الطبخة الأمريكية الإيرانية.. الشيطان الأكبر يصبح الحليف الأفضل
الثلاثاء 17/مارس/2015 - 01:47 م
طباعة

يبدو أن الطبخة الأمريكية الإيرانية أوشكت على الانتهاء عقب نضجها على دماء العربية، فقد تحولت الشيطان الأكبر- الشعار الذي رفعه السيد الخميني المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران- إلى الحليف الأفضل والصديق المقرب.
وجاءت تصريحات المسئول النووي الإيراني علي أكبر صالحي في ختام الاجتماع بين وزيري الخارجية الإيراني محمد ظريف ونظيره الأمريكي جون كيري، ليؤكد على أنه متفائل جدا بشأن التوصل إلى اتفاق، تزامنت مع تصريحات كيري بشأن الحوار مع الرئيس السوري بشار الأسد للبقاء في السلطة وانهيار الأزمة.
الملف النووي

انتهى أمس الاثنين الاجتماع الذي عقده وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف في لوزان بسويسرا لبحث الملف النووي.
وذكر وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بعد الاجتماع الذي استمر 4 ساعات بأنه تناول موضوع العقوبات المفروضة على طهران ورسالة نواب الكونغرس الأمريكي المعارضين لإنجاز اتفاق بين الجانبين.
كما أكد المسئول النووي الإيراني علي أكبر صالحي في ختام الاجتماع بأنه متفائل جدا.
من جانبها قالت متحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية:إن واشنطن تتوقع أن يتم الحسم حتى نهاية الشهر الجاري ما إذا كان من الممكن إنجاز اتفاق يرضي كلا الجانبين.
ويأتي الاجتماع في مطلع أسبوع حاسم على صعيد المفاوضات من أجل التوصل إلى إطار لاتفاق تاريخي حول البرنامج النووي الإيراني بحلول نهاية الشهر.
وإذا توصلت الدول الكبرى وإيران إلى اتفاق سياسي سينتقل الطرفان إلى إعداد اتفاق نهائي وكامل يتضمن كل التفاصيل التقنية.
وسيحدد الاتفاق السياسي المحاور الكبرى لضمان الطابع السلمي للأنشطة النووية الإيرانية وعدم تمكن طهران من صنع قنبلة نووية. كما سيحدد مبدأ مراقبة المنشآت النووية الإيرانية، ومدة الاتفاق وجدولا زمنيا للرفع التدريجي للعقوبات الاقتصادية المفروضة عن إيران.
وعبر رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني عن تفاؤله بقرب توقيع الاتفاق النووي بين طهران والقوى الكبرى، مضيفا أن الاتفاق المحتمل سيكون لصالح دول المنطقة.
وتخشى بعض الدول الخليجية والسعودية على وجه الخصوص من تحقيق طهران تقدما إيجابيا لها حال التوصل لاتفاق بشأن برنامجها النووي، حيث سيؤدي ذلك إلى رفع العقوبات الاقتصادية عنها، مع تمدد مخالبها النارية في عمق عدد من الدول.
الحذف من قائمة الإرهاب

وجاء حذف إيران وحزب الله اللبناني، من قائمة التحديات "الإرهابية" التي تواجه الولايات المتحدة ليكون استكمالا للطبخة الأمريكية والصفقة التي تتم بين إيران وأمريكا.
وتضمّن التقرير السنوي لوكالة الاستخبارات القومية الأمريكية الذي سُلم للجنة الخدمات العسكرية في مجلس الشيوخ الأمريكي، بتاريخ 26 شباط 2015، توصيفاً لواقع التهديدات في المنطقة، وعرضا لأهداف إيران وحزب الله ونياتهما، من دون إلصاق تهم الإرهاب بهما كما جرت العادة في التقارير السنوية السابقة.
وذكر التقرير حزب الله مرة واحدة، في إشارة إلى التهديدات التي يواجها من جماعات متشددة، مثل "داعش" و"جبهة النصرة"، بينما دان طهران فقط لدعمها نظام الرئيس السوري بشار الأسد.
وفي التقرير السابق لمدير الاستخبارات جيمس كلابر الصادر في 2014، أدرج مدير الاستخبارات إيران وحزب الله ضمن قسم "الإرهاب"، موضحا أنهما "يستمران في تهديد مصالح حلفاء الولايات المتحدة بشكل مباشر حزب الله زاد من نشاطه الإرهابي الدولي خلال السنوات الأخيرة لدرجة لم نلحظها منذ التسعينيات".
كما أن إيران كانت مدرجة في قسم "الإرهاب" في نسخ أعوام 2011 و2012 و2013 من التقرير ذاته.
وإذا كان التقرير قد أزال صفة الإرهاب عن إيران وحزب الله، إلا أنه أبقى على صفة التهديد قائمة كما هي، مع تخفيف اللهجة قياساً بالتقارير السابقة، إذ عاد وأكد أن «الجمهورية الإسلامية هي تهديد متصاعد للمصالح القومية الأمريكية بسب دعمها لنظام (الرئيس السوري بشار) الأسد، وسياستها المعادية لإسرائيل، وتطوير قدرات عسكرية حديثة». ولفت إلى أن إيران، في الوقت الذي تعمل فيه على توسيع نفوذها في المنطقة و«دعم المجموعات الشيعية»، تحرص على تحقيق التهدئة في المنطقة العربية، والتخفيف من التوتر مع المملكة العربية السعودية. ونبّه طهران إلى أن عليها أن تحذر من أن تؤدي سياساتها إلى تغذية مخاوف وردود فعل طائفية يمكن أن تضر بإيران نفسها!
وعلّقت الإذاعة الإسرائيلية أمس على ما وصفته بـ«حذف» إيران وحزب الله من قائمة التهديدات الإرهابية، فأشارت إلى أن الخطوة الأمريكية لم تأت من باب الصدفة، بل هي مرتبطة إلى حد كبير، بالمفاوضات النووية بين طهران والإدارة الأمريكية.
التغير الأمريكي تجاه الأسد

الأمور لم تتوقف عند الملف النووي وقوائم الإرهاب، فقد حدث تطور بارز في الموقف الأمريكي عكسته تصريحات كيري من خلال دعوته لمحاورة الرئيس السوري بشار الأسد، ويشي بملامح صفقة أمريكية إيرانية يتم الإعداد لها مع دخول الأزمة السورية عامها الخامس.
وتشير تصريحات كيري إلى أن نجاة الأسد من الأزمة، أصبح الاحتمال الأكثر ترجيحا، مع تأييد إيران غير المحدود للأسد، وعدم وجود إشارات من روسيا للتخلي عنه.
أثارت تصريحات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري حيال ضرورة التفاوض مع الرئيس بشار الأسد لحل الأزمة السورية- غضب الحلفاء الأوروبيين والإقليميين.
جاء ذلك في وقت طالب فيه بشار الأسد واشنطن بتطبيق تصريحاتها على أرض الواقع، من خلال وقف دعم المعارضة التي يضعها جميعها في خانة "الجماعات الإرهابية".
حرب "داعش"

كما تمثل الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" والدور الإيراني في مواجهة الجماعات الجهادية أمرا حيويا ضمن أوراق الصفقة الأمريكية.
وتلعب إيران وحزب الله دورا كبيرا في الحرب الدائرة ضد تنظيم «داعش»، إلى جانب الولايات المتحدة والعديد من الدول الغربية والعربية.. الامور قد لا تقف عند تنظيم "داعش" بل قد تمتد بالاستعانة بإيران في الحرب ضد الإرهاب الجهادي في بلدان أخرى، وليس في سوريا والعراق ولبنان فقط.
وأشارت تقارير إعلامية إلى ما اعتبره "صفقة" إيرانية أمريكية يقاتل بموجبها الحرس الثوري الإيراني تنظيم «داعش» في العراق، مقابل تنازلات لأوباما في الاتفاق النووي.
وأشارت التقارير إلى أن الاستراتيجية النووية الإيرانية "تجلب الأرباح" لرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي ستكتفي قواته بمحاربة تنظيم الدولة من الجو، بينما يقوم الحرس الثوري بدور محاربة «داعش» على الأرض، مثلما بدأ في تكريت.
قلق خليجي

ويبدو أن القلق الخليجي كان واضحا، وهو ما عبر عنه السفير القطري السابق لدى واشنطن ناصر آل خليفة أن دول الخليج وسوريا والعراق أصبحت جزءًا من صفقة الولايات المتحدة مع إيران، متوقعًا أن يتم التضحية بهم إذا لم يدعموا شعب سوريا.
وكتب آل خليفة في تغريدة عبر حسابه بموقع تويتر يقول: "أي محلل سياسي يعي أن سوريا والعراق ودول الخليج أصبحت جزءًا من صفقة مع إيران، وسيتم التضحية إن لم تأخذ دول الخليج زمام المبادرة وتدعم شعب سوريا".
وأضاف: يجيد العرب مقولة "المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين!" ويبدو أن بعض العرب أدمن اللدغ من الغرب كوظيفة ثمنها ضياع فلسطين والعراق والآن سوريا والخليج!
ويرى مسئولون خليجيون أن إيران وراء زعزعة الاستقرار في دول مثل سوريا ولبنان والعراق واليمن، وهي مَنْ دعّمت الحوثيين سياسيا وعسكريا للوصول إلى السلطة وطرد الرئيس عبدربه منصور هادي، وأن المفاوضات الحالية بين الدول العظمي وإيران من شأنها أن تمهّد الطريق نحو امتلاك طهران لأسلحة نووية في المستقبل، وبالتالي تعاظم نفوذها في المنطقة.
وحسب هؤلاء فإن الموقف الأمريكي تجاه المفاوضات مع إيران لم يراعِ حلفاءها في منطقة الخليج، حتى إن واشنطن غير قادرة على إيجاد حلول أخرى لتسوية الأزمة، بدليل أن الرئيس الأمريكي أوباما قال في تصريحات صحفية سابقة: "لا بديل قابل للتطبيق".
والتطبيع الأمريكي مع النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط ليس مرتبطا فقط بتدخل طهران الحالي في الحرب الهادفة إلى طرد "داعش" من الأراضي العراقية، بل سبق أن حصل تنسيق متقدم بين البلدين في غزو العراق سنة 2003. وتعامل الأمريكيون مع التدخل الإيراني في النزاع السوري كأمر واقع، واكتفوا بتصريحات ضبابية حول سيطرة الحوثيين على صنعاء والإطاحة بالرئيس عبدربه منصور هادي ودفعه إلى الهروب إلى عدن.
المشهد الآن

يبدو أن الطبخة الإيرانية الأمريكية استوت على نيران المعارك في العراق وسوريا ولبنان واليمن وأفغانستان، ويبدو أن ظهور "داعش" كان الورقة التي لعبت بها واشنطن وطهران لإنهاء ملفات المنطقة، مع خيبة أمل لدى الدولة الخليجية في الحليف الأمريكي الذي بحث عن مصالحه مع الجارة العدوة لحكام الخليج.
الأمور الآن تعود تدريجيا إلى ما قبل 1979، ومعها سنجد الأمور تسير بشكل آخر في ظل أحلام الإمبراطورية الإيرانية.