حلم الامبراطورية.. السقوط الإيراني في العراق

الإثنين 16/مارس/2015 - 04:23 م
طباعة حلم الامبراطورية..
 
يبدو أن التصريحات المنضبطة من قبل مسئولي النظام الإيراني، لم تعد كما كانت وخاصة فيما يتعلق بالشأن العراقي، واليوم أصبحت التصريحات تكشف المطامع الإيرانية في العراق بتأسيس حلم الامبراطورية الفارسية وعاصمتها بغداد.
تصريحات المسئولين الإيرانيين ربما لا يتوقعون رد فعلها في الشارع العراقي، إلا من محسوبين عليها، فالجميع غاضب من هذه التصريحات والتقليل من مكانة وقيمة الدولة العراقية عبر التاريخ الطويل.

يونسي وحلم الامبراطوري

يونسي وحلم الامبراطوري
لا شيء ربما يعبر عن التحول الذي يشهده العراق اليوم بشكل ساطع، كما تعبر عنه صورة الزعيم الإيراني الراحل الخميني والمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي، التي عُلقت مؤخرًا على سياج ساحة الفردوس وسط بغداد حاجبة قاعدة تمثال صدام حسين وسط الساحة، بالإضافة الي إطلاق اسم الخميني على شارع الرئيسي في مدينة النجف المقدسة، والتي تمثل المرجع الأول للشيعة في العالم، مع رفع صور الخميني وخامنئي في شوارع بغداد وساحات المواجهة بين الميليشيات الشيعية "الحشد الشعبي" وتنظيم الدولة الاسلامية "داعش"، كل ذلك كان تمهيدا ومواكبا لتصريحات القادة الإيرانيين حول الامبراطورية الإيرانية. 
وقد قال وزير المخابرات الإيراني السابق علي يونسي، مستشار الرئيس الإيراني حسن روحاني، في سياق مؤتمر "الهوية الإيرانية"، إن بلاده أصبحت اليوم "امبراطورية" كما كانت عليه في التاريخ، مضيفاً أن عاصمتها اليوم هي بغداد، وأنها "مركز الحضارة والثقافة والهوية الإيرانية كما كانت في الماضي" في إشارة إلى الامبراطورية الفارسية قبل الإسلام التي حكمت العراق، وجعلت من المدائن عاصمة لها.
ونقلت وكالة "إيسنا" الإيرانية عن يونسي قوله: إن "جغرافيا إيران والعراق غير قابلة للتجزئة وثقافتنا غير قابلة للتفكيك؛ لذا إما أن نقاتل معاً أو نتحد"، وهاجم السياسيين المعارضين للنفوذ الإيراني في المنطقة بقوله: إن "كل منطقة الشرق الأوسط إيرانية"، مضيفاً "سندافع عن كل شعوب المنطقة؛ لأننا نعتبرهم جزءا من إيران، وسنقف بوجه التطرف الإسلامي والتكفير والإلحاد والعثمانيين الجدد والوهابيين والغرب والصهيونية". على حد تعبيره.
وهاجم مستشار الرئيس الإيراني تركيا بقوله: "إن منافسينا التاريخيين من ورثة الروم الشرقية والعثمانيين مستاءون من دعمنا للعراق"، مؤكداً أن بلاده تسعى لتأسيس "اتحاد إيراني، لا نسعى من خلاله إلى إزالة الحدود، إنما لتقريب جميع البلاد المجاورة للهضبة الإيرانية". خاتماً تصريحاته بالقول: "لن نفتح العالم مرة أخرى، لكننا سوف نستعيد مكانتنا ووعينا التاريخي، وسنفكر عالمياً، ونعمل إيرانياً وقومياً".
ولئن بدت تصريحات يونسي تحمل استفزازاً كبيراً للجارة العراق، التي أصبحت تماماً مرهونة بيد ميليشيات طائفية توجّهها إيران، وبحكومة تدين لها بالولاء الصريح، فإنها تتعدى هذه الإهانة لتشكل تهديداً آخر لجميع دول الجوار الإيراني، عبر الافصاح لأول مرة بهذا التجرد والوضوح عن جهد إيران التوسعي المحموم في المنطقة.

تصريحات الاستعلاء

تصريحات الاستعلاء
تصريحات علي يونسي ليست هي الوحيدة في هذا الشأن، بل هناك العشرات من التصريحات الصادرة من قبل المسئولين الإيرانيين، حول المنطقة بشكل عام والعراق بشكل خاص، يتضح فيها مدى الاستعلاء، وأن العراق أصبح جزءا من الدولة الإيرانية. 
ومن أبرز هذه التصريحات ما فجّره النائب عن مدينة طهران في البرلمان، علي رضا زاكاني، حين قال في سبتمبر العام الماضي: إن أربع عواصم عربية أصبحت اليوم في يد إيران وتابعة لمبادئ الثورة الإسلامية، في إشارة لسيطرة الحوثيين على صنعاء بعد نفوذ طهران في كل من بغداد ودمشق وبيروت.
وفي نوفمبر من العام ذاته، قالت الناطقة باسم الخارجية الإيرانية، مرضية أفخمي: إن "الكذب الخليجي" لن يغير من حقيقة أن الجُزر الثلاث- المتنازع عليها مع الإمارات- هي جزر "إيرانية صرفة".
وفي عام ٢٠١١، نقل عن رجل الدين الإيراني مهدي طيب، نفي قيام بلاده بمحاولة اغتيال للسفير السعودي في واشنطن عادل الجبير، بقوله: إن طهران ليست بحاجة لاغتياله، لكنها لو أرادت لتمكنت من ذلك الاغتيال، بما فيه "قتل العاهل السعودي" آنذاك، الملك عبد الله بن عبد العزيز.

أدوات السيرة الإيرانية

أدوات السيرة الإيرانية
تعتبر الميليشيات الشيعية التي تقوم إيران على دعمها أحد أهم أدوات السيطرة والتحكم في الشأن العراقي، بل والسيطرة على المنطقة بشكل عام.
فهناك أكثر من 40 ميليشيا شيعية تدعمهم إيران بالمال والسلاح وعلى رأسها منظمة بدر الشيعية التي يقودها هادي العامري وزير النقل العراقي السابق، وميليشيا عصائب أهل الحق وغيرها تمثل أدوات السيطرة على الأرض وإخضاع كل من يخرج عن الطوع الإيراني.
قادة الأحزاب والحركات السياسية، لا يثران سيطرة مباشرة على قادة الأحزاب وعدد من رجال الدين العراقيين، فحزب الدعوة الحاكم والذي يترأسه نوري المالكي نائب الرئيس العراقي، والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية بقيادة عمار الحكيم ومنظمة بدر بقيادة هادي العامري، وحزب الله- العراق، وغيرها من الأحزاب الإسلامية الشيعية التي كانت قبل 2003 تمثل لهم إيران المنفى والملجأ الرئيسي.
كما يلعب قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني، أحد أبرز قادة الحرس الثوري الإيراني في العراق، دورا كبيرا في التمدد الفارسي ببلاد الرافدين، وهو ما يشكل منظومة الميليشيا المسلحة والتي يقودها عبر الهاتف، ويخوض صراعا للحفاظ على مناطق الوجود الإيراني وفقا للصراع الصفوي العثماني والتي كان العراق مقسما فيما بينهم.
ويأتي النفوذ الاقتصادي كأحد أهم أدوات السيطرة على العراق، فطهران تسيطر بشكل كبير وخطير على الاقتصاد الإيراني وحقول البترول والسلع والأسواق، مستغلة العاطفة الدينية لدى أتباع المذهب الشيعي في تمدد ونفوذ ودعم الاقتصاد الإيراني.

صحوة العروبة

صحوة العروبة
هذه الأدوات وتلك التصريحات من قادة إيران يقابلها نمو الحس القومي العروبي لدى أبناء الشعب العراقي، مع إحساسهم بالمهانة من تصريحات المسئولين الإيرانيين، وكان الشعب العراقي على مختلف أطيافه أصبح من رعية الخليفة الشيعي بطهران.
وانتقد نواب عن تحالف القوى العراقية وكتل أخرى الدعوات التي أطلقت مؤخرا، وتستهدف محو هوية العراق العربية والإسلامية. ودعوا في بيان مشترك تلاه رئيس الكتلة النيابية لتحالف القوى العراقية أحمد المساري "الأخوة في الوطن والعروبة إلى الرد على كل ناعق يهدف إلى شق وحدة الصف قاصدا بذلك محو هوية العراق العربية والإسلامية".
وذكر البيان أنه "وفي الوقت الذي يقف أبناء الشعب العراقي صفا واحدا بوجه همجية الإرهاب الداعشي، نسمع أصواتا نشازا من هنا وهناك تبتغي التشفي بجراح أبناء الوطن الواحد وقد غاضها اختلاط الدم العربي بسنته وشيعته مع الدم الكردي وبقية الطوائف العراقية الكريمة وهم يخوضون حرب تحرير أرض العراق المقدسة
واشار البيان الي تصريحات القادة الايرانيين ومزايدتهم علي العراقيين فتارة يقولون: "إن بغداد عاصمة الامبراطورية الفارسية، وتارة يدعون العراقيين إلى ترك العروبة بعد أن ألصقوا بها صفة الجهل والذل، بل إنهم لينقمون على عقال العرب الذي يمثل عنوان شموخهم ورفعتهم". 
وتابع البيان: "إن كانوا يقصدون مكونا من دون آخر بتخرصاتهم تلك، فإنهم يسيئون للشيعة قبل السنة، فليس العربي السني بأكثر فخرا ولا تمسكا بتقاليده وقيمه العربية الأصيلة من أخيه العربي الشيعي، وكلاهما يدافعان عن أرض العراق من شماله إلى جنوبه".
وأضاف: "نقول للمتصيدين بالماء العكر والعراق يمر بمحنته الحالية، يكفي العرب فخرا أن فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنهم مادة الإسلام وأصله، وعلي رضي الله عنه عربي، والحسين رضي الله عنه عربي وأبناؤهم كلهم عرب اقحاح كابرا عن كابر".
وحذر البيان من "أن تلك الأصوات ليست بأقل إجراما وخبثا من الذين يحاولون طمس تاريخ هذا البلد الذي يمثل جمجمة العرب وتدمير آثاره ونهبها، فالطرفان يشتركان مع أعداء العراق في هدف واحد هو النيل من البلد انتماء ووجودا".
وقال أحمد الصافي ممثل المرجعية في خطبة الجمعة في كربلاء، نقلاً عن المرجع الأعلى علي السيستاني: "إننا نعتزّ بوطننا وبهويتنا وباستقلالنا وسيادتنا. وإذا كنّا نرحب بأي مساعدة تُقدَّم إلينا اليوم من إخواننا وأصدقائنا لمحاربة الإرهاب- ونحن نشكرهم عليها- فإن ذلك لا يعني في أي حال من الأحوال أن نغضّ الطرف عن هويتنا واستقلالنا، كما ذهب إليه بعض المسئولين في تصوراتهم".
وأكد ممثل السيستاني أن "العراق سيكون كما كان دائماً، منيعاً إزاء أي محاولة لتغيير هويته وتبديل تراثه وتزييف تاريخه". وأوضح أن هذا الكلام الصريح جاء رداً على تصريحات مستشار الرئيس حسن روحاني.

المشهد العراقي

المشهد العراقي
يبدو أن الأدوات التي نفذت بها إيران إلى العراق ستكون هي نفس الأدوات التي ستخرج منها من بلاد الرافدين، وذلك مع تصريحات الاستعلاء و"العنجهية" الإيرانية تجاه العراقيين وتذكيرهم دائما بالفضل الفارسي عليهم في حمايتهم ومحاربتهم لتننظيم "داعش"، أو النظام العراقي الأسبق، والعراقيون اليوم يهبون ضد المساعي الإيرانية لصهرهم في النموذح الفارسي ويعدوا لعروبتهم وتاريخهم ونضالهم، ويجدر بالمسئولين الإيرانيين التمعُّن في نصيحة السيستاني ومشاعر الغضب العراقية التي بدأت تظهر على السطح، وقد تشتعل فتأكل الوجود الإيراني بالعراق.

شارك