابلس اللبنانية الساحلية إثر صدامات بين الطائفتان.
وفي يناير 2015 قتل تسعة أشخاص وأصيب 37 بجروح في تفجير انتحاري، وقع في منطقة جبل محسن ذات الغالبية العلوية وتبنت جبهة النصرة "فرع تنظيم القاعدة بسوريا" التفجير.
وفي 2مارس 2015 اغتيل بدر عيد، شقيق النائب السابق ومؤسس الحزب العربي الديمقراطي علي عيد، متاثراً بجروح أصيب بها لدى إطلاق النار عليه من مجهولين خلال مروره بسيارته في بلدة الكويخات ذات الغالبية السنية في منطقة عكار
المشهد العلوي
يبدو ان العلويين في لبنان يدفعون ثمن الصراع المذهبي والطائفي في المنطقة العربية، وخاصة مع اندلاع الازمة المسلحة والصراع الاهلي في سوريا وهو ما يشير إلى ان الوضع لامني والتماسك السياسي في لبنان علي حافة الهوية، وإذا استمر الصراع السوري طويلا فإنه سيكون له تثيره السلبي علي الاستقرار الهش في لبنان وخاصة في جبل محسنة وباب التبانة