النفط السوري بين سطو "داعش" وأموال الأسد

الثلاثاء 10/مارس/2015 - 04:10 م
طباعة النفط السوري بين
 
منذ استيلاء تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام "داعش" على محافظة الرقة السورية وما بها من آبار نفطية؛ أثير العديد من التساؤلات حول مصير آبار النفط بها، وهل ستتحول إلى جيوب قيادات التنظيم الدموي أم سيتم استغلالها في دعم التنظيم ماديا؟ وما موقف النظام السوري من ذلك؟ ومع مرور الوقت بدأت تتكشف الحقائق حول مصير النفط السوري الذي استولت عليه "داعش"؛ حيث كشف تقرير لمعهد بروكنز في واشنطن أن التنظيم يحقق مكاسب يومية لا تقل عن ثلاثة ملايين دولار كأرباح صافية من بيع النفط العراقي والسوري في السوق السوداء، وأن إيراداته من النفط تتجاوز الـ90 مليون دولار شهرياً، وأن سعر برميل النفط المنتج من الحقول التي يسيطر عليها "داعش" يتراوح بين 20 دولاراً إلى 60 دولاراً، في الوقت الذي يتراوح فيه سعر الخام في الأسواق العالمية بين 95 دولاراً إلى 105 دولارات، ويتم ضخه في أسواق سوداء في كل من العراق وتركيا، وتقوم عصابات متخصصة بإعادة تصديره إلى أماكن مختلفة من العالم والمنطقة.
النفط السوري بين
"داعش" والنهب المنظم للنفط 
 كشف لؤي الخطيب مدير معهد الطاقة العراقي عن أن مقاتلي "داعش" استولوا خلال السنوات الثلاث الماضية على العديد من الحقول والمصافي والأصول النفطية في شرق سوريا، ومع توسع "داعش" أصبحت غالبية المنشآت النفطية الرئيسية في شرق سوريا تحت سيطرتهم، وأنه تم إجبار العاملين فيها على مواصلة العمل فيها، وأن داعش يسيطر حالياً على 60% من إنتاج النفط السوري، وهو ما يعني أنها تنتج نحو 200 ألف برميل نفط يومياً.
النظام السوري دخل على خط مشاركة داعش في نهب نفط وطنه عندما أعلن أن التنظيم ينتج خمسة أضعاف ما ينتجه من النفط، وأن إنتاجه بلغ 80 ألف برميل يوميا، مقابل 17 ألف برميل يومياً ينتجها ليثور التساؤل أين تتجه مبيعات "داعش"؟ 
 وهنا يكشف الاتحاد الأوروبي عن أن مبيعات نفط "داعش" تتجه إلى السوق السوداء، وأن رجال أعمال سوريين وأتراك هم من يقومون بشراء النفط من "داعش" وبيعه إلى النظام السوري؛ ليمول حربه ضد من يصفهم بالإرهابيين، وحدد الاتحاد الأوروبي رجل الأعمال السوري جورج حسواني بأنه اشترى نفطاً للحكومة السورية من تنظيم داعش الذي استولى على مساحات واسعة من البلاد، بما في ذلك المناطق المنتجة للنفط، وأنه عمل كوسيط في عقود نفط بين سوريا وداعش، وأن اسم حسواني تم ضمه إلى قائمة العقوبات التي يفرضها على أنصار الرئيس السوري بشار الأسد. واعتبر الاتحاد أن جورج حسواني يقدم مساعدة للنظام، ويستفيد منه عن طريق دوره كوسيط في اتفاقات؛ من أجل شراء النظام السوري النفط من تنظيم الدولة، وأن له علاقات وثيقة بالنظام السوري، وأن شركة هيسكو للهندسة والإنشاء التي يرأسها حسواني هي شركة كبرى في سوريا. 
ورفض حسواني هذا الأمر قائلا: "الاتحاد الأوروبي ليس لديه أي دليل على الاتهام والأجدى أن يبحث عن وسطاء أنهم يهربون النفط إلى تركيا لمصلحة تنظيم "داعش"، وأن شركته تشيّد منشآت للنفط والغاز وعملت في الجزائر والإمارات العربية المتحدة والسودان، وأنها تبني حالياً منشأة للغاز في منطقة بوسط سوريا تخضع لسيطرة داعش، وأن هذا هو الذي ربما عزز هذه الأوهام وأنه سيقاضي الاتحاد الأوروبي.
النفط السوري بين
المجتمع الدولي يسمع ولا يفعل  
 على غرار الاتحاد الأوروبي اتهمت الحكومة البريطانية الحكومة السورية بشراء شحنات نفط من تنظيم "داعش" عبر وسطاء، واعتبرت حربها على التنظيم "أكذوبة".
وقال وزير الخارجية البريطاني فليب هاموند في بيان له: إن نظام الرئيس بشار الأسد يشتري، عبر وسطاء كميات من النفط الذي يستخرجه تنظيم "داعش" من الآبار التي يسيطر عليها، وأن الاتحاد الأوروبي وضع قائمة حظر جديدة، تشمل 13 شخصاً وشركة يعملون لصالح الحكومة السورية، من بينهم رجل الأعمال جورج حسواني، المتهم بالوساطة بين النظام و"داعش"، وأن قائمة الحظر الجديدة "تدل على أن حرب الرئيس الأسد على داعش لا تعدو أن تكون أكذوبة".
 الولايات المتحدة نفسها أقرت أن النظام السوري يشتري النفط من تنظيم داعش حيث أكد ديفيد كوهين، وكيل وزارة الخزانة لشئون مكافحة الإرهاب والاستخبارات المالية، أن لديه علاقات عميقة الجذور بتجار السوق السوداء في المنطقة، ويقوم باستخراج النفط وبيعه للمهربين الذين ينقلونه في حاويات صغيرة الحجم عبر شبكة متنوعة من الطرق. ووفقا لمعلوماتنا فإن داعش يبيع النفط بأسعار منخفضة جدا لمجموعة متنوعة من الوسطاء، بما في ذلك تركيا التي تعيد بيعه إلى الأكراد الذين يعيدون بيعه في تركيا، وأيضا يبدو أن الحكومة السورية تقوم بترتيبات لشراء النفط من داعش، وهو مؤشر آخر على فساد نظام الأسد، وأن الطريقة الوحيدة لإحباط الهجمات الإرهابية هي حرمان التنظيمات الإرهابية من الأموال بالتعاون مع الشركاء الأجانب والقطاع الخاص وتحسين الشفافية المالية.
ويعد حقل نفط الشدادي والعمر والتنك وورد شمال شرق سورية خير مثال على تعاون النظام السوري مع داعش؛ من أجل شراء نفط وطنه حيث تصطف عشرات الشاحنات يوميا لتحميل الخام الذي يبيعه بثمن بخس مقاتلو داعش إلى تجار ومشترين محليين سوريين ورجال أعمال يساندون الرئيس السوري بشار الأسد، والذي يتجه بدوره إلى مشترين حكوميين من خلال سلسلة من الوسطاء، ولأن داعش لا يستطيع استغلال الحقول التي تسيطر عليها بسبب الافتقار إلى الخبرة الفنية، فهي توجه مبيعاتها مباشرة لرجال أعمال محليين ومهربين وتجار نفط.
النفط السوري بين
وتشهد الساحة السورية ترتيبات بين "داعش" ومسئولي الحكومة في بعض المناطق؛ لضمان عدم قطع الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والماء أو تدميرها، وإن داعش بعد أن سيطر على آبار نفطية ما زال يحمي بعض الأنابيب التي تنقل النفط الخام الذي يضخه الأكراد في حقولهم بشمال شرق سوريا إلى مصفاة تديرها الحكومة في حمص نظير مبالغ مالية.
وقال شهود عيان محليين: إن قيادات "داعش" يتقاضون رسوما ومصاريف نقل حتى يمر النفط دون تفجير خط الأنابيب إلى الحكومة السورية والمناطق الخاضعة لها، وإن تجارا ممن يشترون النفط الخام من داعش ووسطاء معروفين يعملون نيابة عن رجال أعمال بارزين موالين للحكومة، اشتروا كميات كبيرة من النفط، وإن هذا الأمر تجارة رائجة لرجال أعمال هم أساسا من المنتفعين من الحرب الذين يمكنهم أيضا أن يجدوا مشترين في أي وقت وبسعر مناسب".
وأكد إلياس وردة وزير الطاقة والثروة المعدنية في حكومة الائتلاف الوطني السوري على أن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" يسيطر على حقول النفط والغاز في سوريا، ويقوم ببيعها إلى النظام السوري مقابل عدم توجه طائرات النظام لقصفه، وأن هناك سوقا سوداء يباع عبرها النفط على الحدود، وأن تنظيم داعش يبيع النظام النفط مقابل السلاح والذخيرة وعدم قصفها أو مهاجمتها، ولعل في التنسيق بين داعش والنظام أدلة إضافية، وتساءل: هل سمع أحد أن النظام قصف مراكز أو مناطق تسيطر عليها داعش؟ كما أن بعض من يسيطر على النفط لا يهتم سوى بالمال؛ لذا لا ضير له أين يذهب النفط، فربما يبيعه مباشرة للنظام، أو عبر تجار ووسطاء توصله في النهاية إلى النظام.
النفط السوري بين
الأسد خيار "داعش" النفطي 
اعتبر خالد الخليوي الخبير النفطي والمستشار الأمني أن نظام الأسد هو الخيار الوحيد والمتاح لتنظيم "داعش" لبيع النفط من حقلي الموصل والرقة؛ لأن السوق الدولية بما فيها السوق السوداء ليست متاحة أمام التنظيم لدواع جيوسياسية وجغرافية، وأن السوق السورية والأسواق الإقليمية المجاورة هي الفرصة الوحيد للتنظيم لبيع ما ينتجه من حقول العراق وسوريا، والتي تتجاوز 30% من القدرة الإنتاجية الفعلية لحقول سوريا والعراق التي يسيطر عليها التنظيم الإرهابي.
وأضاف: "يلاحظ الخبراء اهتمام نظام الأسد بتنظيم "داعش"، بل وتقديم الحماية والمساعدة له للسيطرة وإدارة تلك الحقول، وأن الخطورة ليست فيما تنتجه وتبيعه "داعش" من النفط في الأسواق المجاورة، بل بحجم التدمير الهائل في البنية التحتية لحقول النفط العراقية والسورية؛ لأن التنظيم اعتمد الطرق البدائية في استخراج ما يمكن أن يعزز مواردها المالية".
حسن أبو هنية، الباحث في شئون الجماعات الإسلامية أكد على أن التجار الذين يشترون النفط من "داعش" يتعاملون مع شبكات النفط، وهي مثلها مثل شبكات تجارة المخدرات أو السلاح. مؤكداً أن النفط قد يباع إلى سوريا أو إيران، وهناك تجار يعملون في السوق السوداء في تركيا وكركوك، وأن الآبار النفطية التي سيطر عليها التنظيم مختلفة الأحجام، حيث بدأ التجار في شراء النفط بأسعار زهيدة، خصوصاً أن عملية الشراء تمر عبر مراحل، حتى تصل إلى المستفيد الأخير، ولفت أبو هنية إلى أن التجار الذين يشترون النفط من "داعش" يعد شغلهم الأساسي، ما دامت عملية البيع والشراء تدر عليهم مبالغ مالية؛ نتيجة الأوضاع الحالية التي يعيشها العراق، وأن عملية البيع والشراء والتوزيع لا يوجد فيها صعوبة ما دام هناك وسطاء داخل العراق أو على الحدود العراقية مع دول الجوار.
وقال سمير العيطة الاقتصادي السوري: "هناك معادلة لا يتكلم عنها أحد في الحرب السورية. هي لم تتحول حتى الآن لحرب شاملة. والأطراف التي تتقاتل مع بعضها البعض ما زالت تتبادل الخدمات والمساومات".
النفط السوري بين
"داعش" تتوسع والأسد ينتعش 
 هذا ويسيطر التنظيم الدموي على مئات الآبار الصغيرة في دير الزور التي كانت تنتج نحو 130 ألف برميل يوميا من الخام الخفيف في معظمه وفي الحسكة والرقة، ولا يزال يستخرج النفط في سوريا ويقوم ببيعه، وطور من أساليبه في تجارة النفط على الرغم من الضربات الجوية التي تنفذها قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة التي استهدفت بعض المصافي المؤقتة التي يديرها سكان محليون في المناطق الشرقية التي يسيطر عليها داعش، وتفادت الآبار الكبرى التي يسيطر عليها التنظيم.
 والمثير للسخرية أن التنظيم يفتتح آبارا جديدة في سوريا، وهو أكده عبدالله الجدعان شيخ العشائر السورية في الشحيل وهي بلدة سورية منتجة للنفط في محافظة دير الزور، قائلاً: "إن التنظيم يبيع النفط ويزيد عمليات التنقيب في آبار جديدة بفضل حلفاء من العشائر، ويستغل عدم قدرة العدو على ضرب حقول النفط".
ويقوم رجال أعمال سوريون بإرسال قوافل تضم ما يصل إلى ثلاثين شاحنة تحمل النفط من الآبار التي يسيطر عليها داعش، عبر مناطق يسيطر عليها في وضح النهار، دون أن تستهدفهم الضربات الجوية، وسمح لهم التنظيم للقوافل بالعبور بوتيرة أسرع عبر نقاط تفتيشية لتشجعيهم على زيادة التحميل، وعرض عليهم تخفيضات وتأجيل الدفع، كما أبلغت "إدارة النفط" التابعة للتنظيم التجار أن بإمكانهم تحميل ما يريدون، ودعتهم لتخزين النفط، في محاولة منه لاستخدام الثروة النفطية بشكل أكثر فعالية لتوسيع قاعدة التأييد له بين العشائر وتعزيز علاقاته بهم حيث يسمح الآن لبعض العشائر البدوية في محافظة دير الزور باستغلال الآبار التي يسيطر عليها، مثل بئر الملح والخراطة ووادي جريب وصفيح وفهدة وغيرها من الآبار المتوسطة والصغيرة التي لا تستخدم في منطقة جبل بشرى.

شارك