الإفتاء العامّ بالأردن: القتل بدعوى الردّة مُخالفٌ لتعاليم الإسلام

الخميس 12/مارس/2015 - 10:59 م
طباعة الإفتاء العامّ بالأردن:
 
أصدرت دائرة الإفتاء العام الأردنية يوم الثلاثاء الماضي 10 مارس 2015، فتوى بحثية ردًا على سؤال ورد إلى دائرة الإفتاء، وهو: ما حُكم ما يفعله خوارج العصر من القتل بدعوى الردة؟ وتاليا نص فتوى الدائرة جوابا على السؤال:- الإسلام دين الله تعالى الذي ارتضاه للناس كافة خاتما للشرائع السماوية متمما به مكارم الأخلاق، مراعيا به فطرة الإنسان وكرامته، قاصدا إلى تحقيق المقاصد العامة للشريعة الإسلامية، والتي منها حفظ النفس البشرية.
وقد اعتبر النبي صلى الله عليه وسلم من نطق بالشهادتين والتزم بأحكام الإسلام ظاهرا مسلما، ولا يجوز الحكم بكفره، فقال صلى الله عليه وسلم: من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله، فلا تخفروا الله في ذمته رواه البخاري، قال الإمام العيني في شرح صحيح البخاري: "أَن أُمُور النَّاس مَحْمُولَة على الظَّاهِر دون بَاطِنهَا، فَمن أظهر شَعَائِر الدّين أجريت عَلَيْهِ أَحْكَام أَهله مَا لم يظْهر مِنْهُ خلاف ذَلِك، وذلك لأن تلك الصفات الثلاث التي هي الصلاة واستقبال القبلة وأكل ذبائح المسلمين لا تجتمع إلاّ في مسلم مقر بالتوحيد والنبوة، معترف بالرسالة المحمدية".
الإفتاء العامّ بالأردن:
واتفق علماء أهل السنة على أن من أظهر شعار الإسلام فهو مسلم ولا يجوز البحث عن باطنه ولا اتهامه بالكفر من غير موجب ظاهر ولا التسرع بالحكم بالكفر على أحد من المسلمين إلا لمن أظهر كفرا بواحا عندنا فيه من الله برهان، ولا يجوز كذلك التكفير بالشبهة بل من عنده شبهة وجب أن يحاور ويناقش لتزول شبهته، فإن أصر على ذلك بعد البيان والتعريف من قبل العلماء المختصين فعندئذ يرفع أمره للقاضي فهو المكلف بإصدار حكم التكفير أو الردة بعد التأكد من انتفاء جميع الموانع، وليس لأحد من آحاد الناس التجرؤ بإصدار أحكام الكفر على الناس لما في ذلك من استهانة بالشرع وتجرؤ على استحلال الدماء ولذلك يقول الإمام المليباري: "تنبيه: ينبغي للمفتي أن يحتاط في التكفير ما أمكنه لعظم خطره وغلبة عدم قصده، سيما من العوام، وما زال أئمتنا على ذلك قديماً وحديثاً" فتح المعين، وقال الإمام الدمياطي: "وليحذر ممن يبادر إلى التكفير في هذه المسائل، فيخاف عليه أن يكفر، لأنه كفر مسلماً" إعانة الطالبين.
وتكفير المسلم من أكبر الكبائر، فلا يجوز أن يكفر مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمد رسول الله إلا إذا ثبت جحوده لأمر معلوم من الدين بالضرورة، ولم يكن له شبهة، وأصر على جحوده، مع علمه وقصده، ومن الواجب على المسلم أن يحسن الظن بالمسلمين، فلا يحكم بكفر أحد منهم، لأن الأصل فيهم الإسلام. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" وَمَنْ دَعَا رَجُلًا بِالْكُفْرِ، أَوْ قَالَ: عَدُوُّ اللهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِلَّا حَارَ عَلَيْهِ (أي عاد عليه)"رواه مسلم قال الإمام النووي في شرحه للحديث :"والتحقيق أن الحديث سيق لزجر المسلم عن أن يقول ذلك لأخيه المسلم وذلك قبل وجود فرقة الخوارج وغيرهم".
وقال ابن دقيق العبد في إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام :"وهذا وعيد عظيم لمن كفر أحدا من المسلمين، وليس كذلك، وهي ورطة عظيمة وقع فيها خلق كثير من المتكلمين، ومن المنسوبين إلى السنة وأهل الحديث، لما اختلفوا في العقائد فغلظوا على مخالفيهم، وحكموا بكفرهم... والحق أنه لا يكفر أحد من أهل القبلة، إلا بإنكار متواتر من الشريعة عن صاحبها".
الإفتاء العامّ بالأردن:
وقد قال الغزالي رحمه الله تعالى: "الخطأ في ترك ألف كافر في الحياة أهون من الخطأ في سفك محجمة من دم مسلم". الاقتصاد في الاعتقاد، ولذا فإن الحكم على أحد من المسلمين بالكفر والردة، لا يكون إلا بشروط لا تتحقق إلا بصعوبة بالغة، ولا تنطبق إلا على أشخاص قلائل، ولا يكون التكفير إلا لدى هيئات معتبرة شرعاً، وهي القاضي وله أعوانه الذين يتحققون مما ينسب إلى الشخص، ويتأكدون من تحقق شروط الحكم وانتفاء موانعه، ويغلبون عدم التكفير في الحكم، ويسلكون في سبيل عدم التكفير كل السبل. لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "... ولعن المؤمن كقتله، ومن رمى مؤمناً بكفر فهو كقتله".
ولذا فإن ما يفعله هؤلاء الجهلة من قتل المسلمين بحجة الردة والكفر، لهو أمر مخالف لتعاليم الإسلام، ولم يفعله إلا الخوارج، حيث كفروا من ارتكب كبيرة من المسلمين، وهؤلاء حكموا بكفر وردّة كل من خالفهم ليستبيحوا دمه، وليجدوا مسوغا للإغراق في القتل وسفك الدماء المحرمة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض" البخاري، والله تعالى أعلم. 

فهل هناك ما يعرف بالردة في الإسلام؟
ليس في القرآن حد الردة الذى اخترعوه في أواخر الدولة الأموية وأوائل الدولة العباسية ووضعوا له الأحاديث التي تُخالف القرآن الكريم. فيقول تعالى: {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقاً} الكهف29
الإفتاء العامّ بالأردن:
فعقاب الكفر مع ربنا سبحانه وتعالى وليس في يد البشر!
ومن يظن أن الإسلام مصيدة من يدخلها لا يخرج منها فليُفكر ثانية، فسوف تكون نتيجة تطبيق حد الردة هو زيادة عدد المُنافقين الذين يدَّعون الإسلام
يقول تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} البقرة256
وعقاب الردة هو مع ربنا الذى قال سبحانه: {...وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }البقرة
فمن ارتد ومات كافرا فقد تهدده الله بأن يحبط عمله وأنه سيكون من أصحاب النار ولا نجد أن الله جعل لنا أن نُعاقبه
سنن النسائي 3990  أَخْبَرَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ إِهَابٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِثَلَاثٍ أَنْ يَزْنِيَ بَعْدَ مَا أُحْصِنَ أَوْ يَقْتُلَ إِنْسَانًا فَيُقْتَلَ أَوْ يَكْفُرَ بَعْدَ إِسْلَامِهِ فَيُقْتَلَ.
في الحديث السابق نجد مُخالفتين للقرآن الكريم هما حد الرجم وحد الردة
موطأ مالك 1219 أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو ثنا أبو العباس الأصم ثنا بحر بن نصر ثنا بن وهب حدثني مالك وداود بن قيس وهشام بن سعد ح وأخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق وأبو بكر بن الحسن قالا ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أنبأ الربيع أنبأ الشافعي أنبأ مالك عن زيد بن أسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من غيَّر دينه فاضربوا عنقه.
وهذا الحديث مُخالف لكتاب الله، وهو كلام غير مُحكم فلا يليق نسبته إلى الرسول الكريم
فهل نقتل من غيَّر دينه من المسيحية أو اليهودية إلى الإسلام أيضا؟
فـ "يكفر بعد إسلامه فيُقتل" و "من غير دينه فاضربوا عنقه" تُخالفان أوامر الله: فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ، وقوله تعالى: لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ
ويستحيل أن يأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بما يُخالف كلام الله في قرآنه الكريم
حدد الله تعالى المُستحقين للقتل في قوله تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ }المائدة32
فالقتل يكون للقاتل وللمُفسد في الأرض فقط
ولنقرأ الآن قوله تعالى: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ{85} كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ{86} أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ{87} خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ{88} إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ{89} إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْراً لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الضَّآلُّونَ{90} آل عمران
لاحظ قوله تعالى: إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ
فإذا كان هناك حد للردة فكيف سيتوبون بعد ردتهم ويُصلحوا؟؟؟
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }المائدة54
وهنا أيضا لا نجد حدا للردة فالله تهدد المُرتدين بأنه سوف يأتي بقوم بدلهم من المُؤمنين
الخلاصة: حد الردة من اختراع الدولة الأموية والعباسية للتخلص من مُعارضيها بتهمة الردة، ولا أصل له في كتاب الله

شارك