دويتشه فيله: استعادة تكريت "السنية" قد يؤجج الحرب الطائفية
الجمعة 13/مارس/2015 - 04:42 م
طباعة
بعد عشرة أيام من شنها هجوما هو الأكبر ضد "داعش"، تمكنت القوات العراقية بدعم من ميليشيات شيعية من دخول مدينة تكريت. انتصار مهم على التنظيم الإرهابي، ولكنه قد يؤجج الحرب الطائفية في المدينة ذات الغالبية السنية.
تمكنت القوات العراقية من دخول مدينة تكريت مركز محافظة صلاح الدين، وذلك بعد عشرة أيام من بدئها هجوما هو الأكبر ضد تنظيم الدولة الإسلامية، منذ سيطرة الجهاديين عليى المدينة في يونيو2014. غير أن قادة ميدانين عراقيين أعربوا اليوم الخميس عن أن القوات الامنية لن تتسرع في العملية العسكرية لاستعادة المدينة من تنظيم "الدولة الإسلامية"، وذلك لتفادي وقوع خسائر في صفوف عناصرها.
وقد بدأ نحو 30 ألف عنصر من الجيش والشرطة وفصائل شيعية مسلحة وأبناء بعض العشائر السنية، عملية عسكرية في الثاني من مارس لاستعادة تكريت ومناطق محيطة بها. وتقدمت هذه القوات تباعا لاستعادة بلدات وقرى في محيط المدينة، وتمكنت أمس من دخول بعض أحيائها، لا سيما حي القادسية. وقد شقت قوات الأمن والميليشيات العراقية طريقها إلى داخل مسقط رأس صدام حسين في تقدم على جبهتين.
" تحرير" مدينة سنية بدعم ميليشيات شيعية:
كل هذه المعطيات تشير إلى أن استعادة مدينة تكريت بالكامل لم تعد سوى مسألة وقت فقط. غير أن مشاركة الميليشيات الشيعية والدعم الإيراني لها قد يعيد مشاهد الحرب الطائفية للمدينة ذات الغالبية السنية. وهو ما قد يؤدي إلى الدخول في أزمة سياسية وأمنية أكبر، حسب بعض الخبراء، خاصة وأن بعض الميليشيات الشيعية تحمل سكان المدينة المسؤولية في نجاح "داعش" في السيطرة على تكريت وغيرها من المناطق.
وفي هذا الصدد يقول هايكو فيمن، الباحث في المعهد الألماني للدراسات الأمنية والسياسية، إن العالم كله يتساءل ما الذي قد يحصل إذا نجحت ميليشيات شيعية في تحرير مدينة ذات غالبية سنية؟ خاصة وأن ذلك قد يعيد لديهم بعض مشاهد الرعب والممارسات القمعية التي شهدتها المدينة ما بين سنة 2006 و2008. ولهذا يرى الخبير الألماني أنه "على الجيش العراقي أن يتعامل بحذر مع سكان المدينة، حتى لا يتولد هناك انطباع بأن القوات العراقية ذات الغالبية الشيعية ستمارس عمليات انتقامية على سكان المنطقة، المتهمين بمساعدتهم لتنظيم "داعش".
بالإضافة إلى ذلك فإن لمدينة تكريت مكانة رمزية مهمة، باعتبارها مسقط رأس الرئيس الأسبق صدام حسين وأبرز قيادات حزب البعث، الذي كان يحكم العراق قبل سنة 2003. ولهذا فإن "استعادة هذه المنطقة بدعم من الميليشيات الشيعية قد يعيد لسكان المدينة ذكريات إعدام زعيمهم آنذاك صدام حسين". ويشدد الخبير الألماني على وجوب تفادي أي عمليات انتقامية، لأن ذلك من شأنه أن يفقد الجيش العراقي مصداقيته. وهو ما قد يؤجج الحرب الطائفية من جديد ويصعب بالتالي مهمة استعادة بعض المدن الأخرى مثل الموصل من "داعش".
هل أوشكت نهاية تنظيم "داعش"؟
وفي ظل محاصرة مدينة تكريت وتراجع "داعش" في بعض المناطق في العراق وسوريا يتساءل بعض الخبراء عن مدى قوة "داعش" وقدرته على الحفاظ على السلطة وتعزيز نفوذه في عدة مناطق. وفي هذا الصدد يقول هايكو فيمن، إن "داعش" لم يعد له القدرة على توسيع مناطق نفوذه، ويضيف: "لكن تأثيره لم ينته، سواء في العراق أو في سوريا، وذلك رغم وجود بعض المشاكل في استقطاب مقاتلين جددا".
والتنظيم حسب رأي الخبير الألماني "قد يفقد جاذبيته تجاه المقاتلين الأجانب، بسبب محاصرته من جميع الجهات". غير أن التنظيم الجهادي ما زال يسيطر على مدينة الموصل، ثاني أكبر مدينة في العراق، إضافة إلى عدة مناطق في العراق وسوريا. علاوة على تأثيره الخارجي ونفوذه في دول أخرى كليبيا. كلها معطيات تثبت على أن التنظيم الإرهابي لا يعيش مرحلة نهايته، بل أنه سيشغل العالم لعدة سنوات، رغم الضغوط الإقليمية والدولية عليه.
من جهته يرى فولكر بيرتس، مدير المعهد الألماني للدراسات الأمنية والسياسية، أن الجيش العراقي بمساعدة قوات التحالف والدعم الإيراني قادر عسكريا على استعادة المناطق، التي يسيطر عليها تنظيم "داعش" في العراق. غير أن المشكل الحقيقي، حسب رأيه، يكمن بالإساس في التوجه السياسي للبلاد بعد القضاء على "داعش". ويشير الخبير الألماني في هذا الصدد إلى "مدى مصداقية وقدرة الحكومة العراقية في بغداد على إعطاء المدن ذات الغالبية السنية كتكريت والرمادي انطباعا حقيقيا بإشراكهم في العملية السياسية".
السبيل إلى الاستقرار:
وأما عن إمكانية عودة الاستقرار والتنمية للمنطقة، فيرى فولكر بيرتس، أن الحكومة العراقية قامت بخطوات أولى في هذا الاتجاه. إذ اتفقت على إنشاء قوات للحرس الوطني في مختلف الولايات، في خطوة نحو تحرير الجهاز العسكري من طابعه المركزي وإشراك سكان المناطق في تشكيل القوات الأمنية في مدنهم وولاياتهم. هذا بالإضافة إلى إشراك شيوخ العشائر في العملية الأمنية والسياسية. وعلاوة على ذلك فإنه من المهم أن تعمل حكومة بغداد على إشراك جميع أطياف المجتمع، ومن بينهم السنة، في الحياة السياسية والاقتصادية والأمنية للبلاد.
وأما على المستوى الإقليمي، فيشير مدير المعهد الألماني للدراسات الأمنية والسياسية إلى "وجوب خلق توازن بين إيران والمملكة العربية السعودية والبحث عن الحوار بين البلدين، الذين يؤججان الحرب الطائفية في المنطقة". وهو ما يشاطره الخبير هايكو فيمن، مشددا على أهمية عودة الثقة بين الفصائل المتناحرة في العراق وبناء مؤسسات قوية وجهاز أمني قادر على حماية الشعب. كما يرى الخبير الألماني أنه من المبكر الحديث عن استرايجية لإعادة تنمية المنطقة، فمن "المهم أولا العمل على مصالحة وطنية والاتفاق على أسس الدولة الجديدة".
الدور الأوروبي:
وأما عن الدور الأوربي في العمل على إعادة الاستقرار للمنطقة، فيقول هايكو فيمن إن "على السياسيين الأوروبيين أن يتقبلوا أن تأثيرهم ضعيف في المنطقة وإمكانياتهم محدودة بسبب تضارب المصالح وتدخل العديد من الدول ومن بينها الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا والسعودية". وأما عن الدور الألماني، فيقول فيمن، إن بإمكانها لعب دور الوسيط في المحادثات النووية الإيرانية من أجل الوصول إلى حل يرضي جميع الأطراف، بما فيها المملكة العربية السعودية. وهو ما يعني حل أحد أهم النزاعات السياسية والأمنية في المنطقة.
من جهته يرى فولكر بيرتس، أن " ألمانيا قد تساعد في إعادة هيكلة الجهاز الأمني عبر مساعدات لوجستية وتدريب الجنود، إذا كان هناك رغبة في ذلك"، مشددا على أن عودة الاستقرار للمنطقة رهين بالدرجة الأولى بالقوى والفصائل السياسية الداخلية وقدرتها على التوصل إلى حلول تشرك مختلف أطياف المجتمع وتراعي مصالح مختلف الدول في المنطقة.