قراءة في أوراق المؤتمر الإسلامي العالمي "مكافحة الإرهاب" المنعقد في مكة (3 من 3)

السبت 14/مارس/2015 - 10:05 م
طباعة قراءة في أوراق المؤتمر
 
قد ناقش مؤتمر مكافحة الارهاب الذي عقد بمكة  في فبراير الماضي الكثير من القضايا المتعلقة بالإرهاب وقد تناولنا في الحلقات الماضية بعض اوراق هذا المؤتمر ونعرض اليوم الوراق التي عرضت في جلسات المؤتمر الختامية والتي تناولت التحيز غير العادل ضد قضايا المسلمين، وظاهرة الارهاب واضعاف العالم الاسلامي، والهيمنة عليه، واثر الارهاب في تشويه صورة الاسلام والمسلمين في الاعلام الغربي، وكثرة الفتن والولوغ في الدماء المعصومة، وضعف الاهتمام بقضايا الامة الاسلامية، واخيرا مخاطر الارهاب في زيادة التوتر على الصعيد العالمي. 
ولتداخل الاوراق والمفاهيم والتشابه الى حد كبير في الاوراق البحثية المقدمة للمؤتمر سوف نركز الاهتمام على اهم العناوين في هذا الجزء والتي تناولها الباحثين في المؤتمر وتتمثل في:

أولا: التحيز غير العادل ضد قضايا المسلمين.

أولا: التحيز غير
ورقة بحثية مقدمة من الدكتور محمد عبد الواحد العسري من جامعة المالك السعدي – المغرب وتناول فيها خطاب الإسلاموفوبيا والذي تنامى اليوم بين جميع الاوساط الغربية بشكل فاق جميع التصورات والتوقعات، فالواقع ان هذا التنامي كما يقول الباحث قد دخل في علاقة جدلية مع تنامي الضربات الارهابية التي قامت وتقوم به بعض الجماعات باسم الاسلام، حيث يؤكد الباحث على ان هذه الجماعات لا تصدر في افعالها الارهابية عن دين الاسلام، بل عن شكل من اشكال التدين الاسلامي المنحرفة في ذاتها، فثمة فوارق بين الدين الذي انزله الله عز وجل على انبيائه، وبين مختلف أنماط التدين . وتهتم هذه الورقة البحثية بالوقوف على أحد العناصر او الثوابت الرئيسية لبنية الارهاب التي تسمح لها بالاشتغال بين اوساط مسلمين مرقوا عن الحق وألقوا بأنفسهم في دوامات التدين المنحرف، ويتعلق الامر في الواقع حسب تعبير الباحث، بالتحيز غير العادل ضد قضايا المسلمين مما يؤدي إلى الارهاب، وهو التحيز الذي اشتهر بعبارة: الكيل بمكيالين.
حيث ان الكيل بمكيالين أو التحيز الظالم أو اعتماد المعايير المزدوجة، يسمح لمستخدمه ان يتخذ موقفين أو حكمين مختلفين ومتناقضين من نفس المسألة، فالغرب مثلا لم يتعب من الحديث عن الحقوق الثقافية والدينية للأقليات في العالم الإسلامي، غير انه لا يتورع عن العصف بهذه الحقوق عندما يتعلق الامر بالأقليات الاسلامية، سواء التي تعيش بين ظهرانيه، أو التي تعيش في جهات اخرى من العالم، كمسلمي ميانمار وغيرهم، وهذه المعايير المزدوجة تؤجج الاحساس بالظلم بين هذه الاقليات وبين جميع المسلمين في العالم، ويؤدي تراكمه إلى ردود أفعال انفعالية ضد من يعتمده من الغرب ومن يواليهم من المسلمين. 

ثانيا: أثر الارهاب في تشويه صورة الاسلام والمسلمين في الاعلام الغربي

ثانيا: أثر الارهاب
هذه الورقة البحثية الهامة مقدمة من الشيخ عبد الحق بن الملا حقي التركماني، مدير مركز البحوث الاسلامية في السويد.
حيث يدور البحث حول قضية "تشويه صورة الاسلام والمسلمين" بسبب الاعمال الارهابية والاجرامية التي يتورط في ارتكابها بعض الفرق الاسلامية، او تلك التي تنسب الى المسلمين زورا وبهتانا، فتلك الاعمال تستغل وتوظف اعلاميا لتحقيق ذلك "التشويه" المقصود والذي يقدم للجمهور الغربي في سياق تضخيم إعلامي، ودعاية مضادة، لإثارة المشاعر والاحاسيس، وتنمية نوازع الكراهية والعداء، بما يزيد من ظاهرة "الاسلاموفوبيا" ويقوي نظرية "صراع الحضارات".
وترجع خطورة هذا البحث في انه يؤسس ان عمليات التشويه المتعمدة للدين الاسلامي والمسلمين قد تبنتها الكنيسة الغربية منذ القدم، والخطير في الامر خاصة في مؤتمر كهذا ان هذا القول قد يؤجج الفتنة الطائفية في بعض البلدان الاسلامية، مما يعد دعوة للتطرف بدلا من مكافحته.
وبعد عرض محتوى بعض التقارير الغربية عن صورة الاسلام والمسلمين في الاعلام الغربي خلص الباحث للنتائج التالية:
1- تكون ال: "هم" للتعبير عن "المسلمين" وإبراز مدى اختلافهم عن العالم الغربي، وركزت المقالات على كل شيء ابتداء من المظهر والملابس، وكيفية التفكير والتصرف مقارنة بالغرب، وتم الحديث عن (الدولة الاسلامية غير متطورة وغير ديموقراطية ومحكومة بالعواطف، والدين مهم جدا عند المسلمين، والعالم الاسلامي كيان واحد في انتمائه، وسمات المسلمين غامضة)
2- تكون ال: "نحن" للتعبير عن الشعوب الغربية، ويظهر تأثير هذا في صورة المسلمين في الاعلام، من ملاحظة ان التركيز على "نحن" يقصد بها التمايز عن "هم" 
3- كثير من تلك المقالات ابرزت نظرية "صراع الحضارات" 
4- ان الكثير من هذه المقالات تجعل "المسلم المتدين" مرادفا لكون الشخص خطيرا.
وينتقل الباحث في صفحاته الاخيرة الى الاثار المترتبة على تضافر الارهاب والاعلام والإسلاموفوبيا على مسلمي الغرب، حيث تتلخص تلك النتائج في:
1- صعود اليمين المتطرف في عموم الدول الغربية.
2- ظهور التنظيمات العنصرية المتطرفة ونشاطها الكبير خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وتنظيمها للمظاهرات والاحتجاجات، وهذه الحركات تخص الإسلام والمسلمين بعدائها.
3- ازدياد الاعتداء على المسلمين في أماكن العمل والميادين العامة، وهذه الاعتداءات تبدأ من اطلاق الفاظ العنصرية والشتم، وتصل الى الضرب وربما القتل
4- التمييز ضد المسلمين فيما يتعلق بحقهم في العمل والوظيفة
5- التضييق على المساجد والمؤسسات والمنظمات الاسلامية، والتشدد في مراقبة نشاطاتها
6- التضييق على المدارس الاسلامية، ومطالبة العنصريين بإغلاقها
7- محاولة منع الدعم الذي تقدمه الدول الاسلامية للمسلمين في الغرب 
8- التدخل السافر في تفاصيل عقائد المسلمين وشعائرهم والتزامهم الديني.

ثالثا: ظاهرة الارهاب واضعاف العالم الاسلامي، والهيمنة عليه

الدكتور صدقة بن يحيى
الدكتور صدقة بن يحيى فاضل
ورقة بحثية مقدمة من الدكتور صدقة بن يحيى فاضل، استاذ العلوم السياسية، وعضو مجلس الشورى بالمملكة العربية السعودية.
وبعد ان يقوم في مقدمة بحثه بتناول تعريفات الارهاب المختلفة يؤكد على ان هناك شبه اجماع عالمي على ضرورة مكافحة "الاستعمار" واحتلال اراضي الغير بالقوة بأشكاله المختلفة، مطالبا بتعديل تعريف "الارهاب السياسي ليصبح:- (محاولة فرد أو جماعة أو دولة معينة، تحقيق بعض الأهداف السياسية "عدا مقاومة الاستبداد والعمل على التحرر من الاستعمار والاحتلال الأجنبيين" عبر استخدام العنف وتخويف وإرعاب صانعي القرار المعنيين والضغط عليهم، وذلك بقتل او جرح بعض الناس وتدمير منشآتهم – ولو كانوا أبرياء لا دخل لهم في القضية المراد خدمتها – أو بوسائل أخرى غير مشروعة)، ويستطرد بان هذا التعريف غير مقبول بالقطع لدى اسرائيل.
وتنتهي هذه الورقة البحثية بانه نتيجة لسوء تفسير بعض الأحكام الشرعية للدين الاسلامي الحنيف، واعتناق بعض المسلمين لفكر متطرف ضال يحسب على الاسلام وهو منهى براء، وبسبب الأوضاع في أغلب بلاد العرب والمسلمين، واستشراء الظلم والفساد في بعض ديارهم، وممارسة الغرب لسياسات ظالمة قاهرة تجاه العالمين العربي والإسلامي، نشأت ظاهرة "الإرهاب" وتفاقمت، حتى أصبحت تهدد وجود الأمة وتقض مضاجعها، وتشوه دينها أمام كل العالم.
وللغرب سياسات سلبية تجاه العرب والمسلمين، فهناك أهداف يسعى إلى تحقيقها في الأرض الاسلامية، متبعا عدة وسائل لتحقيق ذلك، والآن أصبح الغرب يستغل ظاهرة الارهاب في البلاد الإسلامية، ويستخدمها كوسيلة لتحقيق أهدافه، خاصة بالتدخل المباشر وغير المباشر في الشأن الداخلي لهذه البلاد بحجة محاربة الإرهاب، في الوقت الذي يعمل فيه على تحقيق أهدافه المعلنة وغير المعلنة.
وللخروج من هذا المأزق الذي وجدت الأمة نفسها فيه، لابد من قيام حركة تصحيح دينية كبرى، يقودها العلماء وزعماء المسلمين العقلاء والمخلصين، تنقي الاسلام الصحيح مما علق به من شوائب لا حصر لها، ومنها الفكر التكفيري والاقصائي الضال.

رابعا: مخاطر الارهاب صوره وآثاره في زيادة التوتر على الصعيد العالمي

الدكتور محمد بشاري
الدكتور محمد بشاري أمين عام المؤتمر الاسلامي الاوروبي
ورقة بحثية من اعداد الدكتور محمد بشاري أمين عام المؤتمر الاسلامي الاوروبي، وعميد معهد ابن سينا للعلوم الانسانية بفرنسا.
حيث يؤكد في هذا البحث على ان واقع وصور المجتمعات الاسلامية الحديثة مع أزمات الارهاب شكلت صورا مؤلمة، ولوحة دموية، فكانت أشد تأثرا وأكثر قسوة من جانبين:
الاول: اتهام الاسلام بالإرهاب، واقتران مصطلح الارهاب بالإسلام ، والحقيقة ان الاسلام دين سلام وعدل يدعو الى السماحة والتراحم والحرية، ودين الوسطية والاعتدال.
ثانيا: الآثار الناتجة عن اتهام الاسلام بالإرهاب كانت اشد قسوة على المجتمعات المسلمة دون غيرها، خلافا لما كان الأمر عليه سابقا في القرون السابقة. ثم يقدم الباحث مشاهد من زيادة التوتر في المجتمعات الاسلامية، وكذلك أهم محطات التأزم السياسي والديني في الساحة الاسلامية ويضرب أمثلة بتنظيم داعش ومشكلة بورما وكذلك الانتهاكات الاسرائيلية للمقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس، ثم الاقليات المسلمة في الغرب. ثم يقدم لنا الباحث اهم توصياته في ختام البحث والتي تتلخص في:
1- وجوب التمسك بالشريعة الاسلامية كمنهاج وسطي، ووجوب تمسك المسلمين بعقيدتهم، وعدم التخلي عن ثوابت الأمة 
2- علاج التطرف السائد عند بعض الجماعات الاسلامية المتشددة لن يتم الا من خلال الاسلام نفسه، وبالطبع ليس من الجماعات العلمانية التي ذهبت بعيدا في الغلو المادي وتسببت في ظهور التطرف الديني المضاد، وهذه النقطة بينما تؤكد على الفهم القاصر لمفهوم العلمانية ومحاولة تشويهها ووضعها في مقابلة ضدية مع الدين مما ينتج عنه تطرف مزيد وليس معالجة للتطرف والارهاب.
3- العمل على تجديد واصلاح المؤسسات الدينية التقليدية، عبر اعادة الاعتبار اليها وتأهيلها وتجديدها
4- موازاة مع التمسك بالوسطية والاعتدال التي كانت تميز المسلمين منذ الرسالة ، لابد من فتح الابواب لتجديد الخطاب الديني في ضوء الضوابط الشرعية.
ومن كل ما تقدم في هذه الاوراق البحثية ومن خلال قراءتنا لأوراق المؤتمر العالمي لمكافحة الارهاب يتضح لنا:
1- ان معظم الأوراق المقدمة انما تدين الغرب وتوجه له الاتهام بانه صانع الارهاب
2- ان هذا الارهاب دخيل على ثقافتنا الاسلامية مما يخالف الحقيقة بان التاريخ الاسلامي مليء بالحركات الارهابية
3- ان معالجة الارهاب بالمؤتمرات غير مجدية حيث لغة الخطاب مفارقة للواقع المعيش وطبيعة العمليات الإرهابية
4- ان الخطب الرنانة لا تقدم مواجهة حقيقة مع الارهاب فقط تقدم تعريف له 
5- ان المواجهة الحقيقية للإرهاب لابد وان تكون من داخل الذهنية المنتجة لهذا الارهاب ، فالمعركة مع الارهاب ليست معركة رصاص فقط بل معركة مع الفكر
6- ان الحديث عن تجديد الخطاب الديني من خلال الاطر والضوابط غير مجدي حيث يكون تجديدا في المنقول عن القدماء وليس انتاج فقه جديد يتوافق مع الواقع المعيش
7- ان كل هذه المؤتمرات والابحاث انما تدور في فلك رد الفعل عن حوادث وجرائم وليس لديها مبادرة حقيقية لاجتثاث الفكر الارهابي من عقول ابنائنا في المدارس
8- ان كثير من الاوراق البحثية أدانت المؤسسات الدينية مما يثبت ان هذه المؤسسات لابد من اعادة النظر اليها واعادة هيكلتها والنظر فيما تقدمه مما يتماشى والواقع المعيش
9- اهمية انتاج فقه العيش بديلا عن فقه القرون الوسطى

شارك