هجمات انتحارية وقتلى وجرحى.. اليمن بين شقي رحى الإرهاب "داعش والقاعدة"
الإثنين 23/مارس/2015 - 09:00 م
طباعة


نشرت صحيفة لوموند الفرنسية تقريرًا حول الهجمات الانتحارية التي شنها تنظيم الدولة يوم الجمعة الماضي 20 مارس 2015 في صنعاء، ضد مساجد يرتادها المصلون الشيعة، وخلفت أكثر من 140 قتيلاً، ووصفت الصحيفة هذه الهجمات بأنها استعراض قوة من تنظيم الدولة في بلد كان تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية هو الأقوى والأكثر حضوراً فيه، وخاصة بعد يومين من الهجوم على متحف باردو في تونس، الذي أودى بحياة 21 شخصاً، منهم عشرون سائحاً أجنبياً.
ويعد نجاح تنظيم الدولة في تنسيق هجمات متزامنة ودموية بهذا الشكل، في وقت لم يكن أحد يلاحظ فيه وجوده في اليمن، أمرًا مفاجئًا ، ويطرح تساؤلات حول الجهة التي تقف وراء هجوم سابق وقع ضد أكاديمية الشرطة في صنعاء، في السابع من يناير الماضي ولم يتبنه تنظيم القاعدة.
ومن هنا يتضح أن قدرة تنظيم الدولة على شن هجمات مماثلة بكل ما تحتاجه من دعم لوجستي ودراسة واستقطاب للانتحاريين، تعني أن عناصر هذا التنظيم موجودون في صنعاء منذ مدة طويلة، وهو أمر وارد، إذ إن المشاكل الموجودة مثل الفوضى وغياب الأمن سهلت تكوين خلايا إرهابية نشطة.
و أن فرع القاعدة في الجزيرة العربية يعاني صعوبات كثيرة في مواجهة الحوثيين الذين يسيطرون على صنعاء منذ سبتمبر 2014، حيث اضطُر لحصر نشاطه والتركيز على المعارك الدائرة في معاقله في المناطق الجنوبية، وخلف وراءه فراغاً في صنعاء ليترك متطرفين غير منتمين له او لتنظيمات اخرى، يمكن لتنظيم الدولة استقطابهم بسهولة.
كما يمكن أن يكون المقاتلون اليمنيون العائدون من سوريا قد كوّنوا خلايا تابعة لتنظيم الدولة الذين قاتلوا في صفوفه هناك، ولكن هذه الفرضية محدودة التأثير على اعتبار أن عدد المقاتلين اليمنيين في سوريا لا يتجاوز المئة في أقصى الحالات.

أما الفرضية الثالثة التي طرحها بعض اليمنيين، فهي تواطؤ بعض ضباط المخابرات اليمنية مع العناصر الإرهابية بهدف تصفية حسابات سياسية.
ومن الواضح أن هناك أطرافاً داخل تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية، تمارس ضغوطاً من أجل الدفع بالتنظيم لإعلان ولائه لتنظيم الدولة، ويذكّر في هذا السياق قيام مأمون حاتم، وهو أحد كوادر أنصار الشريعة، بالمطالبة بالتقارب مع تنظيم الدولة دون أن يصرح بمبايعته.
وقال تقرير الليموند إن ثمانين في المئة من الهجمات التي تعرض لها الحوثيون منذ سيطرتهم على صنعاء، يقف وراءها تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية، وخاصة خلال المواجهات في منطقة البيضاء في جنوب البلاد. وذكر أن هذا التنظيم يستهدف دائماً الأجانب والقوات الحكومية، مثل ما حصل في هجمات شارلي إيبدو وما يحدث ضد الحوثيين الآن، ولا يهتم بسقوط ضحايا من المدنيين.
ولكن هذا التنظيم في الوقت نفسه لا يستهدف المساجد والأماكن العامة، وهو ملتزم بالتعليمات التي أصدرها زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري في العراق سنة 2004، كرد على اعتماد "أبو مصعب الزرقاوي" على مهاجمة الأماكن العامة، كما أنه لا يحبذ التكفير، ومن المستبعد أن يقوم مثلاً بقتل الأقليات الدينية أو الأشخاص المخالفين له في الرأي.
كما وصف التقرير الهجمات الأخيرة في صنعاء بأنها ضربة موجعة لتنظيم القاعدة، الذي سيحاول أن يثبت أنه ما زال قادراً على التحكم بمقاتليه الذين قد ينشق منهم الكثيرون للالتحاق بالوافد الجديد على اليمن، حيث إن تنظيم القاعدة نجح في السابق في الحفاظ على مكانته من خلال تعاونه مع تنظيم أنصار الشريعة الذي يملك قدرات ميدانية كبيرة، ولكن إذا تتالت هذه الهجمات فإن تنظيم الدولة سيسحب البساط من تحته.
وتوقع التقرير أن هذه الهجمات ستكون لها تأثيرات مهمة على تنظيم القاعدة على المدى القصير والمتوسط، وستطرح تساؤلات داخل التنظيم، وخاصة في صفوف الشباب المتحمسين لتكثيف الهجمات ضد الحوثيين.
كما أن التنظيم يتعرض لمشاكل عديدة بسبب شعور البعض بأن الظواهري لم يتمكن من ملء مكان الزعيم السابق أسامة بن لادن، بالإضافة إلى أن التنظيم يلزم الصمت أمام الانتقادات العديدة التي يتعرض لها، حيث إن آخر خطاب للظواهري يعود لشهر فبراير 2014، في مقابل اعتماد تنظيم الدولة على جهاز إعلامي ضخم وتقنيات عصرية للتواصل مع أنصاره وخصومه.
ويقول التقرير إن قيام تنظيم الدولة بهجمات في اليمن وتونس والجزائر خلال ثلاثة أيام فقط يحقق دعاية كبيرة، ويرد على من يقولون إن قدراته تراجعت، فيما يحاول هو التوسع أكثر.
ومن هنا يعد نجاح التنظيم خلال هذه الفترة دليل اثبات على أنه نجح في خلق طريقة عمل لا مركزية في داخله، من خلال تكوين خلايا غير متصلة بالقيادة المركزية.
أسباب ظهور تنظيم الدولة "داعش" في اليمن:

من اهم الاسباب التي ساعدت على ظهور تنظيم الدولة "داعش" في اليمن أن الميليشيات الحوثية كانت قد بسطت سيطرتها على العاصمة اليمنية منذ سبتمبر الماضي، ودفعت بالرئيس للانتقال إلى عدن في شهر فبراير، وأن القرار السياسي في اليمن أصبح مغيبا في ظل سيطرة العصابات والفصائل المسلحة على البلد، حتى تحول الوضع إلى صراع طائفي بين الميليشيات الشيعية وتنظيم القاعدة في الجزيرة العربية، الجناح الأكبر في تنظيم القاعدة.
وإن الرئيس عبد ربه منصور هادي، الذي وصل إلى السلطة سنة 2012، لم يتمكن أبدا من تطبيق النقاط التي أسفر عنها الحوار الوطني الذي عُقد بعد الثورة الشعبية سنة 2011، التي أطاحت بحكم علي عبد الله صالح الذي استمر منذ 1978.
فقد قامت الميليشيات الحوثية القادمة من الشمال، وبعض قادة الجيش، بإجبار الرئيس الحالي على الاستقالة في يناير، بعد أن قام الحوثيون بمحاصرة القصر الرئاسي.
ورغم ذلك، ما زال المجتمع الدولي يعتبر عبد ربه منصور هادي الرئيس الشرعي للبلاد، بعد أن غير مقر إقامته ليصبح في مدينة عدن الساحلية في جنوب البلاد.
هذا بجانب المعارك التي اندلعت يوم الخميس الماضي 19 مارس 2015 بهدف السيطرة على مطار عدن الدولي، وإجلاء الرئيس نحو مكان آمن بعد أن قامت طائرة عسكرية مجهولة بالتحليق فوق مقر إقامته مرتين، وقد دارت هذه المعارك بين أنصار الرئيس هادي ووحدات من القوات الخاصة تابعة لضابط منشق متحالف مع الحوثيين، هو الجنرال سكاف الذي يقود قوة مكونة من ألف أو ألفي مقاتل مزودين بالأسلحة الثقيلة، وعاد الهدوء ليخيم على المدينة يوم الجمعة بعد أن عززت القوات الموالية للرئيس من تواجدها في الشوارع.
والحوثيون هم أنصار عبد الملك الحوثي المنحدر من شمال اليمن، وتحديدا من محافظة صعدة المحاذية للمملكة العربية السعودية. وهم ينتمون للطائفة الزيدية، وهي فرقة متفرعة عن المذهب الشيعي، حيث توقف اعتقادها عند الإمام الخامس، على خلاف الشيعة الاثني عشرية الذين يؤمنون باثني عشر إماما، ويعيشون خاصة في إيران وجنوب العراق وجنوب لبنان.
ويعتمد تنظيم الحوثيين المسمى بـ"أنصار الله" في كسب أنصاره على حالة الاستياء العام من الاستبداد السياسي والمشكلات الاجتماعية، والشعور بأن الثورة التي أنجزها الشعب سنة 2011 سرقتها الأحزاب. وهو يخوض معاركه بدعوى محاربة أعداء الثورة، وقام في سعيه لتقوية نفوذه بعقد تحالفات مع الرئيس السابق علي عبد صالح الذي لطالما حاربه في جبال صعدة، كما أن الدعم السخي الذي تقدمه إيران للحوثيين أثار قلق الجار السعودي، وأحيا الحساسيات المذهبية في اليمن بين السنة والزيديين، وهو ما أدى لصعود أنصار القاعدة في اليمن والسعودية.
ورغم أن تنظيم القاعدة ازدهر في اليمن خلال سنوات الألفين بالتزامن مع الضربات التي كان يتلقاها في أفغانستان، وهجمات الطائرات بدون طيار الأمريكية التي كان يتعرض لها في منطقة القبائل الباكستانية. وظهر فرع التنظيم رسميا في الجزيرة العربية في سنة 2009 إثر اندماج الفرعين السعودي واليمني. فإن تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية توجه سريعا نحو توسيع نطاق عملياته، حيث اتخذ من اليمن قاعدة خلفية لشن هجماته، ومن أهمها محاولة اغتيال الأمير نايف بهجوم انتحاري شنه يمني يحمل متفجرات، وقيام النيجيري عمر عبد المطلب الذي تدرب في اليمن بمحاولة فاشلة لإسقاط طائرة متجهة من أمستردام إلى دترويت من خلال إضرام النار داخلها في الخامس والعشرين من ديسمبر من نفس السنة.
ومن الملاحظ أن هذا التنظيم استغل الفوضى السياسية التي شهدتها الثورة اليمنية للسيطرة على عدة مناطق في جنوب وشرق البلاد، رغم أن الحكومة الجديدة بقيادة عبد ربه منصور هادي تلقت دعما كبيرا من الولايات المتحدة لمحاربة هذا التنظيم.
ومنذ أن تغلبت الميليشيات الحوثية على الجيش وسيطرت على جزء من اليمن، قام تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية بتبني عدة هجمات ضدها.

ومن جهة أخرى، يوصف تنظيم الدولة بأنه القوة الصاعدة في اليمن، ولاحظ وجود خلافات بين تنظيم الدولة وتنظيم القاعدة الذي بقي وفيا لأيمن الظواهري، خليفة أسامة بن لادن. و إن فرع تنظيم الدولة في اليمن ولد على أنقاض الانشقاقات التي حصلت في صلب تنظيم القاعدة، حيث قامت عدة مجموعات منشقة بإعلان ولائها لأبي بكر البغدادي في الأشهر الماضية، خاصة بعد تزايد الخطر الحوثي.
ومن الجدير بالذكر أن حارث النظاري كان قد ندّد في تسجيل له قبيل وفاته بتكتيكات تنظيم الدولة، لأن هجماته تستهدف الشيعة والمدنيين والمسلحين بدون تفرقة، فيما أكد النظاري أن القاعدة تختار أهدافا محددة من الجيش والميليشيات والأعداء الأيديولوجيين.
مما سبق يتبين أن تنظيم «داعش» يسعى من خلال تبني أول اعتداءاته الكبيرة في اليمن إلى فرض سيطرته في البلد على حساب تنظيم القاعدة، مستفيدًا من حالة الفوضى ومن مشاعر الغضب الشعبي من ممارسات للحوثيين.
ليصبح اليمن على حافة الحرب الأهلية، حيث يسيطر الحوثيون المدعومين من إيران على شماله في حين تسيطر القوات الموالية للرئيس عبدربه منصور هادي على الجنوب.
ففي فبراير الماضي بايع مسلحو القاعدة في محافظتي ذمار وصنعاء زعيم تنظيم «داعش» أبوبكر البغدادي مؤكدين رغبتهم في التصدي للحوثيين.
وقال ماتيو غيدار أستاذ العلوم الاسلامية بجامعة تولوز جنوب فرنسا: "منذ أن سيطرت المليشيات الحوثية على العاصمة وسيطرت على قسم مهم من البلاد فقدت القاعدة مصداقيتها في الدفاع عن القبائل المؤيدة لها"

ومن جانبه اعتبر جان بيار فيليو الأستاذ بمدرسة باريس للشؤون الدولية أن "داعش أرادت بتنفيذ مجزرة صنعاء أن تظهر للقاعدة الجهادية قدرتها على ضرب العدو الذي تتهمه بـ(الهرطقة) بعنف يفوق عنف القاعدة"
وأشار "لدينا الآن مجموعات كاملة من القاعدة تتجه نحو (داعش) ويسعى أنصار البغدادي للفوز بأي ثمن بانضمام القاعدة في اليمن ما يشكل كسبًا معنويًا للتنظيم الذي بات الأخطر والأكثر عنفًا في العالم"
وقال غيدار: إننا نشهد عملية "امتصاص" لقوات القاعدة من قبل تنظيم "داعش"، وأشار إن "اليمن يتجه إلى وضع شبيه بسوريا والعراق مع حرب أهلية ذات طابع طائفي"، وتابع إنه علاوة على ذلك فإن "داعش لم تخف أبدًا رغبتها في توسيع الأراضي التي تسيطر عليها وتتخذ منها مسرحًا لعملياتها"، واليمن يمثل هدفًا سهلًا نظرًا لما يعانيه من حالة الفوضى التي أحدثها الحوثي بعد سيطرته على صنعاء وعدد من المدن والمحافظات.
ويعمل التنظيم على مواصلة استراتيجيته في التوسع وبعد المواقع التي سيطر عليها في العراق وسوريا ومصر وليبيا ونيجيريا مؤخرًا بمبايعة زعيم حركة بوكو حرام بدأ داعش ينمو في اليمن شيئًا فشيئًا.
فهل ينجح تنظيم الدولة "داعش" في إثبات وجوده في اليمن مخلفا نفس الدمار الحادث في العراق وسوريا، وممهدا الطريق في نفس الوقت الى اعادة تقسيم اليمن لمناطق نفوذ طائفية ومذهبية "سنة، وشيعة، وقاعدة، وداعش" ام ان الايام القليلة المقبلة تحمل لنا اخبارا مغايرة لما نتوقعه ويتوقعه الخبراء؟ بأن يستيقظ الضمير الدولي ويقدم حلولا حقيقية لأزمة اليمن.