على وقع الحرب ضد "داعش".. مخاوف من حرب أهلية في العراق
الأحد 08/مارس/2015 - 02:14 م
طباعة

معركة تكريت، إنها الهدف الأكبر لقوات الجيش العراقي وميليشيات الحشد الشعبي من أجل إحراز انتصار عسكري على تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، لكن هذه الرغبة والهدف يقف على حافة مخاوف وقوع العراق في نيران الحرب الأهلية، لأن أغلب قوام ميليشيات الحشد الشعبي هي شيعية، بينما أغلب سكان تكريت هي سنية ومسقط رأس الرئيس الراحل صدام حسين والذي يصبه الشيعة العراقيون بالطاغية.
تقدم عسكري

رغم إحراز الجيش العراقي، وبمساندة ميليشيات شيعية تسمى بالحشد الشعبي- بعض التقدم على جبهة تكريت، غير أن ثمة من يرى في هذه المعركة تمهيدا لصراع طائفي ينتظر العراق المضطرب.
وبدأ نحو 30 ألف عنصر من الجيش والشرطة والميليشيات الشيعية وأبناء بعض العشائر السنية، عملية عسكرية واسعة الاثنين لاستعادة تكريت، كبرى مدن محافظة صلاح الدين، ومحيطها من تنظيم الدولة.
ويعبر عدد من ساسة العراق عن خشيتهم من نتائج عكسية محتملة للعملية العسكرية لتحرير تكريت، معتبرين أن هزيمة تنظيم داعش المتشدد لا يمكن أن تحدث دون السُّنَّة.
وفي هذا السياق حذّر السياسي الكردي العراقي فريد أسسرد، مدير "مركز البحوث الاستراتيجية في كردستان" من مغبة اقتصار عملية استعادة الموصل، على مشاركة الجيش العراقي والميليشيات العراقية والإيرانية الشيعية، معتبرًا أن ذلك ينذر بوقوع كارثة كبيرة في المنطقة.
ويرى خبراء أن ثمة إشارات على أن "العملية العسكرية تواجه مخاطر جمة" ومخاوف من أنها قد "تطلق العنان لموجة جديدة من الصراع الطائفي".
ويشكك هؤلاء في التصريحات الرسمية للحكومة العراقية بشأن العملية المتواصلة حاليا لاستعادة تكريت، إذ تصور العملية على أنها جهد وطني تشارك فيه القوات الأمنية والآلاف من المقاتلين السُّنَّة.
لكن ثمة من يعتبر أن هذه التصريحات هي مجرد "أكاذيب وأوهام"؛ وهي تطلق بهدف طمأنة شريحة واسعة من السنة عانت في ظل حقبة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، كما أن وعود خلفه حيدر العبادي لم تثمر عن نتائج ملموسة حتى اللحظة.
طبيعة القوات العسكرية

ظهر ذلك التفاوت "السني- الشيعي" بشكل واضح في أعداد القوات المقاتلة في تلك المعركة، فمما يقرب من 30 ألف مقاتل يشاركون في المعركة، تمثل قوات الجيش العراقية نصف العدد تقريبًا، ويتكون النصف الآخر من ميليشيات شيعية بدعم إيراني، ذلك بالإضافة إلى فرقة صغيرة مكونة من حوالي 1000 جندي من أبناء تكريت من العشائر السنية، ويؤكد ذلك التباين الكبير في الأعداد بين السُّنَّة والشيعة ما طرحته صحيفة "نيويورك تايمز" القائلة بأن القوات العراقية التي تساندها ميليشيات شيعية مدعومة من قِبل إيران، قد تُسهم في تعميق الأزمة الطائفية بين كل من السُّنَّة والشيعة في العراق المضطرب، خاصة أن عدد أبناء الطائفة السُّنية في الهجوم لا يتخطى الألف.
وتأسيسا على ذلك، يرى مراقبون أن تنظيم داعش المتشدد سيستفيد من الهجوم على تكريت، حتى لو خسر عسكريا، طالما أن "المنتصرين" ميليشات طائفية تتصرف بنفس أسلوبه.
ومن هنا، فإن هزيمة التنظيم في تكريت لن يساعد في الحرب في مدينة الموصل، ثاني أكبر مدينة عراقية، بل على العكس سيقنع المجتمعات السُّنِّية التي تعيش تحت حكم التنظيم أن البديل "الشيعي" على نفس الدرجة من السوء.
ميليشيات الحشد الشعبي

وتقول مصادر عسكرية: إن القوات السُّنِّية المشاركة- بغض النظر عن أعدادها- لا تلعب دورا رئيسيا في المعارك، مشيرة إلى أن ميليشيات الحشد الشعبي هي التي تلعب دورا محوريا في العملية.
ومن المعروف أن ميليشيات الحشد الشعبي لها سجل سيئ في انتهاكات حقوق الإنسان والتطهير العرقي والطائفي، وفق تقارير لمنظمة هيومن رايتس ووتش.
وأفادت مصادر أن شاحنات إيرانية مبردة تواصل دخولها الأراضي الإيرانية وهي محملة بجثث القتلى الإيرانيين الذين سقطوا في معركة تكريت، وهو ما يؤشر على حجم المشاركة الإيرانية فيها وشراسة القتال الدائر هناك.
ونقل دايلي بيست عن مسئولين بوزارة الدفاع الأمريكية قولهم: إن قوات التحالف الذي تقوده واشنطن قد نفذت ضربات جوية ضد تنظيم الدولة نيابة عن العراق على مدار سبعة أشهر، إلا أن المستشارين الإيرانيين والميليشيات الشيعية المدعومة من إيران تشارك في الهجوم الأخير على مدينة تكريت ذات الأغلبية السنية؛ مما يثير احتمال أن القتال لدحر داعش قد يصبح حربًا طائفية.
ويمثل ذلك الدور الذي تقوم به إيران خطورة واضحة على الخريطة السكانية في المحافظة السنية، بل وتزداد المخاوف بشأن تفاقم أزمة الانقسامات الطائفية في بلد يخشى بالفعل من دخولها في هاوية التفكك والحرب الأهلية التي تقوم على أساس ديني، وهذا ما حذرت منه وزارة الدفاع الأمريكية كثيرًا في إشارة منها إلى أن إيران يجب أن تتعامل بحذر شديد عند تقديم أي نوع من أنواع الدعم والمساعدة للعراق؛ كي لا تشعل فتيلًا آخر للحرب.
التواجد الإيراني

التواجد الإيراني اعتبرته عشائر سنية، حربا مذهبية لانتقام من الرئيس الراحل صدام حسين، والذي خاض حرب الـ8 سنوات ضد الجمهورية الإسلامية في ثمانينات القرن الماضي.
ويقول عضو المجلس الشيخ «عبد الخالق الجبوري»: إنّ «إيران منذ نهاية الحرب التي دارت بينها وبين العراق في القرن الماضي، وهي تخطط للثأر من العراق ومن «صدام حسين» بشكل مباشر، فوجدت ضالّتها في مسقط رأسه (تكريت) لتثأر منه»، مستدركاً: «لكنّ ما يهم معرفته أنّ ما يدور في العراق هو لعبة تقودها عدة جهات، وإيران هي الجهة الأكثر فاعلية».
وأشار إلى أنّ «أحداث الموصل وانهيار الجيش العراقي، ونداء المرجعية وتشكيل ميليشيا (الحشد الشعبي) وتسليحها وولاءها الإيراني، والخلاف الأخير بين رئيس الحكومة «حيدر العبادي» ووزير الدفاع «خالد العبيدي»، وإقصاء الجيش العراقي عن معركة تكريت؛ كلّها أسباب دُرست بعناية لمنح الفرصة لإيران للانفراد بقيادة معركة تكريت بشكل علني».
وأعرب الشيخ عن أسفه من «رضوخ الحكومات العراقيّة للأجندة الإيرانيّة على حساب المواطن العراقي»، محذّراً من «تداعيات خطيرة تولّدها هذه السياسات على الشارع السنّي، الذي يتحمّل كل أعباء هذه الحملة وحده، سواء من جهة «الدولة الإسلامية»، أو إيران أو الحكومة».
وتولى الحرس الثوري مسئولية إدارة جبهة القتال في المحور الشرقي من تكريت معززاً بمدافع الـ«Q1» الثقيلة وعربات مدرعة مختلفة.
دعوة مرجعية

في ظل الأخبار التي تتداول سير المعارك على جبهات القتال، ومع وجود شواهد وسوابق على انحراف الميليشيات الشيعية، وسقوط ضحايا من العراقيين السُّنَّة على يد مقاتلي الميليشيات؛ دعا المرجع الشيعي الأعلى آية الله علي السيستاني الجمعة المقاتلين العراقيين المشاركين في عملية استعادة مدينة تكريت ومحيطها، إلى حماية سكان هذه المناطق ذات الغالبية السُّنِّية.
ويتمتع السيستاني بتأثير واسع على ملايين الشيعة الذين يعتبرونه مرجعهم الأبرز. ودفعت الفتوى التي أطلقها في يونيو الماضي، عشرات الآلاف منهم لحمل السلاح لقتال جهاديي تنظيم "الدولة الإسلامية".
وقال الشيخ عبد الأمير الكربلائي، ممثل السيستاني في خطبة الجمعة في الصحن الحسيني في مدينة كربلاء متوجها إلى المقاتلين المشاركين في عمليات صلاح الدين: "ينبغي عليكم جميعا ضبط النفس وعدم الخضوع للانفعال النفسي لفقد حبيب لكم أو عزيز عليكم، خصوصا ما يتعلق بالعائلات التي يتترس بها العدو ممن لم يقاتلوكم لا سيما من المستضعفين بل كونوا لهم حماة".
العشائر السُّنِّية

نظمت عشائر عراقية من أهل السنة وقفة تضامنية مع قوات الجيش والحشد الشعبي في مقر هيئة إفتاء أهل السنة والجماعة؛ معلنين دعمهم وتأييدهم للجهود التي يقوم بها الجيش والحشد.
وشدد المتحدث باسم عشائر أهل السنة الشيخ وليد العزاوي في هذه الوقفة التضامنية على أن القوات الأمنية والحشد الشعبي وكذلك العشائر العراقية الموجودة في المحافظات التي تقاتل؛ "كلهم يقاتلون يداً بيد مع الحكومة المركزية وتحت ظل القانون لطرد داعش من أراضيهم.. فاليوم داعش مرفوضة جملة وتفصيلاً من كل عشائر العراق".
وأكدت كافة الشرائح العراقية المشاركة في المراسم وقوفها إلى جانب القوات العراقية والحشد الشعبي التي تنفذ عمليات عسكرية في محافظة صلاح الدين، ومناطق أخرى من البلاد ضمن دعم وتضامن غير محدود مع هذه القوات من الشباب والمثقفين وشرائح أخرى.
فيما عبرت شخصيات سياسية من الأنبار، عن رفضها القاطع لتواجد قوات الحشد الشعبي التي تضم متطوعي المحافظات الشيعية في محافظتهم، ووصفتها بالميليشيات التي تسببت في تهجير أهالي المحافظة، وقال عضو الأمانة العامة لمؤتمر التأسيس لإقليم الأنبار عبد الرزاق الشمري "إننا نرفض ذلك رفضا مطلقا، كونه غطاء للميليشيات الإجرامية أولا، ولأنه تدخل سافر في محافظاتنا"، مستدركا بالقول: "إذا كانت الحكومة والتحالف الدولي جادين بتحرير محافظاتنا ومدننا من داعش والميليشيات، فعليهم الاستجابة لمطلبنا بتشكيل قوة من أبناء هذه المحافظات".
ودعا إلى أنه في حال تشكيل تلك القوة، أن يتم "تسليحها تسليحا يتناسب مع قدرات داعش والميليشيات العسكرية، ودعمها لوجستيا، لتكون نواة لقوات حرس الأقاليم التي نص عليها الدستور العراقي، بعد تحرير هذه المحافظات إن شاء الله".
وأوضح الشمري أن "تنظيم داعش هو صنيعة إيرانية، وهو والميليشيات وجهان لعملة واحدة، وعليه فإننا ندعم أية خطوة لملاحقتهم، مقابل شرطين: أولهما ضمان دولي لحقوقنا المغتصبة، وثانيهما ملاحقة الميليشيات من قبل التحالف الدولي والحكومة بنفس الطريقة التي تلاحق بها داعش الآن".
وأضاف: "إننا لا نريد تكرار نفس الخطأ الذي ارتكبته بعض العشائر في الأنبار عامي 2006 و2007"، مستشهدا بالمثل القائل: "لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين".
المشهد العراقي

يبدو أن الحرب العراقية ضد "داعش" بحاجة إلى مصارحة قوية في ظل تداول الشيعة العراقيين والمشاركين في قوات الحشد الشعبي لشعارات مذهبية، وطائفية، ووجود تقارير تدين الميليشيات الشيعية في القتل والتهجير علي أساس مذهبي، الأمور الأخرى أن الحكومة العراقية بحاجة إلى بعث رسائل طمأنة إلى المكون السني، فالعمركة في تكريت تختلف عن المعركة التي خاضتها البيشمركة الكردية في عين العرب "كوباني" السورية، والتي حققت فيها انتصارا قويا على تنظيم "داعش".
المكون السني بحاجة إلى طمان من رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، ويجب أن تكون هناك خارطة طريق وقواعد واضحة في محاربة "داعش"، وذلك تجنبا لتحول حرب "داعش" إلى حرب مذهبية تمزق ما بقي من وحدة الشعب العراقي.