قراءة في أوراق المؤتمر الإسلامي العالمي "مكافحة الارهاب" المنعقد في مكة (1 من 3)
الأحد 08/مارس/2015 - 11:49 م
طباعة


انشغل العالم في الآونة الأخيرة بقضية الإرهاب، وأصبحت من أهم أولويات المجتمع الدولي حتى تم تشكيل تحالف دولي لمحاربة الإرهاب بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية بعدما بات الإرهاب يهدد مصالحها المباشرة في منطقة الشرق الأوسط.
وتماشيًا مع هذا الموقف تم عقد مؤتمر إسلامي عالمي تحت عنوان "مكافحة الإرهاب" بمكة المكرمة في الفترة ما بين 22 الى 25 فبراير 2015 وقد قدمت في هذا المؤتمر اوراق كثيرة تدور حول 6 محاور اساسية:
1- المفهوم
2- الأسباب الدينية للإرهاب
3- الأسباب الاجتماعية والاقتصادية
4- الأسباب التربوية والثقافية
5- الإرهاب والمصالح الإقليمية والعالمية
6- آثار الإرهاب
وقد تم عقد ورش عمل مصاحبة للمؤتمر وقد اقتصرت حول:
1- تطبيق الشريعة والحكم الإسلامي الرشيد.
2- الدولة في الرؤية الإسلامية المعاصرة .
3- مفهوم الجهاد في الشريعة الإسلامية (ضوابطه، أحكامه، آدابه)
4- أفضل الوسائل لعلاج الإرهاب (برامج عملية لمكافحته)
5- تجارب مكافحة الإرهاب (جهود المملكة العربية السعودية نموذجاً)
6- دور الإعلام في مواجهة الإرهاب.

أمير مكة المكرمه وشيخ الأزهر
في هذه القراءة ثلاثة تقارير تنشر تباعًا على موقعنا، كل تقرير سيتناول محورين من محاور المؤتمر الستة، نعرض لأهم ما ورد في تلك الأوراق البحثية للمؤتمر، ونعرض ملاحظاتنا عليها.
المحور الأول: المفهوم
حول هذا المحور تم تقديم ثلاث أوراق بحثية مهمة، تناقش مفهوم الإرهاب وتعريفه من خلال الرؤية الشرعية والتعريف له من منظور دولي وكذلك استخدام الدين مظلة للإرهاب في كل من الهندوسية والبوذية واليهودية والمسيحية والإسلام، ومن اللافت للنظر بعد تقديم معظم التعريفات تركز الأوراق على التعريف الشرعي للإرهاب من خلال الورقة البحثية المقدمة من الدكتور محمد أمين عبد الرازق بارودي أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والأنظمة جامعة الطائف، حيث يقول "إن الإرهاب الوارد في القرآن الكريم يراد منه: توظيف الإمكانات المشروعة لبث الخوف في صفوف العدو لتحقيق غايات مقصودة".
وينتقل د. محمد إلى شرح التعريف بالآتي:
- توظيف الامكانات: بجميع انواعها، المادية أو المعنوية، وكل ما يحقق هدف ترهيب العدو.
- المشروعة: فالمقصود بهذا القيد الالتزام بضوابط الجهاد التي حددها الفقهاء، والابتعاد عن كل ما يخالفها، فالمسلم لا يغدر ولا يمثل، ولا يقتل صبيا ولا امرأة ولا شيخًا فانيا.
- لبث الخوف: فهو الهدف المعلن من إرهاب العدو
- لتحقيق غايات مقصودة: فإرهاب العدو لم يشرع لمجرد التخويف فحسب، بل لتحقيق أهداف وغايات أرادها الاسلام من وراء تشريعه، وأجلها، إعلاء كلمة الله، ثم ضرب من يتربص بالإسلام والمسلمين ومقدراتهم شرا، واستباق ذلك بإظهار القوة والقدرة والمنعة في مجابهة العدو، فلا تسول له نفسه الاعتداء على المسلمين.
وبعيدا عن اللغة الأكاديمية والعلمية والتي قد لا تروق البعض وتعمل على ابهام المقصود من الحديث، فاللافت للنظر هنا ان الدكتور محمد ومؤتمر مكافحة الارهاب بمكة المكرمة يعطي اعترافا بتنظيم الدولة وما تقوم به من عمليات قتل ممنهجة للمسلمين "سنة وشيعة" وكذلك غير المسلمين حسب تعريف الإرهاب الشرعي الذي قدمه "مؤتمر مكافحة الإرهاب" فلو تتبعنا التعريف وشرحه كما تقدم وتطبيقه على ما يقوم به تنظيم الدولة "داعش" ليس فقط بل أي جماعة أخرى تنتمي لهذا الفكر نجد أن أفعالها متطابقة مع ما ينادي به المؤتمر، فهي - توظيف الإمكانات بجميع أنواعها، المادية والمعنوية، وكل ما يحقق هدف ترهيب العدو، بالنسبة لها بالقطع وبفهمها الخاص للفقه والدين الإسلامي، ومن ناحية أخرى، فهي ملتزمة بضوابط الجهاد التي حددها الفقهاء الذين ينتمون لهم "ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب" وغيرهم من علماء الدولة الحاضنة للمؤتمر مثل بن باز والعثيمين، فبالعودة لفتاوى هؤلاء سوف نجد ان تنظيم الدولة "داعش" وغيرها من هذه الجماعات يلتزمون ما جاء في كتب هؤلاء، ومن ناحية ثالثة، فهي تقوم بعملها الارهابي "لتحقيق غايات مقصودة" كما جاء في تعريف الإرهاب "فإرهاب العدو لم يشرع لمجرد التخويف فحسب، بل لتحقيق أهداف وغايات أرادها الاسلام من وراء تشريعه، وأجلها، إعلاء كلمة الله، ثم ضرب من يتربص بالإسلام والمسلمين ومقدراتهم شرا، واستباق ذلك بإظهار القوة والقدرة والمنعة في مجابهة العدو" وهذا مما تعلموه من كتب الفقه التي تمثل مرجعية أساسية لهم، فمن خرج عن الجماعة أو التنظيم هو غير مسلم وبالتالي عدو يجب إرهابه ومحاربته لأنه بالقطع لديهم يتربص بالإسلام والمسلمين، وحسب التعريف لابد من استباق إظهار القوة والقدرة والمنعة في مجابهة هذا العدو.
والسؤال هنا الذي يلح علينا هل كان هذا المؤتمر لإدانة تنظيم الدولة "داعش" والجماعات الإرهابية، أم أنه كان منعقدا لإضفاء الشرعية على ما يقومون به؟
المحور الثاني: الأسباب الدينية للإرهاب
والذي تناول مجموعة من الأسباب الدينية للإرهاب من خلال مجموعة من الأوراق البحثية قامت بمناقشة عناوين مهمة مثل: الجهل بمقاصد الشريعة وأحكامها، والتعصب المذهبي والتحزب الطائفي، وكذلك الخطأ في ضبط المفاهيم الشرعية (الجهاد، الولاء والبراء، التكفير، التأصيل والتنزيل) ثم مناقشة عدم تطبيق الشريعة الإسلامية وضعف المؤسسات الدعوية، وواقع الخطاب الديني.
حسب الأوراق المقدمة في هذا المحور وتلك العناوين التي تؤكد على جهل تلك الجماعات الارهابية بمقاصد الشريعة وأحكامها مما يدفعها إلى التعصب المذهبي والتحزب الطائفي كما تقول الأوراق نجد أن المؤسسات الدينية في الدول الإسلامية قد أسهمت إسهامات كبرى في إنتاج هذا التعصب والإرهاب، حيث انصرف فقهاء التقليد في تلك المؤسسات – حسب الورقة البحثية المقدمة من الدكتور رضوان بن نايف السيد، رئيس المعهد العالي للدراسات الإسلامية بلبنان – بالبحث عن حلول في موروثات القرون الماضية، وكذلك عدم امتلاك المؤسسات الدينية لمشروع سياسي إبان فترات الاستعمار وإلغاء المخالفة، كما أن الإحياءات الأصولية في تلك الفترة استطاعت تحقيق اختراقات مهمة في بنى هذه المؤسسات ودعوتها، وعبر الثلاثينيات من القرن الماضي تبلورت لدى العشرات من حركات الهوية أو جمعياتها (أبرزها الإخوان المسلمين في مصر، والجماعة الإسلامية في الهند وباكستان) فكرة استعادة الشرعية الدينية في المجتمع والدولة، والتي تركزت في التنظيم لتنتشر في أوساط الشبان المتدينين، وتمهد لمقولة إن الإسلام دين ودولة ومصحف وسيف، وأنه بعد التمكين بإقامة السلطة التي تطبق الشريعة، تكون الخلافة، ثم أستاذية العالم، وهكذا، وفي عملية تحويل المفاهيم والصيرورة إلى فكرة النظام الكامل فالحاكمية، ارتسم نهج استعادة الشرعية في المجتمع والدولة من طريق الانتشار بالتربية الجديدة والتأصيلية، أو من طرق الانقلاب الذي يقومون به.
فقد واجه التقليد الإسلامي قبل قرنين مشكلات مستعصية نتيجة الانسدادات التي حصلت فيه لعدة أسباب، وقد تصدت للإصلاح والتجديد حركات تأصيلية ونهضوية، وعلى مدى أكثر من قرن من الصراع انكسر التقليد المذهبي وتشرذم وضعفت مؤسساته، والذي حل محله في التفكير الديني والممارسة الدينية لم يكن الاصلاح او التجديد او النهوض، بل احيائيات جذرية ارادت تغيير المجتمعات والدول بمفاهيم جديدة معادية للتقليد ولنظام العالم الجديد في الوقت نفسه.
إلا أن أوراق المؤتمر وخاصة في هذا المحور إنما تؤكد على ما تؤكده هذه الجماعات الإرهابية:
1- اعتبار مجتمعاتنا فاقدة للشرعية لعدم تطبيقها للشريعة.
2- ضرورة اقامة السلطة تحت اسم الإمامة أو الخلافة من اجل تطبيق الشريعة واستعادة الشرعية.
3-استحضار الفريضة الغائبة (الجهاد) بالداخل والخارج لإقامة الدولة وإحقاق الحق.
وهذا ما تبنته ورقة بحثية مقدمة من الدكتور صهيب حسن عبد الغفار، رئيس جمعية القرآن الكريم، الأمين العام لمجلس الشريعة الإسلامية، لندن، بريطانيا، وبحثه المعنون "عدم تطبيق الشريعة الإسلامية أحد أسباب الإرهاب" حيث يستند لتعريف الشيخ محمد رشيد رضا، والذي قاله في تفسير المنار ج2 ص 257 "والشريعة والدين والملة بمعنى واحد: وهو ما شرعه الله لعباده من أحكام، ولكن هذه الأحكام تسمى شريعة باعتبار وضعها وبيانها واستقامتها، وتسمى دينا باعتبار الخضوع لها وعبادة الله بها، وتسمى ملة باعتبار إملائها على الناس" وهذا الفهم قد سبق وان اسس له ابن تيمة واخذه منه محمد بن عبد الوهاب وتبنته هذه الجماعات التي نطلق عليها ارهابية، رغم الفوارق الكبيرة في الفقه الإسلامي على امتداده من القرن الثاني الهجري وحتى الآن حول الشريعة والاحكام والملة أو إن شئنا الدقة "الدين" فقد ركز البحث على إذابة هذه الفوارق للخروج بالنتيجة الأولى أن مجتمعاتنا لا تطبق الشريعة!
ويقوم الباحث في الفصل الثاني من هذه الدراسة بعملية سرد تاريخية حول بركات تطبيق الشريعة، متناسيًا أن الشريعة الإسلامية ليست نظامًا للحكم وأنه على مدار التاريخ الاسلامي لا يوجد نظام حكم محدد بملامح معينة تم صكه على انه "نظام الحكم الاسلامي" حتى دولة الخلافة، فالحكم الرشيد يختلف عن نظام الحكم في الدولة الاموية وكذلك تختلف الدولة الاموية عن العباسية وهكذا، بل اختلف مفهوم تطبيق الشريعة من خليفة لآخر فلا أحد ينكر مقتل الخليفة الثالث للدولة الإسلامية "عثمان بن عفان رضي الله عنه بسبب السياسة ومحاباة بني أُمية، فهل لم يعلم عثمان رضي الله عنه كيف يطبق الشريعة ام ان من خرجوا عليه وقتلوه في داره وبينهم صحابة لرسول الله وابناء صحابته، كانوا لا يعلمون؟ ليس هذا فقط بل الحرب التي دارت بين على ومعاوية رضي الله عنهما هل كانت حرب لتطبيق الشريعة، واقامة نظام حكم اسلامي ام كانت حرب لامتلاك السلطة السياسية، فالتاريخ الاسلامي مليء بأبشع من هذا فالحجاج بن يوسف الثقفي قد ضرب الكعبة بالمنجنيق وهدم اجزاء كبيرة منها ومثل بجثة عبد الله بن الزبير وبقر بطون الحوامل، كل هذا هل كان من الشريعة ومن ضوابط الجهاد كما حددها الفقهاء؟ أم أن كل هذا كان لزاما للنصر والاستيلاء على الدولة والحكم!
لاشك ان من ينادي بتطبيق الشريعة عليه اولا ان يقوم بتعريف الشريعة التي يريد تطبيقها فقد اختلف العلماء ومازالوا حول مفهوم الشريعة ليس فقط بل لم يستقر تعريف واحد لنظام الحكم الاسلامي وكل ما يتم تقديمه اعادة انتاج لما كان في القرون الاولى والتي تبعد عنا بعدا زمنيا أحدث تغييرًا كبيرًا في العلاقات الاجتماعية والاقتصادية التي تلزمنا بإنتاج إجابات تتناسب مع واقعنا المعيش.